شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
جراية القمح
ونحن لا نشك أن سعة الرزق كان من أهم مصادرها جراية القمح التي عيّن إرسالها السلطان سليم في مبالغ عظيمة وافرة توزع كمخصصات سنوية على سكان الحرمين. فقد وصلت إلى مكة في عهده الأول ولأول مرة في تاريخ الجرايات سبعة آلاف أردب أرسل منها ألفان للمدينة ووزعت خمسة آلاف في مكة وقد دعا أمير المحمل الرومي مصلح الدين إلى اجتماع حضره قاضي مكة صلاح الدين بن ظهيرة الشافعي وقضاة المذاهب الثلاثة بمكة ونائب جدة وبعض الأعيان وقرأ عليهم المرسوم السلطاني الخاص بتوزيع هذه الغلال واستشارتهم في كيفية ذلك فذكروا له أن لا بد من عرض ذلك على شريف مكة بركات وأخذ رأيه فكتب بذلك إلى بركات أمير مكة فجاءه الجواب بتفويض المجلس فيما يراه فاجتمع المجلس واتفق أعضاؤه على التوزيع بموجب سجلات تدرج فيها أسماء البيوت في كل محلة وعدد ما في البيوت من رجال ونساء وأطفال وخدم وأن يستثني من ذلك التجار والسوقة والعسكر وقد بلغ تعداد السكان عدا من ذكر اثنى عشر ألف نسمة وقد خص كل فرد أربع كيلات فتسلموا حصصهم في ذلك مضافاً إلى ذلك دينار من ذهب.
وقد تزايد هذا القمح حتى صار معاش أهل مكة منه.
وأمر السلطان سليمان بشراء بعض القرى في مصر من أمواله ووقف وارداتها على الغلة ترسل من مصر سنوياً لتوزع في مكة بموجب الدفاتر السلطانية كما أمر بزيادة المبالغ التي كانت ترسل سراً إلى الحرمين.
وفي عهد سليم بن سليمان زيدت الغلة سبعة آلاف أردب أخرى تحمل من الأوقاف السلطانية في مصر على ظهور الجمال إلى السويس ثم تشحن في السفن السلطانية التابعة إلى جدة أو ينبع.
وهي فضائل قد يكون أجداد العثمانيين أرادوا بها المثوبة والإحسان أو مجرد السمعة والدعاية أو غيرهما إلاّ أننا لا نشك أن ذلك أساء إلى أهالي الحرمين أكثر مما أحسن إليهم فقد عودهم قبول الإحسان بما في هذا التعود من خمول وكسل. وإذا علمنا أن هذه الصدقات ظلت جارية طوال قرون كاملة وأنها كانت تتسع باتساع عدد السكان وأن مخصصاتها كانت تعول جلّة الأسر في مكة من العام إلى العام.. علمنا نوع الإعداد الذي أعدّ فيه هذا الشعب وبطل التعجب من تنشئة أجياله بالتعاقب على اقتناص الهبات والصدقات واستغنائه بها عن الخوض في مجال الحياة التي تخوضها أمم الأرض.
ولو فكر أولئك المحسنون في صرف تلك المبالغ التي لا يوفيها الحصر في إحياء الأراضي الموات وحفر الآبار وتعميم المدارس تعميماً شاملاً وإنشاء دور للصناعات لنشأت البلاد غير هذه النشأة التي تعاني مرارتها إلى اليوم.
وبحسبنا أن نعلم أنه مر بالبلاد في هذا العهد الذي ندرسه غير قليل من النصب لأن الفتن التي كانت تنشب بين أمرائها كثيراً ما تحول دون وصول المخصصات كما تحول دون الاستيراد التجاري فلو أنشئت البلاد على الاستغناء بمنتوجاتها لكان موقفها غير ذلك.
وقد حدثنا الدحلان فيما ذكر عن سني الفتنة فقال: إن قيمة الكيلة من القمح والأرز كانت تبلغ مشخصين وأن الرطل من السكر والشحم والزيت كانت تبلغ قيمته ريالين ولا نعرف فداحة هذا الغلاء إلاّ إذا قارنا هذه الأسعار بما يورده الدحلان نفسه عن أسعار مثلها في أيام الرخاء فهو يقول إن الكيلة تبلغ قيمتها خمسة ديوانية والكيلة تعادل الصاع تقريباً وقيمة الرطل من العسل والزبيب أربعة ديوانية.
والذي أعرفه في عهد طفولتي أن الهللة الواحدة وهي خُمس القرش الحالي كانت تساوي ثلاثين ديوانياً وكانت العملة الدارجة في هذا العهد الذي ندرسه هي النقد العثماني ومن أنواعه كما يذكر الدحلان القرش ويساوي أربعين ديوانية وبذلك كانوا يشترون سبع كيلات من القمح بقرش واحد.
والذي يعرفه المعمرون أن القرش نوعان ((قرش الصاغ)) وهو 120 ديوانياً ((والقرش الشرك)) وهو أربعون ديوانياً والريال المجيدي يساوي 20 قرشاً صاغاً و 60 شركاً. ومن أغرب ما يروى عن تكاليف العيش في هذا العهد -إذا استثنينا أيام الغلاء- ما يذكره الغازي نقلاً عن الطبري والسنجاري أن أحد الأئمة في المسجد لما حجر عليه وقد كبر سنه رتبوا له نفقته اليومية وهي قرشان وفي هذا ما يدل على متوسط نفقة الشخص في هذا العهد.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :488  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 160 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج