شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الليل والشاعر
مبدأ النزاع بين الخير والشر قديم داهم، ما تهدأ ناره، والنفس الإنسانية ميدانه المزدحم بالضحايا.
وهذه خواطرُ ونظراتٌ شتَّى في الليل، تمثِّل صورةً من صور الصِّراع بين حقائق النَّفس، وحقائق الدُّنيا -كما هي- أو بين الواقع والواجب، فإذا أوشك العقل أن يَزِلَّ، قادته بصيرة الدِّين الثاقبة إلى الطمأنينة والاستقرار.
(الناظم)
يا شاعرَ الكَونِ، وفنَّانَه
وعبقرياً، صاغ ألحانَه!
وعاشِقاً، أوطأه قلبُه
مَخاطرَ الحبِّ ونيرانَه!
جافَى الهوى، لا خائباً عندَه
وإنَّما أنكَرَ ميزانَه
لم يَسأمِ الحُسنَ، ولا وَحيَه
ولا اجتَوى الحبَّ وأشجانَه
لكنَّه، والطُّهرُ مأمولُهُ
عافَ دَناياهُ وأدرانَه
يا صامِتاً، يَشكو إلى نفسِه
آلامَ بَلواه، وأحزانَه!
يَرى ويُصغي مُطرقاً واعياً
لا تخطئُ الهَمسةُ أُرغانَه (1)
سهرانُ -والعالَمُ في حِضنه
غافٍ -يَعقُّ النَّومُ أجفانَه (2)
هل غابَ آسيهِ (3) ؟ وما خَطبُه؟
وهل أضَلَّ الأينُ نُدمانَه؟
* * *
يا ليلُ، يا رمزَ الغِنَى والجَوى
يا ظامئاً، جانَب غُدرانَه!
مَورِدُك الحافلُ يُطفِي الظَّما
يَغبِطُ وُرَّادُك جيرانَه
وأنتَ تأباه؟ فيا لِلغِنى
يختارُ من دُنياه قِنعانَه!
* * *
يا فيلسوفاً، أصغَرَت نفسُه
مناعِمَ العيشِ وألوانَه!
قد سايَرَ الماضِي وأحداثَه
فكَرِهَ الآتِي وبُهتانَه
ورافقَ النَّاسَ وأهواءَهم
فعادَ وارِي القلبِ غَصّانَه
أنكَرَ، ما أنكرَ مِن شأنِه؟
حتَّى جَفا الدُّنيا وخُلاّنَه؟
هل خَبُثُوا؟ فالطِّينُ أصلٌ لهم
نعرِفُ في الأفعالِ بُرهانَه
* * *
يا آسياً (4) ، ضاقَ بأوجاعِهِ
ومُسعِداً آثَرَ حِرمانَه!
كم ساخطٍ زايَلَه رشدُه
مُستَيئساً أسكَنتَ بُحرانَه (5)
ومُوجَعٍ مُتَّقِدٍ قلبُه
مَضاضَةً، أطفأتَ بركانَه
وبائسٍ، ناداكَ، لبَّيتَه
والصَّبرُ -وَيحَ الصَّبرِ- قد خانَه (6)
لا بِنَعيمِ العيشِ، بل بالرِّضى
.. بل بالرِّضى حقَّق غُنيانَه (7)
وعاشقٍ يخفِقُ في صدرِه
قلبٌ يهُدُّ الوَجدُ أركانَه
بادرتَه بالهاجر المرتَجَى
.. في أملٍ آنَسَ وُجدانه
وأمِّ طفلٍ -أنَّ في حِجرِِها
تُحِسُّ كالأسهُمِ إرنانَه (8)
تَرأمُهُ.. تَلحَظُ أنفاسَه
مذعورةً.. تَرهَبُ فِقدانَه (9)
أهديتَه النَّومَ رفيقاً به
فقَرَّ ساجي الطَّرفِ وَسنانَه
* * *
يا ليلُ، يا ليلَ الهَوى والرُّؤَى
يا مُلتَقى الفنِّ وديوانَه!
ويا شعاعَ السِّحرِ، يا نبعَه
ومِشعلَ الفكرِ ورُبَّانَه!
يا نافثَ الفِتنةِ رفّافَةً
وعَبقَرَ الشِّعر ودِهقانَه! (10)
تُلَقِّنُ المُطرِبَ ألحانَه
وتُلهِمُ الشَّاعرَ أوزانَه
وِشاحُك الأسودُ مُلقٍ على
الدُّنيا رؤى الحُسنِ وأفنانَه
* * *
سامَرتَ (أوتيربَ) على عُودِها
تَسكبُ في أُذنَيكَ تَحنانَه (11)
ألقَت (أراتوسُ) على وَقعِه
من شِعرِها البارعِ فَتَّانَه (12)
يَنسى (كيوبيدُ) له قوسَه
ويزدَري (فويبوسُ) شيطانَه (13)
كأنّه بين يدَيها، إذا
تَداوَل (المِضرابُ) (دُوزانَه) (14)
فانطَلقَت أوتارهُ، نافِثاً
من شَجوِه ما مَلَّ كِتمانَه
مزمارُ داود، وقد رجَّعَت
مواطنُ الإحساسِ إحسانَه
* * *
يا ليلُ، يا قائدَ جيشِ الدُّجى
يا بطلاً، خلَّدَ فُرسانَه!
ومعجِزاً، يَنهضُ، ما حاولَت
أفهامُ حسّادِك نُكرانَه
وآيةً لله، فيها يَدٌ
بيضاءُ، جلَّ اللهُ سُبحانَه!
ويا حليماً، جاعِلاً سيفَه
أخلاقَه الغُرَّ وإيمانَه!
يا فاتِكاً مَلَّ، على قُوَّةٍ،
ضَراوةَ الفتكِ ونِشدانَه!
وراعياً أضَنكهُ جَهدُه
فناءَ ما يَحفِل قُطعانَه!
في صمتِك الموهوبِ، في سطوِهِ
ما أخجلَ البحر!.. وشُطآنه!
خالَكَ معنَى الشَّرِ أو رمزَه
(ماني)، فاستنفرَ أعوانَه (15)
وثار يُزجي حِقدَهُ ضَعفُه
وتُعلِنُ الغَيرةُ عِصيانَه
وأنتَ لم تَعبأ له مُقبِلاً
أو مُدبراً، مُحتَقِِراً شانَه
حتَّى إذا مَدَّ له جهلُه
مطامعَ الوهمِ وأرسانَه
أعلنتَ من سِرِّكَ ما هالَه
فارتدَّ ما كابَر إمكانَه
تسخَرُ مما نالَه نفسُه
به، فستضحكُ أقرانَه
قسوتَ، يا ليلُ، على مُثخَنٍ
أدبَر، خابِي العَزمِ، وَهنانَه (16)
يَقبَعُ في عُزلَتِه مُعوِلاً
أو لاغباً، يَجتَرُّ أضغانَه (17)
ردَّدَ في أُذنَيه هَمسَ الدُّجى
والخوفُ قد زعزَع جُثمانَه
اللَّيلُ.. إنَّ اللَّيلَ مُرُّ السَّطا
يَحمِي رهيبُ الهَولِ مَيدانَه (18)
* * *
يا ليلُ، يا ناسِكَ هذا الدُّجى
وزاهداً ودَّع أوطانَه!
معتزِلاً دُنياه في وَحَشةٍ
عُمرُكَ، ما قضَّيت رَيعانَه
وتَسأمُ العيش، فيا لِلأسى!
نَقرأُ في صَمتِكَ عنوانَه
* * *
يا ليلُ، هذا سرمَدٌ، ما يَنِي
يُغِذُّ، ما يُمهِلُ رُكبانَه
الأبدُ المُمعِنُ في سَيرِه
متى تُرى يَقطَعُ أشطانَه؟
والفلَكُ الدوَّار مستيقظاً
هل سئمَت عيناه شُهبانَه؟
ونحن أسرى عالَمٍ دائِبٍ
نائمهُ أشبَهَ يَقظانَه
فمَن تُرى يَمطُله دَينَه؟
أو مَن تُرى يَخلَع سُلطانَه؟
فانهَض بأعبائِك ذا قوَّةٍ
ودَع لِنجوى الضَّعف رُهبانَه
ولتكنِ الدنيا على قُبحِها،
حُسناً يوارِي العقلُ نُقصانَه
فرُبَّ نَقصٍ في جَمالٍ غدا
نَشيدُهُ الحبّ ولُقيانَه
فاضَ بها الحُسنُ، وطابَ الهوى
وأيَّدَت نَجواه إعلانَه
والنَّقصُ في الكَونِ كَمالٌ له
يَحدو إلى الغاية أظعانَه
يا ليلُ، هل يغفلُ عنك الورى
نكرانَك العيشَ وهِجرانَه؟
كلا! فهذا عالَمٌ جاحِدٌ
مَدِينُه يَمطُلُ دَيانَه (19)
يا ليلُ، هذا عالَمٌ ثائرٌ
وأثبَ فيه إنسُه جانَه!
يا ليلُ، هذا عالَمٌ أهوَجٌ
بَيدَقُه طاوَلَ فِرزانَه (20)
يا ليلُ، هذا عالَمٌ سادِرٌ
رَشيدهُ صاحَبَ غَيّانَه!
ضعيفُه مفترِسٌ جهرَةً
حاكَت يدُ الطُّغيانِ أكفانَه
يا ليلُ، ما غِشيانُنا عالَماً
كاسيهِ لا يرحَمُ عُريانَه؟
عالَمنا -يا ليلُ- ذو قَسْوةٍ
راويهِ ما يَعبَأُ ظَمآنَه!
يا ليلُ، لن نأمنَ في عالَمٍ
شَبعانُه سَخَّر جَوعانَه!
إن طَلَب الحقَّ به فاضِلٌ
هدَّ عُرامُ الظُّلمِ بُنيانَه
أو طامَنَ الحُرُّ به نفسَه
أباحَ للطّاغين إهوانَه
والأعزلُ المدلِجُ نَهبُ القَنا
فيه، وإن سالمَ عُقبانَه
يا ليلُ، دنياكَ سِمامُ الحِجى
أضلَّ فيه الرّوحُ سُلوانَه!
الفَتكُ فيها سنَّةٌ تُقتَفى
والفَوزُ للمُقحِم عُدوانَه
فاسبق إلى الفتكِ بمن خِفتَه
تَرُدُّ على الظَّالم طغيانَه
واحمِل على الآمنِ في سِربه
إن لم يكن لاقِيكَ.. أوكانَه
فالعيشُ حرب، سادَ فيها الهَوى
وأسلَمَ النَّاظرُ إنسانَه
يا ليلُ.. لا، فالدِّينُ فوق الحِجى
فَليُعلِنِ الثَّائرُ إذعانَه!
بَصيرةُ الدِّين، وهل غَيرُها
رَدَّ على الحائِرِ إيقانَه
تقودُنا للخيرِ في حِكمةٍ
تَروِي لهيفَ القلبِ حَرّانَه
جَلَّ عُلا اللهِ، وقَرَّت به
ضمائرٌ تُلهِم عِرفانَه
فتُؤثِرُ الخيرَ على ضدِّه
وتستميحُ الله غُفرانَه
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :739  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 44 من 169
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج