سقوط الطائف |
وظل الخلاف على شأنه في عام 1342 بين الحسين ونجد كما ظل طريق الحج أمام النجديين مقفلاً فاقترح المتصلون بابن السعود أن يحاول الهجوم على الطائف لعلّه ينجح في الاستيلاء عليه فيستطيع أن يساوم الحسين عليه كما يستطيع أن يتبين موقفه منه كما يتبين موقفه من الحكومة البريطانية حليفة الحسين بعد أن يحتل الطائف. |
يقول الأستاذ حافظ وهبة
(1)
وكان من كبار المستشارين في بلاط ابن السعود في نجد: لم يكن لجلالة الملك ابن السعود أي فكرة عن غزو الحجاز وفتحه حتى سنة 1923 لأنه لم يكن واثقاً تمام الوثوق بإمكان تغلب قواته على الحجاز وثانياً لأنه لم يكن واثقاً من موقف الحكومة البريطانية. ويحق له أن يحسب لموقفها ألف حساب فهي التي طالبته بترك الحجاز والرجوع إلى نجد سنة 1919م بعد ضرب القوات الشريفية في تربة وقد كان في إمكان قواته في ذلك الوقت أن تتقدم وتستولي على الطائف ومكة لولا إنذار إنكلترا له بأنها تعتبر تقدمه في الحجاز عملاً عدائياً موجهاً ضدها. ثم يقول
(2)
وهو يشير إلى حركة الإخوان الأخيرة للاستيلاء على الطائف (لقد كنت موقناً بأن الإخوان سيتغلبون على قوة الشريف وموقناً بأن إنكلترا ستقف موقف الحياد لأن سياسة ابن السعود إزاءها كانت سياسة مجاملة تامة وودية للغاية). |
ويعلل الأستاذ قدرة الإخوان على التغلب على قوة الشريف بانتقالهم من البادية إلى سكنى الحضر وتشربهم بروح الدين والتعصب ضد كل من خالفهم. |
|
(الإمام عبد العزيز) في هذا العهد الملك فيما بعد
|
|
ومضى عام 1342 وكان عيد الأضحى فقدم إلى الرياض للمعايدة رؤساء الإخوان من أهل الخرمة وعتيبة والغطغط فعرض ابن السعود عليهم فكرة غزو الحجاز فهشوا وبشوا للمشروع لأنهم سيطهرون بيت الله وينشرون الدين الصحيح ولأنهم سيغنمون الأموال التي ذاقوا حلاوتها في تربة كما سيغنمون أجر الجهاد
(3)
. |
وبذلك بدأت القبائل تجهّز جيوشها وترسلها إلى مكان الاجتماع المختار في تربة في هدوء لم يشعر به الأشراف في مكة والطائف إلاّ بعد أن اتصلت السرايا الأولى بالقرب من الطائف في أوائل صفر سنة 1343. |
كان رجال الحملة لا يزيد عددهم على بضعة آلاف بقيادة خالد بن لؤي
(4)
وسلطان بن بجاد فاحتلوا مخفر كلاخ شرقي الطائف ثم تقدموا إلى مخفر الأخيضر دون أن يجدوا مقاومة تذكر
(5)
وكان في الطائف نحو 500 جندي نظامي يقودهم صبري باشا وزير الحربية والقائد العام للجيش الحجازي وبعض الحرس الخاص وعلى رأسهم أمير الطائف شرف بن راجح فحاولوا الدفاع عن الطائف ولكنهم شعروا بضعفهم وقلة ذخيرتهم. |
واتصل الخبر بالحسين في مكة فندب ابنه الأمير علي وكان قد جاءها من المدينة حاجاً على رأس قوة نظامية تبلغ نحو 800 جندي نظامي و 4 مدافع جبلية و 8 رشاشات فأسرع على رأس قواته عن طريق ثنية (كرا) إلى وادي المحرم فبلغها يوم 5 صفر وبذلك دخل الطائف فبات ليله ثم ما لبث أن غادره في اليوم الثاني 6 صفر عندما أحس برصاص النجديين يخترق أسوار البلدة وكان يؤمل أن يستجمع قواه في الهدا
(6)
ثم يكربها من جديد. |
وبخروجه من الطائف هجم بعض الأهالي على أبواب السور وفتحوها للمهاجمين معلنين أنهم لا يريدون الحرب فاقتحم الأخوان الطائف بقوة السلاح فكان يوماً استاء له (الإمام عبد العزيز) وأمر فيما بعد أن يعوّض المنكوبين. |
وترك العنف أثره في هبوط معنوية الجيش المدافع في الهدا وتملك الخوف أفراده ووجد رجال الحرس والبدو في بعض بوادي الطائف أن الفرصة سانحة للنجاة بأرواحهم والاستفادة منها فانحازوا إلى المهاجمين واختلطوا بهم في الطائف وشاركوا في أعمالهم ورأى الأمير علي نفسه مضطراً إلى التراجع فانهزم بجيشه إلى (الهدا) وهي على بعد كيلومترات من وادي المحرم فما لبث الجيش النجدي أن هاجمه في ((الهدا)) في 26 منه فاستأنف التراجع إلى ((بازان)) بعد أن تبين له أن لا فائدة من الثبات خصوصاً وقد ظهر له أن أكثر عربان الجهة وفي مقدمتهم ((طويرق)) قد انحازوا إلى المهاجمين واستطاعوا أن يصلوا الجيش الهاشمي برصاصهم في شبه حركة التفاف
(7)
. |
ولا جديد في هذا فأوضاع البادية أو فقرها إذا شئت كثيراً ما يهيئها للانحياز إلى الطرف الغالب الذي تستطيع الاستفادة منه والكسب. |
وتوالت الهزيمة وزاد عدد المنتمين إلى الجيش المهاجم واتصلت الأخبار بمكة سيئة مفزعة فارتفعت بعض الأصوات تنادي بطلب السلاح من الحسين لمقاومة الهجوم ولكن الحسين لم يجرؤ على توزيع السلاح خوفاً على حياته من الهائجين وبينهم الكثير الذي بات لا يرضى عن قسوته في الحكم. |
وزحف بعض الصائحين إلى دار الحسين يطالبون أن يلجأ بالإنكليز لحمايته فصرخ مستنكراً واجتمع الشريف عبد الله وابن أخيه محمد بقاضي القضاة الشيخ عبد الله سراج ورئيس الديوان العالي السيد أحمد السقاف وبحثوا الحالة ثم رفعوا تقريرهم إلى الحسين بأن يبرق إلى الإنكليز لتدارك الحالة فأبى ذلك عليهم. |
وتوالت الاجتماعات بالحسين حتى تقرر الانسحاب إلى جدة فبدأوا بإرسال النساء والأطفال ومن بينهم عائلة الحسين نفسه
(8)
. |
|