شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
القحط والجوع
وأهلَّ عام 1220 قاسياً مريراً في مكة بفعل الحصار الذي ضربه عليها القبائل أنصار السعوديين من جميع الجوانب وانقطاع ورود الأرزاق إليها وبذلك عمّ الجوع واشتد الغلاء وبلغت قيمة الكيلة من القمح والأرز مشخصين والرطل من السكر والشحم والزيت ريالين والرطل من البن والتمر ريالاً والرطل من السمن نصف ريال وكيلة الزبيب ثلاث ريالات والرطل من لحم الماعز والجمل نصف ريال ثم ما لبثت الأرزاق أن فقدت من الأسواق وصار الناس لا يجدونها بالأوقية فضلاً عن الرطل فأكل الناس بزر الخشخاش والنوى وشربوا الدم المسفوح ثم أكل بعضهم الهررة والجلود والكلاب (1) فتسلل بعض الناس ملتجئين بالجيوش المهاجمة ودخل كثير من الأشراف في طاعتهم فقويت شوكة النجديين، ويقول ابن بشر في تاريخه عنوان المجد (2) إن المجاعة كانت عامة في هذه السنة وإن الأسعار كانت شديدة الغلاء في بلاد نجد واليمن.
وفي هذا العام أمر الأمير سعود ببناء قلعة في وادي فاطمة ليجعل منها حصناً لعسكره الذي يحاصر مكة وازداد فرار الناس من مكة على أثر هذا حتى شوهد الصف الأول لا يتكامل من المصلين في أوقات الصلاة وظل الحصار على حاله ثم شرعت قوات نجد تتقدم زاحفة من عدة جهات حتى دخلت حدود الحرم ووصلت طلائعها إلى قرب المعابدة وتوجه فريق منها إلى جدة فحاصرها وكاد يقتحمها بالسلالم والحبال من سورها فصد عنها ثم خيم عسكره في ضاحية منها بالقرب من غليل، على بعد كيلومترات من جدة.
وأهلَّ رمضان والضيق لا يزال على حاله في مكة والمناوشات في جميع ضواحيها لا تنقطع ثم حلّ الموسم فلم يفد إلى مكة أحد من الآفاق إلاّ النزر القليل وفي أواخر ذي القعدة من هذا العام 1220 سعى بعض أهل الإصلاح في التوفيق بين الفريقين وقبل غالب أن يبقى في إمارته تابعاً للنجديين (3) .
وفي 26 منه دخل النجديون مكة محرمين فطافوا بالبيت ثم انحازوا إلى معسكرهم في الأبطح فظلوا فيه إلى أن خرجوا إلى عرفة ثم عادوا إلى الإقامة في معسكراتهم بعد قضاء الحج وظلوا فيها إلى أن ارتحلوا في 11 محرم 1221 عائدين إلى نجد بعد أن تركوا فريقاً منهم كمحافظين على البلاد.
وحج في هذا العام 1221 المحمل الشامي والمصري فاعترض السعوديون على أمر المحامل ونبهوا على أمرائها ألاّ يعودوا بعد عامهم هذا.
واستقر الأمر بعد نهاية الفتن وعادت الأسعار والأرزاق إلى ما كانت عليه من قبل وشرع غالب يرتب أموره في مكة وجدة وباقي المدن بما يتناسب مع الوضع الجديد بعد أن منع شرب الدخان والتنباك وأمر الناس أن يبادروا إلى صلاة الجماعة في المساجد وأن يقتصروا على الأذان ويتركوا التسليم والتذكير والترحيم.
وفي أواخر صفر عام 1222 وصل من الدرعية وفد مكوّن من عشرين رجلاً على رأسهم الشيخ حمد بن ناصر بن معمر من كبار العلماء في نجد وكان الشريف غالب يقيم في جدة فتوجهوا إليه وسلموه خطاب الأمير سعود بموافقته على إجراء الصلح ثم طلبوا إليه أن يجمع الناس في مسجد بجدة فلما اجتمع الأعيان والتجار وسائر الأهالي قرأوا عليهم كتاباً من الأمير سعود بتأمين البلاد والدعوة إلى التوحيد وهدم القباب وما إلى ذلك من أمور.
ثم توجه الوفد عائداً إلى الدرعية يصحبه شيخ السادة محمد بن محسن العطاس يحمل بعض الكتب من الشريف غالب وبعض الأهالي (4) .
وظل غالب عدة أشهر في جدة لترتيب الأمور فيها وقد أصلح ما تهدم من سورها وبنى برجاً على ساحلها ليشرف على شؤون السفن في المراسي ثم عاد إلى مكة فأمر ببناء ((حصن على جبل الهندي)) في 27 رجب من العام 1221 وهو المعروف اليوم بقلعة الهندي وقد أتم بناءه في 10 رمضان وحصنه بالرجال والذخائر (5) . وجبل الهندي جزء من جبل قيقعان ويقع في الجزء الشمالي من مكة (6) .
وفي شوال من هذا العام عاد من تركيا عبد الله بن سرور ثم توجه إلى الدرعية وقابل فيها الأمير سعوداً وبات الناس ينتظرون أن يوليه الأمير سعود مكان غالب في مكة ولكنه لم يفعل وقيل إنه ظل في نجد ثلاث سنوات ثم عاد إلى مكة فلم يأذن له غالب في دخولها فأقام في البادية بالقرب من الطائف.
وفي موسم هذا العام 1221 وافت المحامل على جري عادتها وقد أرسل أمير الحج الشامي كتبه بأنه قادم في الطريق فأعاد السعوديون إليه الكتب يمنعونه من دخول مكة فعاد من خلال الطريق أما المحمل المصري فإنه وصل دون أن يتقدمه خبر فهجم السعوديون عليه وأحرقوه.
وفي هذا العام أمر السعوديون مناديهم بأن ينادي في الحج بمنع الحجاج من حلق ذقونهم بعد عامهم هذا.
ووصل من تركيا قاضيان مندوبان للقضاء في مكة والمدينة على جري عادة الأتراك في السابق فلم يقبلهم السعوديون وولوا أمر القضاء في مكة الشيخ عبد الحفيظ العجيمي والمدينة رجلاً من علماء المدينة (7) .
وظل حكم السعوديين في مكة من استيلائهم عليها إلى خروجهم منها في أوائل عام 1228 نحو سبع سنوات وشهرين يتولى أمرها لهم الشريف غالب وكان الإمام سعود يحج سنوياً على رأس ألوف مؤلفة من أتباعه وذويه من سائر بلاد نجد تتبعهم عائلاتهم وكانت جيوشه من سائر الأقطار التي يحكمها في الأحساء ومسقط وعسير والحجاز وبعض بلاد اليمن توافيه إلى مكة وتنضم إلى موكبه فيها وكان ينزل في دار البياضية الشمالي أحياناً وفي الجنوب أحياناً أخرى (8) حيث يستقبل أشراف مكة وأعيانها على رأسها الشريف غالب الذي يتقبل هداياه ويبادله مثلها.
وكان يوزع كثيراً من عطاياه على فقراء الحرمين ورجال البوادي كما كان يكسو الكعبة سنوياً بالقز الأحمر أو القيلان ويطرز ستارة بابها بالذهب والفضة وكان يستأنف عودته إلى نجد بعد فراغه من الحج ويأمر جيوشه بالعودة إلى أوطانهم.
وامتنعت في هذه السنة جميع البلاد الإسلامية الخاضعة لتركيا عن الحج وأصبح الحجيج يكاد يكون مقصوراً على البلاد الخاضعة للسعوديين في أقطار الجزيرة وبعض المغاربة في بعض السنين.
وكان المكان المختار للإمام سعود بالمسجد الحرام هي قبة زمزم يؤدي فيها صلاته في موكب حافل من حاشيته، وفي آخر حجة للإمام عام 1225 أمر بكشف القبة التي فوق مقام إبراهيم حتى صار الحجر بارزاً لكل من يراه في الناس (9) . ويقول ابن بشر: إن مكة قاست كثيراً من المجاعة في عهد حصار السعوديين لها ثم عاد الرخاء بالتدريج وما وافى عام 1225 على نهايته حتى كان الرخاء قد عمّها تماماً حتى بيع الأردب من القمح بأربع ريالات (10) .
وفي عام 1226 صدر أمر السلطان محمود في تركيا إلى صاحب مصر محمد علي باشا بأن يجهز لقتال السعوديين في مكة وكان قد أمر بذلك قبل أربع سنوات ولكن محمد علي تقاعس عنه لانشغاله بشؤون الاضطرابات في مصر (11) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :511  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 176 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.