شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
فرض المكوس
ولم يكن عجلان بالأمير الجافي ولم تكن أحكامه من الشدة والقسوة في المكان الذي عرف به إخوانه ولكنه كان لا بد له من استعمال العنف مع مناوئيه في الحكم من إخوانه وبني عمه عطيفة كما أنه لا يستطيع فيما يظهر أن يستغني عن إلغاء المكوس لأنها مورده الوحيد لهذا ما لبث أن أعاد المكوس إلى ما كانت عليه بعد أن خفف بعضها وما لبث أن عاد إلى عنفه مع مناوئيه.
ويورد الفاسي (1) بيان المكوس التي كانت مقررة في ذلك العهد على أساس النقد المسعودي في اليمن مما يدل على أن مكة كانت تتعامل به ذلك الحين وقد جاء فيه أن المقرر على حمل الجمل من الحنطة (2) هو مدان بكيل مكة وهي نظرية اقتصادية يعمل بها أكثر حكومات اليوم لتحد من واردات الخارج وتشجع الإنتاج الداخلي.
ويمضي الفاسي في بيان التعرفة الجمركية فيذكر أن المقرر على الحمل من البصل هو ثلاثة دنانير مسعودية وهو مقرر فادح إذا قارنا ذلك برخص الأسعار في العالم في ذلك العهد ثم يذكر المقرر على السمن والعسل والخضروات وهو ما يوازي 20% من أثمانها أما التمر فمقرره على السلة (3) الواحدة دينار مسعودي ولم يذكر لنا الفاسي ثمن السلة لذلك العهد لنستطيع تحقيق نسبة ما يؤخذ منها.
ثم يعلّق الفاسي على هذا فيقول إن الناس كانوا يقاسون شدة من ذلك وقد بلغه أن بعضهم استورد شاة فلم تساو المقدار المقرر عليها ومنه نعلم أن هذه المقررات كانت فادحة بنسبة أثمانها في زمانها وإذا استطعنا أن نعذر أصحاب الأمر يومها في فرض المكوس لتغطية النفقات الضرورية فإننا لا نستطيع أن نعذرهم في تقرير النسب المرهقة والذي أظنه أن نظرتهم إلى المكوس كانت أوسع من أن تختصر على تغطية نفقات الدولة وأن لهم مطالب خاصة بهم لا تسعها إلاّ المقررات الباهظة والواردات الضخمة.
على أن هذه الشكاوى من فداحة الضرائب لم تقف عند حد التذمر المحلي فقط فيما يظهر إذ لا بد أنها تعدت إلى أوسع من ذلك حتى اتصلت بحاكم مصر شعبان بن حسين بن الناصر قلاوون المتولي عام 764 فأراد أن يفعل شيئاً مفيداً لسياسة بلاده فقرر أن يكلف خزانة مصر بعض الهبات لحكومة مكة فيربح ثواب ذلك عند الله والتاريخ ويوثق الصلة بينه وبينها وقد أمضى ذلك فعلاً لأننا نجد الفاسي (4) يذكر في حوادث سنة 766 أن سلطان مصر رسم لحكومة مكة ثمانية وستين ألف درهم من بيت المال وألف أردب قمح سنوياً مقابل إلغاء المكوس على الحاج في كل ما يحمل إليها من المتاجر عدا ما يصطحبه تجار الهند والعراق من البضائع وقد قبل عجلان صاحب مكة ذلك وطابت نفسه به.
ويلاحظ القارئ أنهم لم يدرجوا حاج الهند والعراق في المعفين من الرسوم ولعلّه يدرك أن السبب في هذا كون العراق هو القطر المنافس بالنسبة لنفوذ المصريين في مكة ومن المظنون أنه كان ينافس بتجارته تجارة الأقطار الأخرى والمصريين منهم خاصة ولا أستبعد أن الحكومة العراقية كانت تكلف خزينتها كثيراً في سبيل عرض السلع الخاصة بها في مكة بأقل من أثمانها كما كانت تفعل اليابان في عز مجدها من سنوات سلفت كما لا أستبعد أن الهنود كانوا يستعملون لترويج بضائع العراق بجانب بضائعهم.
وقد ظل إلغاء المكوس بالنحو الذي أسلفنا جارياً في مكة يعمل به جميع الأمراء إلى مدة طويلة.
وعلى الرغم مما كانت تحاوله مصر لتثبيت علاقاتها بمكة وما كانت تنفقه في سبيل استمرار الدعوة لها على منبرها فإن سياسة عجلان معها كانت أشبه ما تكون بسياسة اللاعبين على الحبال فقد كان يقبل هباتها ويدعو باسمها على المنبر ولكنه يخالف مقترحاتها في بعض ما عنَّ له وكأنه أراد ألا تثبت عليه تبعية.
كما كان يستثير عنادها أحياناً فيدعو لغيرها معها وفي هذا يحدثنا الفاسي (5) في حوادث سنة 772 أن عجلان أمر خطيب مكة أبا الفضل النويري أن يدعو للسلطان أويس بن حسن صاحب بغداد في منبر مكة. قال: وقد أهدى السلطان قناديل جميلة للكعبة وهدايا فخمة لأمير مكة عجلان وقد ظل الدعاء لصاحب بغداد مدة لا يدري الفاسي مقدارها.
وعلى العموم فقد كان عجلان من أمراء مكة القلائل الذين استطاعوا أن يثبتوا شخصيتهم في الحكم وأن ينهجوا في سياستهم نهجاً خاصاً له أثره الطيب في علاقته بمصر وغيرها.
وينقل لنا ابن خلدون في تاريخه ديوان العبر أن عجلان كان معروفاً بالعدل بين الرعية متجافياً عن الظلم وأنه أبطل ما كان عليه قومه من التعرض للتجارة والمجاورين.
ويذكر ابن فهد (6) أن عجلان عندما تزوج أم السعد بنت القاضي شهاب الدين أمهرها سبعين ألف درهم ثم ما لبثت أن طلبت إليه طلاقها لأنه يتوسع في بعض أموالها فطلقها.
وشب لعجلان ولد اسمه أحمد وقد أنس منه الطموح الذي شعر به في فتوّته يوم استعجل الحكم في حياة أبيه فأراد أن يعالج طموحه دبلوماسياً فأشركه في الحكم وجعل له ربع المتحصل يصرفه في خاصة نفسه ولعلّه أراد بذلك أن يتركه يستعين بذلك المال في تهيئة الأبهة التي تشبع غريزته في الطموح، فركن الولد إلى هذا عدة سنوات كانت نهايتها عام 774 ثم ما لبث أحمد أن انفرد بالحكم دون أبيه بعد أن اتفق مع أبيه على شروط منها: ألاّ يقطع اسمه من الخطبة والدعاء له على زمزم وغير ذلك وقد حلف لأبيه على المصحف العثماني (7) ووفى بما حلف وظل على ذلك إلى أن توفي عجلان في عام 777 فاستقل أحمد بالأمر (8) . ونحن نميل إلى الرواية السابقة عن ابن ظهيرة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :435  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 98 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء التاسع - رسائل تحية وإشادة بالإصدارات: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج