أُلْهِمْتِ والحبُّ وحيٌ يومَ لقياك |
رسالة الحسنِ فاضت من محيّاكِ |
من أَين يا أُفقي السامي طلعت بها |
حقيقةً، ما اجتلاها النورُ، لولاك |
كات بنفسي -وقد طال المدى- حلماً |
فصوَّرتْه لعيني اليومَ، عيناك |
لمْ أَشهد الحسن يبدو قبل مولدها... |
إِلاّ صناعةَ أَصباغ، وأَشراكِ |
حتى برزتِ به، في ظل معجزة |
يضاعف الصدقُ معناها، بمعناك |
رؤىً سماوية الآفاق، رنّحها |
شذى الطلى يتندّى من ثناياك |
ونفحة من عبير الغيب ترسلها |
للحالمين بسر الغيب، ريّاك |
ونغمة من أَغاني الخلد وقّعها |
لمهجتي طرفُك الساجي وعطفاك |
سما الخيال بها، نشوانَ، منطلقاً |
من أَسر دنياه مشغوفاً بدنياك |
دنيا الهوى، والمنى، تروي مفاتنها |
روافدُ الطُهْرِ شعراً من سجاياك |
* * * |
يا جارة النيل ما فاضت شواطئه |
سكراً وعربد، إِلاّ من حميّاك |
ولا استهل شراع فوق صفحته |
مغالباً وجده، إِلاّ ليلقاك |
ولا سرت عبرَ مجراه، نسائمه |
إِلاّ لتلثم -في صمت الدجى- فاك |
ولا تنفس فجر، في خمائله |
إلاّ ليملأَ عينيه بمرآك |
والبدر ما زهدت عيناه في سِنةٍ |
وجاب آفاقه، إِلاّ ليرعاك |
وما شدت بذرى أَيكٍ بلابله |
إِلا لتنعم بالتغريد أُذناك |
* * * |
يا منحة النيل، يا أَحلى روائعه |
هل أَنت من سحره؟ أَم قد تبنّاك |
وهل ترعرعت طفلاً في معابده |
أَم كاهن في رُبى سيناءَ ربّاك؟ |
أَم كنت لؤلؤة في يمِّه سحرت |
فضاحك اليم مخلوقاً وأَنشاك؟ |
أَم أَنت حورية ضاقت بموطنها |
فهاجرته صنيع المضنك الباكي؟ |
أَم أَنت روح ملاكٍ، حل في امرأةٍ |
فخافك الملأُ الأَعلى، فأَقصاك؟ |
فضمك النيل -في رفق- فَهِمْتِ به |
حباً، ووثقت نجواه، بنجواك؟ |
أَم أَنت أُسطورة قامت بفكرته |
تحولت غادة، لما تمنّاك؟ |
أَم أَنت من كَرْمِ باخوسٍ معتقةٌ |
قد انتفضتِ حياةً، حين صفَّاك؟ |
بل أَنت من كل هذا جوهر عجب |
قضى، فقدّرك الباري، وسوّاك.. |
* * * |
يا فرحة النيل، يا أَعياد شاطئه |
يا زهر واديه، يا فردوسه الزاكي |
يا ذخر ماضيه، من فن وعاطفة |
قيَّدته بهما، لما تصبَّاك |
فأَنت رهن حماه فتنة وهوًى |
لكنه بهواه رهن يمناك |
جمعتما السحر -أَسباباً- فأَيُّكما |
في هول قدرته المحكيّ والحاكي؟! |
كانت ضحاياه في الماضي عرائسه |
فهالني أَن أَراه من ضحاياك |
* * * |
يا سرَّهُ المنطوي، في صمت عزلته |
هل ضاق فيك بما عانى، فأَفشاك؟ |
عاطيته بصباك الغض، مترعة |
له كؤوس الهوى -صفواً- وعاطاك |
فشاقه الكشف عن أَغلى "نفائسه" |
في عالم السحر -مزهواً- فزكّاك |
أَسكرته، فاستجابت أَريحيته.. |
فكنت منّته للفن أَسداك |
وطالما وهب السكران مبتدراً |
أَسمى ذخائره، في غير إِدراك |
* * * |
يا "بنت آمون" هات السحر معتصراً |
من كرم حسنك، يُذْهل من تحدّاك |
سحراً بعثت به قلبي الذي سكنت.. |
أَنباضه، فاستوى حياً، وحيَّاك |
فالسحر قبلك، قد غاضت موارده |
حتى تكشف عن نبعيه جفناك |
* * * |
يا أَنت، يا نبع أَحلامي وملهمتي |
سر الجمال، تجلّى، في مزاياك |
يا هاتفاً من ضمير الغيب أَشرق في |
قلبي بدعوته شمساً، فلبَّاك |
ما النيل، ما غيده؟ ما الشط مزدهياً |
بهن؟ -إِلاّ إِطار حول مغناك |
لو يسأَل الدهر عن فتَّانة بلغت |
حد الكمال -لما استثنى- وسمَّاك |
* * * |
يا فجر، يا بدر، يا زهر المنى ابتسمت |
يا خمر، يا جمر، في إِحساسيَ الذاكي |
ما كنت قبلك إِلاّ صادحاً صمتت |
به الهموم، فلما لُحْتِ غنّاك |
أَريته الشعر لحظاً رائعاً، وفماً |
سقاهما، من معين السحر خداك |
ومسرحاً، من ملاهي الحور، راعشة |
أَضواؤه يتبارى فيه نهداك |
ففاض بالشعر، إِن يبدع به صوراً |
فإِنما هو بالتعبير حاكاك |
يا "شمس بولاق" ما أَحناك مُطفِئة |
غليل عاطفتي الحرّي، وأَنداك |
أَنرت ليل حياتي، وأَطلعتِ على |
قلبٍ تفجّر نوراً، مذ تلقّاك |
فإِن وهبْتُكِ روحي كنت واهبتي |
سعادتي، فهما من فيض جدواك |
وحسب صنعك إِجلالاً لروعته... |
أَن لا يثيبك من بالروح فدَّاك |
* * * |
يا "شمس بولاق"، يا ينبوع فتنتها |
يا بسمة أَشرقت، في مقلة الباكي |
عجبت فيك -وأَسباب الهوى- قدر |
لا يحتمي أَعزل منه، ولا شاكي.. |
الحب قلبان، في مسراهما التقيا.. |
فكيف أَلزمني قيدي، وخلاَّك؟ |
وفيم أَنفذ في قلبي إِرادته.. |
وقادني لمصيري، إِذ تحاماك؟ |
لم يعطني منك إِلاّ الحسن همت به |
حتى استردّك -غيراناً- وحاباك |
وأَين قلبك؟ لم أَسمع لخفقته |
صدىً، أَلم يَعْنِهِ أَني معنَّاك؟ |
وأَين عطفك من عانٍ غدرت به؟ |
تاللَّه ما اختار أَن يشقى فيهواك |
وإِنما كان منساقاً لغايته.. |
رمى به القدر الساري، فوافاك |
فضلّ في تيهك المرهوب، معتسفاً |
لم ينجه منك إِحجام، وأَنجاك |
ساقيته النظرة الأُولى وعود منًى |
ضاءَت ببسمتك النشوى، وساقاك |
فكنت كأسَ الطلى، تغتال شاربها |
وما أَرى أَن عقباها كعقباك |
فأَنت أَعنف منها وطأَةً بحجًى |
وأَنت أَقسى خُمَاراً.. في أَساراك |
وأَنت أَروى، وأَدوى، للذي لعبت |
به مراشفك الظمأَى.. فوالاك |
* * * |
لمن هواكِ؟ لمن نجواكِ؟ ظامئة |
لمن حنينك يمشي في حناياك؟ |
أَثم قلب سوى قلبي المعذب في |
هواك، أَغريته حباً، وأَغراك؟ |
فإِن في وجهك الضاحي ظلال هوى |
مخضوبة بالأَسى المطوي، يغشاك |
هل أَنت عاشقة ضاقت بغايتها |
حيرانة بين أَزهار وأَشواك؟ |
أَم أَنت مهجورة أَضناك ذو صلف |
أَسعدته، فارتضى أُخرى وأَشقاك؟ |
أَم أَنت عابثة تلهو بطالبها |
وما أَنا غير مفتون بمرآك؟ |
أَم أَنت بالمثل العليا مولهة |
رأَيت واقعها زيفاً فآساك؟ |
فإِنها قصة الأَحياءِ من قدم |
تمثلت في شياطين، وأَملاك |
وإِنه واقع الدنيا، وسيرتها |
تحيّرا بين فُجَّار.. ونُسّاك |
والشر قانونها في كل معترك |
وربما اخترته ثأَراً فأَضراك |
فإِن فيك -على ما فيك- من دعة |
ضراوة الفتك لم يستره برداك |
بُوْحي، ولا تكتمي السر الدفين فقد |
وشى به لحظك الآسي، لمضناك |
فقد تعثر مفجوعاً بمطلبه |
يفي من يحب، وبلواه، كبلواك |
بيني وبينك عهد -ما حفلت به- |
يا لي من الحب أَشجاني وأَشجاك |
وقد يؤلف بين اثنين حزنهما |
وربما باح محزون، فواساك |
* * * |
يا بنت حواءَ هل بالدَنِ باقية |
تغني، فيشربها، من ليس ينساك؟ |
مَن لي بليلِكِ في المصطاف سامرةً |
والبدرُ والبحرُ فيه، مِنْ نداماكِ |
وأَنتِ أَفتَنُ ما فيه، وأَبعثُه |
للوَجدِ، في كل ذي حِسٍّ تمَلاَّكِ |
فقد حَملتُ عليل الوجد مرتقباً |
نعماك وداً، فلم أَظفر بنعماك |
أَظمأَتني وصرفتِ الكأسَ ظالمةً |
عني، بثغرٍ على الحالين ضحّاك |
أَكلما ساءَ ظني فيكِ، واندلعت |
نارُ الشكوك بقلبي، في نواياك |
بدا بعينيك -في ظل الأَسى- قبسٌ |
من الحنانِ، فأَرجوهُ، وأَخشاك |
وأَيَّ حاليك أَرجو، والطريق دجى |
غشاهمَا بظلام اليأْسِ، حالاك |
شرقتُ فيك بدمعي، وانطويت على |
نزف الجراح بقلبي، وهو مأَواك |
أَنّى اتجهتُ بعيني لم أَجد فرحاً |
في هواك، ولا سلوى، فرحماك |
أَلا أَراك؟ أَلا أَصغي إِليك؟ أَلا |
أَصوغ فيك عُلالاتي لأَلقاك |
لم يلهني عنك، ما في مصر من أَرب |
فمن نأَى بك عن حبي، وأَلهاك؟ |
* * * |
يا بنت حواءَ إِن أَبعدتِ غادرةً |
وَافَى الخيالُ -على بعدٍ- فأَدناك |
وما الخيالُ بمغنٍ عنك نائيةً |
لكنها نفثة المحرور ناداك |
طامنتُ من كبريائي فيك، فَاحتكمي |
فالحبُّ أَرخصَ من قدري، وأَغلاك |
أَنت الحياة بلونيها محببةً... |
فما أَرقَّكَ في نفسي... وأَقساك |
فليت لي منك بالدنيا، وما وسعت |
يوماً -يجود به للوصل مسراك |
يوماً هو العمرُ، والآمالُ، ليس به |
إِلاّ الكؤوس، وأَشعاري، وإِلاّك |
إِني بما شئت بي يا فتنتي، أَملٌ |
في ظل مأَساتهِ.. يحيا لذكراك |
ما كنت يا قدري العاتي، سوى امرأَةٍ |
ممن مررن بقلبي، لو توقّاك |