شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
الحفل الكريم:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
هذه أمسية يأتلق فيها الشعر بعد غياب ليس بالقصير عن أمسياتنا.. سعداء أن نحتفي بالشاعر الكبير، والكاتب الصحفي المعروف، والناقد الأدبي، الأستاذ أحمد عبد المعطي حجازي.. اسم سطع في سماء الكلمة منذ خمسينات القرن الماضي.. أفرد أشرعته مع الريح وضدها، مع التيار وعكس مساره، مع الخيل في مضمارها، وقافلاً في وجهها.. نحتفي به الليلة قادماً من مصر الشقيقة خصيصاً، إسهاماً مشكوراً ومقدراً في إثراء مشهدنا الثقافي والأدبي.
ضيفنا الكبير لم يكن توافقياً طوال مسيرته الحافلة بالعطاء والمنجز الشعري والأدبي والصحفي.. بل إن جموحه أودى به كثيراً إلى موارد لا يستطيبها كثيرون.. انحيازه للحرية وقيم الحق والعدل غير مشروط، فكم افترش الأرض والتحف السماء ليهدر صوته غير هياب، معلناً أن ما يعتمل في صدره لا يخضع للتدجين.. سلاحه كلمة، ومركبه كبرياء الجرح، وظلاله كل البرية والقفار.
اقترن اسمه برموز نهضتنا الأدبية والشعرية على وجه الخصوص، فإذا ذكرنا الأساتذة صلاح عبد الصبور، وغازي القصيبي، وقاسم حداد، ومحمود درويش، ونزار قباني، وأحمد مطر، وأدونيس، وغيرهم.. فلا بد أن نذكر بينهم ضيفنا الكريم، إنه من طبقة الذين إذا قيل: أين الناس؟ قال مع الشعراء: نحن الناس.. فهنيئاً له غرساً آتى حصاده عبر مواسم خير وقحط، سنابل خضر وأخر يابسات.. ظل المهجر متكأه سنوات طوال.. لكن الوطن كان العنوان الوحيد الذي حمله معه حول العالم.. وتلك أصالة الرجال الذين يدركون تماماً أن الأرض هي الأم والعرض، ليس لها بديل، ولا مندوحة عن الدفاع عنها بكل غال ونفيس.. وإن اختلفت الرؤى، وزاغت الأبصار.
شجنك أيها المحفوف بالتكريم هذه الليلة كبير، ودمعك مسفوح على قيم نمسك بها جمراً في زمن التيه والعزائم المقهورة، فقد اختلطت الأسماء رغم اختلاف المسميات، فإن عز ضوء النهار، أراك أوقدت شمعة كانت وستظل بحجم الشمس.
شأن كل مفكر وصاحب فكر يطلق الكلمة في فضاء الأثير، ليس غريباً أن يتفق معه من يتفق، ويختلف من يختلف، فتلك سنة الحياة وطبيعة الأشياء.. فقط نأمله اختلافاً في الرأي لا يفسد للود قضية.. ذلك أن أدب الحوار والخلاف جدير أن نمنحه حقه من العناية والرعاية، إذ لم يعد المسرح حكراً على رأي أحادي أياً كان.. تلك مرحلة تجاوزها التاريخ، ونقطة لا عودة دلفت إليها الشعوب شرقاً وغرباً.. وعاد الفيصل عقلاً كرمنا المولى عز وجل بحمله، وأمانة لم تحملها السماوات والأرض والجبال.. إشفاقاً منها، وخوفاً مما يترتب عليها.
ضيفنا الكريم مسكون بحب الإنسان.. مقاطع عديدة خاطب فيها الإنسان، وأحسبه انتقائياً في اختيار إنسان الريف البعيد، رمزاً للنقاء الفطري، راجياً منه إراقة الدمع على كلماته لتنبت أشواقاً إلى واقع جديد.. نابع من قلب أشجاه الأسى، وأحرقه الركض نحو مرافئ حياة كريمة.. فهو المتفائل: (شوقاً إلى فرح يدوم.. فرح يشيع بداخل الأعماق، يضحك في الضلوع.. كي تنبت الأزهار في نفس الجميع.. كي لا يحبّ الموت إنساناً على هذا الوجود)!!
معارك فارس أمسيتنا مشهودة معروفة.. بغض النظر عن حيثياتها، وأسبابها، ومآلاتها، فإنه ظل حريصاً على التمسك بآرائه منافحاً عن أفكاره ومواقفه التي لا تلين، صلابته مجدولة بالبيئة الريفية التي تجمع بعض المتناقضات في أيقونة واحدة: تحترم الصرامة، وتتباهى بالفرح، وتلجأ إلى الحكمة، ولا تتورع عن استخدام العنف بشراسة.. دون أن ترى غضاضة في تنقلها ببساطة بين هذه الأطياف، فلا غرابة أن يصبغ شعره، ومقالاته، ومعاركه، بهذه السيمفونية الصاخبة، ليطل علينا (حياة في حياة).. غير قابل للتنازل، أو استمراء أنماط المدينة التي احتضنته في القاهرة، وباريس، وغيرها.. وهكذا ظل وفياً للريف بكل دفئه، وزمجرة الريح في أعطافه.
الشعر عند ضيفنا الكبير رسالة ووسيلة في آن واحد.. فمن يغوص بين نصوصه المتشظية يدرك بوضوح الهدف الذي يسعى إليه.. واثنينيتكم ليست معنية إلا بجماليات اللغة الباذخة التي تنساب من قاموس ضيفنا المبدع لتمس أوتار القلوب، محدثة تأثيرها في هدوء تارة، غاضبة أخرى، مترعة بالحنان أحياناً، أو متشحة بالثورة، تجمع فصول السنة، وزوابع أمشير، في صخب لا يكترث بالعواقب.
ملمح آخر في مسيرة أستاذنا الكبير، إنه مفتون بالقرية وكل ما يتعلق بها، يحملها بين جوانحه أينما حل أو ارتحل، تلوب في ذهنه وتتماهى مع حضوره مهما بعدت الشقة، يرسمها بالكلمات ويذوب فيها وجداً، مفرداته لا تنفك عن دروب القرية، فالحضور قوي للنجمة، والطيور، والندى، والأشجار والغصون، وجامعي الثمار، والضحى والغروب والصباح والمساء.. وإن تحدث في شأن آخر، مختلف تماماً عن السياق العام الذي تدور حوله هذه المفردات.
آملاً أن نرتوي هذه الليلة من ينابيع ضيفنا الصافية، فأهلاً وسهلاً بشاعرنا الكبير بين أهله ومحبيه.. وقبل أن أنقل لاقط الصوت إلى راعي هذه الأمسية، الأخ الأستاذ الدكتور عبد المحسن القحطاني، رئيس النادي الأدبي الثقافي بجدة، وعضو هيئة التدريس بقسم اللغة العربية بكلية الآداب -جامعة الملك عبد العزيز.. أشير إلى أن أمسيتنا القادمة ستكون امتداداً لأعراس التكريم التي استحقها الأستاذ الروائي عبده خال لحصاده جائزة "البوكر" العربية عن روايته الموسومة "ترمي بشرر"، فالثقافة التي لا تمنحها بعض صحفنا أكثر من صفحتين، يسطو الإعلان على نصف كل واحدة منهما، قمين بنا أن نفسح لها أكبر مساحة ممكنة، عسانا نؤدي بعض دين مستحق.
طبتم وطابت لكم الحياة.
عريف الحفل: شكراً لسعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه، عن كلمته الضافية التي تحدث فيها مرحباً بالمحتفى به هذه الليلة، وأترك الكلمة الآن أيها السادة والسيدات، لراعي هذه الأمسية الأستاذ الدكتور عبد المحسن القحطاني، أستاذ الأدب والنقد بجدة، ورئيس النادي الأدبي الثقافي بجدة، فليتفضل.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :562  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 153 من 199
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.