القلب يرزحُ تحت أعباءِ الحياة القاسيةْ |
أبداً يمزّقه الحنينُ إلى الربوع النائيةْ |
يلقى بها الأهل الكرامَ.. أباً وأُماً حانيةْ |
..كانت إذا حطّ الرحالَ لدى العجوز الواهية |
تلقاه.. ملءُ العين دمعتُها الهتون الوانية |
أمٌّ على فرح بنا.. تبكي.. وتضحك باكية |
* * * |
يا للنوى تزجي فجاءات الزمان الضاربة |
أمَّاه!.. ما أبقت لي الأيام بعدك باقية |
أسفاه أن لم أقض حقك في الحياة الفانية |
أسفاه.. ما قبلت أيديك الطهور الداعية |
جلَّ العزاء!.. فإن تكوني في ضريحك راضية |
فلقد حلُمت بأن بيتك في الجنان العالية |
* * * |
أماه.. مدّي لي يديك وإن تكوني ثاوية |
مازلتُ طفلك.. هدهدتني منك عين راعية |
أماه.. لا يغرُرْكِ شيب الأربعين الهاوية |
مازلت طفلك.. جرّحت كبدي الليالي الشاتية |
مازلت طفلك.. بلسمي منك الأكف الشافية |
.. لكنّما غادرتني.. نهب الصحاري الخاوية |
أمشي.. يضيّعني السراب.. وقد أضعت الراوية |
* * * |
أماه هل يبكي الرجال إذا ألمت داهية؟ |
أماه هل يبكي الرجال من الحتوف القاضية |
إن الرجولة - قد علمت - بسالة متناهية |
لكنها في دمعة للعين تبدو غالية |
فسكبتُها.. يا ليتها كانت لتربكِ ساقية |
* * * |
أمي الحبيبة لم تكن - في زعمهم - أماً فريدة |
كانت من الجيل الذي لم يقرأ الكتب النضيدة |
لم تحفظ الشعر المقفّى.. إنما كانت قصيدة!.. |
نُسجت بتقوى الله لُحمتها.. وقافيةٍ شريدة |
وصناعة الأبطال في الدنيا لها كانت عقيدة |
عُنيت بتربية البنين على هدى آي رشيدة |
كانوا رجالاً إذ مضوا.. لكنّها ماتت وحيدة |
* * * |
ذابت كشمعة راهب في ليل صومعة بعيدة |
..في الليل تُمضي جُنحَه مع نجمة لهفي جديدة |
تحكي لها عن غائب.. ما عُوِّدت ينسى وعيده |
كانت حكايات المصيف بليلة سكرى نشيده |
يحكي لها طموحه.. تصغي كما أصغت وليده |
* * * |
ذابت كشمعة راهب في ليل عاصفة شديدة |
..في الليل شقّت ستره دعواتها الحرّى الوليدة |
في الليل ناجت ربّها.. أرشِد مساعيه الحميدة |
هو فلذتي يا ربّ.. قد غالته غربته المديدة |
فاردد إلى قلبي سكينته بعودته الحميدة |
..هي دعوة حرّى تردّدها النجوم مع القعيدة |
..لكنها ماتت.. وفلذتُها مُهَوِّمة شريدة |
وعلى شفاه الأم مات سؤالها. يا للشهيدة |
ما كان يخلف وعده.. فمن ترى أردى وعيده |
* * * |
أماه يجزيك الإله على المكابدة الجهيدة |
كم ذادني عن موطن أهواه.. أهوال عتيدة |
وطن فتنت بحبه.. ورأيته أحلى قصيدة |
وطن يكيد لـه اليهود المفسدون.. فكم مكيدة!.. |
وطن تمزّقه الذئاب العاديات على طريدة |
..وطن سيبقى ثورة حمراء مشعلة صعيده |
لهباً يردّ العاديات.. ويفتدي أبداً شهيده |
وغداً ستورق دمعتي زهراً على قبر الشهيدة |
وأقول: ها قد عدت يا أماه عودتي السعيدة |
* * * |