شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الفَمُ الأول
أبا حسنٍ، أولتْك ذخرَ ودادِها
قلوبٌ تُنَادي فيكَ فَجَرَ جهادِها
نأىَ بهواها عنك ماضٍ تشاغلتْ
مساعيك فيه، مبعداً عن مرادها
فعادَ بها اليومُ الجديدُ، مشوقةً
إليك، كما لو كنتَ مأمولَ زادها
تلاقيكَ بالحبِّ القديمِ، وقد ربا
ورافد أمواج القوى مِن عِنادها
وقد كنتَ مرجوَّ المعادِ، ولم تزلْ
مدار المُنى، في جزِرها وامتدادِها
فأنتَ اللسانُ الحرُّ، في ظلِ صمْتها
وأنتَ مثارُ الجمْر، تَحتَ رمادِها
وأنت هُدى آمالِها في سُهادِها
ومشرقُ أحلامِ السّنا، في رُقادها
أما قدتَها في مطلعِ الجيلِ ثائراً
أطاحَ بغاياتِ الصبى في قِيادها؟
فلم تدَّخرْ وسُعاً، ولم تخشَ محنةً
تصارعُ تيارَ الردى، في سوادها؟
فلما تراخَى الصّفُ، وانحلَ عقدُه،
وهالكَ نومُ النارِ، بَعْدَ اتّقَادِها
تراجعتَ لا مُستسلماً، بل مُسالماً،
تُجَمِّعُ أشتات القُوى، لاقْتِيَادِها
فها أنتَ ملءُ السمعِ، والعينِ، والحِجى
وبينَ يديْك النارُ ملءُ زنادها
وقد خَلَفَ الصفُّ الصفوفَ، تطلعت
إلى قائد، يزجِي عنيف جلادها
فَكُنْهُ، فما الأمجادُ إلاّ خلودُها
تطولُ به الأعمارُ، بعدَ نَفادِها
وقد نصبَ التاريخُ ميزانَ حكمةٍ
على أمةٍ سامتْكَ شد عمادها
فكنْ ملتقَى أحرارِها، وعقيدَهم
وَرُكَن أمانيّها، وصرحَ عتادها
فهذا بشيرُ الفجرِ، آذنَ بالسّنى
يَلُفّ ذُرى أعلامِها بِوهادِها
وقد أينعتْ آمالُنا في حقولِها،
ولانتْ مساري الجهدِ بَعدْ اشتدادِها
وَقفنَا حَيَارَى بينَ ماضٍ وحاضرٍ
فهل نَتَوانى في غدٍ، عَنْ حصادِها؟
أبَا العزماتِ البيضِ، لا تتئدْ بها
فما وأدُ الغاياتِ، مثلُ اتئادِها
وما فُجِعَتْ بالعسفِ والجهلِ أمةٌ
كما فُجعتْ أمُّ القرى، في مِهادها
مضَى العربُ الأحرارُ في كلِّ موطنٍ
على خطةٍ، لم يأتلُو، في اعتقادِها
تلاقَى بها الشعثُ المبددُ وحدةً
حَمَتْ فَبَنَتْ، أمجادها، باتحادها
وظلتْ على قيدِ المذلةِ، مكةُ
تغالبُ ديجورَ الأَسى، في انفرادِها
أبا حسنٍ، إن العواصمَ حولَنا
أجدّ، سعي جِيادها
فنحنُ، على ما شئتَ، جُنداً وقائداً
فمكةُ لم تخلعْ ثيابَ حِدادها
أبا حسنٍ إن الصفوفَ تألفتْ
على صوتِك العالي الحبيبِ، فَنَادِها
وَخُضْ غمراتِ الثأر، إنْ كنتَ فاعلاً
تفاجئ تماسيحَ الأذى في مصادِها
فما بعد هذَا اليومِ مَرْقىً لصاعدٍ
إلى قمةٍ، دانتْ رؤوس صعادها
ولن تلجَ الأسماعَ، قولةُ زاعمٍ
ترهدن للغاياتِ، بعد ندادها
وليسَ وراءَ العُمُرِ للحيّ غايةٌ
تُطاع دواعي غيّها، أو رَشادها
أبا حسنٍ إن الجهادَ مواقفٌ
تواكبُ تياراتِه، في اطّرادها
وقد عِشتَ ملمومَ الجراحِ على الجَوى
فهل لكَ في طِب العُلا، لِضمادها؟
فإنكَ أهلٌ للذي أنتَ أهلُه
وما تخلف الأبطال مأثور عادها
ومثلُك مَنْ أوْفى الجزاءَ لأمةٍ
رعتْه، فارعتْه، شغافُ فؤادها
وقد كنتَ مبسوطَ الندى في صلاحِها
وما زِلتَ مأمولَ الجَوى في فسادِها
فجاهرِ بمطوي العداءِ خصومها
فما أنت بالناجِي، إذا لم تعادِها
أبا حسنٍ ما المجدُ إلاّ انتفاضةٌ
يسوّف مطموسُ الرؤى في اعتمادِها
وما يمترِي في عزمهِ غيرُ عاجزٍ
تطامنَ للأخطارِ خوفَ ارتيادِها
وأنتَ الشجاعُ الفحلُ عقلاً وأهبةً
وأفقُ أمانيِّها، وقطبُ احتشادها
أبا حسنٍ غصّتْ صدورٌ بشجوها
وعاشتْ على ما لا يَفِي، من ثمادها
وناءَت بضنكِ العيشِ، والجهدِ، والمدَى
وسهدِ الليالي، فوقَ خشنِ وسادِها
تصاولُ بالأقلام تاجاً، ودولة
فراعتْ، فراعينَ الحِمى، بمدادِها
ولم تَحْنِ للطغيانِ، هاماً تطاولتْ
ولا هادنتْهُ عن حقوقِ بلادِها
فحتَّام تستبقِي مضاءَك صَابِراً
إلى غايةِ، ملّتْ حديدَ صفادها؟!
ألستَ أبا أحرارِها، كُلما دَعا
إلى الثورةِ الحمراءِ، يومَ طِرادها؟
ألستَ فَتى البطحاءِ اسْماً، وشارةً
فأنت فتى بطحائِها في ذيادِها
كذا أنتَ في ما نرتجِي فيكَ صورةً
تطالعُنا في قُربها، وبُعادها
فلا رُزِئتْ أوطارُنا في خيالِها
ولا انحلّتِ الآمالُ، بعدَ انعقادِها
أبا حسنٍ آفاقُ مكةَ أظلمتْ
طويلاً فنوِّرْ في قطوبٍ اربدادِها
فأنتَ، وقد فدْتَك، أعراقُ جهدها
خليقٌ بموت الذكر، إنْ لم تُفادها
وما أنتَ عندي موضع الشكِ هاهنا
فإنك راعِي سيفِها.. ونجادِها
وتاللَّه ما آلوْكَ في الحقِ لومةً
ولو رحتَ مرتاعَ الرضى، بازديادِها
فنحنُ على حالٍ من الجدِ، لم تدعْ
لِذي الرأي، رأياً، في التزامِ حيادها
وفيتُك حَقَّ الودِ، والنصحِ، والوَفا
وشاطرتُك الضّرّاء عند اشتدادها
وأقصرتُ في السرّاء عنك تصوّناً
بنفسٍ، تجلّى كبرُها، في شرادِها
تذممت في رواد مغناك، أن أرى
على وجهةٍ، جافيتُها، بانتقادِها
فليتَ مودَّاتٍ وَهَتْ بنِفَاقها
فدىً لمودّاتٍ زَهَتْ بكسادها
مضيتُ بما آثرتُ فيك مبشّراً
بيومك في أم القرى، ومَعَادِها
أهزّك بالقولِ المثيرِ، مصوراً
مشاعر نفسٍ، آمنتْ باعتدادِها
ولو شئتُ أنْ ألقاكَ بالشعرِ شَاعراً
عبرتُ بك الأغوارَ دونَ نِجَادها
وصغتُ أناشيدَ الثناءِ استعارةً
مدى عمرها المغمور، رَهْنُ افتقادها
ولكنني في موقفِ الصدقِ، ثائرٌ
تبدَل مِن زَهْرِ الرُبى بِقِتَادِها
الأربعاء 27/8/1958م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :747  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 12 من 169
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.