من الشريف حسين إلى مكماهون |
مكة في 29 شوال 1333 (9 سبتمبر أيلول 1915) |
بسم الله الرحمن الرحيم |
لصاحب السعادة والرفعة نائب جلالة الملك في مصر، سلمه الله. |
بمزيد من السرور والغبطة تلقيت كتابكم المؤرخ في 19 شوال وطالعته بكل احترام واعتبار رغم شعوري بغموضه وبرودته وتردده فيما يتعلق بنقطتا الأساسية أعني نقطة الحدود. |
وأرى من الضروري أن أؤكد لسعادتكم إخلاصنا نحو بريطانيا العظمى واعتقادنا بضرورة تفضيلها على الجميع في كل الشؤون، وفي أي شكل، وفي أية ظروف ويجب أن أؤكد لكم أيضاً أن مصالح اتباع ديانتنا كلها تتطلب الحدود التي ذكرتها لكم ويعذرني فخامة المندوب إذا قلت بصراحة أن البرودة والتردد اللذين ضمنهما كتابه فيما يتعلق بالحدود وقوله أن البحث في هذه الشؤون إنما هو إضاعة الوقت وأن تلك الأراضي لا تزال بيد الحكومة التي تحكمها.. يعذرني فخامته إذا قلت له إن هذا كله يدل على عدم الرضا، أو على النفور أو على شيء من هذا القبيل فإن هذه الحدود المطلوبة ليست لرجل واحد نتمكن من إرضائه، ومفاوضته بعد الحرب، بل هي مطالب شعب يعتقد أن حياته في هذه الحدود وهو متفق بأجمعه على هذا الاعتقاد. وهذا ما جعل الشعب يعتقد أنه من الضروري البحث في هذه النقطة قبل كل شيء مع الدولة التي يثقون بها كل الثقة ويعلقون عليها الآمال وهي بريطانيا العظمى. |
وإذا أجمع هؤلاء على ذلك فإنما يجمعون عليه في سبيل الصالح المشترك وهم يرون أنه من الضروري جداً أن يتم تنظيم الأراضي المجزأة، ليعرفوا على أي أساس يؤسسون حياتهم كيلا تعارضهم إنكلترا أو إحدى حليفاتها في هذا الموضوع مما يؤدي إلى نتيجة معاكسة، الأمر الذي حرمه الله وفوق هذا فإن العرب لم يطلبوا -في تلك الحدود- مناطق يقطنها شعب أجنبي بل هي عبارة عن كلمات وألقاب يطلقونها عليها. |
أما الخلافة فإن الله يرضى عنها -ويسر الناس بها. |
وأنا على ثقة يا صاحب الفخامة أنكم لا تشكُّون قط أني لست أنا شخصياً الذي يطلب تلك الحدود التي يقطنها عرب مثلنا، بل هي مقترحات شعب بأسره، يعتقد أنها ضرورة لتأمين حياته الاقتصادية. |
أوليس هذا صحيحاً يا فخامة الوزير؟ |
وبالاختصار فإننا ثابتون في إخلاصنا، نصرح بكل تأكيد بتفضيلنا لكم على الجميع أكنتم راضين عنا -كما قيل- أو غاضبين! |
أما ما يتعلق في قولكم بأن قسماً من شعبنا لا يزال يبذل جهده في سبيل تأمين مصالح الأتراك، فلا أظن أن هذا يبرر ((البرودة)) و ((التردد)) اللذين شعرت بهما في كتابكم فيما يتعلق بموضوع الحدود، الموضوع، الذي لا أعتقد أن رجلاً مثلكم ثاقب الرأي ينكر أنه ضروري لحياتنا الأدبية والمادية وأنا حتى الساعة لا أزال أنفّذ ما تأمر به الديانة الإسلامية في كل عمل أقوم به وأراه مفيداً وصالحاً لبقية المملكة، وإني سأستمر في هذا إلى أن يأمر الله بغير ذلك! |
وأود هنا يا صاحب الفخامة، أن أؤكد لكم بصراحة أن كل الشعب -ومن جملته هؤلاء الذين تقولون إنهم يعملون لصالح تركيا وألمانيا- ينتظر بفارغ الصبر، نتائج هذه المفاوضات المتوقفة على موافقتكم أو رفضكم قضية الحدود وقضية المحافظة على ديانتهم، وحمايتهم من كل أذى أو خطر. |
وكل ما تجده الحكومة البريطانية موافقاً لسياستها في هذا الموضوع، فما عليها إلاّ أن تعلمنا به وأن تدلنا على الطريق الذي يجب أن نسلكها. |
ولذلك نرى من واجبنا أن نؤكد لكم أننا سنطلب إليكم في أول فرصة بعد انتهاء الحرب ما ندعه الآن لفرنسا في بيروت وسواحلها. |
ولست أرى حاجة هنا لأن ألفت نظركم إلى أن خطتنا هي آمن على مصالح إنكلترا من خطة إنكلترا على مصالحنا، ونعتقد أن وجود هؤلاء ((الجيران)) في المستقبل سيقلق أفكارنا كما يقلق أفكارها. |
وفوق هذا فإن الشعب البيروتي لا يرضى قط بهذا الارتخاء والانزواء وقد يضطروننا لاتخاذ تدابير جديدة قد يكون من شأنها خلق متاعب جديدة تفوق في صعوبتها المتاعب الحاضرة. |
وعلى هذا لا يمكن السماح لفرنسا بالاستيلاء على قطعة صغيرة من تلك المنطقة وأنا أصرح بهذا، رغم أني أعتقد وأؤمن بالتعهدات التي قطعتموها في كتابكم ويستطيع معالي الوزير، وحكومته أن يثقا كل الثقة بأننا لا نزال عند قولنا وعزيمتنا وتعهداتنا التي عرفها مستر ستورس منذ عامين. |
ونحن ننتظر اليوم الفرصة السانحة التي تناسب موقفنا، وخاصة فيما يتعلق بالحركة التي أضحت قريبة والتي يدفعها إلينا القدر بسرعة ووضوح لتكون حجة -نحن والذين يرون رأينا- في العمل ضد تركيا -ودون أن نتعرض للوم أو نقد. |
وأعتقد أن قولكم ((بأن بريطانيا لا تحتكم ولا تدفعكم للإسراع في حركتكم مخافة أن يؤدي هذا التسرع إلى تصديع نجاحكم)) لا يحتاج إلى إيضاح.. إلاّ فيما يتعلق بمطالبكم بالأسلحة والذخائر عند الحاجة أعتقد الآن أن في هذا كفاية. |
|