شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الدكتورة أشجان هندي))
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ولا عطر بعد عروس كما يُقال، وبعد ما قيل في هذه الليلة، وما تفضل به الأساتذة قبلي، وجميعهم أساتذتي بالتأكيد وتحديداً الماضي الذي لا أعلم من أين أخرجته الدكتورة لمياء الليلة، لكنه أفادنا كثيراً في الهدية وهي فعلاً وصلتني بشهادة الجميع.
مساء الوطن والتكريم في الوطن
ومساء جدة البهية
مساء حارة المظلوم مختلطاً بأنفاس الحمام
وآخذاً بجناحَيّ الصغيرين
يُعلِّمُهما التحليق البعيد فوق أسطح المنازل الطيبة
المعجونة بملح البحر وعذوبة شموس الضحويات والعصاري
ومسائي وأنا متدثرة فيها برطوبة الطين
أكتب قصيدتي الأولى وأنا في التاسعة من عمري
مساء أصوات الأزقة ووجوه الطيبين
ومساء كل من حضر مشكوراً ليقاسمني شهد التكريم
مغموساً فيه شكري وامتناني لراعٍ من رعاة الأدب في المملكة
راعي هذه الاثنينية الشيخ الأديب عبد المقصود خوجه.
السلام عليكم جميعاً وعسى أن نقتسم النجاح، فالنجاح ليس منجزاً فردياً، بل هو منجز جماعيٌ يشترك في صنعه الجميع، ويقتسم ثماره الجميع، فلذيذ العيش أن نقتسمه.
أستاذي الفاضل، أيها العالم تبارك من أبدعك، شكراً لمدرستك التي تعلمتُ فيها ولم أزل، كيف أكون أشجانَ، شكراً لياسمين الشجن، ولورود الفرح، شكراً للفقد والحب، وللخبث والنقاء وللغربة والوطن، شكراً لعائلتي ولأخي حسين -رحمه الله- الذي علمني كيف أكون الفتاة الواثقة من نفسها، كيف أفخر بكوني امرأة، كيف أحب الرجل أخاً، وأحترمه معلماً وزميلاً، وكيف أكون أخت حسين، بيننا الليلة صديق عمره وأحييه: الأستاذ الشيخ محمد سعيد عمر بحراوي.. شكراً لحارتي الصغيرة ولوطني الكبير، شكراً لكل إنسان علمني كيف أكون إنسانة، شكراً لكل السابقين فقد صنعوني جميعاً بعد الله، وإن ما لدي قليلٌ والله ولكنه يكبر بوجودكم جميعاً في مشهد حياتي، وكم يزيد روحي بهجة أن يكون بيننا الليلة في الصالة الأخرى ثلاث سيدات فاضلات من معلماتي في مختلف مراحلي التعليمية، أستاذتي والمعلمة والأم الفاضلة حياة أبو العلا، التي احتضنت خوف روحي الصغيرة في المرحلة الابتدائية فتعلمت في ما بعد كيف أشفُّ وأحنو، والمعلمة الفاضلة الأستاذة آمنة منشي التي علمتني في المرحلة الثانوية كيف يزداد الإنسان شموخاً كلما ازداد نقاءً ووفاءً وإنسانية، وأستاذتي سعادة الدكتورة الشاعرة مريم بغدادي التي علمتني وأنا على مقاعد الدراسة في مرحلة البكالوريوس كيف أكون كبيرة بالله، قوية واثقة بالغد الذي يزورنا جميلاً وأنيقاً بقدر ما نجتهد في كتابة بطاقة دعوته إلى مستقبلنا، وأتذكر -وعسى إن شاء الله أن تسمعني- الدكتورة مريم في الصالة الأخرى عندما كنت في البكالوريوس، إذ كانت الدكتورة الله يحفظها تناقش الأدب الجاهلي فكنا نناقش قصيدة في الأدب الجاهلي أو ما شابه، أجابت زميلاتي وأجبتُ أنا.. الظاهر أن الإجابات لم تكن موفقة تماماً، وفي النهاية ختمت الدكتورة الموضوع وأجابت الإجابة الصحيحة بالتأكيد، فقلت -وقد أجبت أن "أوري نفسي وأتفلسف" أمام دكتورتي- وكان خطأً مني: "الآن صحصح الحق" تعقيباً مني أو تعليقاً على خطأ في الـ... (طبعاً الصحيح هو: الآن حصحص الحق) فقالت لي: "أنت اللي صحصحي يا أشجان"، والله ومن يومها وأنا "مصحصحة" للآن.
عصيٌّ على النسيان أستاذي في مرحلة الماجستير بجامعة الملك سعود سعادة الأستاذ الدكتور منصور الحازمي، الذي شرع بعذوبة خَلاَّقة في وجهي أبواب الإبداع، فغرفت ولم أزل من غيوم خبرته وعلمه وخفة ظله وحضوره الإنساني الراقي. كذلك للشاعر الوزير معالي الدكتور غازي القصيبي أثرٌ يظل كنقش لا ينمحي في ذاكرتي الإبداعية، فقد توقعني شاعرة لديها ما يختلف منذ اللحظة الأولى، التي استمع فيها إلى شعري في أوائل ظهوري، ودعم عن بُعدٍ حضوري كقلمٍ من المملكة ودافع عنه ولم يزل، علمني هذا الشاعر كيف أكون قوية معتزة بمنجزي، كيف لا أدور فقط في فلك المناطقية والمحلية، وكيف أمضي في طريقي بثقة فتاة من المملكة تؤمن بوطنها وبقدرته الفعلية على منافسة الآخر والتفوق عليه أيضاً في كل الميادين.. القصيبي عَلَّمني أن عبارة "أن تحب وطنك" تعني أن تخلص لإبداعك ولمنجزك في أي حقل تكون فيه.
لم تكن طريق جمع الخبرات والتجارب التي مشيتها ولم أزل ممهدة؛ فقد آذت روحي مطباتها الطبيعية والاصطناعية بقدر ما أسهمت في تشكيلي كشاعرة وأستاذة جامعية، وإني أحمد الله أولاً وأجدد امتناني لوطني ممثلاً بوزارة التعليم العالي أن هيأت لي فرصة مستحقة لمن يطلب العلم لدراسة الدكتوراه خارج الوطن، هناك في لندن، حيث تعلمت أن الآخر الذي قد لا يشبهني يحمل معه خيره وشره مثلي تماماً فجميعنا بشر، وأن أرض الله أرضٌ لجميع خلقه، يتبادلون فيها الخبرات والمعارف، ويقتسمون فيها السلامة والانسجام ما حافظوا فيها على الحقوق والواجبات والنظام. في لندن ازدادت ثقتي بنفسي وتعلمتُ أن الغريب عن ميدان تبادل الخبرات الإنسانية والعلمية والإبداعية كمنجز إنسانيٍ مشتركٍ بين خلق الله يظل غريباً حتى وهو يعيش في وطنه، الحياة هناك علمتني أن الآخر يراك من المكان الذي تضع أنت نفسك فيه.. الطبيعة في بريطانيا علمتني كيف أنصت بهدوء إلى إيقاع روحي الداخلي وأنسجم معه، وكيف أتذوق الإبداع في لغة أخرى غير لغتي الأم، لكنها لم تهبني الكثير من تجليات لحظة كتابة القصيدة، فأجمل ما كتبته في تقديري أنا من قصائد لم أكتبه إلا وأنا في المملكة.
في لندن، أنجزت بحثي للدكتوراه في تخصص الأدب العربي الحديث وحصلت على توصية بطباعته من جامعة لندن، لكنني عدتُ بعدها إلى المملكة فسرقتني شراسة دوّامة العمل، ولم أكمل إجراءات طباعته. في هذا البحث تناولت برؤيتي النقدية شعر ثمانٍ وعشرين شاعرةً معاصرةً من المملكة العربية السعودية والخليج العربي واليمن، وسلطت الضوء من خلال قصائدهن على علاقتهن بالتراث الذي يُمثل الماضي.. الذات.. الأنا.. الذاكرة الجمعية في مقابل علاقتهن بالحاضر الذي يعشنه، والذي يمثل الأنا والآخر، وقد توصلت في ذلك إلى نتائج طيبة ستُنشر مع هذا البحث في كتاب إن شاء الله قريباً.
أما جميع المشاركات الثقافية الخارجية الكثيرة التي تشرفت فيها بتمثيلي لوطني، سواء من خلال ورقة عمل أو ندوة ثقافية أو أمسية شعرية أو خلافه، والتي شاركت أغلبها بدعوات وصلتني من خارج الوطن، فإنني أهدي أيَّ نجاح أكون قد حصدته فيها إلى وطني وإلى كل من فيه وأتشرف بذلك، لأن إيماني الراسخ هو العمل بروح الفريق لا بروح الفرد، وبنفسج سعادتي حين أُعرَّفُ في هذه المشاركات لا بصفتي الشخصية بل بأني شاعرة أو مثقفة من السعودية، وأشعر وقتها بأنني أكثر من أشجان، وهل يكون الفرد كثيراً إلا بالجماعة، وهل أكون إلا بكم؟ فلكم جميعاً ولحارة "المظلوم" أُهدي هذا التكريم. ولعلي أُفشي الليلة سراً؛ فالليلة أسرار بدأتها الدكتورة لمياء، ونكمل بسرٍّ خاصٍ عني لا تعرفه إلا عائلتي، وذلك أني مقلة في الخروج من منزلي في جدة، فإن خرجت لا أكون إلا في البلد في "جدة القديمة" أشم رائحة أزقتها فتصفو روحي وتنجلي وحشتها.
أشكر حضوركم الباذخ بهاءً، المترع أناقةً، وجلالاً إنسانياً، ولتدم ثقافة التكريم في وطني سنديانة خضراء ما دام الليل والنهار، وقبل أن أختم بقصيدة كتبتها فيمن أهوى، سأقف بآيات لا يفارق لساني وروحي تكرارها أبداً، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَالضُّحَى، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى، وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأُولَى، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى، أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى، وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى، وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى، فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلاَ تَنْهَرْ، وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (الضحى: 1-11) صدق الله العظيم، سبحانك إلهي وسيدي ومولاي، عاجزة أنا عن شكر فضلك عليّ حتى ألقى وجهك الكريم. أجدد شكري لصاحب الاثنينية الشيخ عبد المقصود خوجه، ولثمانية وعشرين عاماً أسهمت فيها اثنينيته في تأسيس وتأكيد بهاء ثقافة التكريم في المملكة، وأنا شخصياً بانتظار أن يُكرِّم الوطن كل من كرموا مفكريه وأدباءه ومبدعيه في مختلف حقول العطاء الإنساني، الوطن كريم ونحن جميعاً بأمر الله نستاهله ونستاهل عطاءه. شكراً جزيلاً.
سأختم بنص كنت قد أشرت إليه، أو ألمحت إليه الآن؛ نص من نصوصي الجديدة بعنوان "قمرٌ توسط نجمتين"، وقد أهديت هذا النص أو هذه القصيدة إلى من زيّن اخضراره بنخلةٍ وسيفين:
 
طباعة

تعليق

 القراءات :761  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 28 من 199
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الرابع - النثر - مقالات منوعة في الفكر والمجتمع: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج