((الحوار مع المحتفى به))
|
الآن ننتقل إلى قاعة الإخوة الرجال، والسؤال مقدم من الدكتور محمد فاروق من جامعة "الملك عبد العزيز": |
سعادة الدكتور عبد الله العسكر بعد السلام عليكم ورحمة الله، ألا ترى أن التاريخ العربي والإسلامي يحتاج إلى عملية فرز وتصنيف، فما هي الآلية التي تقترحها لإجراء مثل هذه العملية؟
|
الدكتور عبد الله العسكر: بسم الله الرحمن الرحيم، أولاً: أود أن أشكر الدكتورة منيرة على ما تفضلت به، وأنا في الحقيقة أقل مما قالت لكن هذا من حسن ظنها، وهي سيدة فاضلة وناشطة اجتماعياً، وهي دعتني بـ "غوغل" إذا كان هناك من يستحق هذا اللقب فهو الدكتورة منيرة ولست أنا، لأنها ما شاء الله حلقاتها الاجتماعية واسعة ليس فقط في جدة، أو في المنطقة الغربية، ولكن في أنحاء المملكة، بل في أنحاء العالم العربي، فشكراً لها وأرجو أن نلتقي وإياها على خير إن شاء الله. |
بالنسبة لسؤال زميلي الدكتور محمد فاروق عن أن التاريخ العربي والإسلامي يحتاج إلى فرز وتصنيف.. إذا كنت أفهم ماذا يقصد، إذا كان التصنيف والفرز يعني تصحيح بعض الأخطاء الواردة أو ربما إعادة كتابته بحيث يكون مقبولاً من الوجهة التاريخية الحديثة فهذا صحيح، لكن التراكم المعرفي الآن في أقسام التاريخ في العالم العربي أنتج كماً هائلاً جداً من أطروحات الدكتوراه التي بحثت في مناحٍ كثيرة، لهذا من السهل جداً أن نبدأ تصنيف تاريخنا من خلال هذا الكم المعرفي الكبير، لكن كيف نصنفه؟ يعني ربما يقودنا التصنيف إلى قضية زمنية وعلاقة الزمن بالتاريخ قضية معقدة حتى عند تاريخ الشعوب الأخرى، وأنا لي محاولة متواضعة في هذا الباب إذ كتبت كُتيباً ونشرته مرتين، آخرهما في مركز البحوث بكلية الآداب جامعة "الملك سعود" وعنوانه "تحقيب التاريخ الإسلامي"، أعدت خلاله تفكيك الحقب التاريخية وصنفتها من جديد لتلتصق مع معطيات العصر؛ فمثلاً كان تاريخنا يُسمى العصر الراشدي ثم الأموي ثم العباسي ثم الدويلات بناء على الممالك الإسلامية في الشرق والغرب، وتاريخ العالم الآن لا يقيس التاريخ بهذه الطريقة، بل يقسمه حضارياً؛ فمثلاً ليس هناك حد فاصل بين سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية، يعني أن سنة 132 ليست حداً فاصلاً لأن الجيل الأول من العباسيين هم نتاج الثقافة الأموية -السياسي والكاتب والمؤرخ والطبيب- وليس هناك حد فاصل، إذن ما هو البديل؟ البديل هو أن نعيد تفكيك هذه الحقب وإعادة تسميتها بناء على معطيات حضارية حديثة لتتسق مع المعطيات التاريخية الحضارية لتاريخ الشعوب الأخرى. |
الأستاذة منى مراد: سؤال من الدكتورة إلهام ضرغام، أستاذ مشارك من جامعة "الملك عبد العزيز"، تفضلي دكتورة. |
السلام عليكم، بعد إذن حضرتك قلت إن مجال التاريخ آسفة على هذا اللفظ الذي سأقوله "الـ support (الدعم) الخاص به قليل لا أحد مقتنع به" أنا لي نظرة -لا ليس أنا (أستغفر الله العظيم)- بالعكس أنا أنظر لمجال التاريخ على أنه من أكثر المجالات والأقسام التي تحظى بدعم (support) خارجي إذا نحن طبقنا "الأبلايت" في التاريخ، يعني إذا حصل تعاون ما بين التاريخ والسياحة، وما أكثر دسامة التاريخ مع السياحة، هذا سيوفّر support دعماً قوياً جداً يطوّر كل أقسام التاريخ الموجودة في الجامعات.. لو قامت علاقات كما نسميها نحن "بروجكت مشروع" ما بين المناطق السياحية والتنشيط السياحي من جهة، والتاريخ من جهة ثانية، ستعطي قيمة جميلة جداً جداً للسياحة وحضرتك طبعاً تعرفها، والشيء الثاني ستوفر لك مدخولاً يرتقي بجميع أقسام التاريخ الموجودة في الجامعات، وأنا شاكرة لحسن استماعكم وشكراً.
|
الدكتور عبد الله العسكر: شكراً دكتورة إلهام. أنت تتحدثين عن أهمية التاريخ، أنا لا أقول إن التاريخ غير مهم، بالعكس أنا أقول التاريخ مهم والتاريخ يسمى أبا العلوم كالمسرح الذي يُسمّى أبا الفنون والفلسفة التي تسمّى أم العلوم.. هو أبو العلوم.. كانت العلوم المعروفة في العصور الوسطى وما قبلها كلها مع التاريخ ثم انفصلت بحكم التوسع والتخصص. أنا لا أقلل من قيمة التاريخ، لكنني أتحدث عن نظرة العالم الثالث للتاريخ، مع الأسف الشديد، النظرة الدونية للتاريخ ولمدارس التاريخ والمؤرخين؛ ولذلك بدأوا يقفلون تخصصات التاريخ.. يعني مثلاً: أنت أستاذة في الجامعة، وتعرفين أن الطلاب والطالبات عندما يأتون إلى الجامعة يذهبون نحو التخصصات الأخرى، وإذا لم يُقبلوا في كل التخصصات يأتون إلى التاريخ، ما معنى هذا؟ من أين هذه النظرة الدونية؟ يُطالب حيناً بربط التاريخ بسوق العمل ويُنظر إليه حيناً آخر نظرة دونية؟ أنا أقول إن العلم علم، ليس لأني مؤرخ، لا.. أنا أدافع عن العلوم كلها، وأنا أقول إن العلم يجب أن يُحترم، ولذلك فإن قسم التاريخ في الولايات المتحدة الأمريكية هو من أكبر الأقسام الآن وليس قبل خمسين سنة.. إن من أكبر الأقسام في الجامعات الأمريكية قسم التاريخ، بالإضافة إلى أنّ هناك تخصصات في الولايات المتحدة الأمريكية لا يوجد فيها بكالوريوس، فيها ماجستير ودكتوراه أي دراسات فحسب. لو أخذنا مثلاً القانون؛ في الولايات المتحدة الأمريكية يفضلون في القانون أن يأتي الرجل أو المرأة ببكالوريوس إما في التاريخ أو في اللغة الإنجليزية. أنا لا أقلل من شأن التاريخ، بالعكس التاريخ مادة لا نستغني عنها أبداً، وانظري الآن لا يوجد مجلس أو مجلة إلا وفيهما تاريخ. لا يمكن، وكما قال صاحب الاثنينية في المستهل إن هناك تاريخ الطب وتاريخ العلم وتاريخ المسرح وتاريخ الفن، يقول الشاعر: |
من وعى التاريخ في صدره |
أضاف عمراً إلى عمره |
|
الدكتور مدني علاقي: شكراً دكتور. الآن سؤال من الأخ خالد الأصور من جريدة "عكاظ" باحث في مركز الدراسات والمعلومات، يقول: |
بسم الله الرحمن الرحيم. الدراسات الاستشراقية التي وضعها المستشرقون الغربيون ورصدوا فيها وحللوا تاريخ العالم العربي والإسلامي، هذه الدراسات من أمثال دراسات المستشرق الألماني جولد سيا وكذلك الدراسات التي وضعها من أسميهم بالمستشرقين العرب مثل الكاتب جرجي زيدان، هذه الدراسات ما هو موضعها في ميزان علم التاريخ من حيث التزامها بالأمانة التاريخية والتاريخ الموضوعي؟ شكراً.
|
الدكتور عبد الله العسكر: أشكر الأستاذ خالد، وأقول له إن الدراسات الاستشراقية قد فتحت باباً كبيراً جداً لنهضة تاريخية وعلمية في العالم، وهناك من اتهم المستشرقين بأن لهم أهدافاً. صحيح أن بعضهم يعمل في الحكومات وبعضهم له دعوة تبشيرية إلى آخره، إلا أن هذا لا يهمني فلو استعرضنا مثلاً.. أمهات الكتب والمصادر العربية التي تناولت التراث العربي والإسلامي، من الذي بدأ في نشرها مطلع القرن التاسع عشر؟ هم أولئك الذين بحثوا وتعبوا ودرسوا اللغات، والجيل العربي الذي أتى بعدهم فقد كانوا عالة عليهم وطلاباً لهم؛ ولذلك أقول إنه لا يهمني إذا ما كان يعمل في المخابرات أو يعمل في الحكومة الغربية، بل يهمني إنتاجه وعمله، ولذلك يقال: إن الدراسات الاستشراقية تنقسم إلى قسمين: قسم مفيد وعظيم ونحن نشكرهم عليه وقد استفدنا منه، وقسم متهلهل ضائع.. احكم على العمل، ولا تحكم على الشخص، فهناك من يراه أنه خطأ، وتقدير الاستشراق خطأ، وأنا أقول.. مثلاً الكاتب الفلسطيني الأمريكي إدوارد سعيد له كتاب جميل عن الاستشراق، بل بحث، أعادنا إلى الأصول وهو بالمناسبة أحدث كتاب علمي دقيق. دعنا من الكتابات الصحفية السريعة أو الكتابات التي تُكتب لإرضاء بعض الأهواء، فقد قال الكاتب إدوارد سعيد: هناك مدرسة استشراقية جيدة، يعني أن المثقف العربي وطالب العلم العربي ليس اليوم مثلما كان في الماضي.. العربي يجيد عدة لغات ومنفتح ويعرف الغث من السمين ولا خوف على العلم ولا خوف على الإسلام ولا خوف على الدراسات الإسلامية من المستشرقين؛ لأن الدراسات الإسلامية باقية والعلم باقٍ ما بقي الزمن، وشكراً على سؤالك. |
الأستاذة منى مراد: هذا سؤال مني، يقول: |
حدثنا عن سبب اختيارك "سلطان الذاكرة" عنواناً لمقدمة كتاب عن الشيخ حمد الحقيل. لقد كتبت عدة كتب عن التاريخ السعودي، فما الدروس التي يمكن أن نستفيد منها في عصرنا الحاضر؟ |
الدكتور عبد الله العسكر: أستاذة منى أنا ليس لي كتاب اسمه "سلطان الذاكرة". |
الأستاذة منى مراد: سبب اختيارك "سلطان الذاكرة" عنواناً لمقدمة كتاب عن الشيخ حمد الحقيل، شكراً. |
الدكتور عبد الله العسكر: نعم.. نعم.. أشكرك أستاذة منى. |
الشيخ حمد الحقيل قاضٍ وأديب ونسّابة، توفي منذ سنوات قليلة وهو من المعمرين، وكان قاضياً شرعياً ثم تقاعد وتفرغ للأدب والثقافة والعلوم الشرعية والأدبية التي يجيدها، وهو شاعر باللهجات العربية الفصحى والنبطية والشعبية. يتميز الشيخ حمد بذاكرة قوية وهو يذكرني بالرواة العرب، فعندما تجلس إليه تستغرب أنه يحفظ من دون مبالغة ربما 50٪ من ديوان المتنبي. هذا ليس مهماً، المهم أنه يحفظ شوارد العرب ويقول لك إن هذا البيت لفلان وربما في الكتاب الفلاني وتبحث عنه فتجده، فأنا أقول إن ذاكرته سلطان كبير وقد شكلت عليه سلطاناً أيضاً إلى درجة أنه أغفل أو ترك الكثير من المعارف التي يمكن أن يثريها بها فأصبح حافظاً.. أصبح راوياً.. وأصبح ناقلاً للمعرفة الشرعية التي لم تُدون.. وأنا في الحقيقة حينما أراد أحد الإخوان أن يكتب عن الكتاب طلب مني أن أكتب مقدمة له، وباعتبار أنني أتردد إليه وأستمع من وقت لآخر إلى بعض الروايات الشعرية والشعر والأفكار والأنساب إلى آخره، فقال: أنت الشخص المناسب لتكتب المقدمة فكتبت مقدمة، وقد لاقت هذه المقدمة القبول لماذا؟ لأنه هو شيخ الأدباء وأديب الفقهاء وهو سلطان في ذاكرته، أو أن الذاكرة أصبحت سلطاناً، لأنه عندما يتحدث عن موضوع يجد القارئ فعلاً كما تفضلتِ أن ذاكرته قوية جداً ونادرة، لكنها ليست نعمة بالمطلق، بل هي نعمة في المجالس والحديث فحسب، فالشيخ حمد متحدث طويل البال لا يكلّ هو ولا يملّه الناس.. بل يحبونه.. إلا أن هذه الذاكرة قد أصبحت سلطاناً عليه وأثرت على مفاهيم ورؤى وثقافات قد يُبرّز فيها الشيخ حمد لكنه انصرف لتدعيم هذه الذاكرة وحفظ الأبيات وحفظ الأقوال وبالتالي حرم الناس وحرم تلاميذه من معارف قد يبرّز فيها. |
الدكتور مدني علاقي: سؤال من مشعل الحارثي من مجلة "اليمامة"، يقول: |
ماذا أضاف أدب الرحلات إلى علم التاريخ؟ وهل نال أدب الرحلات إلى الجزيرة العربية الاهتمام الكافي حتى الآن؟
|
الدكتور عبد الله العسكر: شكراً أخ مشعل على السؤال، وفعلاً هذا السؤال يذكرني بمحطة من المحطات التي لم أتحدث عنها. أنا أيضاً لي اهتمامات خصوصاً الرحلات الغربية إلى الجزيرة العربية والمملكة العربية السعودية، وقد كتبت كثيراً وترجمت بعض الرحلات القصيرة. في زعمي أن الرحلات التي أتت إلى الجزيرة العربية نقلت فكرة جديدة تتجلى في أن الغرب ينظر في قضايا الجزيرة العربية وفي المملكة في بداية تأسيسها إلى أمور وزوايا نعتبرها نحن من المسلمات لأنها تعيش معنا وبالتالي لا تلفت نظرنا. فهؤلاء الغربيون الذين يأتوننا بثقافة مختلفة حيث يتكبد بعضهم معاناة كبيرة كي يعيشوا في الجزيرة العربية مدة أشهر ويكتبوا، هم أول من نقل دخول القوات السعودية إلى مكة المكرمة، وهم أول من استخدم لفظة "الوهابية"، ولذلك فإن كثيراً من المؤرخين المعاصرين يعتبرون كلمة وهابية من اختراع الرحالة الغربيين أو على أقل تقدير من الدعاية العثمانية ضد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، تلك الدعوة السلفية والإصلاحية التي ظهرت في نجد خلال القرن الثامن عشر الميلادي، لكن المؤرخ الرحالة من أين أتى بهذه الكلمة؟ هل أتى بها من عنده؟ من مخبئه؟ لا.. هو سمعها في الجزيرة العربية ولا عجب، لأن من طرق العرب نسبة الدعوات والدول إلى الأشخاص فيقال الحنبلية.. الشافعية.. (ليس فيها حساسية)، وأنا أقول إن كتب الرحلات في الجزيرة العربية مهمة جداً؛ لأنها: |
أولاً: نقلت لنا أفكاراً لا يمكن أن نراها بعيوننا لأنها من المسلمات. |
ثانياً: أننا نحن صرفنا اهتمامنا إلى التاريخ الديني أو التاريخ السياسي في بداية هذا القرن، فيما اهتموا هم بالتاريخ الاجتماعي؛ وصفوا العادات والتقاليد.. وصفوا الأكل.. وصفوا لباس النساء.. لباس الرجال، فأعطونا صورة بانورامية إلى حد ما عن الوضع في الجزيرة العربية في ذلك الوقت. |
ثالثاً: هم كتبوا هذه الرحلات من منظور منهجي غربي، بمعنى أنهم ربطوا هذه المعارف الموجودة بما يشابهها أو بما قبلها أو بما بعدها في خارج الجزيرة العربية، وقد فتح ذلك باباً واسعاً جداً أمام المؤرخ لإجراء المقارنة. |
رابعاً: هذه الكتب قد رصدت حوادث ما كان بالإمكان أن تُرصد، حيث لم يكن هناك تدوين في ذلك الوقت، كانت الأمية سائدة في شبه الجزيرة العربية، ما خلا الحجاز واليمن، حيث يوجد معظم المتعلمين والمثقفين، وكانت وسائل الكتابة من أقلام وورق تتوفر بقلّة، ولم يكن هنالك كتب، لذا فهم رصدوا لنا أحداثاً ما كان بالإمكان رصدها لولا هذه الرحلات. شكراً على هذا السؤال. |
الأستاذة منى مراد: سؤال من الأستاذة سعاد الصابوني، تفضلي: |
بسم الله الرحمن الرحيم، الضيف الكريم، سؤالي هو: من المسؤول من وجهة نظرك عن تعريف الشباب بتاريخ بلادهم؟ وما مدى أهمية التوغل في صفحات التاريخ وشكراً؟
|
الدكتور عبد الله العسكر: هذا سؤال جيد الأستاذة سعاد، لأنه يربطني بموضوع مهم، أتحدث فيه باستمرار وهو موضوع الوطنية. ليس هناك كتاب مقرر اسمه الوطنية، الوطنية أكبر من ذلك، نحن لدينا تاريخ ولله الحمد، فشبابنا في المملكة العربية السعودية يستوعبون التاريخ الإسلامي منذ السنة الثانية الابتدائية، والمساجد وخطب الجمعة لا تخلو من التطرق إلى السيرة النبوية وإلى تاريخ الخلفاء وتاريخ الإسلام وعظماء الإسلام، وهذه في الحقيقة مكسب كبير يجب المحافظة عليه.. نأتي الآن للتاريخ الحديث: تاريخ المملكة الحديث، هذا لا يتردد كثيراً في المساجد ويدرس منهجياً فقط في بعض المراحل وهذا جيد وهذا لا غبار عليه، كل الأمم المتحضرة تُدرِّس ما يسمى بالتاريخ الوطني؛ كل الأمم دون استثناء، التاريخ عماد من أعمدة الوطنية، لكن كيف نحبب الشباب؟ هذا هو السؤال، لأن الشاب قد يدرس تاريخ المملكة وتاريخ العرب وتاريخ المسلمين، وبعدما يتخرج ينساها كما ينسى العلوم الأخرى، فأنا أريد أن أربط الشاب بمفاصل، بمحطات منتقاة لتاريخنا العربي والإسلامي والمحلي الوطني، ويجب أن تُختار من قِبَل متخصصين، ويجب أن تكون في الحياة اليومية للشباب السعودي والشباب العربي كلٌ في بلاده. |
إن توحيد المنهج التاريخي في البلاد العربية ربما من المستحيلات، لكن فليبدأ كل بلد بنفسه، أتمنى أن أرى اليوم أفلاماً.. تمثيليات.. مقالات صحفية هادفة صحيحة مبنية على الحقائق، فالمسلسلات الآن تشوه التاريخ يا إخوان، ومنكم من كتب عن هذا؛ تشوهه لأنها تُكتب بيد هاوٍ أو كاتب مسرحي.. فلماذا لا نفعل مثلما فعلت بريطانيا بتاريخها الوطني.. تاريخها المحلي لجيلها الجديد، فنُخرج مسلسلات إذاعية مكتوبة بطريقة هادئة تعرف الشاب السعودي والشابة السعودية بالمحطات التاريخية لهذه الجزيرة، منذ ما قبل الإسلام وحتى العصر الحديث، وذلك بطريقة حديثة، بطريقة منهجية، حيث أختار المفاصل التاريخية، أختار المحطات الجيدة، وإني أدعو من هذا المنبر أيضاً إلى اعتماد طريقة مستعملة في الغرب وهي تحويل التاريخ إلى متاحف وتشجيع الطلاب والمدارس لزيارة المتاحف؛ فالمتاحف لا بد أن تكون رافداً من روافد العلم والوطنية كيف ذلك؟ أنا زرت مثلاً متحف التاريخ المحلي الأهلي أو الوطني في مدينة فيلادلفيا، وشاهدت هناك كيف سخروا التقنية و "الديجيتال سيستم" "النظام الرقمي" لخدمة التاريخ، (ما بين منظر وبين ترفع السماعة وتسمع الجواب على سؤال وبين لقطة يظهر)... ويقوم هذا المتحف بتنظيم زيارات شبه إجبارية للطلاب من جميع المدارس، ولذلك فإن الطالب الأمريكي يعرف تاريخ وطنه، وهم قد حولوا الوطنية في أمريكا إلى وطنية تراب.. أي إلى التحمس للأرض فقط.. أي إلى وطنية ثقافة. هذه هي الوطنية الحديثة، لا بد من أن أغرس ثقافة عربية وإسلامية سعودية في نفوس الشباب والشابات، ولا يتأتى هذا إلا عن طريق التاريخ، لكن أي تاريخ؟ تاريخ مختار من قِبَل متخصصين لهم دراية بمناهج التاريخ وبعدها أختار من أترك. شكراً للأستاذة سعاد على هذا السؤال الجيد. |
الدكتور مدني علاقي: نحن على وشك الانتهاء من هذا الملتقى والأمسية، ونستقبل في خلال الخمس دقائق القادمة سؤالين فقط: سؤال من قسم الرجال، وسؤال من قسم السيدات. والسؤال الآن للأستاذ خالد المحاميد من جريدة "الوطن"، مع الاختصار الشديد لو سمحت. |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. سعادة الدكتور عبد الله تحدثت عن عدم قناعتك بتسمية التاريخ بالتاريخ الإسلامي، وفضلت عليه تسمية "تاريخ الشعوب الإسلامية". كيف يمكن الفصل بين التاريخ كأحداث وبين الإسلام خاصة وأن تاريخنا كله يكاد يكون تأريخاً للقرآن والسنة النبوية؟
|
الدكتور عبد الله العسكر: الأستاذ خالد الحقيقة الوقت لا يساعدني أن أفصّل في هذه القضية التي لاقيت فيها عنتاً وعدم قبول. أنا أقول بعبارة موجزة، أولاً: إن ما يسمى الآن بالأدب الإسلامي أيضاً لا أؤيده، لأن الإبداع إبداع بصرف النظر عن دين صاحبه، ثانياً: أنك عندما تقول التاريخ الإسلامي فكأنك تقول إنه تاريخ كتبه مسلم فحسب أو كتبه مؤلف قريب من الدوائر الدينية، لأن صفة الإسلام تُطلق على هذا العلم. طيب إذا كنت أنا أُدرِّس مثلاً موضوعاً في التاريخ الإسلامي لكنه خارج دائرة الإسلام، كالبعثة النبوية مثلاً: جزء منها مهم يُدرَّس هو حياة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة قبل البعثة، يعني بُعث الرسول وعمره أربعون.. يعني أربعون سنة من حياته كيف أصفها لك؟ هل أقول إسلامية؟ وهي تبحث في حياة الرسول، ميلاده.. وإرهاصات الوحي وإلى آخره، انتخابه من قِبَل العناية الإلهية من ضمن آلاف بل ملايين من البشر، كيف أصف قريشاً وقبيلته وأجداده، كيف أصف مجتمع مكة الثقافي والبيئي والاقتصادي والمعيشي؟ هذه غير إسلامية إذا كان المقصود أنه بعد الإسلام. ثالثاً: ليس صحيحاً أن التاريخ الإسلامي هو تاريخ القرآن والسيرة النبوية؛ فتاريخ القرآن الآن يُدرَس مستقلاً عن التاريخ الإسلامي، القرآن وعلوم القرآن الآن تُدرّس في الجامعات وقد أصبحت علماً قائماً بذاته، وليس صحيحاً أن التاريخ الإسلامي هو تاريخ السيرة النبوية. هناك رأيان بالمناسبة بخصوص السيرة النبوية: رأي يقول إن السيرة النبوية ليست بتاريخ، بل تجب معاملتها معاملة خاصة، لأنها مرتبطة بشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيها علوم تختلف عن علوم التاريخ. وهناك من يقول: هي جزء من التاريخ الإسلامي أو تاريخ المسلمين، وذلك غير صحيح، فالتاريخ الإسلامي أوسع: هو تاريخ قرون.. تاريخ حضارة.. تاريخ مدن.. تاريخ شعوب.. تاريخ هجرات.. تاريخ أمم.. تاريخ أفكار.. تاريخ اختراعات.. تاريخ اكتشافات.. ليس فقط تاريخ السيرة النبوية، أشكرك على السؤال لأنك فعلاً فتحت لي المجال أن أضيف قليلاً مما كنت أود أن أضيفه في إحدى المحطات التي لم أتمكن التوقف عنده. |
الدكتور مدني علاقي: السؤال الأخير من قسم السيدات. |
الأستاذة منى مراد: سؤال من الطالبة سلوان سندي، تقول: |
بسم الله الرحمن الرحيم، كيف يمكن الاستفادة من التاريخ الإسلامي في تحسين حياتنا اليوم، وبصفتك كاتب ومثقف كيف ترى واقع ومستقبل الثقافة العربية؟
|
الدكتور عبد الله العسكر: أختي سلوان سؤال جيد كيف نستفيد من التاريخ الإسلامي اليوم، في الحقيقة هذا سؤال طويل صعب، وعُقد له ندوات هنا وهناك في الغرب يعني كيف نستفيد من تاريخنا في حياتنا المعاصرة. |
أولاً: أنا أرى أن نزيل القدسية من التواريخ كلها ما عدا تاريخ السيرة النبوية، لأن لها خصوصية، لذلك أنا دائماً أطالب بأن السيرة تعامل معاملة خاصة، فعندما نزيل القدسية هذا تاريخ رجال، تاريخ شعوب، ينظر له نظرة موضوعية. |
ثانياً: حتى نستفيد منه أكثر، ألا نجعله تاريخاً سياسياً صرفاً، هناك زوايا ومحطات وقضايا عالقة جداً لا بد أن نهتم بها في التاريخ الإسلامي، قضايا اجتماعية وقضايا اقتصادية، لو أحضرناها واستحضرناها.. اليوم الناس هذا.. يمكن نجد فيها حلول لقضايا اجتماعية، قضايا سياسية، أعطيكم مثلاً في العالم الإسلامي موضوع الاختلاط، هناك آراء دينية لا يجب أن المؤرخ يتدخل في القضايا الدينية، حتى لو كان مثقف دينياً، تُترك قضايا الاختلاط من الناحية الدينية للفقهاء، للمتخصصين، أنا أدعو أن لا يكون للمؤرخ رأي في هذه القضية، لكن يجوز للمؤرخ أن يكتب رسالة أو بحثاً عن الاختلاط في المدينة في عصر مثلاً مروان الحكم مثلاً هذا موضوع، أو في عصر الدولة الأموية مثلاً، من الناحية التاريخية فقط يذهب إلى مصادر، مصادر التاريخ، الأدب، الشعر، التراجم، إلى غيره، طبقات النساء، ويرى هل هناك اختلاط نوع الاختلاط نوع اللباس هذا الذي يمكن أن نستحضره وأن نستفيد منه كتاريخ إسلامي في حياتنا المعاصرة، والموضوع يا أخت سلوان طويل في الحقيقة، ومدير الندوة يبدو الآن وكأنه يريد أن يقفل الندوة فلعلنا نتناول هذه القضية إن شاء الله في قابل الأيام في مكان وزمان آخر وشكراً. |
الأستاذة منى مراد: هو سؤال صغير فقط من الدكتورة منيرة العكاس: |
ماذا أضاف التاريخ الشفاهي لسعادة الدكتور عبد الله العسكر؟ شكراً.
|
الدكتور عبد الله العسكر: أنا قلت في مستهل كلامي في إحدى المحطات أن التاريخ الشفاهي مصدر من مصادر التاريخ ليس عندنا فحسب بل عند كل الأمم الأخرى التي سبقتنا بأن رصدت التاريخ الشفاهي وسجلته قبل أن يتوفى أصحابه، ثروة كبيرة جداً وكنز كبير يجب المحافظة عليه، أما ماذا أضاف لي؟ أنا أولاً لما اهتممت بهذه القضية وأسسنا وحدة التاريخ الشفاهي بدارة الملك عبد العزيز، اخترت كتاباً إرشادياً لأترجمه فترجمت الكتاب وأحضرت للشيخ عبد المقصود بعض النسخ البريطانية. وهذا الكتاب طُبع مرتين، ويعتبر مهماً في كيفية الاستفادة من التاريخ الشفاهي، وأنا أردت بتعريبه ونشره أن يتعلم طلاب التاريخ كيفية الاستفادة من التاريخ الشفاهي وكيفية جمعه وتوظيفه وكيفية تدوينه، ومن ثم كيفية تطبيقه وجعله مصدراً من مصادر التاريخ. أما ماذا أضاف لي فقد أضاف الكثير خصوصاً في تاريخ المملكة الحديث، هناك في الحقيقة قضايا سكت عنها التاريخ المدون ومردّ ذلك انعدام التدوين في بعض القرى في شبه الجزيرة العربية وفي المملكة العربية السعودية، فكان المصدر الوحيد إما قصيدة أو قصة أو حكاية، فبتسجيلها عرفنا مثلاً بعض مفاصل أو قضايا عالقة قارناها بالمدوّن فوجدنا أن الرواية الشفوية أصدق، وبالتالي صححت معلومة أو أضافت معلومة، أو فتحت لنا باباً مغلقاً للبحث أكثر، هذا ما استفدته من التاريخ الشفاهي، وشكراً للدكتورة منيرة. |
الدكتور مدني علاقي: هناك العديد من الأسئلة أحب أن أذكر أسماء الإخوان الذين طرحوا أسماءهم للمداخلات أو توجيه الأسئلة وهم: منصور سيد الحرم، خالد النجار، سعيد الغامدي مندوب المملكة الدائم لدى منظمة الطيران الدولي، محمد أيمن مراد مسؤول العلاقات العامة بمركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية، الدكتور عرفة حلمي عباس من جامعة "الملك عبد العزيز" والدكتور زيد بن علي الفضيل والمهندس عبد الغني حاووط، من لهم أسئلة من هذه المجموعة ستوجه إلى إدارة المنتدى لمعالجتها كالمعتاد ونأسف للإخوة الذين لم نتمكن من أخذ مداخلتهم وأسئلتهم لانتهاء الوقت وشكراً أيضاً للمحاضر الكريم سعادة الأخ الدكتور عبد الله العسكر على هذه المحاضرة، ونتمنى له التوفيق ولقاءات علمية أخرى في المستقبل القريب. |
الشيخ عبد المقصود خوجه: إضافة إلى ما قاله معالي الأخ الدكتور مدني علاقي تعودت الاثنينية دائماً أن جميع الأسئلة من السيدات والسادة التي لم نستطع طرحها في الاثنينية لضيق الوقت تُحال على المحاضر أو المحتفى به للإجابة عنها كما حدث الليلة، من ناحية أخرى أنه إذا لم يستطع المحتفى تغطية جميع النقاط التي أشار إليها سيعطينا إياها وسنوردها أيضاً في كتاب الاثنينية إن شاء الله، وشكراً جزيلاً. |
|