شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الناحية العمرانية والاجتماعية
وقد ظل عمران مكة في هذا العهد على ما عرفناه في العهد الأيوبي وظل سورها الذي بناه قتاده بن إدريس قائماً على حاله ويصفها تقي الدين الفاسي (1) وقد عاش بها في هذا العهد فيقول إنها بلدة مستطيلة كبيرة لها ثلاثة أسوار سور المعلاة وفيه بابان وسور الشبيكة وفيه باب كبير وسور اليمن وهو في المسفلة والسور هنا معناه ((سد)) بين جبلين لأن مكة تحوطها الجبال من باقي الجهات ووصفها ابن المجاور بما يؤكد رواية الفاسي ولكنه رسم لها خارطة مستديرة على عادته في رسم خرائط المدن. وتوجد في كتابه نسخة خطية كتابتها رديئة في مكتبة الشيخ حمد الجاسر بالرياض وذكرها ابن بطوطة في رحلته في هذا العهد عام 725 فقال: إن أبواب مدينة مكة ثلاثة: باب المعلاة، وباب الشبيكة وباب المسفلة (2) وهي نفس الأبواب التي ذكرها ابن جبير في عهد الأيوبيين ويقول ابن بطوطة أنه شاهد بين الصفا والمروة سوقاً عظيمة يباع فيها الحبوب واللحم والتمر والسمن وسواها من الفواكه والساعون بين الصفا والمروة لا يكادون يخلصون لازدحام الناس على حوانيت الباعة (3) ثم يقول وعن يمين المروة دار أمير مكة عطيفة بن أبي نمي ودار رميثة برباط الشرابي عند باب بني شيبة ((باب السلام)) وتضرب الطبول على باب كل واحد منهما عند صلاة المغرب (4) .
وجاء على ذكر الزاهر ((الشهداء)) فقال إنه رأى دوراً وأسواقاً وبساتين (5) . وأسهب ابن بطوطة في وصف أخلاق المكيين وعاداتهم في هذا العهد فذكر أن أفعالهم جميلة وأنهم يؤثرون الضعفاء والمنقطعين وإذا صنع أحدهم وليمة بدأ فيها بإطعام الفقراء ويستدعيهم بتلطف ويقول إن أكثر المنقطعين يرابطون بجوار الأفران حيث يطبخ الناس خبزهم فيقطعون لكل واحد ما قسم له ولو كانت له خبزة فإنه يعطى نصفها أو ثلثها وقال إنه شاهد اليتامى الصغار يقعدون في الأسواق وفي أيديهم ((القفف)) فإذا اشترى الرجل من مكة حاجته أودعها قفة واحد من هؤلاء وأرسله إلى بيته ليذهب إلى طوافه أو حاجته ويترك الصغير يذهب إلى بيته دون أن يخونه فيما أمّنه (6) . أقول ومما يلفت النظر قول ابن بطوطة ((ليذهب إلى طوافه)) وفي هذا ما يدلنا على الحال السائد يومها في مكة فإن الرجل يقضي حاجته من السوق ثم يذهب إلى طوافه لا إلى مكان أعماله لأن المجتمع كان يستغني في الغالب بما يربحه من عطايا الحجاج أو مكاسبهم عن أعمال الحياة العادية حتى إذا توافر له ذلك يقضي حاجته منها ثم ذهب إلى الطواف وأعتقد أنه لو كان السائد غير هذا السبق على قلم ابن بطوطة مثلاً قوله ((وذهب إلى أشغاله أو مكان أعماله)) إلاّ إذا كان قد أراد بقوله ((أو حاجته)) نوعاً من أعماله وهو ما لا أظنه لأن الأعمال في مكة كانت نادرة غير متوفرة.
ويمضي ابن بطوطة في ذكر الفضائل التي شهدها أهل مكة في هذا العهد فيقول وأهل مكة لهم ظرف ونظافة في الملابس وأكثر لباسهم البياض فترى ثيابهم ناصعة ساطعة ويستعملون الطيب كثيراً ويكتحلون ويكثرون السواك بأعواد الأراك الخضر، ونساء مكة فائقات الحسن رائعات الجمال ذوات صلاح وعفاف وهن يكثرن التطيب حتى إن إحداهن لتبيت طاوية وتشتري بقوتها طيباً وهن يقصدن للطواف بالبيت في كل ليلة جمعة فيأتين في أحسن زي وتغلب على المسجد رائحة طيبهن (7) ثم يقول وأهل مكة لا يأكلون في اليوم إلاّ أكلة واحدة بعد العصر ويقتصرون عليها إلى مثل ذلك الوقت ومن أراد الأكل في سائر النهار أكل التمر ولذلك صحت أبدانهم وقلَّت فيهم الأمراض والعاهات (8) . والذي أقوله أن أكلة العصر هي الأكلة الدسمة ولا بد من وجبة الصبح أو الضحى.. ويمضي ابن بطوطة بعد هذا في وصف بعض العادات في مكة كما فعل ابن جبير في رحلته في عهد الأيوبيين فيذكر أنهم يستقبلون هلال رجب بالبوقات والطبول ثم يخرجون في موكب الأمير فرساناً ورجالاً يلعبون بالأسلحة ويقذفون حرابهم في الهواء ويتلقفونها حتى يعتمروا من التنعيم ثم يعودون إلى الطواف والسعي ويذكر الهوادج التي ذكر ابن جبير أنها تزدحم في شوارع مكة عليها أكسية الحرير والكتان ثم قال: وأهل الجهات الموالية لمكة مثل بجيلة وزهران وغامد يعنون في رجب ويشاركون أهلها حفاوتهم بالعمرة ويجلبون معهم إلى مكة كثيراً من منتجات بلادهم فيعمّ الرخاء وهم يعتقدون أن بلادهم لا تخصب حتى يبروا مكة بما ينتجون (9) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :481  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 126 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.