شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أبو طالب بن حسن
وبوفاة حسن كتبوا إلى ابنه أبي طالب وكان متغيباً في المبعوث (1) من قرى نجد فبادر بالتوجه إلى مكة وقد وصلها في الليلة التي وصل فيها جثمان والده وحضر الاحتفال بدفنه ثم نودي له بالإمارة في مكة.
ومن طريف ما ورد في منشور ولايته ما يأتي: ليعلم كل من كحل بصره باثمد منشورنا الكريم وشنف مسامعه بلآلىء لفظه أن إمارة تلك المعاهد وما فيها من العساكر وما أحاطت به من الأصاغر والأكابر مفوضة إلى السيد الشريف أبي طالب إلى أن يقول:
فتح الله له بمفاتح السر كل مغلق من الأبواب ما سقطت من أكف الثريا الخواتم ورقت على منابر الأغصان خطب الأئمة الأكارم (كذا).
وبادر أبو طالب من فوره كما أسلفنا إلى القبض على وزير أبيه ابن عتيق وأودعه السجن وغافل ابن عتيق حارسه في السجن وسرق ((جنبيته)) ليقضي على نفسه فأحس الحارس بذلك فخلصها منه ثم أخبر الأمير بما حدث فأعطاه الأمير ((جنبيته)) وأمره أن يسلمها لابن عتيق وأن يقول له إذا أردت الانتحار فدونك الجنبية وأرسل بروحك على جهنم فتسلمها ابن عتيق وقضى على نفسه بيده فنقلوا جثته إلى حفرة في طريق جدة دون أن يغسلوها أو يصلوا عليها واجتمع العامة من الناس فشرعوا يرجمونه حتى دفنوه بحجارة الرجم.. وقد هجاه الشعراء وأكثروا في ذلك ومما قاله بعض أدباء مكة في هجوه (2) :
أشقى النفوس الباغية
ابن عتيق الطاغيه
نار الجحيم تعوذت
منه وقالت ماليه (3)
وكان ابن عتيق يسكن بجوار باب العتيق وكان يسمى باب ابن عتيق نسبة له ثم حرفه العامة فسمي باب العتيق ويبدو أن أبا طالب تأثر من أعمال الفضائح التي ارتكبها وزير أبيه وأثرت فيه نتائجها فلم يضع ثقته فيمن استوزره كما فعل أبوه وجعل صلته بالأهلين لا يقف دونها حاجب وبذلك قام بأعباء إمارته أحسن قيام واستطاع أن يضرب على أيدي العابثين وينشر العدل في أرجاء البلاد واشتهر بين الناس بتدينه وتقواه وتواضعه.
إلاّ أنه لسوء حظ رعاياه لم يعمر طويلاً فقد عاجلته المنية في السنة الثانية من حكمه في منصرفه من غزوة له في نواحي بيشة وكانت وفاته في قرية هناك يقال لها العش في 10 جمادى الآخرة سنة 1012 وقد حملوا جثمانه في تخت البغال إلى مكة ولما عجزت عن المسير جعلوه في ((شبرية)) على بعير وبذلك كانت ولايته نحو سنتين (4) .
إدريس بن حسن: ولم يعقب أبو طالب خلفاً يتولى بعده الأمر فاجتمع أهل الحل والعقد في مكة واختاروا لحكمها إدريس بن الحسن وهو من أخوان أبي طالب ثم أشركوا معه في الحكم اثنين هما فهيد ومحسن بن أخيه الحسين على طريقتهم في الاشتراك مقابل استيفاء الربع من الحاصلات في مكة وجميع أقطار الحجاز الداخلة تحت حكمهم (5) .
وعندما نذكر أهل الحل والعقد في مكة نرجو ألاّ يتبادر إلى الذهن المعنى الواسع لذلك لأن المفروض أن أصحاب الحل والعقد لم يكونوا سوى أشراف مكة من أقرباء الحاكم وقد كتب الأشراف نتيجة اختيارهم إلى الباب العثماني فأقرهم على ما اختاروا، وكان إدريس مهاباً وكان له من العبيد ما يزيد على أربعمائة ومن الأتباع العرب جمع كثير.
وكان أخوه فهيد لا يقل عنه وجاهة وأتباعاً وكان إذا جلس وقف الترك عن يمينه وشماله وكان قد اتخذ من رماة البنادق عدداً كبيراً وكان لا يحفظ أتباعه من النهب والسرقة فكثر ضررهم فكان ذلك سبباً للخلاف بينه وبين إدريس وقد يضاف إلى ذلك ظهور فهيد بالمظهر الذي يضاهي به أخاه من حيث الوجاهة وحب التنافس كما قد يضاف سبب ثالث يتلخص في أن فهيداً أراد أن يستعمل لرئاسة الفتوى الشيخ أكمل القطبي فلم يوافقه إدريس على ذلك فاشتد الخلاف (6) .
ويبدو أن إدريس من الشخصيات التي تفرض وجودها على من حولها وكان مسموعاً (7) . فقد ذكروا أن إدريس كان قد اختلف قبل هذا مع ابن أخيه محسن وتركه يخرج إلى اليمن مغاضباً وعندما ظهر له أن الاتفاق مستحيل بينه وبين أخيه فهيد بعد محسن. بدا له أن يصلح ما بينه وبين محسن فكتب إليه يسترضيه ويستدعيه ليحل محل أخيه فهيد لقاء ربع المتحصّل من غلة البلاد وأن يكون لإدريس باقي الغلة فقبل محسن ذلك وعاد إلى مكة في عام 1019 وبعودته غادرها فهيد إلى بلاد الترك حيث التجأ بالعثمانيين. ولكن العثمانيين أبوا أن يتدخلوا في الأمر فأقام فهيد بينهم فيما يشبه المنفى إلى أن توفي عام 1021 (8) .
واستمر إدريس على أمره سنوات وقد غزا بعض بلاد الشرق ووصلت جيوش له إلى الأحساء وضربت خيامها أمام بابها القبلي واجتمعوا هناك ببعض بني عمومتهم المغاضبين من أولاد عبد المطلب فصالحوهم وقد أحسن استقبالهم والي الأحساء من قبل الترك ودعاهم إلى الضيافة أياماً فاعتذروا وعادوا (9) ثم بدأ الخلاف يدب بين إدريس وشريكه محسن ولحظ بعض الأشراف من بني عمومته أن إدريس يتجنى كثيراً على ابن أخيه محسن ولا يحترم له رأياً فاجتمعوا على نصرة محسن ضد عمه وتزعم هذا الاجتماع ابن عم له من كبار الأشراف وأصحاب الرأي فيهم هو أحمد بن عبد المطلب بن حسن فكانت الثورة ضد إدريس.
وقد قيل إن من أسباب الثورة ضد إدريس أن عبيده كثرت مطالبهم وأن وزيره أحمد بن يونس لم يكن منصفاً وأن الشريف إدريس كان متغافلاً عما يحدث وأن الشريف محسن حاول أن يفتح عيون عمه على ما يقع فلم يطفر بطائل فنشبت الثورة وأعلن القتال.
وشوهدت جموع الأشراف تغص بها الشوارع وقد ركبوا في خيلهم وعبيدهم ينادون بسقوط إدريس وتنصيب محسن ومضى أحمد بن عبد المطلب في طليعة الثائرين شاهراً سيفه مهدداً مخالفيه من أنصار إدريس وأشايعه وقد ظل القتال يوماً كاملاً عم فيه الاضطراب جميع أنحاء مكة إلاّ أن الصلوات كانت تقام جماعة في المسجد الحرام في أوقاتها وظلت أكثر الأسواق على حالها لم تغلق حوانيتها (10) .
محسن بن الحسين: ودخلت عليه أخته زينب على أثر هزيمته وهو حزين يائس فقالت له لا محل للحزن ما دام الأمر لم يخرج عن ابن أخيك فاقتنع برأيها وأرسل يطلب الصلح وأن يمهلوه في الخروج إلى شهرين في مكة وأربعة أشهر في البادية فقبلوا وقد خرج بعد المهلة بعد أن طاف طواف الوداع في محفة لشدة مرضه كان ذلك في محرم عام 1034 ثم كتبوا إلى الباب العثماني بما جرى وطلبوا تأييد محسن فجاءت الموافقة بذلك.
وعاش إدريس بعيداً عن مكة نحو شهرين في مكان يسمى ياطب (11) عند جبل شمر ثم توفي (12) وكانت إمارته في مكة 22 سنة ولما وصل خبر وفاته إلى مكة أمر الشريف محسن بإعلان صلاة الغائب عليه في المسجد الحرام.
تعسف: وفي هذا العهد كانت خطبة عيد الفطر للإمام زين العابدين الطبري وهو من الأئمة الشافعية وكان المتبع أن يعد الخطيب ((سماطاً)) (13) في بيته لاستقبال روّاده بعد صلاة العيد مباشرة فلما تأهّب لهذا في آخر يوم من رمضان وافى نبأ مستعجل من دار الخلافة بنقل الخطبة إلى أئمة الحنفية وهو المذهب الشائع في سائر بلاد الترك وقد اتصل النبأ بوالد زين العابدين فحاول المراجعة قبل أن يبلغ الخبر ابنه فلم ينجح وعندما عاد إلى داره مساء ذلك اليوم كان ابنه قد أعدّ لكل شيء عدته فلما أخبره بالأمر شهق شهقة فاضت فيها روحه وهكذا اعتلى خطيب الحنفية المنبر بينما كان جثمان خطيب الشافعية في نعشه على خطوات منه ينتظر صلاة الجنازة (14) وهكذا يتعسف الحكّام في سبيل نصرة مذهبهم.
وظل محسن على أمره في مكة نحو ثلاث سنوات ويبدو أنه كان ضعيف الإرادة رقيق الحاشية يميل إلى السلم ومصانعة الأمور أكثر مما يميل إلى سياسة الشدة والحزم.
ذكروا أن والياً تركياً وصل إلى جدة في عهده في طريقه على مقر عمله في اليمن فغرق مركبه بالقرب من شاطئ جدة فطلب إلى نائب الشريف محسن في جدة أن يندب له بعض الغواصين لانتشال بعض أمواله فندبهم فلم يظفروا في غوصهم بما يذكر فظن التركي أنه أوعز إليهم فعمد إلى نائب جدة فشنقه ولا يجرؤ موظف تركي على مثل ما فعل لو كان محسن في مثل شكيمة أجداده.
واستغل أحمد بن عبد المطلب -قائد الثورة التي أجهز بها على إدريس بالأمس وساعد بها محسناً- ضعف سياسة محسن وطيبته فأخذ يهيمن على سياسة الحكم ويجعل من محسن الأمير المنصوب مطية إلى مراميه البعيدة إلاّ أن الأمر لم يدم أكثر من ثلاث سنوات لأن بني عمومتهم من الأشراف بدأوا يوقظون في محسن أحاسيسه الغافية ويستثيرونه ضد أعمال أحمد حتى تنبه وجدانه للأمر وأعلن استقلاله بآرائه فشعر أحمد بحاجته إلى الشدة التي تعيد الأمور إلى نصابها فما كاد يبدأ حتى تفاقم الأمر.
وفي هذه الأثناء كانت حادثة الوالي التركي في جدة قد حدثت وانتهت بجرأته على شنق نائب الأمير محسن فيها فأراد الشريف أحمد أن يستغل ذلك إلى أبعد حدود الاستغلال فركب إلى جدة واتصل بالوالي التركي وأغراه بالإعلان في الأسواق بأن لديه أوامر من الخليفة بعزل محسن وتنصيب أحمد فلم يتردد وثار القلق فتوجه محسن في أعوانه إلى جدة لملاقاة الثائرين وما كاد يترك مكة حتى ثار خلفه الشريف مسعود أحد أولاد سلفه إدريس ليثأر لأبيه ولعلّه كان متفقاً مع أحمد على الثورة فلما بلغ محسناً ذلك ترك أمر جدة وعاد إلى مكة فنشب القتال بينه وبين مسعود فيها إلاّ أن أعوانه ما لبثوا أن أدركوا أنهم سيكونون محصورين بين عدوين في مكة وجدة، وصكت آذانهم أصوات المدافع آتية من جيش أحمد وراءهم فتفرقوا عن محسن فما عتم أن فر إلى اليمن تاركاً مكة وذلك في عام 1037 وقد مات بها بعد عام من وصوله إليها ودفن بصنعاء واتخذت له قبة نزار هناك (15) .
أحمد بن عبد المطلب: ودخل الشريف أحمد بن المطلب مكة ظافراً يوم الأحد 17 رمضان من السنة نفسها 1037 ونادى بنفسه أميراً عليها ثم كتب إلى الخليفة العثماني بذلك فوافاه التأييد.
واستمر الأمير الجديد ((أحمد بن عبد المطلب)) بسياسة العنف التي جرى على سننها في ثوراته وبدا له أن بعض المكيين يميلون إلى سياسة سلفه فاشتط في معاملتهم وأذاقهم ألواناً من عذابه فسجن ونفى وقتل في سبيل تأييد مركزه (16) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :602  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 137 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

صاحبة السمو الملكي الأميرة لولوة الفيصل بن عبد العزيز

نائبة رئيس مجلس مؤسسي ومجلس أمناء جامعة عفت، متحدثة رئيسية عن الجامعة، كما يشرف الحفل صاحب السمو الملكي الأمير عمرو الفيصل