شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الأستاذ أحمد عبد المعطي حجازي))
أوجه حديثي للسيدات الغائبات عنا، وللسادة الحاضرين، الغائبات الحاضرات نعم، وأخشى ما أخشاه في هذا اللقاء أن أتلعثم، لأني أجد نفسي محاطاً بهذا الحب الذي أستشعره وأحسه، لا أريد أن أقول إني لم أكن أتوقعه، لأني أيضاً محب، وأظن أننا قادرون جميعاً على أن نلق الحب بالحب، إذا كان علي أن أتحدث عن نفسي، فأنا أصدقكم القول إني لا أستطيع أن أقول عن نفسي ما سمعته اليوم، ليس فقط لأن العبارات صادقة، من حيث تعبيرها عن قائلها، بصرف النظر عن أن تكون صادقة من حيث انطباقها على المحتفى به، يصح جداً أن يكون في هذه الكلمات البديعة شيء من المجاملة وهو مقبول، ولكن جمال الكلام دليل على صدقه، والكذب لابد أن يقع فيه الخطأ، وماذا أقول أكثر مما قيل عن نفسي، أنا مدين دائماً لمن عرفتهم في حياتي، كما أنا مدين لكم الآن، لا أستطيع وأريد أن أبالغ، ولا أريد أن أستطرد في المجاملة، نحن في حاجة إلى المجاملة، لأننا في حاجة إلى أن نتحاب، ونحن في حاجة لأن نتعارف، نتقارب، وأظن أننا نحن العرب إذا محتاجون لأن نجتمع، لا نكاد نجتمع، نجتمع بالأجساد، في الأماكن العامة، في المجاملات، لكننا في معظم الأحوال نحتاج لأن نتحدث، ونتكاشف، ولأن تتسع صدورنا ليس فقط لما نحب أن نقوله، ولما نحب أن نسمعه، ولكن أيضاً لما قد نختلف مع قائله كما قيل الآن، وأنتم تعرفون هذه الأبيات التي قالها شوقي في مجنون ليلى:
ألأني أنا شيعي وليلى أموية
واختلاف الرأي لا يفسد للود قضية
نعم أنا مدين لكم جميعاً، مدين أولاً لسعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه، ولهذه الاثنينية، ومدين لكم جميعاً فرداً فرداً بهذا اللقاء الذي لا يتمنى غيره، أو لا يتمنى أحسن منه كاتب أو شاعر، الكاتب إذا كان كاتباً، والشاعر إذا كان شاعراً حقاً، لا يتمنى أكثر من أن يجد هذا الاعتراف، وهذا التواجد، الكتابة سؤال، القراءة جواب، ونحن محتاجون إذا سألنا أن نجاب، ونحن لا نستطيع أن نجيب بلا سؤال، نحن محتاجون لهذا الحوار، ونحن بالذات في هذه الأيام محتاجون لأن نتحاور، لأننا محتاجون لأن نفهم، نتكاشف، محتاجون لأن نتقدم، محتاجون لأن نخرج مما نحن فيه، وأنا أشعر بصدق أنني في بلد بين أهلي، أنا حجازي كما ترون، إن لم يكن بالدم فبالثقافة على الأقل، ثقافتنا واحدة، ولغتنا واحدة، وآلامنا واحدة، وآمالنا واحدة، لا أدري هل أستطرد في هذا الحديث أم أنتقل للإنشاء لكن مع هذا أظن لأن أقول في كلمات إني نشأت في الريف كما رأيتم، في أسرة بسيطة، لكن في وسط ولو أنه ريفي، ولكنه غني، والغنى الذي أتحدث عنه الغنى الثقافي، الذي نجده في الموروث، كما نجده في المكتسب، الوالد رحمه الله، كان قارئاً ناجماً، وكان يقتني مكتبة متواضعة، ولكنها مكتبة على كل حال، وكان سميعاً، كان يقتني جهازين من الأجهزة القديمة، أجهزة استماع أسطوانات، فونوغراف، لأنه كان محباً لعبد الوهاب القديم، ولمحمد عثمان، وعبد الحي حلمي، وسيد درويش، وهؤلاء، في هذه القرية كان حلاق القرية رجلاً أنيقاً، وكان يشارك في الاحتفال بذكرى سعد بقصيدة فصيحة، وفي قرية صغيرة قريبة من قريتنا ظهر شاعر مصري معروف، اسمه عبد الحميد الديب، شاعر صعلوك، يذكرنا بشعراء الصعاليك العرب القدماء، أظن أن شعره قد جمعه أخيراً أخونا فاروق شوشة، وصدر في كتاب عن المجلس الأعلى للثقافة في مصر، في هذه القرية كنت أستطيع وأنا في الثانية عشرة من عمري أن أجد من يصوّب لي أخطائي في العروض، وكنت أجد من يعيرني ما لديه من مؤلفات المنفلوطي والرافعي، وبعد ذلك طه حسين، والعقاد، وبعد ذلك الدواوين، الرومانطقيين الذين قرأتهم قبل غيرهم، بالإضافة طبعاً إلى ما كنت أقرؤه في المدرسة من الشعر العربي القديم، وكنت أحفظ منه قدراً لا بأس منه ولا أزال، تلك هي القرية التي نشأت فيها، هذه القرية التي نشأت فيها، هذه القرية عرفت فيها أيضاً طريقي إلى الاهتمام بالسياسة، لأن هذه القرية كان فيها من يتحزب للأحرار الدستوريين، ومن يتحزب للأحرار الوفديين، وبعد ذلك للإخوان المسلمين، وبعد ذلك الاشتراكيين، هذا الوضع، أو هذه البيئة الثقافية التي ظهرت فيها هي التي أهلتني بعد سنوات لأن أهتم بالسياسة، وأنما في مدرسة المعلمين، في عام 1954م طالبت الأحزاب المصرية، ضباط يوليو بالعودة إلى ثكناتهم فقامت أو نشأت هذه الأزمة، في تلك الفترة أنا كنت مع عودة الضباط إلى الثكنات، وقد اعتقلت وأنا لا أزال طالباً، لأنني قدت مظاهرة تطالب بهذا من أجل الديمقراطية، كانت النتيجة بعد أن تخرجت في عام 1955م، أن رفضت الحكومة تعييني مدرساً، هذه كانت ضارة نافعة، لأنني بدلاً من أن أسعى للعمل في التدريس، سعيت للعمل في الصحافة، انتقلت إلى القاهرة، لم أكن أستطيع أن أكون ما كنته لولا هذا الاعتقال، بعد ذلك مرت بي أزمة أخرى، دخلت امتحاناً آخر، وذلك كان في عام 1972م، عندما اجتمع عدد كبير من المثقفين المصريين في الصحافة ليطالبوا بإلغاء الرقابة، ورفع الرقابة عن الصحف، فكانت النتيجة أننا تعرضنا لتعسف السلطة، أُحيل عدد من الصحافيين للعمل في مؤسسات أخرى، بدعوى أنهم سحب منهم ترخيص الاتحاد الاشتراكي، وأنا كنت من الذين أُحيلوا للتقاعد في ذلك الوقت، وقد ظللت مبعداً عن العمل في الصحافة من فبراير سنة 1973م إلى الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر، حين قرر الرئيس السادات رحمه الله، أن يعيدنا مرة أخرى للعمل في الصحافة، لأنه كان قد قرر أن يدخل الحرب بعد أسبوع، هذه المحنة أدت بي أن أفكر في الذهاب، لم أكن في الهجرة، ولكن كنت أفكر في قضاء ستة شهور في باريس، كان حلماً بالنسبة لي أن أواصل ما بدأه هؤلاء الأساتذة الآباء، آباء الثقافة المصرية الحديثة، من أمثال رفاعة الطهطاوي، محمد عبده، وعلي مبارك، وأحمد لطفي السيد، وطه حسين، وشوقي، إلى آخر هؤلاء، سافرت إلى فرنسا، ولم أكن أتوقع أني سأبقى فيها السنوات الطويلة التي قضيناها فيها، أيضاً ما صنعته القاهرة في حولتني من مدرس بسيط إلى ما كنته، إلى ما أصبحت عليه في الشعر وفي العمل، هذا ما صنعته باريس كذلك، لأنها سمحت لي بإعادة النظر في كل ما كنت أقول وأفعل، وأظن أني قدمت جانباً على الأقل من هذا الأثر العميق فيما كتبته خلال الأعوام الثلاثين الماضية، أرجو أن لا أكون قد أسأمتكم أو أطلت ولكني أردت أن أزيد فرصتي في الاقتراب منكم، وأنا قررت أن أنهي كلامي ولكنني أريد أن أؤكد لكم أن سعادتي بهذا اللقاء لا توصف، وليس أمامي الآن حتى لا أتعرض لما خشيت أن أتعرض له، أن أتلعثم، ليس لي إلا أن أنتقل إلى الإنشاء.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :460  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 156 من 199
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.