أبا حسنٍ، أولتْك ذخرَ ودادِها |
قلوبٌ تُنَادي فيكَ فَجَرَ جهادِها |
نأىَ بهواها عنك ماضٍ تشاغلتْ |
مساعيك فيه، مبعداً عن مرادها |
فعادَ بها اليومُ الجديدُ، مشوقةً |
إليك، كما لو كنتَ مأمولَ زادها |
تلاقيكَ بالحبِّ القديمِ، وقد ربا |
ورافد أمواج القوى مِن عِنادها |
وقد كنتَ مرجوَّ المعادِ، ولم تزلْ |
مدار المُنى، في جزِرها وامتدادِها |
فأنتَ اللسانُ الحرُّ، في ظلِ صمْتها |
وأنتَ مثارُ الجمْر، تَحتَ رمادِها |
وأنت هُدى آمالِها في سُهادِها |
ومشرقُ أحلامِ السّنا، في رُقادها |
أما قدتَها في مطلعِ الجيلِ ثائراً |
أطاحَ بغاياتِ الصبى في قِيادها؟ |
فلم تدَّخرْ وسُعاً، ولم تخشَ محنةً |
تصارعُ تيارَ الردى، في سوادها؟ |
فلما تراخَى الصّفُ، وانحلَ عقدُه، |
وهالكَ نومُ النارِ، بَعْدَ اتّقَادِها |
تراجعتَ لا مُستسلماً، بل مُسالماً، |
تُجَمِّعُ أشتات القُوى، لاقْتِيَادِها |
فها أنتَ ملءُ السمعِ، والعينِ، والحِجى |
وبينَ يديْك النارُ ملءُ زنادها |
وقد خَلَفَ الصفُّ الصفوفَ، تطلعت |
إلى قائد، يزجِي عنيف جلادها |
فَكُنْهُ، فما الأمجادُ إلاّ خلودُها |
تطولُ به الأعمارُ، بعدَ نَفادِها |
وقد نصبَ التاريخُ ميزانَ حكمةٍ |
على أمةٍ سامتْكَ شد عمادها |
فكنْ ملتقَى أحرارِها، وعقيدَهم |
وَرُكَن أمانيّها، وصرحَ عتادها |
فهذا بشيرُ الفجرِ، آذنَ بالسّنى |
يَلُفّ ذُرى أعلامِها بِوهادِها |
وقد أينعتْ آمالُنا في حقولِها، |
ولانتْ مساري الجهدِ بَعدْ اشتدادِها |
وَقفنَا حَيَارَى بينَ ماضٍ وحاضرٍ |
فهل نَتَوانى في غدٍ، عَنْ حصادِها؟ |
أبَا العزماتِ البيضِ، لا تتئدْ بها |
فما وأدُ الغاياتِ، مثلُ اتئادِها |
وما فُجِعَتْ بالعسفِ والجهلِ أمةٌ |
كما فُجعتْ أمُّ القرى، في مِهادها |
مضَى العربُ الأحرارُ في كلِّ موطنٍ |
على خطةٍ، لم يأتلُو، في اعتقادِها |
تلاقَى بها الشعثُ المبددُ وحدةً |
حَمَتْ فَبَنَتْ، أمجادها، باتحادها |
وظلتْ على قيدِ المذلةِ، مكةُ |
تغالبُ ديجورَ الأَسى، في انفرادِها |
أبا حسنٍ، إن العواصمَ حولَنا |
أجدّ، سعي جِيادها |
فنحنُ، على ما شئتَ، جُنداً وقائداً |
فمكةُ لم تخلعْ ثيابَ حِدادها |
أبا حسنٍ إن الصفوفَ تألفتْ |
على صوتِك العالي الحبيبِ، فَنَادِها |
وَخُضْ غمراتِ الثأر، إنْ كنتَ فاعلاً |
تفاجئ تماسيحَ الأذى في مصادِها |
فما بعد هذَا اليومِ مَرْقىً لصاعدٍ |
إلى قمةٍ، دانتْ رؤوس صعادها |
ولن تلجَ الأسماعَ، قولةُ زاعمٍ |
ترهدن للغاياتِ، بعد ندادها |
وليسَ وراءَ العُمُرِ للحيّ غايةٌ |
تُطاع دواعي غيّها، أو رَشادها |
أبا حسنٍ إن الجهادَ مواقفٌ |
تواكبُ تياراتِه، في اطّرادها |
وقد عِشتَ ملمومَ الجراحِ على الجَوى |
فهل لكَ في طِب العُلا، لِضمادها؟ |
فإنكَ أهلٌ للذي أنتَ أهلُه |
وما تخلف الأبطال مأثور عادها |
ومثلُك مَنْ أوْفى الجزاءَ لأمةٍ |
رعتْه، فارعتْه، شغافُ فؤادها |
وقد كنتَ مبسوطَ الندى في صلاحِها |
وما زِلتَ مأمولَ الجَوى في فسادِها |
فجاهرِ بمطوي العداءِ خصومها |
فما أنت بالناجِي، إذا لم تعادِها |
أبا حسنٍ ما المجدُ إلاّ انتفاضةٌ |
يسوّف مطموسُ الرؤى في اعتمادِها |
وما يمترِي في عزمهِ غيرُ عاجزٍ |
تطامنَ للأخطارِ خوفَ ارتيادِها |
وأنتَ الشجاعُ الفحلُ عقلاً وأهبةً |
وأفقُ أمانيِّها، وقطبُ احتشادها |
أبا حسنٍ غصّتْ صدورٌ بشجوها |
وعاشتْ على ما لا يَفِي، من ثمادها |
وناءَت بضنكِ العيشِ، والجهدِ، والمدَى |
وسهدِ الليالي، فوقَ خشنِ وسادِها |
تصاولُ بالأقلام تاجاً، ودولة |
فراعتْ، فراعينَ الحِمى، بمدادِها |
ولم تَحْنِ للطغيانِ، هاماً تطاولتْ |
ولا هادنتْهُ عن حقوقِ بلادِها |
فحتَّام تستبقِي مضاءَك صَابِراً |
إلى غايةِ، ملّتْ حديدَ صفادها؟! |
ألستَ أبا أحرارِها، كُلما دَعا |
إلى الثورةِ الحمراءِ، يومَ طِرادها؟ |
ألستَ فَتى البطحاءِ اسْماً، وشارةً |
فأنت فتى بطحائِها في ذيادِها |
كذا أنتَ في ما نرتجِي فيكَ صورةً |
تطالعُنا في قُربها، وبُعادها |
فلا رُزِئتْ أوطارُنا في خيالِها |
ولا انحلّتِ الآمالُ، بعدَ انعقادِها |
أبا حسنٍ آفاقُ مكةَ أظلمتْ |
طويلاً فنوِّرْ في قطوبٍ اربدادِها |
فأنتَ، وقد فدْتَك، أعراقُ جهدها |
خليقٌ بموت الذكر، إنْ لم تُفادها |
وما أنتَ عندي موضع الشكِ هاهنا |
فإنك راعِي سيفِها.. ونجادِها |
وتاللَّه ما آلوْكَ في الحقِ لومةً |
ولو رحتَ مرتاعَ الرضى، بازديادِها |
فنحنُ على حالٍ من الجدِ، لم تدعْ |
لِذي الرأي، رأياً، في التزامِ حيادها |
وفيتُك حَقَّ الودِ، والنصحِ، والوَفا |
وشاطرتُك الضّرّاء عند اشتدادها |
وأقصرتُ في السرّاء عنك تصوّناً |
بنفسٍ، تجلّى كبرُها، في شرادِها |
تذممت في رواد مغناك، أن أرى |
على وجهةٍ، جافيتُها، بانتقادِها |
فليتَ مودَّاتٍ وَهَتْ بنِفَاقها |
فدىً لمودّاتٍ زَهَتْ بكسادها |
مضيتُ بما آثرتُ فيك مبشّراً |
بيومك في أم القرى، ومَعَادِها |
أهزّك بالقولِ المثيرِ، مصوراً |
مشاعر نفسٍ، آمنتْ باعتدادِها |
ولو شئتُ أنْ ألقاكَ بالشعرِ شَاعراً |
عبرتُ بك الأغوارَ دونَ نِجَادها |
وصغتُ أناشيدَ الثناءِ استعارةً |
مدى عمرها المغمور، رَهْنُ افتقادها |
ولكنني في موقفِ الصدقِ، ثائرٌ |
تبدَل مِن زَهْرِ الرُبى بِقِتَادِها |