((كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه))
|
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. |
الحفل الكريم |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: |
سعداء أن نلتقي الليلة لنحتفي ونكرم السيدة الفاضلة الأستاذة فريال بيت المال، من برحة "الطفران" في حارة "أجياد" المشهورة بمكة المكرمة، وقد قدمت إلينا مشكورة من أمريكا للقائكم في اثنينيتكم هذه، فهي البارة بقداسة تراب بلدها الطاهر، رغم التيارات التي حملتها إلى أصقاع بعيدة، تضرب فجاج الأرض تبتغي إصلاحاً كما أراد لنا الحق سبحانه وتعالى.. فأهلاً وسهلاً بها بين أهلها ومحبيها. |
خيط رفيع يفصل بين فضاءات العمل الاجتماعي وغيره من النشاطات الإنسانية ممثلة في التحركات الاقتصادية، والسياسية، والبيئية، وما يدور في فلكها.. فهي مسارات يجمع بينها أكثر من قاسم مشترك، لذا من الطبيعي أن ينشط الإنسان المدرك لطبيعة المرحلة في أكثر من جهة، وتتقاطع أعماله مع تيارات مختلفة. |
بدأت ضيفتنا الكريمة حياتها بعدما تيسر لها من مراحل تعليمية واستقرار عائلي، متفاعلة مع المجتمع الأمريكي الذي احتضنها ومنحها هويته، ووفر لها أسباب الحراك الاجتماعي المناسب، وأحسبها مناسبة طيبة أن تواكب هذه الأمسية فعاليات "يوم المرأة العالمي" الذي يحتفي به العالم في الثامن من شهر مارس/آذار من كل عام.. وهو تقليد استمر منذ عام 1945م، تكريساً لإنجازات المرأة، وحشداً للطاقات التي تدفعها لمزيد من العطاء والمشاركة الخيرة في مجتمعاتها على مختلف بيئاتها ومواقعها. |
وقد بذلت فارسة أمسيتنا جهوداً مقدرة لتطوير مهاراتها في العمل الاجتماعي المؤسسي، واستطاعت أن تثبت جدارتها في وسط يحتفي بالمنافسة، ويمنح قدراً وافراً من الشفافية في معظم نشاطاته، مع انفتاح طيب تجاه الثقافات الأخرى.. وقد أعانتها على ذلك خلفيتها الثقافية التي نهلت من مكة المكرمة، ومن مصر بكل ثقلها الحضاري والعلمي، ثم بريطانيا، ونيجيريا، مما شكل لديها بانوراما ثقافية انصهرت في بوتقة تربيتها الأساسية، حيث تتفاعل كل الثقافات في مكة المكرمة خلال مواسم الحج والعمرة، وتترك شذاها عابقاً في ظلال الزمان والمكان، مؤثرة بتسامحها، ومحبتها، ووسطيتها، في كل من أكرمه الله بهذا الجوار. |
ليس غريباً أن تجد ابنة مكة المكرمة نفسها قريبة من حركة المجتمع الجديد، باذلة قصارى جهدها للتواصل مع مختلف شرائح المجتمع.. ثم تقاطعت نشاطاتها مع الحركة السياسية، فكان من الطبيعي أن تنتمي إلى التيار الذي تجده معبراً عن أشواقها وتطلعاتها، ويسهم في تطوير مكونات الأمة بالشكل الذي تطمح إليه. |
نود من ضيفتنا الكريمة إلقاء الضوء على تجربتها في المسار الاجتماعي والسياسي، ومدى استفادتها من خلفياتها الثقافية في مكة المكرمة وغيرها، وانعكاس ذلك على مجتمعها الجديد في الولايات المتحدة الأمريكية، مروراً ببريطانيا ونيجيريا، وكيف استطاعت أن تبلور إمكاناتها الذاتية دون تصادم أو تقوقع أو ذوبان كامل.. مما يعني -ولو بصورة مصغرة- إمكانية تعايش مختلف الحضارات، بل إسهامها في تقوية بعضها البعض، والنهوض معاً نحو آفاق أرحب من التعاون والتقدم والازدهار. |
إن الأقليات تشكل عصباً لا يمكن تجاوزه بشكل من الأشكال، فهي نقاط مضيئة، وعناوين حضارات، وينابيع ثقافة متعددة، ينبغي للمجتمعات الراقية أن تعمل على الاستفادة منها، وخلق الأجواء المناسبة لاستيعابها في مسيرة التنمية، وترقية القوى البشرية.. ذلك أن الأقليات غالباً ما يكون لديها حوافز لا تتاح للأكثرية، مما يمنحها تفوقاً نوعياً وإدراكاً لأهمية تضامنها وحرصها على نقاط القوة والتميز التي تبز بها الآخرين، فلا تنصهر بالكلية وتذوب إلى ما لا نهاية.. وفي الوقت عينه لا تتقوقع في شرنقتها وتتمحور حول خلافاتها ونعراتها الأصلية، بل تتجه للبناء مستفيدة من آلياتها وإمكاناتها وثقافاتها المتنوعة، وتضيف أبعاداً جديدة إلى المجتمعات الحاضنة، وتفيد وتستفيد من الإمكانات الهائلة التي يوفرها دولاب الدولة المضيفة، فلا انصهار وذوبان غير منضبط، ولا تقوقع وانحسار بائس، بل وسطية تبني، وتحقق الطموحات المنشودة، لما فيه خير الجميع. |
ومن ناحية أخرى فإن الناشط الحقيقي المنتمي لأقلية ما، ينبغي أن يسعى جهده لتوظيف موقعه الجديد ليقدم ما أمكن من تضحيات، ودعم، وترسيخ مفاهيم جديدة تصب في صالح المجتمع.. فقد سعت ضيفتنا الكريمة بجهد مقدر حتى وضعت نفسها في موقع قيادي في الحزب الديمقراطي بولاية كاليفورنيا، في مؤشر إلى كفاح ليس بالسهل خاصة ونحن إزاء مجتمع منفتح يمنح كل منافس حق التقدم، بالرغم من وجود آليات أخرى لدعم المواقف مثل جماعات الضغط "اللوبي" التي لا تتورع عن خوض أشرس المعارك لتحقيق مآربها.. وآمل أن نكون موعودين بنماذج مماثلة لضيفتنا الكريمة، وصولاً إلى تلاقح الحضارات وتطورها لما فيه خير ورفاهية البشرية جمعاء. |
اعتذاري لكل من تفضل وأسعدنا بحضوره الاثنينية الماضية التي لم أسعد بحضورها لظرف صحي طارئ، مقدماً في الوقت ذاته غاية الشكر والامتنان للزميلين الكريمين سعادة الأستاذ السفير محمد أحمد طيب، مدير عام وزارة الخارجية بمنطقة مكة المكرمة، وسعادة الأستاذ الدكتور جميل مغربي، عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز، اللذين أدارا تلك الأمسية بكفاءتهما المعروفة، فلهما مني كل التقدير والامتنان باسمكم واسمي. |
سعداء أن ترعى هذه الأمسية الأستاذة الإعلامية دلال عزيز ضياء، مستشارة وزير الثقافة والإعلام، وهي من رموزنا الإعلامية التي نعتز بها.. وعلى أمل أن نلتقي الأسبوع القادم للاحتفاء بالأستاذ الدكتور إيكهارد شولتز، القادم إلينا خصيصاً من ألمانيا، وهو عالم ضليع في عدة مجالات منها الترجمة من العربية والإنجليزية وإليهما، واللغة العربية وآدابها، والعلوم الإسلامية والأدب الإنجليزي، وتاريخ البلاد العربية واقتصادها، والقانون الدولي، وعلم الاجتماع.. فهو موسوعي المعرفة، منفتح على أكثر من ثقافة، مما أكسبه موقعاً مميزاً كأستاذ جامعي مرموق في جامعة لايبزغ بألمانيا.. وهو رفد معالي سفيرنا الناشط الأستاذ الدكتور أسامة عبد المجيد شبكشي في شأن جميع توجهاته في ألمانيا، فهو سياسي فذّ، ومحاضر متنقّل من جامعة إلى أخرى، يثري بها ما تجب معرفته لتقوية الأواصر بين الشعبين الصديقين.. فله شكرنا وتقديرنا واحترامنا جميعاً. |
ولعلي أجدها مناسبة لأشير إلى أكثر من ربع قرن مضى من زمن الاثنينية مع زملائي، مراسلاً وبوسطجياً أحياناً لدرجة الاستجداء من كثير من سفرائنا الأكارم خارج الوطن لتعريفنا بمن يحسنون الظن بهم لنستضيفهم في "الاثنينية" تنفيذاً لواجباتها وتحقيقاً لأهدافها لمد جسور الثقافة بيننا وبين شعوب الأرض، إلا أن سنوات مضت ونحن حيث نحن.. مسجلاً بكثير من التقدير التفاعل الجاد والمثمر من معالي سفيرنا الهمام الأستاذ الدكتور أسامة شبكشي، وصاحب السمو الأمير منصور بن خالد آل سعود سفير خادم الحرمين الشريفين لدى النمسا، ومعالي الأستاذ محمد بن إسماعيل آل الشيخ سفير خادم الحرمين الشريفين لدى فرنسا.. الذين أثرونا مشكورين بأسماء كفاءات أفذاذ لا نشك في أنهم سوف يتركون أثراً ملموساً في علاقة شعوبنا الثقافية، فلهم جميعاً أقصى آيات التقدير والامتنان، وعلى أمل أن نسمع من بقية سفرائنا الآخرين. |
آملاً ألا يغضب مني بعض أصحاب السعادة سفراء وقناصل الدول الشقيقة بسبب هذه الشكوى، فالهدف المشترك إيجاد سبل ثقافية دائمة تربط شعوبنا على الأقل ببعضها البعض، وعلى كل فهي نفثة أمل مكتوم.. منوهاً لظروف خاصة جمعتنا بشخصيات مرموقة من خلال قنوات مختلفة وكانت عطاءاتها غاية في التأثير والتميز. |
مع تحياتي وتقديري للجميع. |
طبتم وطابت لكم الحياة. |
والسلام عليكم ورحمة الله... |
عريف الحفل: شكراً للشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه على هذه الكلمة الضافية، والآن سوف أشير إلى أنه بعد أن تعطى الكلمة لفارسة أمسيتنا، سوف تتم محاورتها عن طريق الأسئلة التي آمل أن تتفضلوا بإلقائها مباشرة، راجين أن يطرح السائل سؤالاً واحداً، غير متفرّع إلى ألف وباء وجيم، وأن يتفضل السائل كذلك ويعرف بنفسه وبمهنته، ثم يطرح السؤال مباشرة من دون كلمات الإطراء والمجاملة، طبعاً الأساتذة فريال تستحق الكثير من الإطراء والمجاملة، لكننا نودّ أن نتيح أكبر فرصة لتلقي الأسئلة من الجانبين النسائي والرجالي. الكلمة الآن لضيفتنا الكريمة، الأستاذة فريال بيت المال، لتحدثنا عن أهم المحطات والمراحل المفصلية في مسيرتها العلمية والعملية. |
|