هدم وتوسعة |
وفي هذا العام فكّر رجال الحكومة في مكة وعلى رأسهم الشريف عبد الكريم في توسعة الشوارع، فندبت لجنة لذلك كانت تدور في الأسواق لتشرف على هدم الدكك الخارجة عن حدود الدكاكين والبيوت وإزالة المباسط من الأسواق وكذلك ((الأشرعة)) الظلل وقد استمر العمل على ذلك عشرة أيام
(1)
. |
وفي هذا العام حدث شجار يوم النفر في عرفة بين رجال المحملين المصري والشامي كل يريد السبق ويذكر الدحلان أن السبق المعتاد للمحمل المصري وقد كادت الفتنة تقع لولا أن بعض أعيان الأشراف أدركوها بإيعاز من الشريف عبد الكريم. |
وغزا الشريف عبد الكريم بعض قبائل مطير في عام 1122 فظفر بها. |
سقوط عبد الكريم: وحدثت في هذا العام حادثة جاءت ذيولها على علاقة الشريف عبد الكريم بالعثمانيين فأسقطت حكومته. |
ذلك أنه كان لأشراف مكة على حجاج الحسا أتاوة خاصة جرى بذلك العرف القديم لديهم وقد أراد أمير الحسا في هذا العام أن يماطل فيما جرى به العرف فاتصل بقائد العسكر التركي نصوح باشا فمنع الأشراف من التعرض له فشكا الأشراف أمرهم إلى الشريف عبد الكريم فبعث إلى نصوح باشا يمنعه من التدخل في شؤون بلده فغضب الباشا وتوعد فلما أتم الحج رحل إلى المدينة فتعرضت له قبيلة من حرب فلم يخالجه شك في أنها دسيسة من عبد الكريم فاستكتب أعيان الحجاج في قافلته محضراً بالأمر وقدمه إلى استامبول ثم أبدى رأيه في توجيه الإمارة إلى الشريف سعيد فوافق الباب العالي على هذا وأرسل مرسومه بذلك فوصل إلى المدينة في أواخر شوال عام 1123
(2)
. |
وكتب نصوح باشا من المدينة إلى قاضي مكة وسنجق جدة بالأمر وأطلق مناديه في المدينة بتولية الشريف سعيد فاضطرب أمر عبد الكريم وصمم على الدفاع وعصيان الأمر العالي فجاءته الأخبار بأن الشريف سعيداً وصل إلى الطائف بجموع حاشدة وأنه يتوجه إلى مكة فخرج لملاقاته فالتقى الجمعان في عرفة في 22 ذي القعدة عام 1123 وجرى القتال بينهما طيلة اليوم ثم أصلح الأشراف بينهما على أن يبقى الشريف سعيد بعيداً عن مكة إلى ما بعد أيام منى. إلاّ أن الشريف عبد الكريم ما كاد يقفل راجعاً إلى مكة حتى علم أنه نودي بالشريف سعيد فأغراه بعضهم بأخذ الأمر عنوة ولكنه رأى أن لا فائدة ترجى من ذلك فترك مكة واتجه إلى وادي فاطمة فأقام به وبذلك كان آخر عهده بإمارة مكة بعد أن تولى إمارتها ثلاث مرات كان مجموعها ست سنين وعشرة أشهر
(3)
. |
من أغنياء الهند: وفي أواخر عهد الشريف عبد الكريم وردت إلى مكة صدقة لفقراء الحرمين من الهند قدرها خمسة لكوك
(4)
وقد وزعت بينهم فنال مكة من ذلك خير كثير
(5)
ولا أدري لِمَ لم يفكر أغنياء الهند يومها في إنفاق مثل هذا المبلغ الضخم في إنشاء مشروع زراعي أو صناعي يعود على أهل البلاد بخيره الدائم. لا ريب أن المسلمين لو فعلوا هذا في عهودهم لكان لمكة شأن غير شأنها اليوم. |
سعيد للمرة الخامسة: وعلم سعيد بخروج عبد الكريم فجاء إلى مكة واستقبل فيها في موكب حافل في أواخر ذي القعدة وأقبل أصحاب الحل والعقد من المتعبين بين مد السياسة وجزرها يمشون في موكبه مهنئين!! وبذلك تم الأمر للشريف سعيد للمرة الخامسة
(6)
. |
واقتنع عبد الكريم بما حدث وعاد يطلب من سعيد السماح له بالإقامة بالحميمة
(7)
بالقرب من وادي مر فسمح له سعيد بذلك ثم رحل إلى ديار حرب فأقام بها مدة ثم سافر إلى مصر فاستمر بها إلى أن توفي بالطاعون في سنة 1123 واستقر سعيد في إمارته بعد الذي عانى من الشدة ودام أمره نحو ست سنوات. |
وألمَّ به في المحرم من عام 1129 مرض لم يمهله طويلاً ثم قضى عليه في الحادي والعشرين منه
(8)
. |
ومن غريب ما يذكر صاحب إتحاف فضلاء الزمن ((مخطوط)) أن الشريف سعيداً مرض في عام 1128 فجيء إليه بساحر يكشف له أمر مرضه فطلب الساحر إحضار عبد غشيم وكتب على جبينه شيئاً فصرع العبد فسأله الساحر عن أسباب المرض فقال إن تكرونياً يسكن زاوية الجنيد كتب له سحراً ودفنه في بستان عينه فبحثوا عن ذلك فوجدوا لوحاً من رصاص مكتوب كما وجدوا بعض الأوراق والإبر والشَّعر فقبضوا على التكروني فأقرّ أنها أعمال سحرية صنعها بطلب من بعض آل بركات. فهل نوم الساحر العبد تنويماً مغناطيسياً كما يدعي أصحاب فن التنويم أم أن في الأمر شيئاً آخر؟ |
عبد الله بن سعيد: وبوفاته أجمع كافة الأشراف على تولية الشريف عبد المحسن أحمد بن زيد كبير الأشراف ذوي زيد في عصره فلم يوافق على ذلك وعندما احتفل بتقليد الإمارة وضع باشا العسكر الخلعة على منكبه فأزاحها في لطف وقدمها لعبد الله بن سعيد نجل المتوفى ثم لاطف المجتمعين حتى قبلوا رأيه في اختيار عبد الله بن سعيد
(9)
. |
علي بن سعيد: ولم يدم عبد الله فيها إلاّ سنة ونصف السنة ثم اختلف أمره مع الأشراف فعادوا لعبد المحسن بن أحمد بن زيد يرجونه قبول الإمارة فأصر على رفضه السابق فطلبوا أن يختار لهم أخاه مبارك بن أحمد بن زيد فأبى ذلك على أخيه وقال: إذا أبيتم إلاّ أن أختار فإني أرى تولية علي ابن سعيد أخي المعزول فقبلوا ذلك منه فتوجهت الإمارة إليه ولم يفكر فيها وفي ذلك يقول الحسين بن مطير من شعراء مكة: |
وكم طامع في حاجة لا ينالها |
ومن آيس منها أتاه بشيرها |
|
وبذلك نودي بعلي في 27 جمادى الأولى عام 1130
(10)
. |
|