شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة معالي الدكتور عبد العزيز الخضيري))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله القائل: ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (يونس: 14) والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للأنام نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحقيقة أنني أقف في هذا المكان فلا أعلم هل أقول الوالد أو الأخ أو الأستاذ الشيخ عبد المقصود خوجه لأنه يحمل هذه الصفات وأكثر، أصحاب المعالي الأخوات والإخوة الحضور السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عشت واقع الاثنينية خلال السنوات الماضية من خلال الدرر الثمينة التي تفضل بها عليَّ الوالد الفاضل والمربي الكبير الشيخ عبد المقصود خوجه؛ تلك الدرر المتمثلة في إصدارات الاثنينية وما صدر عنها، والتي تقف أمامنا شامخة في هذا اليوم.. لقد عشقت معرفتي بأستاذي الفاضل قبل ربع قرن عندما كنت أبحث عن القدوة، أبحث عن المواطن الصالح المنتج، وجدته في أستاذي الفاضل في لقاء خاطف رأيت من خلاله الشخصية السعودية المحبة لهذا الوطن، الرجل الذي ينظر إلى "ما بعد بكرة ليس إلى بكرة فقط"، وللأسف الكثير منا قد لا يرون أبعد.. كما نقول بيننا "من خشمه" تحدثنا في ذلك اللقاء، وكان حديثاً سريعاً تعلمت منه كيف يجب أن يكون الإنسان، وانطلقت من تلك الرحلة في البحث عن التعلم كيف نستطيع أن نقدم لهذا البلد نموذج السعودي العربي المسلم عالمي الطموح فشكراً لكم على هذا العطاء، شكراً لكم على هذه القدوة المباركة التي أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل عملنا جميعاً خالصاً لوجهه وأن يجزيكم الجزاء الأعظم على هذه القدوة.
ذكرني دائماً بقول الشاعر:
أحسِن إلى الناس تستعبد قلوبهمُ
فطالما استعبد الإنسان إحسان
تعلمت منه في ذاك اللقاء هذا المعنى وهذه الرسالة.
جائزة مكة للتميز، هي الرسالة الصادقة للبحث عن التميز، عندما جاء الحديث عن جائزة مكة للتميز لم يأتِ إلا تحت مظلة عمل متكامل، وما جائزة مكة للتميز إلا حلقة لتحقيق ذلك العمل المتكامل، اسمحوا لي قبل الدخول في الجائزة وأهدافها وفروعها أن آخذكم في رحلة وأرجو أن لا تكون طويلة حتى لا أرهقكم بها، وحتى أضع أمامكم الصورة الكاملة لشكل التنمية في منطقة مكة المكرمة والسبب الذي دفع سمو أمير المنطقة إلى تبني هذه الجائزة وغيرها من الأعمال الأخرى.
عندما جاء الأمير خالد الفيصل إلى منطقة مكة المكرمة أراد أن يبدأ من حيث انتهى الآخرون، وأن لا يأخذ قاعدة كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا (الأعراف: 38)، كل من جاء قال سآتي بما لم يأت به الأوائلُ، وإنما دعا أكثر من مائة وعشرين رجلاً وامرأة في حوار استمر ليلة كاملة حول ماذا يجب أن تكون عليه مكة المكرمة، وماذا نريد لها أن تكون.. منذ ذلك اللقاء بدأت رحلة إعداد استراتيجية تنمية منطقة مكة المكرمة، هذه الاستراتيجية التي انبنت على محورين أساسيين: محور بناء الإنسان، ومحور تنمية المكان. قد يقول البعض لماذا بناء الإنسان وربطه بالمكان؟ وكانت أيضاً إجابة صادقة أن هنالك خللاً حقيقياً في تعاملنا مع بناء الإنسان. قد نكون نجحنا في المملكة إلى حد ما في إنشاء طرق أو في إنشاء مبانٍ، لكننا لم ننجح كما يجب في سلوكياتنا في تعاملنا مع الآخر، في تعاملنا مع معطيات التنمية، واسمحوا لي أن أعطيكم مثالاً واحداً سريعاً وخاطفاً؛ إن عدد حوادث السيارات اليوم في المملكة يعتبر من أعلى الأرقام في العالم، وتشير إحصائية العام الماضي إلى أن أكثر من أربعة آلاف شخص ماتوا في حوادث السيارات لحظة وقوع الحادث، أكثر من 32 ألف شخص أصيبوا إصابات معيقة عن العمل، كل ذلك في ظل وجود سيارات حديثة الموديلات وطرق جيدة. إن هذا المثال ليس إلا مؤشراً على مكمن الخلل في ما يتعلق ببناء الإنسان، ولهذا السبب وضعت استراتيجية بناء الإنسان وتنمية المكان، لماذا؟ حتى نصل إلى العالم الأول، وأذكركم جميعاً باللقاء التاريخي الذي تمَّ مع الأمير خالد الفيصل في مكة والذي حضره أكثر من 15 ألف مواطن ومواطنة إذ قال: إننا مللنا العالم الثالث، ويجب أن نتقدم إلى العالم الأول ونملك الأدوات التي تساعدنا للتقدم نحوه، ولهذا السبب جاءت الاستراتيجية مبنية على بناء الإنسان وتنمية المكان نحو هذا العالم، كيف نحقق هذا العالم الأول؟ كانت الإجابة: بالقوي الأمين، لأننا نعرف جداً وواضح لنا ولو أعطي الميكروفون لكل واحد منكم لروى عشرات القصص عن مشكلة "القوي الخائن" و "الأمين الضعيف".. هذان النوعان لم يستطيعا أن يدفعا بالتنمية وما صُرِف عليها إلى المكانة التي كنا نرجوها. من هنا بدأت الرحلة، فالاستراتيجية قد بُنيت على ست ركائز أساسية: الركيزة الأولى أن تكون الكعبة المشرفة هي منطلق التنمية، وأنا متأكد أنكم كلكم تعرفون خصائص مكة المكرمة والكعبة المشرفة، سواء من ناحية الأمن، أو الحرمة، أو الطهارة، أو من ناحية أنها القبلة للمسلمين، وأنها مباركة، وأنها مثابة للناس وهدىً للعالمين، وأنها قيام للناس، والرزق فيها مضمون بإذن الله سبحانه وتعالى.. هذه الخصائص التسع قد حددت لنا كيف نستطيع أن نستثمر هذه الميزة الإلهية في هذه المنطقة المباركة، ومن هنا جاءت الكعبة هدفاً أساسياً لانطلاق التنمية.
الركيزة الثانية هي الارتقاء بتنمية الإنسان ليبلغ وصف القوي الأمين، لأننا نتعامل في منطقة مكة المكرمة بشكل خاص مع ضيوف الرحمن، وأنا متأكد من أن أستاذنا الفاضل والوالد الشيخ عبد المقصود قد حرص الليلة أن يتأكد من أن الطاولات كلها مرتبة، على أن هذه عمرها سبع وعشرون سنة ومع ذلك كل ليلة يتفقد الجالسين أين عضو اللجنة الفلانية وأين المسؤول الفلاني، وهذا نحن ضيوفه يا عباد الله فكيف بضيوف الرحمن؟ كيف نتعامل معهم؟ إذاً هؤلاء ضيوفنا نحن يا عبيد!! فكيف بضيوف الخالق سبحانه وتعالى؟ ولهذا جاءت الركيزة الثانية في الاستراتيجية كيف نعمل على تقدير ضيوف بيت الله الرحمن.
الركيزة الثالثة من الأهداف التي سعت إليها الاستراتيجية أن تكون مكة المكرمة قدوة للعالم ينظر إليها ويتعامل معها، ولقد تعودنا في مواسم الحج والعمرة وغيرها من المناسبات أن الإعلام المحلي المغلق هو من يغطي أحداثنا، أما اليوم فالعالم كله يراقبنا، حتى في نيويورك أو في لندن أو في القاهرة أو في سنغافورة أو في طوكيو أو في بكين أو في أي مكان في الدنيا تستطيع أن تتابع الحدث أولاً بأول، كما أن هنالك عيوناً لا تبحث عن النجاح بل تبحث عن الفشل، وتحاول أن تسلط الضوء عليه، ولهذا السبب كان لا بد أن نقدِّم للعالم نجاحنا، نحمد الله سبحانه وتعالى أن العالم اليوم يبحث عن النموذج الذي يستطيع أن يقدم له الاهتمام بالإنسان ورقيه وتعلمه، وأنا متأكد من أن مكة المكرمة ستكون النموذج لهذا المثال بإذن الله سبحانه وتعالى.
الركيزة الرابعة تحقيق التنمية المتوازنة والمستدامة. فلن نستطيع أن نحقق تنمية في مدينة مكة أو جدة إذا استمررنا في تعظيم الاستثمار فيها وإهمال بقية محافظات ومدن وقرى المنطقة، ولهذا جاء الاهتمام بالمحافظات حتى نحقق الاستقرار السكاني ونحد من الهجرة العالية، وكما نعرف جميعاً فإن مدن مكة وجدة والطائف تعاني من الأحياء العشوائية، 50٪ من سكان مدينة جدة يعيشون في الأحياء العشوائية، نتيجة الهجرة العالية إلى المدن الرئيسية في المملكة بشكل عام ومنطقة مكة المكرمة بشكل خاص.
الركيزة الخامسة وهي مشاركة القطاع الخاص، لأننا لا نستطيع أن نعمل منعزلين، فمن ضمن توجهات الاستراتيجية أن تُفعَّل كل قطاعات الدولة. نحن نخطىء عندما نقول: إن الحكومة هي الدولة، كثير ما نسمع أن الدولة فعلت والدولة قالت وهي في الواقع الحكومة، فالدولة هي الممثلة من كل القطاعات: القطاع الحكومي، القطاع الخاص، القطاع الأكاديمي، القطاع الإعلامي، قطاع المجتمع المدني الذي نعيش اليوم في رحاب أحد منابره في خدمة هذه المنطقة وخدمة المملكة والعالم أجمع. لقد كانت هذه من القضايا المهمة والأساسية في الاستراتيجية أي ألاّ نعمل بعيداً عن الناس، ألاّ نقول للآخرين نحن ربكم الأعلى، ونعرف أحسن منكم وعليكم تنفيذ ما نريد. لا.. هي قضية شراكة بين الفرد والمؤسسة والقطاع العام والقطاع الخاص.
الركيزة السادسة نعرف جميعاً حرص القيادة السعودية على مواكبة التنمية ونحمد الله سبحانه وتعالى لأن خادم الحرمين الشريفين قد أعطى مكة ميزة تنافسية عظيمة بإنشاء جامعة الملك عبد الله وهذا ما ذكره الأمير خالد عندما قال: "العالم الأول جاء إلينا ولم نذهب إليه"، فهذا حقيقة طموح قيادة أن نتجه نحو العالم الأول وكان هذا أيضاً جزءاً أساسياً من رسالة استراتيجية المنطقة. هذه في الحقيقة خطوط عريضة.. لم أُبلَّغ بالوقت، كم خصص لي من الوقت؟ وإلا أتمنى أن آخذ راحتي، على فرضية أن الوقت مفتوح معي، الإخوان أعطوني فرصة...
الشيخ عبد المقصود خوجه: الليلة أنت العريس.
الدكتور عبد العزيز الخضيري: جزاك الله خيراً.
إن هذه المرتكزات الستة انطلقت من أربعة محاور أساسية، محور بناء الإنسان، والعمل جارٍ الآن على إعداد استراتيجية للتعليم سواء العام أو التعليم العالي؛ نشر الجامعات وفروع الجامعات في مختلف المحافظات، ونحمد الله سبحانه وتعالى أنه تم اجتياز شوط كبير جداً في هذا المجال تحت محور بناء الإنسان؛ ومن ثم رفع مستوى أداء العمل على مستوى المنطقة بشكل عام ولأعمال الحج والعمرة بشكل خاص، وهذه أيضاً قد أسست ثقافة جديدة وأوجدت إدارات مختصة لمتابعة الأداء وتقويمه، وأطمئنكم أنه يوجد اليوم أكثر من 13 جهة مهمتها مراقبة أدائنا كمسؤولين في مختلف المؤسسات الحكومة والقطاع الخاص. وللطمأنينة أنه يمكننا بعون الله أن نسير بهذه السفينة نحو بر الأمان.. طبعاً لقد وُضِعَ العديد من النقاط الأساسية التي تركز على بناء الإنسان، ولا أريد أن آخذ من وقتكم الكثير ربما هي معروفة لديكم وسبق في الحقيقة التطرق إليها.
أيضاً في محور تنمية المكان، تم التركيز على أهم القضايا الأساسية التي تواجه المدن في منطقة مكة المكرمة وبالذات مدينة جدة ومدينة مكة، وأُعِدَّ عدد من البرامج والمنظومات لما تم اعتماده ويجب تنفيذه، وما نحتاج إلى أن ننجزه خلال الفترة القادمة، وهذه حقيقة جاءت في ضوء فترات زمنية سأتحدث عنها في عجالة. أيضاً تطوير وسائل النقل العام والمواصلات والطرق، وقد هنأت الشيخ عبد المقصود وأنا قادم بانتهاء الجسر القريب من الطريق هنا لأنه كان في الحقيقة نقطة "خنقة"، فالإخوان الذين تعودوا أن يأتوا الاثنينية من جهة مكتبة جرير كانوا يعانون الأمرين، نحمد الله سبحانه وتعالى أن الجسر اليوم كان سلساً ولكن ما زال علينا واجب أن نعالج مشكلة مواقف مكتبة جرير لأنها تخنق المدخل قليلاً، فإن شاء الله هذا يتيسر.
هنالك أيضاً مجموعة من الأعمال التي سأتحدث عنها بشكل عاجل في مجال تنمية المكان، وفي مجال تنمية القطاع الحكومي. نعرف جميعاً أن القطاع الحكومي أصبح قطاعاً مترهلاً، بيروقراطياً ولو لم يكن هناك كاميرا تسجل لكنت أحضرت -ولو أنني قلتها في أكثر من مقالة، ولا بأس اسمحوا لي أن أقولها بكل شفافية أنتم هنا تطلبون مني الأمانة في الطرح، أنا أعتقد أنه أصبح مترهلاً.. بيروقراطياً.. فاسداً.. طارداً للكفاءات.. يُكرِم من يسرقه ويهين من يكرمه.. هذه الفكرة الموجودة لدينا جميعاً حاولنا أن نستوعبها، حاولنا أن نعيد النظر فيها، وأن نتعامل معها، حتى إنني بالمناسبة لست باليساري المتطرف لكني لا أدري لماذا أميل قليلاً... فمعذرةً لخوف اليمين ترى أنني لا أميل قليلاً ولا أحلف يميناً لليسار المتطرف وإن شاء الله من أهل اليمين الصالح.. فهذه الحقيقة أخذناها في الاعتبار وبدأنا نعمل من خلال منظومة متكاملة لأداء العمل وقد قال الأمير خالد الفيصل خلال لقائه أهالي مكة: "سأبدأ بالإمارة"، وهذا ما تم؛ إذ بعدما وضعت الاستراتيجية وضعت خطة عاجلة، وكانت أول خطوة إعادة هيكلة الأمارة بما يتفق ومتطلبات الاستراتيجية، والحقيقة ركبت سفينة أسرع، دُرِست وعُرِضت على سمو النائب الثاني ووزير الداخلية ووافق عليها ورُفِعَت لصاحب السمو الملكي ولي العهد -أعاده الله بالسلامة- واعتمدها كرئيس للجنة التنظيم الإداري وبدأ العمل فيها اعتباراً من 1/1/1430هـ كمخطط أو هيكل متكامل لقيادة التنمية، بُنيَ على خمسة قطاعات: الحقوق، التنمية، الأمن، الموارد البشرية، والتقنية، والاستشارية.. حتى نستطيع فعلاً أن نكون متواجدين، وأن نقوم بعملنا من خلال مجلس المنطقة الذي يعتبر الذراع الأساسي للتنمية في المنطقة.
طبعاً هناك محور القطاع الخاص، ونحن نعرف دور القطاع الخاص ونحمد الله سبحانه وتعالى أننا نتعلم أحياناً من بعض الأخطاء وعسى أن نكره شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً. إن الانهيار الاقتصادي أو الانهيار المالي وما سيتبعه من انهيارات اقتصادية واختلال اجتماعي هذه كلها كانت مؤشراً لنا. أنا كنت من الداعين إلى إضعاف دور المؤسسة الحكومية وإعطاء دور أقوى للقطاع الخاص، ولكن أثبت لنا القطاع الخاص أنه لا يستطيع أن يعمل بمفرده، كما أن الحكومة وحدها لا تستطيع أن تعمل، لذا يجب أن تتعاون كل قطاعات الدولة في تحقيق التنمية ولهذا السبب تم تفعيل الرؤية حول مشاركة القطاع الخاص مع القطاع الحكومي. ووجدت في الحقيقة دعماً كبيراً جداً من خادم الحرمين الشريفين في إنشاء مجموعة من الشركات الحكومية المستثمرة الداعمة للتنمية في منطقة مكة المكرمة، التي تدخل كشريك مع القطاع الخاص فقط. وأحد أهم الأسباب لإنشاء الشركات ألا نبقى مسجونين بمصدر تمويلي واحد هو وزارة المالية؛ "هناك نقود هناك عمل، لا يوجد نقود ننام". عندما تنخفض الميزانية وتتعرض لأي ظروف اقتصادية لدينا بدائل تمويل أخرى ولا نعتمد على أنبوب واحد للتمويل ألا وهو وزارة المالية، إنما نعتمد من بعد الله سبحانه وتعالى على عدد كبير جداً من مصادر التمويل.
هذه كانت لمحة سريعة عن المحاور الأربعة التي اعتمدت عليها الاستراتيجية، حتى نحققها وضعنا ثلاث مراحل زمنية، قسمت على التوالي: خمس وعشرون سنة.. عشر سنوات، وسنتان، خمس وعشرون سنة لما يجب أن تكون عليه الصورة الكاملة التي نعمل كلنا في إطارها حتى لا نخرج وكلٌّ يغني على ليلاه. إننا نشتغل ضمن إطار مؤسسي واحد، الصورة واحدة، ولسنا مقيدين بمكان واحد ولكن مقيدين برؤية واحدة؛ ثم خطة عشرية تتزامن مع الخطط الخمسية للدولة، الهدف الأساسي منها هو أن نعالج النقص الحاصل في المرافق والخدمات، أو ما يسميه الاقتصاديون البنية التحتية، حتى تكون كل محافظات المنطقة ومراكزها قادرة على استقطاب التنمية وتوطينها، وحتى لا يكون هنالك خلل مكاني في التنمية؛ ثم خطة عاجلة مدتها سنتان تركز على دراسة الحالات العاجلة التي لا تقبل التأجيل، وقد وُضعَت سبع مبادرات عاجلة في هذا المجال، نحمد الله سبحانه وتعالى أننا قبل أن نبدأ بها اعتباراً من 1/1/1430هـ، كنا قطعنا شوطاً كبيراً جداً فيها في إنجاز كثير منها: كالأحياء العشوائية وما يصاحبها من مشاكل اقتصادية وأمنية واجتماعية وأخلاقية، وكلكم سمعتم عن عدد المشاريع التي بدأت في الأحياء العشوائية.. بدأت برسالة.. بخطاب واضح وصادق من سمو أمير المنطقة لخادم الحرمين الشريفين، أن هذه مشكلة يجب أن نعالجها، ويجب أن ندخل إلى عمقها لأنها تحمل الشر الكثير لمدننا.
أصدقكم القول من تجربتي خلال ثلاثين سنة في التنمية في مختلف أنحاء العالم إذ أُعطيت فرصة أن أشارك في تطوير مدينة نيويورك مع مستر جولياني في 86 و 87 و 88، فقام بتنظيف المدينة من كل الفساد إلا من الأحياء العشوائية لم يستطع أن يقربها، وكل ما فعله أنه بنى جداراً نظيفاً وعليه رسومات نظيفة وجعلها مقفلة على ذاتها، تخرج منها المشاكل وتعود إليها. أما الأمير خالد فقد أصر أن يدخل إليها بعزم، ووجد حقيقة العزم والعزيمة من خادم الحرمين الشريفين ثم من أصحاب السمو الملكي وزير الداخلية ووزير البلديات وصاحبيْ المعالي وزير المالية ووزير العمل، عملوا كفريق واحد لإنهاء الدراسة التحضيرية ثم رفعناها واعتُمِدَت وبدأنا التنفيذ في أقل من سبعة أشهر، بمعنى أننا بدأنا عام 1430هـ الذي هو سنة الهدف 1/1 وقطعنا شوطاً كبيراً جداً.
أنا أصدقكم القول أن موضوع الأحياء العشوائية بدأنا بدراسته عندما كنت في وزارة البلديات، أي قبل تسع أو عشر سنين، وما زالت تُدرَس في هيئة الخبراء والله أعلم متى تصدر. نحن هنا بدأنا التنفيذ ولله الحمد، فهذه كانت الميزة الأولى، الثانية كانت: إعادة هيكلة الإمارة، الثالثة: معالجة إشكالية توفر المياه والصرف الصحي، وتذكرون أن أولى المبادرات التي بدأها الأمير خالد في استقدام بارجتين بصورة عاجلة لمعالجة المشكلة واستمررنا في هذا المجال، ثم انتقلنا إلى التعامل مع الحاج والمعتمر ورفعنا شعار "الحج عبادة وسلوك حضاري"، ودعوني أخبركم فقط عن تجربة العام الماضي؛ إذ أن أحد الخبراء كان يتابع معنا الصلاة في ليلة السابع والعشرين أو التاسع والعشرين من رمضان ورأى الانضباطية غير المعقولة للمصلين وكيف يقفون خلف الإمام في صفوف متوازية مغلقة، تذكرون كلما وقفنا كيف أن كل واحد (يدف) الثاني، يرجع ذات اليمين يرجع ذات اليسار أُلصق.. قفل.. أحسب، وشاهد حركتنا وانضباطيتنا في الصلاة، فقال لي: طريقتكم هذه عظيمة! قلت: وأزيدك أيضاً على وزن الشعر (بيت في القصيدة) أنه لو أخطأ إمامنا نُخطئ معه وننبهه، لا يجوز أن نجلس نحن وإذا وقف ولم يجلس للتشهد نقف معه وننبهه، قال: طيب أنتم لو أنتهيتم تقولون السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، ثم تتحولون إلى وحوش كاسرة لدى خروجكم من المسجد الحرام وكل يدفع الآخر، هو بالطبع كان يراقب الكاميرات إذ أننا وضعنا ثلاثة آلاف وثمانمائة كاميرا لمراقبة الحرم. ثم تساءلنا أين الخلل؟ ومن هنا أدخلكم على موضوع جائزة مكة للتميز؛ ففي مطلع الحج والعمرة نحن أخذنا كل المخرجات الاستراتيجية وحاولنا أن نترجمها إلى برامج تنفيذية يُقاس الأداء بها ونتأكد من سلامته.. تناولنا موضوع الحج وقلنا فلندرس أين الخلل فيه؟ دائماً نقول إن الحج عبادة هذا صحيح، لكن السلوك الحضاري يتابعه الناس ويراقبونه، كاميرات العالم كلها تشاهدنا وتبحث عن أدق التفاصيل، من يحاول أن يشوّه الصورة سيجد الفرصة عندما لا نتقن العمل، ومن هنا بدأت في الحقيقة فكرة الجائزة، كيف نستطيع أن نقدم جائزة ترتقي بالعمل، قال لي الأمير خالد الفيصل في لقائه: أنا لا أريد الإنسان الذي ينجز عمله المطلوب منه مهما تميز فيه، لكني أتمنى أن يُضيف إلى هذا العمل عملاً أرقى، بمعنى لو أخذت موظفاً حكومياً بحكم أنني أمثله، فهو مطالب بأن يحضر مبكراً، مطالب بأن يكون موجوداً كل ساعات العمل في العمل، مطالب بالالتزام بساعات العمل فهذا عقد بينه وبين الحكومة، مطالب بأن ينجز ما أمامه من عمل، مطالب أن يتقن هذا الإنجاز، لأن جزءاً من عملنا كما تعرفون مثل لعبة "الاسكواش" اضربها تروح عنك... بالإشارة إلى خطابكم المبني على خطابنا.. ثم تقفز لتعود إليك مجدداً... لم تفيدونا عن النقطة الثانية.. ثم تبتعد... ما هو هذا العمل المطلوب؟ المطلوب أن تتقن الإنجاز، ثم إن الهدف السامي الأساسي الذي تسعى له الجائزة هو التطوير، كيف نرتقي بالعمل إلى وضع أفضل.. يأتيني شخص مثلاً يملك خبرة عشر أو خمس عشرة سنة أو ثلاثين سنة، أي سنة واحدة مكررة ثلاثين مرة، لو أتيت لعمله الذي قام به قبل عشر سنين لوجدته هو نفسه لم يتغير، فهو لم يضف شيئاً، لكن الإنسان لديه إضافة كل سنة، تأهيل وتدريب سواء لذاته أو للجهاز المسؤول عنه، حتى لو كان هناك موظفان اثنان يشتغلان تحت إدارته واستطاع أن يطوّر شيئاً منهما فهذا إنجاز.
لقد جاءني أحد الإخوان يسألني يوماً: هل يمكن الإصلاح؟ أنت مجنون؟ يا أخي البلد فاسدة والأمر في غاية الصعوبة، فقلت: أريد أن أطرح عليك سؤالين: فإن أجبت عليهما بنعم فأقول لك إن شاء الله ممكن، وإن أجبت بلا فلا حول ولا قوة إلا بالله. هل أنت صالح؟ قال لي: نعم. فتابعت في السؤال نفسه: هل زوجتك وأبناؤك صالحون وتستطيع أن تربيهم التربية السليمة؟ قال: نعم. قلت والإدارة التي أنت مسؤول عنها والتي فيها عشرة أو خمسة عشر أو ثلاثون موظفاً هل تستطيع ضبطها وتطوير موظفيك؟ قال لي: نعم، قلت: هذا كل المطلوب منك، أنت لا دخل لك في الإدارات الأخرى أنت مسؤول فقط عن إدارتك، انجح في أن ترتقي بها وأنا أضمن لك بإذن الله سبحانه وتعالى أن يكون هنالك نجاح وتطور.
من هنا بدأنا رحلة الجائزة، وبدأنا نبحث عن الأدوات المميزة لها. كيف نستطيع أن نقول للمتميز شكراً؟ كثير منا نادراً ما يرى الشكر، حتى وإن كنا ندعو له، إن من لا يشكر الناس لا يشكر الله، لكن ثقافتنا للأسف ثقافة بُنيت على أن هذا شغلك وليس لي أن أشكرك عليه، وبنيت على عدم قدرتنا على رؤية الإنجاز، وعدم قدرتنا على رؤية التطوير.. هذه الجائزة تقول لا يا أخي.. هناك رجل هناك امرأة هناك مؤسسة.. حتى الأطفال لهم الفرصة بأن يفوزوا بهذه الجائزة عندما يقدّم الطفل في عمره شيئاً متميزاً عن أقرانه، ولهذا السبب جاء السؤال هل هي مخصصة للرجال أو للنساء؟ للمؤسسات أو للأفراد؟ وأجيب: هي مخصصة للمبدع، هي مخصصة للمتميز بغض النظر عن جنسه أو عمره أو جهته، ما يعني أن هذه الجائزة موجهة للجميع وبشكل متوازٍ ومتزن.
وحتى نحقق هذا الأمر لا بد من أن نضع رؤية للجائزة، أي إن الجائزة لا بد أن تنطلق من رؤية واضحة لأهدافها ورسالتها حتى يستطيع الناس أن يقرروا ما إذا كانوا أهلاً للترشح للجائزة أم لا، فقلنا هناك خمس نقاط أساسية: تشجيع العمل المتميز، تأصيل المبادئ الإسلامية في أدب المهن وإتقان العمل، إظهار الإبداع الحضاري الإنساني، الارتقاء بمستوى الأداء والجودة، تشجيع استخدام التقنية بما يقلل من فترات أداء العمل، وتنمية وتطوير الموارد البشرية واستغلال كل ما هو متوفر في منطقة مكة المكرمة.
عندما طُرحَ موضوع فروع الجائزة للحوار كانت مشكلتنا كيف نستطيع أن نحدد ماذا يجب أن تكون عليه الجائزة ولمن توجه؟ هل هي قطاعات، أم هي فروع أم هي مجالات؟ وتم الاتفاق على أن تكون فروعاً وليس قطاعات، ففي مجال الحج والعمرة مثلاً ليس بالضرورة أن تفوز بالجائزة وزارة الحج أو إحدى مؤسسات الحج، أو إحدى شركات العمرة، قد يفوز بها كاتب صحفي، قد يفوز بها باحث أكاديمي، وقد قيل لي كيف يفوز بها تحقيق صحفي مثلاً وليس هناك فرع للصحافة، قلنا الصحافة موجودة في كل الفروع.
التميز الإداري: لقد أثبتت الجائزة في دورتها الأولى أن الذي فاز بالتميز الإداري هو قطاع بترولي -"أرامكو" السعودية- أي إن الكل كان يتوقع أن تفوز "أرامكو" بالجائزة في مجال البترول، التي هي ليست من فروع الجائزة. أيضاً في الجانب الثقافي فإن الجائزة ليست محصورة في فرع أو فرعين، أو في مجال أو مجالين، إنما في الثقافة بشكلها العام المستمر، التي تشمل كل فروع الثقافة. كان أحد الإخوان يقول لي: لماذا لا تكون هناك جائزة للمسرح؟ لماذا لا نضع جائزة للمسلسلات؟ وردت لن أقول عشرات.. بل مئات الأفكار في بداية الجائزة. أيضاً في الفروع الأخرى ودعوني أذكركم بها فقط للإحاطة: التميز في خدمات الحج والعمرة، التميز الإداري، التميز الثقافي التميز الاجتماعي..
التميز الاجتماعي: أعتقد أن أحد أهم قضايانا اليوم هو الموضوع الاجتماعي. عندما نتحاور حول المجتمع نغفل وضع مجتمعنا، الرديء منا يقول الأمور جيدة، على قاعدة "تمام يا افندم"، "كله تمام يا بيه"، "طال عمرك الأمور ماشية زينة"، بينما نحن نغرق.. هناك مشاكل اجتماعية تبدأ بالمخدرات ولا تنتهي بالعقوق. أنا لا أريد أن أضيّق صدوركم في ليلة سعيدة مثل هذه الليلة ولو أنني أتصبب عرقاً، تخيلوا معي إمكانية أن يأتيك شخص من مكة معتدياً على خمس من بناته.. مغتصبهن، خمس بنات!! أعمارهن تتراوح بين 13 و 19 سنة واحدة منهن حامل. تخيلوا معي أماً تأتي في الصباح المبكر إلى الإمارة وهي تبكي لأنها اضطرت أن تحبس نفسها -الله يكرمكم في الحمام- لأن ولدها حاول أن يغتصبها، أعتقد لو أني أعطيت الدكتور علي الحناكي الميكروفون لأثقل عليكم بهذه القصص لأنه يعيش جزءاً منها معنا، وعن هذه الحالات والحوادث وغيرها الكثير أنا أستطيع أن أتكلم معكم من اليوم إلى الغد.. يدخل أحدهم برشاش على شباب جالسين في استراحة آمنين مطمئنين لأنه على خلاف مع واحد منهم، فقرر ببساطة أن يقتل الجميع.
إزاء هكذا قضايا حاولنا أن نقول يا جماعة الخير تعالوا نبحث أين الخلل؟ لا تعالجوا الظواهر، أنا أقول لكم بكل أمانة وألم عندما يُخطئ شاب في مقتبل العمر لا يتجاوز عمره العشرين أو الواحد والعشرين عاماً وهو مع زملائه يدخّن الحشيش فيُلقى القبض عليه ويتحول إلى رقم، ثم يُحوَّل إلى فرع المخدرات، والمخدرات تحوله إلى هيئة التحقيق، وهيئة التحقيق سين جيم، سين جيم، ويثبتون عليه أنه والله فعلاً استخدم الحشيش، وأحياناً يضغطون عليه حتى يكاد يقول إني كنت مروجاً، أو يقول: "والله أنا كان معي اثنتان وأعطيت صديقي محمد واحدة"، ثم يحال إلى المحكمة، ويحكم عليه القاضي بالسجن خمس سنين مع ألف جلدة.. شاب عمره واحد وعشرون سنة لم يعرف من الخطأ إلا هذه السيجارة أو هذه "الدخانة"، ماذا تتوقعون عندما يدخل السجن بحكم خمس سنوات أن يكون وضعه؟ ما هو أول شيء سيواجهه؟ أول ليلة ماذا يواجهه؟ ماذا تتوقعون؟ الله يكرمكم سيدخل إلى حمام للسجناء، كلٌّ يغتصبه، ثم يسجن في سجن خاص بالمروجين ومهربي المخدرات ويبدأ يتعلم منهم، وبدلاً من أن يخرج بمشكلة يخرج بعشر.
وحيث أننا نعيش في مجتمع معني بالمشكلة الاجتماعية، فقد جاءت جائزة التميز الاجتماعي. فكيف نستطيع أن نبني هذا الإنسان؟ كيف نحتضنه؟ كيف ندخل في عمق المشكلة؟ كل الحلول التي أمامي اليوم حلول مسكنة فقط (أسبرين، بنادول)، لكن ليس هنالك علاج جذري لهذه المشكلة، ولهذا السبب عرفنا بوجود مشكلة حقيقية اجتماعية وانطلقنا منها نحو التميز.. كيف نستطيع أن نوجد مرصداً اجتماعياً لمشاكلنا وندخل في العمق ونبحث عن كيفية معالجتها. طبعاً التميز العمراني كما نعرف جميعاً مهم جداً، وأن يكون هنالك روح للعمارة. في مكة تتمنى عندما تزورها أن ترى مكة القديمة في العمارة الحديثة، وأنا متأكد أننا نملك القدرة الإبداعية كمهندسين سعوديين ومسلمين أو عرب أو عالميين في هذا المجال.
التميز البيئي: أيضاً في المجال البيئي -وأنتم في جدة تعانون الكثير من المشاكل البيئية- فإن البحث واجب عن المتميز الذي يقدم الحلول القادرة على انتشال الكثير من مشاكل جدة، وأنا أعطيكم مثالاً فقط شاكراً كل من بذل جهده؛ نذكر مشكلة النفايات والأبخرة التي تتصاعد منها، كيف أنه فعلاً وبجهود بسيطة نجح من يملك القدرة على إيجاد الحل المتميز في إنهاء هذه المشكلة إن شاء الله إلى الأبد.
التميز العلمي والتقني: في موضوع التميز العلمي والتقني، كلنا نعرف أهمية العلم وأن العالم لا يقوده اليوم إلا العلم بشكل أساسي، فأين هم هؤلاء العلماء؟ أستطيع أن أذكر لكم عشرات الأسماء من المتميزين في منطقة مكة المكرمة الذين ربما لا نعرفهم، لأنهم لم يتمكنوا من إبراز وإظهار مجهوداتهم المتميزة، وهذا هو دور آخر للجائزة. لقد وضعت الجائزة معايير الترشيح، أعني من أرشح وكيف أرشحه؟ وكيف أستطيع أن أنجح في لجاني التي هي مسؤولة عن تقويم الجائزة وتحقيق رؤيتها؟ لقد وُضِعَتْ ثلاث نقاط أساسية تركز على معايير الترشيح؛ منها تحقيق رؤية الجائزة ورسالتها وأهدافها المتمثلة في دور اللجنة الثقافية للجائزة، ونحن نذكر جميعاً أنها كانت تحت مظلة مجلس مكة الثقافي ولكن كونها منضوية تحت مجلس منطقة مكة فرؤي أن اسم مجلس تحت سلطة مجلس آخر قد يخل بالمعنى والمفهوم فتم تعديل اسمها ليصبح اللجنة الثقافية.
إن من الأساسيات في الترشيح أن يتوفر في المرشح -سواء كان فرداً أو جهة أو مشروعاً- عنصرا الأصالة والابتكار، أي تحقيق التميز في جميع الأعمال المقدمة بشكل أساسي حتى تدخل مرحلة المنافسة على الجائزة. والترشيح للجائزة مفتوح للجميع، وهنالك موقع للجائزة على شبكة الإنترنت لاستقبال طلبات الترشيح، كما يمكن تقديم الطلبات عبر مجلس المنطقة، أو عبر مكتب أمير المنطقة، أو أي إدارة في هذه المنطقة، كما يستطيع أي إنسان أو جهة أن يرفع ترشيحه عن طريق المؤسسات الخاصة، أو عن طريق مؤسسات المجتمع المدني كالجامعات، الأندية الأدبية، الأندية الرياضية، أو كل فرد أو مؤسسة قادرة على أن ترشح من ترى لهذه الجائزة.. والجائزة ستكون إن شاء الله سنوية، الأمير خالد مُصِرّ على أن يتزامن افتتاح الجائزة مع بداية مشروع الاستراتيجية ولهذا السبب غُطِيت عام 29 بالجائزة ونتمنى إن شاء الله أن تكون الجائزة في العام ثلاثين في الأسبوع الثالث من شهر ربيع الأول.. بعد أن يتم رفع الأسماء النهائية المقترحة إلى لجنة التنمية الثقافية لاعتماد الجائزة، التي لديها كذلك مسؤوليات كثيرة.
وفي مجال التمويل فإن الجائزة تفتح بابها وقلبها لكل من يرى أن التميز قيمة يستطيع أن يتقدم فيها والحمد لله اليوم كانت المفاجأة الأكبر، العام الماضي كنا نحاول أن نستخدم "نظام الشحاذة" (لله يا محسنين) طرقنا أبواباً كثيرة، نبحث عن دعم للجائزة وكان همنا اقتناع المتبرع بالفكرة قبل الدعم المالي، كلهم كانوا يقولون: عندنا في المملكة عشرات الجوائز، اليوم قبل توقيع الجائزة بساعة كان هنالك خلاف بين كثير من الجهات كالداعمين الماليين والداعمين الإعلاميين لدرجة أن ثلاثاً من الجهات أصرّوا بأن توقع اليوم اتفاقية رعاية الجائزة، نحن كنا خصصنا دروعاً خاصة للرعاة منهم ثلاث جهات فقلنا لهم: حتى "الفولدر" الملف الذي نضع فيه الأوراق الواجب توقيعها فيه غير موجود.. كنا نستعيره من بعضنا البعض، فكانت مفاجأة جميلة، لقد بدأ يتكون هنالك فهم ووعي لرسالة الجائزة وأهميتها، حتى جاءني اتصال من أحد الرؤساء من خارج المملكة وكان يجري لقاء في إحدى الدول الخليجية فقال لي: يا عبد العزيز إن المدير الإقليمي للجريدة في المنطقة سيأتي أرجوك لا ترجعه خائباً. نحن لم ندرِ مسبقاً بالخبر فكان ذلك مؤشراً إيجابياً.. طبعاً للأمر إشكالية أخرى وأنا أخاف منها لأنها ستضع علينا عبئاً أكبر، كلما كبرت العين وزانت وصارت تراقب، صار العمل يحتاج إلى إتقان أعلى وجهد أكبر، وإننا نرجو من الله سبحانه وتعالى أن ترتقي الجائزة، كل واحد من الحاضرين هنا يستطيع أن يكون أداة فاعلة في دعم الجائزة، في التعريف بالجائزة، في محاسبة القائمين على الجائزة عندما لا تحقق أهدافها.. أرجو ألا يبخل أي واحد منكم بأي نصيحة أو رأي أو مشورة سواءً على موقع الجائزة، أو سواءً على موقع الإمارة على الإنترنت، أو على الفاكسات، أو على جوالاتنا، لا حاجة لأن يهتم بنوعية الورق الذي سيكتب عليه، أي ورقة أمامك اكتب عليها فإنها مقبولة. كنت أقول دائماً للإخوان في مكة إذا كانت هناك دعوة إلى غداء أو عشاء أقول له "الله يخليك خليها دعوة في جوف الليل". أعاننا الله على تحمل هذه المسؤولية، ولا يسعني إلا أن أقول لكم: رجاءً كونوا عوناً لنا في تحقيق أهداف ورسالة الجائزة.
اسمحوا لي بأن أعطي نموذجاً سريعاً عن كيفية قراءتنا للأمور: لقد ذكرت لكم في بداية الحديث المناطق التي يجب التركيز عليها وتطويرها في رحلة تنمية منطقة مكة المكرمة وتفعيل دور الجائزة، وذكرت لكم في البداية قضية الحج والعمرة، عندما نظرنا إلى الحج وجدنا أنه جميل من الناحية التعبدية، مؤلم من الناحية السلوكية، ثم استعرضنا الحوادث التي تخللت مواسم الحج، وآخرها حادث الجمرات.. بالمناسبة لي قريب وقريبة تزوجا وكانت هدية الزوج لزوجته أن يذهبا للحج هذا العام، وكانت آخر كلمة تسمعها الأم من ابنتها "ادعي لي بالرحمة"، ومات الرجل والمرأة في حادث الجمرات، يؤلمك جداً أن إنسان جاء للعبادة لا يجد -الحقيقة لن أقول خدمات لأن الخدمات كلها متوفرة بل- سلوكاً ولهذا السبب رفعنا هذا الشعار "الحج عبادة وسلوك حضاري"، وقلنا إن الحج نظام ويجب أن نحترمه، وقلنا إن الحج مساواة فبدأنا نتبنى برامج قد تزعج من لا يحترم المساواة، ومن يعتقد أنه فوق الناس، وقلنا إن الحج سكينة، لا أستطيع أن أحققها في اختناقات في الزحمة المرورية، وفي المخيمات حيث تنام الأجساد فوق بعضها البعض.. وقلنا الحج ضيافة وكل من حج منكم يعرف المشكلة التي يعانيها الحاج في المياه، في -الله يكرمكم- دورات المياه وغيرها.. قلنا إن الحج مساواة وهو حق للجميع، فيجب أن لا يأتي من لا يستحقه ليأخذه بالقوة.. حج أُعطي فيه نسبة معينة للحجاج بمن فيهم حجاج المملكة، السعوديون والمقيمون، يجب علينا أن نحترم هذه المساواة.. عندما درسنا هذه الظاهرة وجدنا أن أول مشكلة تواجهنا هي أن عدد الحجاج غير النظاميين يفوق عدد الحجاج النظاميين، وبما أن الطاقة الاستيعابية للمشاعر محددة وبناءً عليها وُضِعت نسب للحجاج من مختلف الدول الإسلامية وغير الإسلامية التي يوجد فيها مسلمون، فعندما يأتيك ضعف الرقم المحدد معنى ذلك أن الخدمات التي نقدمها والتي بذلنا لأجلها جهوداً كبيرة لن نستطيع تقديمها بالطريقة نفسها، وهذا يتسبب بمشكلة، ومشكلة الإعاشة، والإسكان، لذا قلنا العام الماضي: "لا حج إلا بتصريح"، جزى الله خيراً خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد وسمو النائب الثاني ومن يملك القرار السياسي إذ دعمونا دعماً كبيراً، كذلك، أصحاب الفضيلة وعلى رأسهم سماحة المفتي الذي صرّح بحرمة مخالفة الأمر الكريم من ولاة الأمر وأن المخالفة تلحق أضراراً بالحاج وأضراراً بالمملكة، وفيها إضرار بالخدمة التي تقدم. لقد أصررنا على موضوع التصريح وكنا حازمين في شأنه، ونرجو أن نستمر في خدمة ضيوف بيت الله الحرام، وإعطاء أهل الحق حقهم، وحماية المساواة في الحج ورفع مستوى الضيافة.
إضافة إلى منع الحج بدون تصريح فإننا سنمنع هذه السنة دخول السيارات والمركبات دون الخمسة وعشرين راكباً، إذ تدخل المشاعر عادةً سبع وخمسون ألف سيارة صغيرة "الصوالين" التي يسمونها "جموس" ومن في حكمها مثل "الميني فان" الصغيرة، فإذا استطعنا أن نعفيها من الدخول سترتفع الطاقة الاستيعابية وستسهل الحركة داخل المشاعر المقدسة. أنتم تعرفون أننا نحرّك أعداداً أكثر من سكان جدة في أربعة أيام في حوالي خمس مدن من مكة إلى منى إلى عرفة إلى مزدلفة إلى منى إلى مكة هذه ست، وقبلها اثنتان جدة مكة ومكة جدة، أو المدينة، هذه ثماني، فتخيلوا لو أنني طلبت كل يوم صباحاً من أهل جدة أن يتوجهوا جميعهم إلى شرق جدة وقلت لهم هيا تحركوا؛ هذه الصعوبة لا أحد يستوعبها، ثم إنك تتعامل مع شريحة بغالبيتها من كبار السن من الحجاج، وثقافات مختلفة تحتاج إلى جهود كبيرة في التوعية، فقلنا دعونا نبدأ بالعلاج، فلنبدأ في إيجاد الرؤية: "الحج عبادة وسلوك حضاري" من خلال الخلل الموجود في الحج.
أصدقكم القول أننا صدمنا في المرحلة الأولى من عدم تفاعل كثير من رجال الأعمال ومن بعض المؤسسات في هذا المجال، وكانت حجتهم أنهم لا يستطيعون أن يكونوا شركاء في منع الحاج، فقلت لهم: نحن لا نمنعه، نحن نعطي صاحب الحق حقه، ولكن الحمد لله حصل العكس هذا العام، فقلت للأمير خالد الفيصل بأننا: حملة الحج هذا العام ستكون حملة توعوية إعلامية. أنا متأكد بإذن الله سبحانه وتعالى بأننا سننجح غداً.. سنُنافس الأندية في الرعاية، سأضمن بإذن الله سبحانه وتعالى أن يصبح الحج عبادة وسلوكاً حضارياً يُرعى ويُحتضن من جهات تقدم له أكثر مما يقدم للأندية الرياضية، لأنه سيرى الخير بإذن الله تعالى فيه عندما يأتي كل إنسان إلى المملكة العربية السعودية، وإلى مكة تحديداً، ويقول شكراً على ما قُدِّمَ لنا وجزاكم الله خيراً، أنا سمعت من الإنسان الذي يسجد في أقدس بقعة يقول جزاكم الله خيراً ورحم الله والديكم على هذا الجهد، من سيعمل في هذا المجال سيجد الخير الكبير، ولهذا السبب قلنا إن الحج والعمرة تميُّز ساعدونا في أن نرتقي بهما ونقدمهما للعالم كمشروع متميز بإذن الله سبحانه وتعالى.
المسيرة طويلة وشاقة ومضنية ورحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، ونحمد الله سبحانه وتعالى أننا بدأناها. القيادة تملك إرادة وإدارة، وكل الذي أرجوه -وأصدقكم القول- من المسؤولين التنفيذيين ألا يتخاذلوا، لأن الفجوة مخيفة بين القيادة وطموحها وبيننا كمسؤولين تنفيذيين ورغباتنا، أنا أرجو بإذن الله سبحانه وتعالى أن نعمل جميعاً في وظائفنا لخدمة الوظيفة، ولا نجعل الوظيفة في خدمتنا، حتى نحقق فعلاً الرسالة التي نرجوها، قد يقول البعض إن الخدمة العامة وبالذات الخدمة المدنية سلمها الوظيفي رديء، وراتبها كذلك. أنت مخير إذاً في ما لو وجدت أن هذا الراتب رديء أن تخرج وتفتش عمن يعطيك راتباً أفضل وتمنح الفرصة لمن يستطيع أن يعطي. أعتذر لأنني أطلت عليكم وكنت أتمنى أن أكون مقلاً في الحديث حسب توجيهات شيخنا لنعطي مساحة أوسع للأسئلة لكني أحببت أن أقرّب لكم الصورة وأجعل الرحلة الشاقة التي بذلها الإخوان في إعداد الاستراتيجية والخطة العشرية والجائزة وفروعها في فترة قياسية في متناولكم وأنقل إليكم هذه الصورة الكاملة. أتمنى أن تكون الجائزة حلقة من حلقات التطوير لتنمية إنسان ومكان مكة المكرمة بإذن الله سبحانه وتعالى، أشكركم على حسن الاستماع وكلِّي آذان مصغية لأيّة أسئلة وأي استفسارات، فقط أضعكم في ملاحظتي البسيطة: إن الحكومة تدفع راتبي إلى الساعة الثانية والنصف، فأنا بعد الثانية والنصف أملك أن أقول رأيي كيفما أشاء وهم غير مسؤولين عنه، فخذوا راحتكم في الأسئلة وسآخذ راحتي في الإجابة.. شكراً لكم جميعاً.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1004  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 7 من 199
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الجمعية النسائية الخيرية الأولى بجدة

أول جمعية سجلت بوزارة الشئون الاجتماعية، ظلت تعمل لأكثر من نصف قرن في العمل الخيري التطوعي،في مجالات رعاية الطفولة والأمومة، والرعاية الصحية، وتأهيل المرأة وغيرها من أوجه الخير.