أقبلتْ هندُ ذاتَ يومٍ صباحاً |
تلطُم الوردَ -من أسى- والأقاحَا |
وَرَنَتْ بالجفونِ مَرضَى صِحاحا |
تحملُ القلبَ خافقاً مُلتاحا |
وبكتْ شَجْوَها أمامَ فريد |
يا حبيبي! وخانَ هندَ الكلامُ |
أينَ يا هندُ تِلْكُمُ الأيامُ |
ذهب اللعب حين جد الغرام |
وانقضى الضحك حين عزّ السلام |
رحِمَ اللَّه ما مضى من عهودٍ |
هندُ، ماذا الزمانُ ساق إلينا؟ |
والِدي حَرّمَ اللقاءَ علينا |
فإذا ما عصيتُه والتقينَا |
بل إذا ما رفعتُ نحوك عَيْنا |
قِيل ما قِيل لي من التهديدِ |
والمصابُ الذي أطارَ صوابي |
وهو عندي يفوقُ كلَّ مُصابِي |
أنّ من جاءَني من الطِلاب |
رُبّ مال شيخ كثير التّصابي |
زاد دروين حجةً في القُرودِ |
ويْحَ عَقْلي قد ضاعَ في أمريْنِ: |
ميلِ قلبي وطاعةِ الأبوينِ |
هو قلبي وطاعةُ الأب عين |
فلأي من ذيْنك الحاكمينِ |
يذعنُ القلبُ راسخاً بقيودِ |
غيرَ أنّي، وَثِقْ بقولِي، سأبْقى |
لك أصْفَى من الدموعِ وأنْقى |
ومضتْ توسع الخُطى وهي تشقَى |
وعلى الخدِ دمعةٌ ليس ترقَى |
ومن الصدر زفرةٌ في صعودِ |
هبّ يوماً حبيبُ هندِ القديمِ |
زائراً هِنداً والفؤادُ جحيمُ |
فتلقتْهُ والمحيا الوسيمُ |
فوقه من دم الجفونِ رسومُ |
ويَداها كقطعةٍ من جليدِ |
هندُ حَسْبي ما قدَّر اللهُ حَسْبي |
أَيَظَلُ الجَفا يُعذِّب قَلْبي |
ومتَى ترحمينَ شدةَ حُبي |
ومتى تغفرينَ يا هندُ ذنبي |
بالشفيعينِ مدمعِي وسجودِي |
خَلِّ هذا وإنْ تكنْ لي صاحبٌ |
وتذكّر شيئاً يُسمَّى الواجبُ |
وأمالتْ عنه الجبينَ الشاحبَ |
ومن الدمعِ ذائب بعد ذائب |
كنضيدِ المرجانِ تلو نضيدِ |
فمضَى قَانعاً وشَدّ الرحالا |
كاسِفاً من فِراق هند بالا |
ورأىَ العالم َالجديدَ مجالاً |
فانتحاهُ يبغِ سلوىً ومالا |
وعلاجاً لنومهِ المفقودِ |
سقطَ الزوجُ، زوجُ هند، عَليلا |
وسَرى الداءُ منه مَسْرى وبِيلا |
فرأتْ هندُ ضَعْفَه والنَّحولا |
فأرتْه على الحُنُو دليلا |
وهي بينَ البكاءِ والتسهيدِ |
أيُّ دمعٍ ولم تَسْلِهِ حبيباً |
أيُّ قلبٍ ولم تُذِبه كئيبا |
غيرَ أن الشفاءَ أعيا الطبيبَا |
فقضَى زوجُها فذابتْ نحيبا |
وأفاضتْ في النّوح والتعديدِ |
وأذاعتْ صحائفُ الأخبارِ |
مصرعَ الزوجِ في أقاصِي الديارِ |
فتلقَى فريدُ خلفَ البحارِ |
نعيَه فامتطَى أشد الجوارِ |
تحتَ داجٍ وفوق بحرٍ شديد |
وأتَى الدارَ، دارَ هندِ، وحيّا |
قصرَ هندٍ فلم يجدْ فيه حَيّا |
ومضَى يرتادُ حَيّاً فحيّاً |
علّ نشراً من إثر هند زكيا |
فيه بعضُ الشفاء للمعمود
(1)
|