شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ضريبة على التجار
واستحدث الشريف عبد الله ضريبة جديدة على أعيان التجار في مكة وبعض المترددين من تجار الحجاج واتخذ لهم سجلاً خاصاً يؤدون بموجبه ضرائبهم فأثر ذلك في أسعار الحاجيات وارتفعت الأسعار وعمّ الناس بعض الكرب في عام 1136 و 37 وقد انتهت أخبار ذلك إلى السلطنة فكتبوا إليه بتخفيف ذلك فامتثل للتخفيف، وبنى لنفسه داراً في جبل أبي قُبيس ليتحصن بها عند الطوارئ وقد سمي ببيت النار وكان قائماً بجوار الصفا ثم هدم لتوسعة الشوارع.
ونشب خلاف جديد بينه وبين محسن العبدلي فولى الأخير مغاضباً إلى الطائف وجمع جموعه لمقاتلته إلاّ أن عبد الله خاف مغبة الأمر فأرسل يسترضي الغاضب وبذل له ولأعوانه في الطائف ما أرضاهم وأصلح أمرهم في أوائل عام 1138.
انتقلت العدوى إلى بعض الأشراف فغاضبه بعضهم ثم صالحوه وغاضبه آخرون ثم صالحوه واستمر معهم على ذلك إلى نهاية عام 1139.
واستقر أمره بعد ذلك فشاع الأمن وصلحت الطرق وأطاع له الأشراف بعد أن حمدوا له مواساته لهم وعدله بينهم وعمّ الرخاء جميع البلاد ونستطيع أن نستنتج مما ذكره الشيخ عبد الستار البكري في تذييله لكتاب شفاء الغرام للفاسي أنه كان نشيطاً في دعوته لبلاده وأنه كان يندب مبعوثيه إلى الأقطار في سبيل تحسين الصلات.
وظل في إمارته سبع سنوات ونصف السنة ثم اعترته بعض الأمراض فتوفي في 15 ذي القعدة عام 1143 ودفن في موضع يقابل قبر الشيخ محمود بن أدهم الذي كان معروفاً أمام بازان جرول (1) .
محمد بن عبد الله: وبوفاته قام أحد أخوته مسعود بن سعيد بالدعوة لابنه محمد بن عبد الله وكان غائباً في اليمن ولعلّه كان مبعوثاً لتحسين علاقات الجوار فنودي به في مكة وسجل لدى القاضي ثم أرسلوا من يستعجله فلما حضر في 29 ذي القعدة تولى الحكم (2) .
محنة الشيعة: وفي عهده حدثت نكبة على الشيعة أعتقد أنها إحدى النكبات التي يتلظى المسلمون بسعيرها كنتيجة للتعصب وسوء الفهم بينهم وبين إخوانهم من أهل السنة فقد وصلت قافلتهم متأخرة عن ميعاد الحج في عام 1143 فأقاموا في مكة لحضور الحج في عام 1144 فزعم بعض العامة أنهم وضعوا نجاسة في الكعبة المعظمة وثاروا لذلك وثار بثورتهم العسكر وقصد الثائرون القاضي فهرب خوفاً من فتنتهم، ثم قصدوا إلى بيت المفتي فأخرجوه من بيته كما أخرجوا غيره من العلماء ذوي الهيئات واجتمعوا عند وزير الإمارة وطلبوا إليه إقامة الدعوى دون أن يعينوا خصماً معلوماً ثم استطاعوا بتألبهم أن ينتزعوا أمراً من الوزير بإبعاد الشيعة من مكة وخرجوا إلى السوق ينادون بطردهم ونهب بيوتهم وذهبوا في اليوم الثاني إلى بيت القاضي وطلبوا منه أن يتوسط لدى أمير مكة في التصديق على أوامر الوزير التي بأيديهم إبعاد الشيعة فامتنع الأمير ثم ما لبث أن اضطر إلى مجاراتهم خوف الفتنة العامة.
وهكذا خف بعض الشيعة إلى الطائف وبعضهم إلى جدة ومكثوا مدة على ذلك حتى هدأت الفتنة واستطاع أمير مكة أن يقبض على دعاتها ثم أرسل إلى الهاربين فعادوا إلى مكة (3) .
وينقل الدحلان عن تاريخ الرضي أن ما حدث كان نتيجة لتعصب بعض أراذل الناس والأتراك وإن أهل مكة الحقيقيين لم يكونوا راضين عن ذلك وإني لا أميل إلى اتهام أشخاص معينين بقدر ما أميل إلى نعي الجهل المتأصل في عامة المسلمين من جميع الأجناس والمذاهب وقد كان ولا يزال سبباً قوياً من أسباب تفرقة المسلمين وتشتيت كلمتهم.
وظل محمد بن عبد الله على أمره نحو سنة كان يشرف فيها على أعماله عمه مسعود لأن محمداً كان كما يبدو شاباً لم يتركز بعد ولم تصقله التجارب فقد كان سنه لا يزيد عن العشرين (4) .
ثم ما لبث أن اختلف مع عمه مسعود وخرج على إشرافه فحلّ العداء بينهما محل الصفاء ووقعت على أثر هذا حادثتان كان فيهما ما يدل على قسم كبير من عدم التركيز ونقصان التجارب وقد أثارت الحادثتان الخلاف بينه وبين الأشراف وألبتهم ضده وجمعتهم على عمه مسعود.
وتتلخص الحادثة الأولى في أنه ضاق بشريف من آل بركات فأمره بمغادرة مكة فلم يمتثل والتجأ ببيت الشريف عبد العزيز من آل بركات فكرر عليه الأمر بالخروج فتوسط آل بركات ليمهله إلى الليل فأبى وأقبل بروح الشاب المتحمس يحيط البيت الذي ينزل فيه بخيله وأجناده ويأمر بإطلاق الرصاص على نوافذه وقد أصاب رصاصه بعض الأشراف المجتمعين فتواثبوا للفتنة لولا أن تدارك الأمر بعض الأشراف وبذلك عاد الشريف محمد إلى داره.
واجتمع الأشراف على أثر ذلك في دار عبد المحسن العبدلي وأشار بعضهم بالثورة إلاّ أن عبد المحسن رأى أن يعرضوا على الأمير استرضاء أصحاب البيت المهاجم على قواعدهم المعروفة فندبوا من عرض عليه تقديم خمسة وعشرين من جياد الخيل ومثلها من العبيد وستين من الإبل وأن يمضي في أعقاب ذلك البيت المهاجم معترفاً بخطئه معتذراً عما حدث.
وقبل الأمير حكم الأشراف في ذلك وقام به كما طلبوا وبذلك يستطيع المؤرخ أن يستنتج أن الشريف محمداً كان محكوماً لأعصابه في إقدامه على هجوم البيت ثم تراجعه وخضوعه للحكم القاسي الذي فرضه الأشراف.
وتتلخص الحادثة الثانية في أن عبداً لأحد كبار الأشراف قتل أحد أولاد الشيخ أبي بكر الحنبلي ثم اختفى في بيت سيده، وبينما الأمير ماراً في جملة من عبيده إذ لمح الشخص المطلوب جالساً في جملة من عبيد الأشراف في ردهة بيت سيده فأمر عبيده بالقبض عليه ففر وأصحابه ولاذوا بالبيت فلما أحس سادتهم بذلك خفوا إلى نجدة عبيدهم وأوقعوا بالسيوف في عبيد الأمير فرجع الأمير إلى داره واستحضر بعض العسكر ثم استأنف عودته إلى البيت لمهاجمته ومن فيه من الأشراف (5) .
وفي هذا ما يستحق الملاحظة لأن الشريف محمداً وهو يعلم نفوذ البيوت الكبيرة من الأشراف في مكة واعتدادهم بحصانتها المقررة في قواعدهم القديمة كان يمكنه أن يلزم صاحب البيت بإحضار القاتل دون أن يعرض مركزه لما لا يستطيع دفاعه ولكنه حماس الشباب الذي لم يتركز بعد.
وقد أسعف الموقف في اللحظة الأخيرة بعض كبار الأشراف فيهم عبد المحسن العبدلي فاستطاعوا أن يثنوا الشريف محمداً عن مرماه وأن يطفئوا الفتنة.
إلاّ أن جذوتها ظلت تستعر في ما خفي من نفوسهم حتى عادت إلى الاشتعال فتألب الأشراف على اختلاف بطونهم للدعوة ضده واجتمعوا على تأييد عمه مسعود ورأى مسعود أن الفرصة قد سنحت لضرب ابن أخيه ضربة قاضية فانسل هارباً إلى الطائف وانسل في أعقابه بعض الأشراف وقد استطاعوا إجلاء حاكم الطائف والمناداة فيها بالثورة بعد أن استمالوا القبائل من ثقيف وقريش وغيرهم.
وعلم محمد بالأمر فخرج في جيش من العساكر لملاقاتهم حتى إذا انتهى إلى قرن المنازل (6) بلغهم أمره في الطائف فتركوا طبولهم تدوي في ضواحي الطائف ونيرانهم تشتعل ليوهموا طلائعه ببقائهم فيها ثم انسلوا من طريق آخر إلى الثنية من طريق السيل ثم إلى عرفة ليدخلوا مكة على غرة منه.
وعلم بحيلتهم فتبعهم من طريق آخر وأدركهم بعد خروجهم من عرفة فاشتبك القتال اشتباكاً عنيفاً، وتفرق رجال القبائل فانفرد الأشراف بمواجهة رصاص العساكر واعتمدوا على سيوفهم حتى هزموا الشريف محمداً ففر إلى الحسينية وانحاز عساكره بسلاحهم وطبولهم إلى عمه مسعود وبذلك دخل مكة ظافراً ونودي به أميراً على البلاد في يوم 7 جمادى الأولى سنة 1145 بعد أن حكم سلفه نحواً من سنة ونصف السنة (7) .
مسعود بن سعيد: ولم يستتب الأمر لمسعود إلاّ نحو ثلاثة أشهر لأن الشريف محمداً المهزوم ما لبث أن غادر الحسينية متجهاً إلى الجنوب حتى انتهى إلى المخواة (8) ثم تنكب ذروة سراة بجيلة حتى وصل إلى الطائف واستطاع في الطائف أن يجمع القبائل من ثقيف وغيرها حوله فعلم بالأمر عمه مسعود فخرج في جموعه لملاقاته فتراجع محمد إلى المثناة (9) وانحاز إلى جبال شاهقة فلما دنا جيش عمه مسعود من السهول المنبسطة حول الجبال أمطرهم المتحصنون وابلاً من الرصاص قضوا فيه على أغلبهم وقد فرّ مسعود وتعقبه محمد ولم يترك له فرصة لجمع شمله فأوغل في البادية لينجو بنفسه وبذلك عاد محمد إلى مكة ودخلها ظافراً ونودي فيها بإمارته للمرة الثانية وذلك في شعبان سنة 1145 (10) .
محمد بن عبد الله للمرة الثانية: واستتب الأمر بقية عام 1145 وشيئاً من عام 46 ثم تلاحقت النكبات بساحته ابتداءً من الحادثة التالية:
بينما كان سردار فرقة الإنكشارية يقضي يومه في نزهة مع أهله بأحد البساتين في أعلى مكة في 20 ربيع الأول 1146 إذ جرت ملاحاة بين عسكري من اليمنيين أتباع الشريف محمد وبين انكشاري من أتباع السردار المذكور وتطور الأمر فوثب الإنكشاري على اليمني وقتله فنادى منادي اليمنيين بأخذ الثأر فتجمهروا حول البستان وأطلقوا رصاصهم وعلم الشريف محمد فخف إلى مكان الحادث فلما أحس السردار بقربه فتح نافذة ليطل عليه فأخذته رصاصة من أحد اليمنيين ما لبث أن مات على أثرها فعمّ الخطب واشتدت الأمور وتنادى عساكر الإنكشارية لأخذ الثأر وساعدهم العسكر المصريون المقيمون في مكة وقد تجمعوا في سويقة وتحصنوا في بيوتها وسدّوا منافذ أزقتها وجعلوا منها متاريس وشرعوا يطلقون الرصاص فندب الشريف محمد إليهم من يعالجهم بالحسنى فاستعصوا على ما طلب فأرسل إلى حاكم جدة ليعالج الأمر فلما حضر أبى الثائرون أن يستمعوا إليه في شأن فطلب إليهم الخروج إلى جدة والانتظار فيها إلى أن يصل حكم السلطان في ذلك فقبلوا إلاّ أن ضباطهم ما لبثوا أن نادوا في جدة بسقوط الشريف محمد وتولية مسعود ثم كتبوا إلى الشريف مسعود وكان يقيم في خليص (11) ليهاجم مكة وأرسلوا إليه بكثير من الميرة والأموال فتشجع الأمير مسعود وتآلفت القبائل حوله بما وصل إليه من الأموال ثم توجه فيمن جمع إلى مكة فعسكر في الحديبية ((الشميسي)) وانضم إليه عسكر جدة ثم انتقلوا إلى أطراف مكة ففرق الشريف محمد شملهم فعاد العسكر إلى جدة ورابط مسعود في خارجها استعداداً لاستئناف القتال فلما علم محمد بالأمر توجه بمفرده إلى جدة واتصل بعض الموالين للشريف مسعود من الأشراف وغيرهم وأرضاهم بعطاياه فتفرقوا على مسعود ثم أرسل إلى الشريف مسعود بألف أحمر يسترضيه بها فقبضها مسعود واستعان بها في الرحيل إلى الطائف حيث استأنف تجميع القبائل ثم ما لبث أن هاجم مكة بما جمع فقاتل الشريف محمد في ضواحيها قتالاً عنيفاً حتى هزمه ففرَّ محمد إلى الحسينية وبفراره دخل مسعود مكة ظافراً ونودي له بالإمارة للمرة الثانية في 7 رمضان عام 1146 (12) .
مسعود بن سعيد للمرة الثانية: واستقر الأمر لمسعود بعد هذا واستطاع أن يحتفظ بحكمه قوياً نحواً من عشرين سنة أثبت في أثنائها كفاءته لإدارة البلاد واستطاع أن يسوس الأشراف والأهلين سياسة حكيمة وأن يعيد ابن أخيه ومنافسه الشريف محمداً إلى مكة ويشمله بطيبته بعد أن جاب البادية خمس سنوات وقد تمتعت البلاد في عهده بنصيب طيب من الطمأنينة والهدوء وعمها رخاء شامل (13) .
إلاّ أن ذلك جميعه لم يكن ليحول دون بعض الفتن التي كان لا يخلو منها زمان في مكة فقد ثار في عهده بعض بني حسن (14) في جنوب البلاد وقطعوا طريق التجارة وثارت قبيلة البقوم شرقي الطائف فندب لقتال الأولين ابن أخيه محمداً فعاد ظافراً بعد أن أمَّن البلاد كما ندب للبقوم غيره فاستسلموا لحكمه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :500  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 150 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج