شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عبد الله بن هاشم
وبذلك تسلّم الإمارة في مكة الشريف عبد الله بن هاشم من ذوي بركات (1) فركب من باب السلام وطيف به شوارع مكة والمنادي ينادي باسمه أمام موكبه وذلك في أوائل ذي الحجة عام 1105 بعد فتنة راح ضحيتها عدد كبير من الجانبين عدا من قتل من الحجاج في عرفة وفي مكة وقد وجدت بعض القبائل الفرصة صالحة للنهب فنهبوا كثيراً من الحجاج في طريق عرفة وكثر الفساد في طريق جدة حتى أن القوافل العائدة بعد الحج كانت لا تجرؤ على السفر حتى يصحبها عسكر من مكة ليقوم بحراستها.
والمسؤول في رأيي عن أكثر هذه الوقائع هي السلطنة التركية التي كانت لا تختار لعمليات العزل إلاّ أيام الحج فتترك الحجاج يقاسون من أهوال الفتن ما يقاسون وتتعرض أموالهم وأمتعتهم لنهب اللصوص الذين يغتنمون هذه الفرص ليشبعوا رغبتهم في السلب أو يسدوا عوزهم وحرمانهم.
وقبض في هذه الفتنة على وزير الشريف سعد واسمه عثمان حميدان وكان قد اختبأ في بستان في المعابدة يسمى باسمه وقد ظل مأسوراً في المعسكر ينتظر القتل ثم استطاع الهرب وفي هربه تخطى سور المعلاة ثم انحدر إلى قبور ابن سليمان ((السليمانية)) (2) وتوجه إلى الفلق ثم ذهب ملتجئاً بالأمير الجديد فحماه من سنجق العسكر لأن خصومة الوزير كانت شخصية لا تعني الأمير بقدر ما تعني (سنجق) العسكر (3) .
عودة سعد للمرة الثالثة: وظل الشريف عبد الله بن هاشم على أمره عدة شهور ثم وافته الأخبار في غرة ربيع الثاني سنة 1106 أن الشريف سعداً احتل الليث وأنه في طريقه إلى مكة بجيش كثيف فاستنصر عبد الله بسنجق جدة واستقر الأهالي في مكة فوافاه عسكر جدة لمساعدته وأبى الأهلون القتال حتى استصدروا من مفتي مكة الشيخ عبد الله عتاقي فتوى بجواز الدفاع ضد المعتدين.
ونظم سنجق جدة الدفاع فرتب الجند في داخل مكة ونصب المدافع وتقدم الجيش المهاجم من جهة المعلاة وانتشرت عرباته في أعالي الجبال فقتلوا الموكلين بالمدافع ثم اعملوا السيف في عسكر جدة حتى أجلوهم عن مواقعهم وأدرك الشريف عبد الله أن لا فائدة ترجى فغادر مكة إلى جدة ثم إلى استامبول حيث توفي فيها في السنة نفسها.
وبذلك عاد الشريف سعد إلى حكم مكة للمرة الثالثة (4) وجلس يستقبل تهاني المهنئين ومدائح الشعراء ومشى آلاي الترك -الذي حاربه بالأمس- بين يديه يحتفي به.
وقد أولم للعربان المناصرين ولائم كثيرة في بستان وزيره عثمان حميدان حضرها بنفسه ثم ما لبث أن تلقى في أواخر رمضان من السنة نفسها 1106 مرسوم التأييد من الخليفة فأقيمت معالم الزينة في مكة.
وفي أوائل عام 1107 ندب أخاه محسناً بن حسين لإمارة المدينة وفي جمادى الأولى غزا بعض العصاة شرقي الطائف وظل في قتالهم إلى أن عاد في 2 ذي الحجة وفي هذا العام توفي مفتي مكة عبد الله عتاقي فأُقيم للفتوى الشيخ عبد القادر أبو بكر الصديقي.
واستقر أمر مكة في هذا العهد وأمنت السبل وأصبح جميع الأشراف على وفاق مع سعد إلاّ جماعة من ذوي عبد الله ما لبثوا أن اختلفوا معه في شأن أعطياتهم وخرجوا مغاضبين فاستدعى بعض الأشراف من ذوي بركات وكلفهم بحراسة الطرق فأطاعوا ثم تلافى أمر ذوي عبد الله وأرضاهم حتى أطاعوا له.
ثم نقضوا الطاعة وتجمعوا في مكان يقال له الحمام ((بتشديد الميم)) من وادي فاطمة (5) واجتمع إليهم جماعة من قبائل الروقة ومطير فاستعان سعد بأقربائه من ذوي زيد وأصدقائه من ذوي بركات وسار إليهم فعلم أنهم تركوا الحمام في طريقهم إلى جدة فاتبعهم حتى قضى على حركتهم فأطاعوه وأخلصوا له وبذلك عاد الاستقرار إلى ما كان (6) .
وبذلك استمر في ولايته نحو سبع سنوات.
شرب الدخان: وفي هذا العهد ظهر شرب الدخان في مكة وقد قيل إنه انتقل إليها من مصر في عام 1112 ثم ما لبث أن ظهر شرب التنباك (7) والمعروف عن بعض المؤرخين أن شجرة الدخان ظهرت أول ما ظهرت في عام 999.
سعيد للمرة الثالثة: ثم رأى أن يتنازل لابنه سعيد عن الإمارة فكتب بذلك إلى مقر الخلافة فلما وافاه التأييد احتفل بذلك سنة 1113 وبذلك عاد سعيد إلى الإمارة للمرة الثالثة وجلس في داره بسوق الليل لاستقبال المهنئين.
النكبات في عهد سعيد: وكان سعيد يتميز بشيء من العناد وصلابة الرأي لهذا ما عتم أن اختلف مع بني عمومته من الأشراف (8) وماطل في حقوقهم فاضطرب عليه الأمر وتفاقم وعانى كثيراً من الشدة في سبيل ذلك نحواً من ثلاث سنوات.
فقد خرج عليه جماعة من أشراف آل بركات وآل حسين وآل قتادة وبعض ذوي زيد واجتمعت كلمتهم على الخروج إلى وادي مر ((وادي فاطمة)) فقطعوا السبل وقد ذهب إليهم الشريف سعد ((والد الشريف سعيد)) فشكوا إليه تأخر حقوقهم فاسترضاهم ووعدهم فقبلوا إلاّ أن سعيداً أبى الصلح إلاّ بعد أن يخصم ما نهبوه من استحقاقهم فلم يقبلوا وعادوا إلى عصيانهم ثم طلب إليهم سنجق جدة أن يخففوا من غلوائهم حتى تنقضي أيام الحج ففعلوا ولما انتهت أيام الحج انتقلوا إلى الزاهر وأرسلوا إلى الشريف يطلبون محاكمته لدى قاضي مكة أحمد البكري فقبل.
وأنكر في مجلس الشرع أن لهم حقوقاً معينة، فغضبوا وأمعنوا في الغضب والعصيان واستطاعوا أن يربحوا إلى صفوفهم سنجق جدة وأن يجعلوا والد سعيد يعطف على فكرتهم.
وأهلَّ المحرم عام 1116 فأهلّت الفتنة بانطلاق عبيد الأشراف إلى أعالي الجبال المحيطة بمكة مما يلي تربة العيدروس والشبيكة إلى أسفل جبل عمر ومما يلي جبل الشامية إلى الجبال المطلعة على المعلاة وقد احتل بعضهم بعض بيوت الأشراف في الشبيكة فنشط الشريف سعيد للدفاع ومضى في جنده إلى سوق الصغير فلم يستطيع التقدم فعطف إلى سويقة ثم إلى الشبيكة فدفع المهاجمين عنها حتى أجلاهم (9) .
ثم ارتحل الثوار إلى طريق جدة واختاروا لرئاستهم رجلاً من ذوي زيد هو الشريف عبد المحسن بن أحمد ونزلوا في غليل -من ضواحي جدة- الشرقية -ثم اتفقوا مع سنجق جدة على دخولها فدخلوها ونادوا بإمارة عبد المحسن فيها ثم كتبوا إلى المدينة باسمه فيها كما كتبوا إلى قبائل حرب وقبائل اليمن والشمال فأطاعوا.
وتقدمت الجموع مع عبد المحسن من جدة إلى الجموم -من وادي فاطمة ثم انتقلت إلى الزاهر وكان قد طمر سعيد آبارها فحفروها وأقاموا يرتبون صفوفهم.
ونشط سعيد للدفاع واستنفر أهل الحارث (10) واستخرج مدفعاً كان مدفوناً في دار السعادة أرسله إلى ذي طوى (11) ودفع بعض العلماء إلى مجلس القضاء لينهوا أمر الخطر إلى القاضي ويستصدروا أمراً شرعياً بوجوب الدفاع فكتب القاضي حجة بذلك كما كتب سعيد لقائد القوات في جدة يطلبه إلى مجلس الشرع ليقيم عليه الدعوة لمساعدة قطاع الطرق على من ولاّه السلطان وفي كتابه يقول ((فإذا لم تمتثل بالحضور لدى القاضي كفرت!!)).
وهكذا يدور الكفر ما دارت أغراضنا ونسمي حكّام الأمس قطَّاعاً كما نسمي القطَّاع غداً حكاماً شرعيين ونجد في مجالس القضاء مجالاً لإقرار ما نفيناه ونفي ما أقررناه.
وتكاملت قوى سعيد فخرج في مقاتلته من الجند المصري واليمني وأتراك الإنكشارية (12) وبعض القبائل الموالية بعد أن حصن بعض الجبال بالمدافع ثم تقابل الفريقان في ذي طوى وخرج جماعة من شباب الأشراف المهاجمين يصولون بالسيف ويطلبون المبارزة ودام القتال أربعة أيام فبدا للشريف سعيد أنه لا صبر له على قوة المهاجمين فاستنفر العامة في المسجد بجوار المحكمة عند باب السليمانية وأوعز إلى الشيخ سعيد المنوفي من علماء مكة أن يخطب فيهم ليدعوهم لنصرته فما كاد الخطيب يفصح عن غرضه حتى هاج العامة ضده وحصبوه بحصى المسجد.
وأدرك الشريف سعيد أن لا أمل له في الظفر ورأى أن القوة المهاجمة تتكاثر فاستقر رأيه على مغادرة البلاد فغادرها ليلة 21 من ربيع الأول 1116. وفي رواية عن الشيخ أبي السعود السنجاري أن الشريف عبد المحسن بعث إليه ليؤثث دار السعادة ((وهي في مكان رواق المسجد اليوم بجوار أجياد)) استعداداً لاستقباله فيها قال: وكان الشريف سعد ((والد سعيد المهزوم)) قائماً علينا يشرف على عملية التأثيث (13) .
عبد المحسن بن أحمد الزيدي: ودخل الشريف عبد المحسن في صبيحة الليلة المذكورة في موكب حافل يتقدمه الآلاي المصري! والتركي! ممن كان يحارب في صفوف سعيد!! فاتخذ طريقه إلى المسجد وبعد أن طاف بالكعبة قرئ مرسوم سلطاني يتضمن بأن السلطنة فوضت ((سنجق جدة)) سليمان باشا فاختار عبد المحسن (14) ثم نهض الشيخ عبد المعطي الشيبي فدعا للأمير بالتأييد! وصوت المبلغ فوق قبة زمزم يؤمن على ما يقول! ثم انتقل الأمير إلى دار السعادة يستقبل المهنئين ويستمع إلى قصائد الشعراء وزينت مكة ابتهاجاً بذلك ثلاثة أيام (15) .
والذي يلاحظه المؤرخ أن تفويض السلطنة سنجق جدة ليختار من الأشراف من يصلح للأمر ظاهرة جديدة لم يعرفها الأشراف قبل هذا العهد الذي نؤرخه. والغريب في أمر هذه السياسة أن جدة كانت تتبع إمارة مكة وكان ذلك يقتضي أن يكون سنجقها من رعايا الأمير في مكة ولكن أسلوب الأتراك في السياسة أسلوب له نوعه الخاص وقد يكونون معذورين بالنسبة للوضع الخاص بأشراف مكة.
عبد الكريم بن محمد بن يعلى: ولم يمكث عبد المحسن في الإمارة أكثر من تسعة أيام ثم تنازل عنها لأحد الأشراف من ذوي بركات هو الشريف عبد الكريم بن محمد بن يعلى بعد موافقة الأشراف على ذلك وبذلك ساعد على خروج الإمارة من ذوي زيد إلى ذوي بركات وقد جرى مرسوم التنازل في حفل عام بالمسجد سجله القاضي وأخذ تواقيع الأشراف بموافقتهم على ذلك (16) .
سعد بن زيد للمرة الرابعة: وفي هذه الأثناء كان الشريف سعد بن زيد الذي ترك الإمارة فاراً من المهاجمين -وهو والد سعيد- لا يزال مقيماً في مكة لم يتعرض له المهاجمون فما لبث أن اشتبك في مشادة كلامية مع قائم مقام الأمير عبد الكريم ثم تطورت المشادة حتى غضب له بعض أقاربه فاشتبك القتال ثم تطور فوقعت الفتنة بين ذوي زيد وذوي بركات وبقية الأشراف فكان الظفر من نصيب ذوي زيد فأجلوا خصومهم عن البلاد ونادوا بإمارة سعيد بن زيد في 6 شوال من السنة نفسها 1116 وهي الولاية الرابعة له (17) .
ويقول الدحلان (18) إن أول من ثار على عبد الكريم هو الشريف سعيد فقد اتصل ببعض القبائل ((الحربية)) في ديارهم فلم ينصروه فاتصل بقبائل من جهينة فنصروه فاحتل بهم ينبع وأخذ ما فيها من غلال الصدقة الخاصة بمكة ووزعها على من والاه ثم ما لبث أن وجه إليه أمير مكة مقاتلته فهزم جموعه في واقعة شديدة، وذلك في 14 جمادى الأولى 1116. ثم يشير إلى حادثة سعد والد سعيد فيذكر أنه بعد أن أقام بمكة أياماً في عهد الحكومة الجديدة انتقل إلى المعابدة -ولعلّه أراد العابدية وهي غربي عرفة- ثم ما لبث أن اختلف مع الشريف عبد الكريم لامتناع هذا عن تخصيص نفقة له فجمع جماعة من الروقة وهم فرع من عتيبية شرقي مكة وأراد أن يهاجم بهم الطائف فصدته حاميتها فأخذ طريقه إلى مكة وفي الوقت الذي كان ابنه سعيد يقوم بعدوانه في ينبع.
وانتهى سعد إلى مكان بالقرب من الجعرانة ثم انحدر مما يلي أذاخر حتى انتهى إلى القرب من المعابدة ولما شعر بقوة الدفاع كر راجعاً إلى الخرمانية فأدركته خيل الشريف عبد الكريم وقوة من الأتراك والمغاربة من عسكر الباشا واستمر القتال حتى جرت الدماء من الخرمانية إلى ريع أذاخر (19) وقد اختفى سعد ثم ظهر في الزيمة ومنها سار إلى شرقي الطائف واتصل ببعض قبائل زهران وغامد فنصروه وقد انحدر بهم إلى الجنوب حتى احتل القنفذة فندب له الشريف عبد الكريم بعض المقاتلة من الأشراف والعربان ولحق عبد الكريم بالجيش وقد أصابته الهزيمة فأعاد الكرة حتى هزم سعداً وبفرار سعد بقي عبد الكريم في القنفذة، وواصل سعد فراره حتى دخل بلاد غامد وليس معه إلاّ ثلاثة من الخيل ومثلها من الهجانة فاستطاع أن يستميل أهل غامد ويسير بهم إلى الطائف فيحتلها في جيش بلغ ألفاً وثلاثمائة من غامد وزهران وذلك في 26 رمضان عام 1116 ثم انحدر في جيشه للهجوم على مكة وكان عبد الكريم لا يزال في القنفذة فاستعد الباشا رئيس الفرقة التركية للقائه وساعده أنصار عبد الكريم وأعلن الباشا النفير العام في مكة وهرع ومن معه إلى مجلس القاضي كما فعل خصومهم من قبل! واستصدروا حجة شرعية بوجوب القتال والدفاع! واعتمدتهم الحجة ((طبعاً!!)) أصحاب البلاد الشرعيين! كما اعتمدت خصومهم قبلهم وأفتت بوجوب قتال قطاع الطرق! (الذين كانوا قبل أيام شرعيين!! في رأيها) وهكذا تدور صكوك الشرع بدوران الأيام وتؤيد اليوم ما رفضته بالأمس أو حكمت بكفره!!
وانتهى سعد إلى مكة في 29 رمضان عام 1116 فاشتبك مع المدافعين في ((الخريق)) بجوار المعلاة ثم دخلها ظافراً في شوال بعد أن هرب جيش عبد الكريم منها. وهكذا نودي بإمارة سعد للمرة الرابعة (20) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :523  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 145 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.