شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الخطبة للرسولين في اليمن
وهكذا ظلت مكة تعاني من المتاعب التي جرتها مشاكل العناد بين أبي نمي وأصحاب مصر من المماليك أهوالاً شديدة حتى عنّ لأبي نمي أن يسفر عن قناعه ويقطع علاقته بمماليك الأتراك ويعلن تأييده للجهة المضادة في اليمن فألغى الدعاء للملك الأشرف خليل في مصر وأثبت اسم المظفر ملك الرسوليين في اليمن مكانه ابتداء من آخر يوم في ربيع الأول سنة 691.
وفي هذا العام جهّز المظفر صاحب اليمن محملاً تلقَّاه أبو نمي بالإجلال والتكريم فخفقت أعلام الرسوليين في ذاك اليوم على جبل عرفات وأعلن المؤذن على قبة زمزم مناقب المظفر على رؤوس الأشهاد.
وتسلم أبو نمي هدايا اليمن وفيها كثير من المال والغلة والكساوى والطيب والمسك والعود والصندل والعنبر والثياب الملونة والخلع النقية وقدر المال بمبلغ ثمانين ألف درهم والغلة بمبلغ 1200 غرارة من كيل مكة -في عصر الفاسي- كما قدر الجميع بما يوازي ثلاثة أمثال ما ترسله مصر إلى صاحب مكة سنوياً (1) .
ولا نشك في أن ما فعله أبو نمي كان تحدياً ظاهراً للمماليك في مصر ومن الصعب أن يجرؤ أبو نمي على مثل ذلك دون أن يتعرض لسخطهم ونقمتهم ولكن من يعرف إقدام أبي نمي على المجازفات لا يستغرب منه هذه الجرأة سيما وأنه كان إلى جانب إقدامه بشيء من بعد النظر فهو لم يخطُ خطوته الحاسمة في عهد المنصور قلاوون ولا في عهد بيبرس قبله لأن قوة المماليك في عهدهما كانت غيرها في عهد الأشرف خليل الذي منيت أيامه بكثير من الفتن الداخلية التي أودت بحياته فيما بعد، يضاف إلى ذلك أن الأشرف كان مشغولاً بحرب التتار أكثر مما كان عليه الأمر في عهد أسلافه فلا عجب أن يهتبل أبو نمي الفرصة فيجازف بورقته الأخيرة ويعلن قطع العلاقات ولا عجب إذا رأينا مصر تقابل ذلك بالصمت.
ودليلنا على هذا الصمت أن المؤرخين لم يذكروا من حوادث مكة ما يدل على الفتن في هذا العام وما بعده إلى عدة أعوام إلاّ ما أورده الفاسي، فقد ذكر أنه وجد بخط ابن محفوظ أن أمير الركب المصري في سنة 692 استحلف أبا نمي على الذهاب معه إلى مصر -وأعطاه ألف دينار وأن أبا نمي خرج معه إلى ينبع ثم عاد لما بلغه موت الأشرف (2) .
واستحلاف أبي نمي على الخروج فيه شيء من رقة الضعيف والذي أحسبه أن أمير الركب أراد بذلك أن يصلح بينه وبين مصر، وأن أبا نمي بعد أن رضي عاد إلى النكوص لأن موت الأشرف أحيط بفتن قاسية خشي أن يعرض نفسه أثناءها للثائرين ففضل العودة.
على أن علاقة أبي نمي باليمنيين لم تكن خالصة -فيما أعتقد كل الإخلاص، وإنما هي صداقة لا بد له منها لمناوأة الطرف المناقض في مصر والانتفاع بما تدره اليمن من خيرات وهدايا، فقد ظل أبو نمي يفرض مكوسه على اليمنيين كما يفعل مع غيرهم، وكان يأخذ عن كل جمل منهم ثلاثين درهماً، ثم لا يتركهم يسلمون من العسف (3) ويبدو أن الأحوال في مكة استقرت على أثر ذلك، وبدأت مكة تزدحم بوفود الحجاج، وكان من جملة حجاج هذه السنوات أمراء من مماليك مصر، فقد حج أنس بن الملك العادل ابن بيبرس في عام 694، وحج في عام 697 الخليفة العباسي الحاكم بأمر الله الذي كان يقيم في مصر على أثر وقائع التتار (4) كما حجت أم المستعصم في إحدى هذه السنوات.
وعمت خيرات هؤلاء جميع السكان في مكة، واتصلت منحهم بكثير من بيوتها، وبزتهم جميعاً أم المستعصم فقد أنفقت الأموال ما وسعت به على الناس بعد ما قاسوه من الشدائد في أزمات السنين السابقة. وكم كنت أتمنى لو عاش هذا البلد كبيراً على المتصدقين غنياً بسواعد بنيه عن كل ما ينفحه المحسنون والمتصدقون.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :517  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 89 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.