شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
يا جارة النيل
أُلْهِمْتِ والحبُّ وحيٌ يومَ لقياك
رسالة الحسنِ فاضت من محيّاكِ
من أَين يا أُفقي السامي طلعت بها
حقيقةً، ما اجتلاها النورُ، لولاك
كات بنفسي -وقد طال المدى- حلماً
فصوَّرتْه لعيني اليومَ، عيناك
لمْ أَشهد الحسن يبدو قبل مولدها...
إِلاّ صناعةَ أَصباغ، وأَشراكِ
حتى برزتِ به، في ظل معجزة
يضاعف الصدقُ معناها، بمعناك
رؤىً سماوية الآفاق، رنّحها
شذى الطلى يتندّى من ثناياك
ونفحة من عبير الغيب ترسلها
للحالمين بسر الغيب، ريّاك
ونغمة من أَغاني الخلد وقّعها
لمهجتي طرفُك الساجي وعطفاك
سما الخيال بها، نشوانَ، منطلقاً
من أَسر دنياه مشغوفاً بدنياك
دنيا الهوى، والمنى، تروي مفاتنها
روافدُ الطُهْرِ شعراً من سجاياك
* * *
يا جارة النيل ما فاضت شواطئه
سكراً وعربد، إِلاّ من حميّاك
ولا استهل شراع فوق صفحته
مغالباً وجده، إِلاّ ليلقاك
ولا سرت عبرَ مجراه، نسائمه
إِلاّ لتلثم -في صمت الدجى- فاك
ولا تنفس فجر، في خمائله
إلاّ ليملأَ عينيه بمرآك
والبدر ما زهدت عيناه في سِنةٍ
وجاب آفاقه، إِلاّ ليرعاك
وما شدت بذرى أَيكٍ بلابله
إِلا لتنعم بالتغريد أُذناك
* * *
يا منحة النيل، يا أَحلى روائعه
هل أَنت من سحره؟ أَم قد تبنّاك
وهل ترعرعت طفلاً في معابده
أَم كاهن في رُبى سيناءَ ربّاك؟
أَم كنت لؤلؤة في يمِّه سحرت
فضاحك اليم مخلوقاً وأَنشاك؟
أَم أَنت حورية ضاقت بموطنها
فهاجرته صنيع المضنك الباكي؟
أَم أَنت روح ملاكٍ، حل في امرأةٍ
فخافك الملأُ الأَعلى، فأَقصاك؟
فضمك النيل -في رفق- فَهِمْتِ به
حباً، ووثقت نجواه، بنجواك؟
أَم أَنت أُسطورة قامت بفكرته
تحولت غادة، لما تمنّاك؟
أَم أَنت من كَرْمِ باخوسٍ معتقةٌ
قد انتفضتِ حياةً، حين صفَّاك؟
بل أَنت من كل هذا جوهر عجب
قضى، فقدّرك الباري، وسوّاك..
* * *
يا فرحة النيل، يا أَعياد شاطئه
يا زهر واديه، يا فردوسه الزاكي
يا ذخر ماضيه، من فن وعاطفة
قيَّدته بهما، لما تصبَّاك
فأَنت رهن حماه فتنة وهوًى
لكنه بهواه رهن يمناك
جمعتما السحر -أَسباباً- فأَيُّكما
في هول قدرته المحكيّ والحاكي؟!
كانت ضحاياه في الماضي عرائسه
فهالني أَن أَراه من ضحاياك
* * *
يا سرَّهُ المنطوي، في صمت عزلته
هل ضاق فيك بما عانى، فأَفشاك؟
عاطيته بصباك الغض، مترعة
له كؤوس الهوى -صفواً- وعاطاك
فشاقه الكشف عن أَغلى "نفائسه"
في عالم السحر -مزهواً- فزكّاك
أَسكرته، فاستجابت أَريحيته..
فكنت منّته للفن أَسداك
وطالما وهب السكران مبتدراً
أَسمى ذخائره، في غير إِدراك
* * *
يا "بنت آمون" هات السحر معتصراً
من كرم حسنك، يُذْهل من تحدّاك
سحراً بعثت به قلبي الذي سكنت..
أَنباضه، فاستوى حياً، وحيَّاك
فالسحر قبلك، قد غاضت موارده
حتى تكشف عن نبعيه جفناك
* * *
يا أَنت، يا نبع أَحلامي وملهمتي
سر الجمال، تجلّى، في مزاياك
يا هاتفاً من ضمير الغيب أَشرق في
قلبي بدعوته شمساً، فلبَّاك
ما النيل، ما غيده؟ ما الشط مزدهياً
بهن؟ -إِلاّ إِطار حول مغناك
لو يسأَل الدهر عن فتَّانة بلغت
حد الكمال -لما استثنى- وسمَّاك
* * *
يا فجر، يا بدر، يا زهر المنى ابتسمت
يا خمر، يا جمر، في إِحساسيَ الذاكي
ما كنت قبلك إِلاّ صادحاً صمتت
به الهموم، فلما لُحْتِ غنّاك
أَريته الشعر لحظاً رائعاً، وفماً
سقاهما، من معين السحر خداك
ومسرحاً، من ملاهي الحور، راعشة
أَضواؤه يتبارى فيه نهداك
ففاض بالشعر، إِن يبدع به صوراً
فإِنما هو بالتعبير حاكاك
يا "شمس بولاق" ما أَحناك مُطفِئة
غليل عاطفتي الحرّي، وأَنداك
أَنرت ليل حياتي، وأَطلعتِ على
قلبٍ تفجّر نوراً، مذ تلقّاك
فإِن وهبْتُكِ روحي كنت واهبتي
سعادتي، فهما من فيض جدواك
وحسب صنعك إِجلالاً لروعته...
أَن لا يثيبك من بالروح فدَّاك
* * *
يا "شمس بولاق"، يا ينبوع فتنتها
يا بسمة أَشرقت، في مقلة الباكي
عجبت فيك -وأَسباب الهوى- قدر
لا يحتمي أَعزل منه، ولا شاكي..
الحب قلبان، في مسراهما التقيا..
فكيف أَلزمني قيدي، وخلاَّك؟
وفيم أَنفذ في قلبي إِرادته..
وقادني لمصيري، إِذ تحاماك؟
لم يعطني منك إِلاّ الحسن همت به
حتى استردّك -غيراناً- وحاباك
وأَين قلبك؟ لم أَسمع لخفقته
صدىً، أَلم يَعْنِهِ أَني معنَّاك؟
وأَين عطفك من عانٍ غدرت به؟
تاللَّه ما اختار أَن يشقى فيهواك
وإِنما كان منساقاً لغايته..
رمى به القدر الساري، فوافاك
فضلّ في تيهك المرهوب، معتسفاً
لم ينجه منك إِحجام، وأَنجاك
ساقيته النظرة الأُولى وعود منًى
ضاءَت ببسمتك النشوى، وساقاك
فكنت كأسَ الطلى، تغتال شاربها
وما أَرى أَن عقباها كعقباك
فأَنت أَعنف منها وطأَةً بحجًى
وأَنت أَقسى خُمَاراً.. في أَساراك
وأَنت أَروى، وأَدوى، للذي لعبت
به مراشفك الظمأَى.. فوالاك
* * *
لمن هواكِ؟ لمن نجواكِ؟ ظامئة
لمن حنينك يمشي في حناياك؟
أَثم قلب سوى قلبي المعذب في
هواك، أَغريته حباً، وأَغراك؟
فإِن في وجهك الضاحي ظلال هوى
مخضوبة بالأَسى المطوي، يغشاك
هل أَنت عاشقة ضاقت بغايتها
حيرانة بين أَزهار وأَشواك؟
أَم أَنت مهجورة أَضناك ذو صلف
أَسعدته، فارتضى أُخرى وأَشقاك؟
أَم أَنت عابثة تلهو بطالبها
وما أَنا غير مفتون بمرآك؟
أَم أَنت بالمثل العليا مولهة
رأَيت واقعها زيفاً فآساك؟
فإِنها قصة الأَحياءِ من قدم
تمثلت في شياطين، وأَملاك
وإِنه واقع الدنيا، وسيرتها
تحيّرا بين فُجَّار.. ونُسّاك
والشر قانونها في كل معترك
وربما اخترته ثأَراً فأَضراك
فإِن فيك -على ما فيك- من دعة
ضراوة الفتك لم يستره برداك
بُوْحي، ولا تكتمي السر الدفين فقد
وشى به لحظك الآسي، لمضناك
فقد تعثر مفجوعاً بمطلبه
يفي من يحب، وبلواه، كبلواك
بيني وبينك عهد -ما حفلت به-
يا لي من الحب أَشجاني وأَشجاك
وقد يؤلف بين اثنين حزنهما
وربما باح محزون، فواساك
* * *
يا بنت حواءَ هل بالدَنِ باقية
تغني، فيشربها، من ليس ينساك؟
مَن لي بليلِكِ في المصطاف سامرةً
والبدرُ والبحرُ فيه، مِنْ نداماكِ
وأَنتِ أَفتَنُ ما فيه، وأَبعثُه
للوَجدِ، في كل ذي حِسٍّ تمَلاَّكِ
فقد حَملتُ عليل الوجد مرتقباً
نعماك وداً، فلم أَظفر بنعماك
أَظمأَتني وصرفتِ الكأسَ ظالمةً
عني، بثغرٍ على الحالين ضحّاك
أَكلما ساءَ ظني فيكِ، واندلعت
نارُ الشكوك بقلبي، في نواياك
بدا بعينيك -في ظل الأَسى- قبسٌ
من الحنانِ، فأَرجوهُ، وأَخشاك
وأَيَّ حاليك أَرجو، والطريق دجى
غشاهمَا بظلام اليأْسِ، حالاك
شرقتُ فيك بدمعي، وانطويت على
نزف الجراح بقلبي، وهو مأَواك
أَنّى اتجهتُ بعيني لم أَجد فرحاً
في هواك، ولا سلوى، فرحماك
أَلا أَراك؟ أَلا أَصغي إِليك؟ أَلا
أَصوغ فيك عُلالاتي لأَلقاك
لم يلهني عنك، ما في مصر من أَرب
فمن نأَى بك عن حبي، وأَلهاك؟
* * *
يا بنت حواءَ إِن أَبعدتِ غادرةً
وَافَى الخيالُ -على بعدٍ- فأَدناك
وما الخيالُ بمغنٍ عنك نائيةً
لكنها نفثة المحرور ناداك
طامنتُ من كبريائي فيك، فَاحتكمي
فالحبُّ أَرخصَ من قدري، وأَغلاك
أَنت الحياة بلونيها محببةً...
فما أَرقَّكَ في نفسي... وأَقساك
فليت لي منك بالدنيا، وما وسعت
يوماً -يجود به للوصل مسراك
يوماً هو العمرُ، والآمالُ، ليس به
إِلاّ الكؤوس، وأَشعاري، وإِلاّك
إِني بما شئت بي يا فتنتي، أَملٌ
في ظل مأَساتهِ.. يحيا لذكراك
ما كنت يا قدري العاتي، سوى امرأَةٍ
ممن مررن بقلبي، لو توقّاك
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1379  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 59 من 169
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.