شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((الحوار مع المحتفى به))
عريف الحفل: أيها السيدات والسادة أمسيتنا الماتعة هذه مستمرة، وننتقل الآن إلى قسم السيدات والزميلة الأستاذة نازك الإمام.
الأستاذة نازك الإمام: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أصحاب المعالي، أصحاب السعادة، أيها السادة والسيدات.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
واحد من أبرز المفكرين السعوديين ومن أوائل الذين ارتبطت باسمهم مسألة الحداثة، فهو من الأوائل الذين درسوا الأدب الإنجليزي ففتح أمامه هذا التخصص معرفة الآخرين حضارة وثقافة وسلوكاً ونقداً. أعطى النقد طعماً جديداً، وجذب القراء بأسلوب فريد، لذا فهو موسوعة ثقافية تمشي على قدمين. أثرت أبحاثه وكتبه ومؤلفاته الحياة الثقافية والأدبية ليس في المملكة العربية السعودية فحسب بل في جميع بلاد الوطن العربي. اختلف مع البعض واتفق مع البعض الآخر لكن الكل يجمع على أنه من النقاد المبدعين والرواد المثقفين، فكان موعدنا الليلة مع الناقد والمفكر السعودي معالي الدكتور سعد بن عبد الرحمن البازعي أستاذ الأدب بجامعة الملك سعود وعضو مجلس الشورى، فأهلاً ومرحباً به، ونبدأ بطرح الأسئلة وبدايةً مع الدكتورة لمياء هاشم فلتتفضل.
مساء الخير الدكتور سعد، وأهلاً وسهلاً بك في جدة، نحن سعداء جداً بوجودك بيننا في هذا المساء الجميل.. مسيرتي مع الأدب الإنجليزي والانعطاف نحو دراسة الأدب السعودي تقارب مسيرتك كثيراً وكم هو جميل أن يضاء أدب قومي بمجاورته لأدب أجنبي، لكنني أسألك أيضاً عن مدى بلورة الهوية الذاتية بالاحتكاك مع أدوات الآخرين، أسألك لأنك تحدثت عن خطر تفلت الهوية، هل يهدد الاحتكاك بالآخر الهوية الذاتية عند الانفتاح على أدب الآخرين؟ وهل فعلاً يكون التفلت في مرحلة وسطى أي في خضم التفاعل؟ أم إنه إجراء مباغت يتشكل بعد اكتمال تجربة الانفتاح؟ وختاماً كنا نود أن نسمع أجزاء حميمية من سيرتك الذاتية المستقاة ليست من اللاتينية c.v ولكن من الإنجليزية (Auto biography) وشكراً.
عريف الحفل: الآن أيها الإخوة والأخوات نستمع إلى مداخلة من الدكتور يوسف العارف.
الدكتور يوسف العارف: السلام عليكم ورحمة الله، أهلاً ومرحباً دكتور سعد، شرفتنا في جدة المدينة التي كانت عروساً ذات يوم، نسأل الله أن تعود عروساً. عزيزي الكريم، "ثقافة الصحراء" الكتاب الذي لم يُذكر في سيرتك الذاتية الموزعة بيننا، يبدو لي أن هذا الكتاب لم يُذكر لسبب واحد، وهو أنه كتاب تجميعي لمقالات متعددة أو مجالات متعددة، سؤالي هنا: ما رأيك في هذه التجميعات التي تشكل كتباً من كثير من نقادنا وأنا واحدٌ منهم؟
السؤال الآخر: لك محاضرة في نادي المدينة المنورة أخيراً، تحدثت عن العلوم الإنسانية بأنها أصبحت خارج التاريخ، وإني أتصور أن أهميتها تكمن في كونها تعود إلى التاريخ، وهي دعوة لجامعاتنا ولكلياتنا أن تدرّس هذه العلوم الإنسانية ويُهتم بها. هل كان هذا طرحك في نادي المدينة أو إنك ترفض هذه العلوم الإنسانية وتخرجها خارج التاريخ؟ شكراً لك.
الأستاذة نازك الإمام: السؤال الآن مع الأستاذة صباح الدباغ فلتتفضل.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أحييكم على هذه الأمسية المطرزة بالعلم والفلسفة والأدب، والتواضع الواضح يا دكتور سعد، تساؤلي الأول: ما هي رؤيتكم المستقبلية للعولمة والهوية الأدبية والثقافية العربية، وهل الاختلاف الثقافي مع الآخر يؤثر في هذه الهوية؟
التساؤل الثاني: بقدر عطائكم واهتمامكم بالثقافة والأدب أين الاهتمام بالمرأة السعودية والإنتاج الأدبي والثقافي لها؟ شكراً لكم.
عريف الحفل: الآن الفرصة للأستاذ سعيد بن فرحة الغامدي.
الأستاذ سعيد الغامدي: أسعد الله مساءكم جميعاً، أحييك دكتور البازعي وهذه ليلة من الليالي الجميلة التي يسعدنا بها دوماً صاحب الاثنينية سعادة الأستاذ الشيخ الكبير عبد المقصود خوجه. أنا من مدرسة الهندسة التي تغبطها، وأتيت إلى حقل قراءة الأدب ولا أقول الأدب، لكنني أتيت إلى قراءة الأدب متأثراً ببعض الأساتذة الكبار الذين لهم باع طويل في هذا الميدان. لقد لاحظت أن معظم أدبائنا وكتّابنا يقرؤون أو قراءاتهم عن الأدب الإنجليزي والأدب الغربي بالذات هي عن طريق الترجمة، وأنتم تحدثتم عن الهوية فهنا أود أن أطرح سؤالاً: كيف تقيّمون من يقرأ عن طريق الترجمة ومن يقرأ الأدب باللغة الأم التي كُتِبَ بها؟ وكيف يؤثر ذلك على الهوية؟ لا شك أن إحدى الأستاذات الفاضلات قد طرحت سؤال الهوية في جو العولمة وجو ما نعيشه في الوقت الحاضر من تأثر شديد بالآخر، والتوجه لتعليم أبنائنا والتركيز على لغة الآخر أكثر من التركيز على لغتنا، فأرجو أن تضفي على هذا الموضوع شيئاً من علمك الوفير، شكراً جزيلاً.
الأستاذة نازك الإمام: الميكرفون مع الدكتورة مريم عبد الله سرور الصبان فلتتفضل.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أولاً أنا سعيدة جداً أن أكون إحدى حاضرات هذه الاثنينية، ولو لم يكن حضوري مستديماً، لكني أسعد بالحضور والاستماع إلى ما يُقدم وشكراً لسعادة الشيخ عبد المقصود لإتاحة هذه الفرصة للمرأة كي تشارك في هذه الأمسيات الرائعة.. هي مداخلة مع معالي الدكتور البازعي. حقيقة أنا ممن تابع كتاباتك منذ البداية وأقرأ لك باستمرار وأنا سعيدة بأن أستمع إليكم الليلة في هذه الأمسية.
ذكرتم الهوية وعلم المرجع، إذا كانت الهوية قضية لديكم من الذي يؤصِّل هذه الهوية لدى النشء في وقتنا الحاضر؟ شكراً.
عريف الحفل: سؤال أقرؤه بالنيابة مقدم من الأستاذ عبد الحميد الدرهلي، يقول فيه:
ما الذي يشغلك دكتور سعد في المسألة الثقافية؟ هل سنشهد انطلاقة فكر نهضوي جديد؟ ولماذا غابت لحظة النهوض التاريخية التي مثّلها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده والعقاد وغيرهم؟
الأستاذة نازك: سؤال لمعالي الدكتور، لو يسمعنا شيئاً من أبواب القصيدة، قراءات من أبواب القصيدة إذا سمحت. شكراً لك.
عريف الحفل: السؤال الآن من الأستاذ خالد المحاميد.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، جميلة هذه الليلة بوجود الدكتور سعد البازعي الذي نتشوّق دائماً لأن نستمع إليه وننصت إلى صوته النقدي النقي الواقعي. حينما استمعت للدكتور البازعي وهو يسرد سيرته غير الذاتية، استشعرت الألم الذي عانى منه ذلك الطالب السعودي الذي اتُهم بقتل أستاذه، ذلك أن قبولك بأن تكون حراً، يعني قبولك بتحمل الألم الذي يتسبب فيه حق الآخر بأن يكون حراً، ومختلفاً، ونافذة لما هو وثوقيٌ بالنسبة إليك. الآن يبدو لي أن كثيراً من الإنتاج الأدبي خاصة في الرواية وتحت ذريعة كشف المستور أو المخبوء، لم يعد يستشعر معضلة اختلافه عن الآداب الأخرى، ولم يعد يستشعر هويته التي يتمسك بها الدكتور البازعي ويدافع عنها، ويبدو لي أننا الآن نعاني من انقسام فهناك ثقافة الانسلاخ، وهناك ثقافة التمكين، وفي الجانب الأول أي ثقافة الانسلاخ أصبحت السخرية من كينونتنا الثقافية واقعاً وحتى من قيمنا الدينية، كيف تفسر هذه الحالة التي وصلنا إليها؟ شكراً دكتور.
الأستاذة نازك: سؤال من الطالبة الجامعية آلاء الزهراء.
السلام عليكم، أنا آلاء عبد المجيد الزهراء، طالبة جامعية، أتوجه بسؤالي لسعادة مدير النادي الأدبي: لماذا لا تتم الاستفادة من تجمعات الناس في الأسواق الحديثة المغلقة أعني "المولات" وبث الثقافة فيهم وتحبيبهم بالأدب وأهله ولو عن طريق توزيع مطويات ونشرات أدبية خفيفة بحسب مستوى قدراتهم وشكراً.
عريف الحفل: سؤال نُقِل إلينا كتابةً من خالد الأصور من جريدة "عكاظ" يقول:
الدكتور سعد، في كتابكم المكون "اليهودي في الحضارة الغربية" أخذ عليكم البعض الانحياز للهوية اليهودية، وللمفكرين اليهود في الغرب، بينما جاءت إبداعاتهم في سياق انتمائهم للمجتمعات الغربية المسيحية وليس لكونهم يهوداً، كما ذهب إلى ذلك بحق وليس كما ذهب المفكر العملاق عبد الوهاب المسيري، وإلا فأين إبداعات يهود العالم العربي، أو يهود الفلاشا؟
عريف الحفل: السؤال لدى الأستاذ حميدي الثقفي.
السلام عليكم ورحمة الله، من دواعي سروري حقيقةً أن أجد نفسي هذه الليلة جالساً أمام مقامات ثقافية كبيرة لطالما تمنيت مجرد رؤيتها، وليس المداخلة معها، فأنا منذ أتيت من القرية في منتصف الثمانينات وبدأت تكويني الثقافي سماعاً أولاً كشاعر شعبي ثم قراءةً ثم تجاوزتها بعد ذلك، كان الأستاذ سعد البازعي حقيقةً من أهم الأسماء التي ساهمت في تكوين ذائقتي الثقافية من خلال إصداراته، ولم أتخيل نفسي يوماً أمام أساتذة مثل الأستاذ محمد عبده يماني والأستاذ سعد والأستاذ عبد الله مناع والأستاذ الدكتور عبد المحسن وغيرهم من القامات، فأنا مغتبط لمن جمعنا وشكراً له. مداخلتي تتمحور حول هذا الانفلات الإعلامي المسمى بالقنوات الشعبية، بكل فعالياتها رديئها وجيدها بدءاً من الجنادرية إلى هذا الانفلات الهائل والكم الهائل من القنوات التي تطرح ثقافة رديئة تسهم في هدم ذائقة الإنسان في هذا الخليج على الأقل، أو على المستوى العربي حتى تحت حجة الاقتصاد والتسويق وأن هذا التاجر حر في أن ينمي أمواله بقناة، لكن هذه القناة وأقصد القنوات التي تدعي التخصص بالآداب الشعبية والموروث الشعبي دون ذكر أسماء، هي قنوات فضائية معروفة تمارس نوعاً من الطرح الثقافي الرديء إلى درجة أنها استحوذت على ثمانين في المئة من مشهدنا الثقافي حتى في الجنادرية، كيف يرى الدكتور سعد واقعنا الثقافي ومستقبلنا الثقافي أيضاً في ظل هذا التواجد الخطير والهائل؟
النقطة الثانية: ذكرت دكتور سعد في كتابك "ثقافة الصحراء" وذكرت الليلة في سياق حديثك أن شعراء القصيدة الحديثة في منتصف الثمانينات كانوا يتمثلون ثقافة الصحراء، بمعنى -كما فهمت أنهم لا يستطيعون معايشة الواقع- واقع ثقافة الصحراء، وإنما تمثلوا ذلك، أود لو أن تضيء كيف ولماذا إذا شئت؟ شكراً لك.
عريف الحفل: نقفل باب الأسئلة الآن، على الرغم من أن هناك المزيد منها، ونترك المجال لسعادة الدكتور سعد البازعي للإجابة على هذه التساؤلات والمداخلات فليتفضل.
الدكتور سعد البازعي: شكراً جزيلاً لكل من تداخل هذه الليلة، وأثرى هذه الأمسية بأطروحات معظمها لم يخطر لي ببال أو أنها خطرت إنما ليست من الزاوية التي رأيتها. طبعاً كل سؤال أو معظم الأسئلة تطرح قضايا كبيرة يمكن أن نتحدث فيها طويلاً، لذلك فإن الإجابات ستظلم الأسئلة بالتأكيد لأن الوقت لن يتسع للحديث عن كل هذه القضايا، فمثلاً قضية الهوية التي أثارتها الدكتورة لمياء باعشن وتأثر الهوية بالاحتكاك بالآخر، أعتقد أن هذه القضية بحد ذاتها هي من القضايا الكبرى، لكنني بإيجاز أقول: لا شك أن الوضع الذي عشته ليس فريداً من نوعه، بل عاشه كثير ممن ذهبوا إلى الآخر وعاشوا في ثقافات مختلفة، فمثلاً رواية "عصفور من الشرق" لتوفيق الحكيم تجسد هذه المواجهة الصعبة التي نحس فيها باختلافنا وبالتالي نطرح أسئلة جذرية على أنفسنا لم نكن لنطرحها لو بقينا حيث كنا.
فأنا أعتقد أن هذه الأسئلة بقدر ما هي مثرية فإنها أيضاً خطرة، وقد أودت بهويات كثيرة، هناك أناس فقدوا قدرتهم على معرفة الطريق أو الاستمرار فيه فانتهوا إما إلى وضع يائس من فعل أي شيء، أو إلى طرح أسئلة لا إجابات عنها، وبالتالي فقدوا الكثير من قدرتهم على العطاء، وهناك أمثلة كثيرة طبعاً يصعب الحديث عنها. لذلك إن التمسك بالهوية لا يعني أن الهوية أصبحت قارة وهادئة وانتهى الأمر، إنما هي مسألة نسبية.. أنا أعتقد أن من عافية الهوية ألا تكون قارة منتهية ساكنة، بل تظل قلقة بقدر معين من القلق الذي يجعلها مبدعة، لكن لا شك في أننا نلعب على حبل سيرك هنا عندما نواجه الاختلاف الثقافي، ولي كتاب كامل حول ثقافة الاختلاف والاختلاف الثقافي حاولت أن أجيب عن بعض هذه الأسئلة الكبرى، ليس إجاباتي أنا وإنما إجابات مفكرين كبار عاشوا هذه القضايا وتحدثوا حولها.
وأجيب الدكتور يوسف العارف حول ثقافة الصحراء وكتب التجميع بأن كثيراً من كتب النقد يا دكتور يوسف هي في الواقع جمع مقالات، رغم أن كلمة تجميع قد تقلل ربما من قيمة الكتاب، فأكثر كتب إدوارد سعيد هي هكذا مثلاً، كما كتب نقاد غربيون كثر وعرب كثر، وكذلك معظم كتب طه حسين هي مقالات كـ "حديث الأربعاء" وغيره.. المشكلة ليست في التجميع، بل في أن نجمع مقالات لا صلة لها ببعضها لنؤلف كتاباً بأي شكل، فإذا كانت الكتب منسجمة، أي إذا كانت المقالات أو الدراسات تؤلف فعلاً كتاباً متناغماً فإني أعتقد أن هذا مشروع بل مطلوب، فثقافة الصحراء كانت جماع دراسات كُتِبت في أربع سنوات وكلها تصب في شعر وأدب الحداثة، ليس فيها شيء يخرج عن هذا الإطار إطلاقاً، وكلها تتمحور حول "ثقافة الصحراء" وهذه أيضاً نقطة مهمة، والكتب الأخرى طبعاً قلت رأيي فيها.
حول موقفي من العلوم الإنسانية: أنا كنت أتأسى على وضع العلوم الإنسانية، وأنا ابن العلوم الإنسانية كما أنت وكثير من الزملاء هنا.. فالعلوم الإنسانية تعاني في جامعاتنا معاناة كبيرة، إذ تثار الآن أسئلة حول وجود كلية آداب مثلاً. ما الضرورة لوجود كلية الآداب؟ أعتقد أن وضعها الحالي يجعلها فعلاً في وضع مأسوي لكن الهدف هو أن تكون في وضع أفضل وأن تحترم، وأن تُدعم، على المستوى الذي تُدعم فيه الكليات الأخرى.
أما سؤال الأستاذة صباح الدباغ حول رؤيتي للعولمة؛ هناك كتاب لي "شرفات للرؤية" حول العولمة والهوية الثقافية، والعولمة تؤثر بلا شك في كل مكان من العالم حتى في فرنسا، ففرنسا التي تعتبر جزءًا من الحضارة الغربية تعاني أزمة الهوية تحت تأثير العولمة الأمريكية، وهناك صراع في فرنسا للحفاظ على اللغة الفرنسية من الهجوم اللغوي الإنجليزي، وكذلك الحفاظ على الأطعمة واللباس وإلى آخره، فنحن لسنا وحدنا في هذه المسألة أو في هذه المعركة، فمعركة العولمة هي لا شك معركة عالمية إنما لها أيضاً جوانب إيجابية؛ فهي تستنفر الروح المبدعة في الثقافات المختلفة وتدفعها لأن تكون فاعلة، لا أن تشتكي فقط وتندب حظها.
أمّا سؤال الاهتمام بالمرأة، فأنا لا أدعي حقيقة أنني قدمت ما ينبغي أن يقدم لدراسة أدب المرأة، وقد يعترض البعض على مسمى أدب امرأة وأدب رجل، لكني أعتقد أن الصوت النسائي في الأدب السعودي صوت مهم، وقد حاولت في السنوات الأخيرة على الأقل أن أكتب ما يمكنني كتابته لفهم هذا الصوت وتبين جمالياته.. كتبت الكثير في اعتقادي نسبياً عن أشجان هندي، سعدية مفرّح، أميمة الخميس، بدرية البشر، وأسماء كثيرة غيرهن، كلها نُشرت، وألقيت محاضرات حول بعضهن، محاضرات كاملة، أنا لا أقول هذا مدافعاً، إذ أشعر أنني مُقِل في هذا، لكن لا شك في أن هناك بعض الاجتهاد لي ولزملاء كثيرين آخرين.
سؤال الأستاذ سعيد فرحة الغامدي حول الترجمة؛ وهو سؤال مهم جداً في الواقع، أنا أتذكر كلمة لأحد المترجمين العرب الكبار اعترف بأنه ارتكب أخطاء كبيرة في ترجماته من الآداب الغربية ومن الأعمال الفكرية الغربية، والحقيقة عندما يعترف مترجم كبير مثل هذا تتألم لوضع من يقرأ هذه الكتب، لذلك فإن السؤال ينبغي أن يظل قائماً حول مصداقية الأعمال المترجمة، ولكن لأن كثيراً من القرّاء لا يستطيع أن يقرأ إلا من خلال هذه الأعمال، فإنه لا يقرأ الثقافات الأخرى إلا من خلال هذه الترجمات، وليس بوسع القارئ إلا أن يكون ناقداً لما يقرأ، لذا يجب عليه ألا يتقبل الأشياء على علاّتها، وأن يحاول أن يقرأ أكثر من ترجمة إذا لزم الأمر، وفي النهاية.. لا نستطيع ونحن نتأمل مثل هذا الوضع إلا أن نتأسى على وضع الثقافة العربية التي رُكِمت بكثير من الترجمات الخاطئة، لكن في المقابل هناك ترجمات ممتازة، والوضع ليس بالسوء الذي يخطر على البال لأول وهلة، فهناك حركة ترجمة متميزة في السنوات الأخيرة أرجو أن تستمر وأن تُعمِّق مستوى أعلى من الترجمة.
ما ذكرته الدكتورة مريم الصبان حول تأصيل الهوية أنه لا يحتاج إلى كثير من التفكير.. فالمدرسة والبيت وحتى الساحة الثقافية بشكل عام كلها مسؤولة عن تربية النشء وتأصيل الهوية لديهم، لكن البيت يأتي في المقام الأول دون شك، والبيت المثقف يختلف عن البيت غير المثقف، والمدرسة التي تُعلِّم بمناهج صحيحة، تختلف عن المدرسة التي تعلم بمناهج فيها أخطاء أو فيها هشاشة.
بالنسبة لسؤال الأستاذ عبد الحميد.. سؤال كبير والحقيقة ليس لديّ إجابة عليه الآن، لأنه لحظ النهضة العربية وكيف لم تستمر.. هو أيضاً جازم بأنها لم تستمر.. أنا أعتقد أن هناك استمرارية لهذه اللحظة؟ يعني أن ما أُنجز منذ الأفغاني إلى اليوم كبير، ولا ينبغي أن نظلم المفكرين العرب والمثقفين والمبدعين الذين جاؤوا بعد محمد عبده والأفغاني وكأنهم لم يفعلوا شيئاً، بالعكس أنا أعتقد أن هناك منجزات لكنها دون الطموح، لا شك أنها دون الطموح.. ولا أستطيع أن أُعطيك إجابة شافية في هذه العُجالة، حول سؤال صعب مثل هذا.
الأستاذ خالد المحاميد طبعاً طرح مجموعة أسئلة وملاحظات، وانتهى إلى مسألة الانسلاخ الثقافي. الانسلاخ الثقافي يعيدنا إلى العولمة مرة أخرى، وإلى الوضع القلق الذي يعيشه بعض المثقفين والمبدعين العرب في مواجهة الحضارة الغربية وتفوقها وشعورهم بأن من الضروري أن نُقلد في كل شيء، وقد سمعت بأذني أستاذ فلسفة في جامعة "القاهرة" من المفترض أن يكون من كبار أساتذة الفلسفة يقول: "ينبغي أن نعتنق العولمة، ينبغي أن نفرح بها، ونوسّع لها الأبواب".. تخيّل أستاذ فلسفة يقول هذا.. يُخيل إلي أنه من الصعب أن تجد أحداً أكثر عمقاً من أستاذ للفلسفة، لكن هذا النوع من الانسلاخ موجود أو الدعوة إليه حتى، ويؤدي أيضاً إلى مشاكل ذاتية لأننا نعيش ضعفاً ثقافياً داخلياً، يدفع بالبعض إلى اعتناق ما لدى الآخر وكأنه هو البديل الأمثل، فهي مشكلة مزدوجة أو متعددة الجوانب..
الدكتور سعد البازعي: الطالبة آلاء الزهراء، طرحت سؤالاً في غاية الأهمية حول التواصل مع الناس، أو تواصل الأندية مع الناس، وهذا سؤال مطروح وبشكل ملحّ، ليس من خلال التواصل مع الناس في السوق، وإنما أيضاً تواصل الأندية مع الشباب، مع الجيل الشاب، وهذا أيضاً مهم جداً، لكن الوصول إلى الشارع أو للسوق وطرح ثقافة هناك يعتبر تحدياً كبيراً لا أدري إذا كانت الأندية قادرة عليه بإمكانياتها الحالية، أضف إلى أنه يستلزم خطاباً من نوع مختلف عن النوع الذي يُطرح داخل الأندية، لأن داخل الأندية تُطرح الثقافة بمستوى معين، وعندما نذهب إلى "المول" أو إلى السوق ونريد أن نخاطب الناس لا أدري كيف ستكون الثقافة حينذاك، ولا أدري ما إذا كان المثقفون الحاليون أساتذة وأكاديميون أو غيرهم قادرين على هذا المستوى، أو هذه القدرة، أو هذه التقنية، أو المهارة في التواصل مع الناس، لكنها بلا شك فكرة جديرة بالاهتمام.. في النادي الأدبي بالرياض فكرنا أن نُشكّل مكتبة متنقلة تطوف على المدارس وتتفاعل مع الطلاب، وربما يكون هذا أقرب من السوق حيث الناس يطلبون ربما أدباً شعبياً أكثر مما يطلبون أدباً فصيحاً.
لعل هذا يأخذني ما دمت ذكرت الأدب الشعبي إلى ما ذكره الأستاذ حميد الثقفي حول القنوات الشعبية.. سأقفز وأنا أشاركه وأعتقد الكثير من الإخوة هنا يشاركونه هذا الهم، هَمْ ما تطلقه علينا هذه القنوات ليس الشعبية فقط وإنما حتى غير الشعبية من ثقافة رديئة، وليس القنوات فقط وإنما حتى الإذاعات، أي إذاعات الأغاني، أعتقد أنها تهبط بالذائقة الموسيقية وبالذائقة الفنية لدى الناس، لأنها تقدم للجمهور ما يريد، ولا تحاول أن تثقف هذا الجمهور ولا تحاول أن ترتقي به.. طبعاً الهدف هو المصلحة المادية في نهاية الأمر؛ أنت لا تستطيع أن تناقش صاحب إذاعة يقول لك أنا أريد إعلانات، فالمشكلة مزدوجة أو متعددة المستويات لكنها هَمْ من دون شك، وأعتقد أن بعض الشعراء مثل حميدي الثقفي بتميزهم مسؤولون أيضاً، لأنهم لا يقدمون أنفسهم أو لا نراهم في القنوات... أعني أن الأستاذ حميدي وأمثاله منزوون كثيراً، وينبغي لهم أن يظهروا.. وبالمناسبة أعتقد أن الحميدي أحد أهم صوتين أو ثلاثة في الشعر الشعبي، في القصيدة الشعبية المعاصرة، وأنا من المعجبين به كثيراً، وبالمناسبة كلمة شعبي تظلم مثل الحميدي، لأنهم يكتبون قصيدة معقدة جداً ومركبة ليست لأبعد ما يكون عليه مفهوم القصيدة الشعبية، هي شعر حقيقي لكنه مكتوب بالمحكي بالعامي، فأنا أحييه في هذه المناسبة.
وأعود لسؤال حول اليهود والحقيقة أنني أتيت بكتاب المكوِّن اليهودي لأنني عرفت من الأمسية أو ممن وصلني من منظمي هذا اللقاء الكريم أنه يُفترض بي أن أتحدث عن كتاب محدد من كتبي فقلت إن اتسع الوقت أتحدث عن هذا الكتاب، لكن يبدو لي أن الوقت لن يتسع لحديث مطول وإنما فقط سأجيب عن هذا السؤال الذي يأخذنا إلى هذا الكتاب أو هذه التجربة أو المشروع في الكتابة عن اليهود، وأيضاً لأنه يُتيح لي فرصة الحديث عن الأستاذ الدكتور عبد الوهاب المسيري يرحمه الله؛ فالدكتور عبد الوهاب المسيري كان زميلاً وأستاذاً في آن واحد، وذلك في قسم اللغة الإنجليزية بجامعة "الملك سعود" وأثريت بالتعرف عليه، واهتمامي أنا باليهود لا شك أنه لم يكن ليتطور بهذا الشكل لولا تعرفي بالدكتور المسيري، لكنني وأنا أستفيد منه اختلفت معه في بعض القضايا، منها اعتقادي بأن الهوية اليهودية مهمة لفهم كثير مما كتبه أو تركه مفكرون ومبدعون لهم خلفية يهودية.. طبعاً نحن لن نزايد عليهم، هم يفتخرون بهذا ويقولون أنا يهودي أمريكي أو يهودي ألماني أو يهودي فرنسي، بل يفصل في هذا ويذكر كيف أثرت هويته اليهودية في أعماله، وأنا أعتقد أن لا مجال في مثل هذا السياق لأن نأتي نحن ونقول ليس لهذا تأثير، صحيح أنهم ليسوا يهوداً ديناً، إلاّ أنهم يحملون خلفية ثقافية تأثرت بموقع اليهود في المجتمعات الغربية كونهم أقليات وكونهم اضطهدوا، وكونهم يختلفون ديناً وتاريخاً، كل هذا أثر في الشعر وأثر في الرواية وأثر في الأدب، وخلق منهم شخصيات قلقة ودفعهم للإبداع من زوايا معينة ينبغي أن نفهمها، فلنأخذ مثلاً "كارل ماركس" الذي لا ينظر إليه كثيرون بوصفه يهودياً لكن كارل ماركس دافع عن اليهود دفاعاً مستميتاً، كأقلية.. وصحيح أن هذه النظرية قد لا تنطبق على نظريته في الاقتصاد السياسي، لكنها مهمة لفهم عقليته هو، وموقعه من المجتمع وتأثيره في بعض كتاباته الأخرى، يعني نقده للثقافة الألمانية غير اليهودية، ثقافة الألماني نفسه، وطبعاً قِس على هذا فرويد وغيره، فأنا لا أقول إنهم يهود مئة بالمئة وأن كتبهم أو أعمالهم يهودية بالكامل وإنما هي متأثرة بهذا الانتماء.
طبعاً أنا أبعد ما أكون عن الانحياز لليهود، لكنني أعتقد أنه من الضروري أن نفهم هؤلاء دون أحكام مسبقة، تجعلنا غير قادرين على فهمهم؛ فالحكم المسبق يعني أن تتحدث عن بروتوكولات حكماء صهيون وعن أن هؤلاء قادرون وأن هؤلاء كذا أو كذا.. سيجعلك غير قادر على فهم ما أمامك، بل إن من الضروري أن ندرس ما كتبوا وأن نستفيد من تجربتهم هذا هو الأهم، أقلية استطاعت أن تكون في القمة، كيف استطاعوا أن يكونوا في القمة؟ سبعون في المئة في الثلاثينات من القرن العشرين من الأطباء في نيويورك كانوا يهوداً، والآن ما يزيد ربما عن 70٪ من الأساتذة في الجامعات الكبرى الأمريكية أصلهم يهود، لماذا؟ لهذا الوضع الذي وجدوا أنفسهم فيه، وحاجتهم لترسيخ مكانتهم في المجتمع، على الرغم من أنهم ينتمون إلى أمريكا مثلما ينتمون إلى اليهودية، وعلى الرغم من أن كثيراً منهم ضد إسرائيل، وينتقدون الصهيونية وغير صهاينة، لكن الانتماء إلى الثقافة وإلى جماعة معينة ليس عيباً بحد ذاته، هم يريدون هذا، لكن فهمهم هو ما حاولت أن أقدمه في هذا الكتاب، وأعتقد أن الدكتور المسيري قدّم أكثر مما قدّمت وهناك آخرون لا شك أسهموا في هذا، فالهدف هو أن نفهم الآخر فهماً مختلفاً غير دون إسقاط، دون أحكام مسبقة، نحاول بقدر الإمكان أن نفهم الآخرين بالشكل الصحيح.
كتابي في الحقيقة أثنى عليه أحد اليهود، يهودي أمريكي كتب مراجعة على الكتاب في مجلة أمريكية، ولم يلتفت إلى أمر لو اكتشفه لعدّني من أعداء السامية، لأنني قلت أن تفوق اليهود وحرصهم على تطور الحضارة أو تطور المجتمعات الغربية هو حرص فئوي، لأن هذا الحرص من شأنه أن يدعم مكانتهم في المجتمع أيضاً؛ أعني أن اليهود من أكبر دعاة العلمانية مثلاً، والتخلص من الدين، فرويد طبعاً في المقدمة وكارل ماركس كما هو معروف، لأن هذا سيزيح عقبة الحقد الديني والعداء الديني ويتيح الفرصة لأقليات اضطُهدت بسبب الدين، فمن هنا نفهم أن هناك مصلحة في الهوية جعلت هؤلاء يسعون إلى ما سعوا إليه.. بالنسبة لليهود العرب لهم إبداعات، وإحدى طالباتي الآن في قسم اللغة الإنجليزية تعمل على إبداعات اليهود العرب الذين كتبوا باللغة الإنجليزية، وهم يهود عراقيون، كتبوا عن تجربتهم في العالم العربي سيراً ذاتية، وروايات تحكي عن وضع اليهود في العالم العربي وأعمالاً جديرة بأن تُدرس، وليس صحيحاً بأن ليس لهم إبداع، لهم إبداع، وفي مصر كما نعلم الحركة الفنية والمسرحية قامت على أكتاف عدد من اليهود: ليلى مراد مثلاً، وملحنون كبار، وهناك مسرحيون أيضاً لكنهم ليسوا يهوداً مئة بالمئة.. هم أيضاً مصريون ومتلبسون بالثقافة العربية، فهذه الأشياء يجهلها أكثرنا ولا تزال بحاجة إلى المزيد من الدراسة.. آسف إن كنت أطلت في هذا الحديث وأشكركم على اجتماعكم مرة أخرى.
عريف الحفل: شكراً لسعادة الأستاذ الدكتور سعد بن عبد الرحمن البازعي عضو مجلس الشورى السعودي ورئيس النادي الأدبي بالرياض، ضيف أمسيتنا لهذه الليلة، وأيها الإخوة قبل أن نصل إلى الفقرة الأخيرة في هذه الأمسية نود أن نشكر الأستاذ الدكتور عبد الله حسين باسلامة الذي قدّم نُسخاً من كتابه "من الصور نستوحي الكلمات" فله الشكر والتقدير.
أما الآن أيها السادة والسيدات فيتفضل سعادة مؤسس الاثنينية الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه وسعادة راعي هذه الأمسية الأستاذ الدكتور عبد المحسن القحطاني بتقديم هدية تذكارية هي عبارة عن لوحة الاثنينية لضيفنا المحتفى به سعادة الدكتور سعد البازعي.
الشيخ عبد المقصود خوجه: فقط قبل أن نختتم الأمسية أحب أن أوضح أن هناك اثنتين وعشرين سيدة في الصالة وثلاث سيدات هنا، الحمد لله بيننا الليلة خمس وعشرون سيدة، شكراً لهن!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :452  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 49 من 199
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.