شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( الكلمة الآن أيها الأخوة لصاحب الاثنينية سعادة الشيخ عبد المقصود خوجه ))
بسم الله الرحمن الرحيم
أحمدك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأصلّي وأسلّم على خلقك، حبيبك ونبيّك وصفيّك، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطاهرين.
أيها الأحبة الكرام الأساتذة الأفاضل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أشكر أولاً جمعكم الكريم على تفضلكم بمشاركتنا هذه الأمسية المتفردة، ليس من ناحية الزمان فحسب.. هذا اللقاء خرج لخصوصيته ولأهميته، ولما لضيف هذه الأمسية من مكانة لدى الجميع.. كما أنها تجيء كأول وقفة لنا مع رجل ترأس مواقع منذ البدء كل منها لا يقل أهميةً عن ما تلاها.. إذ بدأ حياته المهنية متسنماً أعلى المناصب كوكيل لوزارة البترول والثروة المعدنية ثم رئيساً للهيئة المركزية للتخطيط، كوزير دولة، لوزارة التخطيط جمعها نائب الرئيس الأعلى للهيئة الملكية للجبيل وينبع، ثم أضيفت إليه أيضاً مهام وزارة البترول والثروة المعدنية ثم وزيراً متفرغاً لوزارة البترول والثروة المعدنية.
ولضيفنا الكريم أوليات.. تبدأ مع وزارة البترول والثروة المعدنية عندما كان وكيلاً لها، فكنتَ تراها الوزارة الأولى إدارةً وعملاً وإنتاجاً وحتى جمالاً، كما أنه من أوائل العقول المدبرة لإنشاء بترومين ذات الدور المعروف في مساندة وزارة البترول لتسويق منتجاتها ونقلها وتخزينها.. ومع تقديرنا للدور الذي قدمه كل من تسنم رئاسة الهيئة المركزية للتخطيط - كما كانت تسمى وفي فترة ما المجلس الأعلى للتخطيط والهيئة المركزية للتخطيط - بما يتفق والزمان والظروف، ثم تحولت إلى وزارة التخطيط، فتزامن تسنمه لهذه الوزارة مع إعطائها معنى التخطيط بمفهومه التقني والعلمي الذي تسير عليه الدول الكبرى. وفي عهده وضعت الخطط الخمسية، التي شكلت اللبنات الأولى التي وضعت هذا الكيان الكبير بفضل الله ثم حرص ولي الأمر على طريق التطور والنمو والازدهار.
ومن أبرز ما قدم ضيفنا لوطنه، العملاقين اللذين يعتبران من الأكبر والأعظم من نوعهما، وأعني بهما الهيئة الملكية للجبيل وينبع.. ذلك المشروع الذي تمكن برئاسة ولي الأمر ومساندته من تقديم الكثير من الإنجازات الكبيرة، التي شكلت نقلةً نوعيةً هامةً في مجالي التقنية الحديثة والعلم للاستفادة من تصنيع المواد الخام النفطية بما يضاهي بكل فخر أكبر المشاريع المماثلة في العالم الحديث.. واستأثرت مصانع البتروكيماويات التي أنشئت فيهما بحوالي 7% من الطاقة العالمية.
وقد نثر ولي الأمر كنانته؛ فاختار ضيفنا ليكون وزيراً للبترول، بالإضافة إلى وزارة التخطيط، فكان أول وزير يجمع بين وزارتين بهذا الثقل والأهمية المعروفة في حياة الوطن والمواطنين.. بالإضافة إلى ترأسه للهيئة الملكية للجبيل وينبع حتى سلم الأمانة كخير ما يجب أن تسلم، وبعد أن أكمل دوره، أُختير ليكون متفرغاً لوزارة البترول والثروة المعدنية نظراً لأهميتها وثقلها المعروف، ودخلت في عهده طوراً يعتبر مفترق طريق في مسيرة هذا الوطن.. وأعني بهذا سيرنا في خط المشاركة مع شركات الدول الكبرى المستهلكة لمنتجنا الأول (البترول) حتى لا يذهب كل ريع المنتجات المكررة لغيرنا، فكانت البداية مع (تكساكو) فنتجت عن هذه المشاركة نجاحات كثيرة للطرفين، تبعتها سلسلة من المشاركات في كوريا واليابان ومفاوضات لم تتم في عهد ضفينا الكبير، ولكن سيجني ثمارها من تولوا الأمانة من بعده بمشيئة الله.. وكسر الطوق عن تصدير البترول الذي كانت تحتكره بعض الشركات العالمية وفتح بالتالي أسواقاً جديدة في كل من الفلبين وأمريكا وأوروبا..
وتحقيقاً لهدف التكامل في صناعة النفط، تقرر في عهد معاليه إمتلاك السعودية لأسطول من ناقلات النفط العملاقة بلغ ثلاثاً وعشرين ناقلةً لخدمة منتجات شركة أرامكو السعودية.. وكما تعلمون فإن أرامكو تُشكل قوةً لا يستهان بها في صناعتنا النفطية وهي أكبر شركة في العالم في حقلها.
لذلك صدر مرسوم ملكي بتاريخ 4 ربيع الثاني 1409هـ الموافق 13 نوفمبر 1988م تحولت بموجبه إلى شركة سعودية بالكامل، ومرة أخرى يحصل هشام على إحدى أولياته، إذ أصبح أول رئيس مجلس إدارة سعودي لهذه الشركة التي أصبحت تملك شركتي البترول الدولية لبيع الخام السعودي، والتكرير الدولية اللتين تداران بكفاءات وطنية جيدة التدريب.. وبالتالي أصبح لأول مرة يديرها سعودي كفؤ.
إن الصداقة التي ربطتني عمراً طويلاً وأخوةً بمعناها العميق بأخي هشام ناظر، التي هي مكان إعزاز وإعتزاز لمواقف في حياتنا، شعر كل منا بأنها تشكل دعامة الصداقة الحقة ببرها وأخوتها وعطائها.. تلك الصداقة التي لم تُبنَ قَطُّ على مراكز، ولم تتأثر بالمراكز، والتي أسأل الله سبحانه وتعالى أن يديمها علينا مدى العمر.. وهذا شأن أخي هشام في صداقاته.
وبالإضافة إلى هذا الجانب المشرق لضيفنا، هناك جوانب يعتبرها البعض مثار علامات استفهام وتعجب كبيرة.. منها حياته الاجتماعية وجديته المتناهية، فضيفنا من الرجال الذين لا يلتفتون إلى الكم قدر التفاتهم إلى النوعية، لذلك تجده ضنيناً بوقته الذي لا يصرفه إلا على عمله وعلى المواقف الاجتماعية الجادة؛ التي لا يفرط فيها طالما إتسمت بالصداقة والأهمية.. فهو رب أسرة من الطراز الأول، وتراه في أسرته العامل البسيط، والمربي، والأستاذ لأبنائه الأطفال، ولا يعوقه عن ذلك أي منصب، فتجد هشام الوزير يحمل أطفاله على كتفيه في شوارع أوروبا وأمريكا في إجازاته بعيداً من أي عُقد وشكليات؛ تحد من انطلاقته نحو أسرته.. فهو كبير العائلة عملاً لا قولاً، وليس الأمر محصوراً في عائلته فقط، بل يتعداه إلى أصدقائه وأسرهم، ورغم صداقاته القليلة التي لي شرف الانتساب إليها، فإنك تراه أول من يقف معها في السراء والضراء، باذلاً وقته وجهده دون أن يلتفت لأي عمل آخر قد تفرضه عليه مشاغله المتعددة.. فالواجب الأسري عند هشام قبل أي واجب آخر.. يقضي الساعات الطوال طيراناً من مكان لآخر؛ ليكون بجانب أحد أفراد الأسرة أو الأصدقاء في محنة مرت به؛ مواسياً ومؤازراً حتى آخر لحظة.
ولعل لهذه اللمسات الإنسانية الحانية جذوراً راسخة في نفسه، فهو من الإداريين القلائل الذين يعشقون الفن بأشكاله المتعددة.. وهو من محبي الكلمة الرشيقة، ولو لم يكن هشام إدارياً لكان كاتباً وأديباً.
وقد شارك ككاتب محترف في صحافتنا، إلا أن أعماله صرفته عن هذا المجال، فظل وفياً لها حتى أنه كان أحياناً يضطر للكتابة بغير اسمه الصريح ليشارك برأيه عندما يرى أن في قوله خدمةً لوطنه وأمته.. كما ساهم في إنشاء كلية البترول والمعادن، التي تحولت فيما بعد إلى جامعة الملك فهد للبترول والمعادن.. وله مساهمات كثيرة في حقل التدريس الجامعي داخل المملكة وخارجها.. ولعل القلة تعرف أن ضيفنا شاعر؛ رغم أنه مقل في عطائه إلا أن جملته الشعرية لها جرس لطيف، خفيف الظل، متناسق المعاني، رقيق الحواشي.. ولهشام هواية الموسيقى، وهواية كرة القدم إذ كان في بدايات الصبا لاعباً في نادي الاتحاد، وظل وفياً لناديه ومتواصلاً معه حتى وهو في قمة أعماله كوزير، لم يقطع دعمه وزياراته وسنده لناديه لدرجة أننا كنا نتهمه باستغلال حب الآخرين له لجذبهم للإنتساب للإتحاد، والابتعاد عن نادي الوحدة الذي أتشرف بعضوية الشرف فيه.. لذلك تجدني على خلاف وحيد ودائم، ومناكفة مستمرة في حقل كرة القدم على وجه التحديد، فهو مع الإتحاد وأنا مع ما تفرضه علي مكاويتي وحبي للوحدة، وأعتقد أن هذا الخلاف سيستمر وسيبقى، ولعلكم تستغربون أنه خلاف سعادة بالنسبة لي وله.
وقد عرف عن ضيفنا تمسكه برأيه، ولكن أحب أن أوضح أن هشام لا يمكن أن يتمسك برأيه إلا إذا كان على حق.. أو مقتنع أنه على حق.. وشأنه شأن كبار الرجال؛ إذا تأكد أن موقفه مجانب للصواب؛ تراه البادئ بتعديل هذا الخطأ، حتى لو أدى الأمر إلى الإعتذار من أي كان.. وإذا غصنا أكثر في شخصية ضيفنا نجده من الذين يتمتعون بطموح وتفاؤل غير محدودين، فلا يعترف بالسن ولا بالانتهاء من العمل، ولم يتأثر قط بالمناصب العليا التي تسنمها، فظل الوفي لنفس أصدقائه ولم يضف لمفكرته الشخصية أسماءاً وأرقاماً جديدة إلا في أضيق نطاق، وإذا كانت تلك الأسماء تتفق مع مبادئه وأخلاقياته.. وقد تعذَّب هشام كثيراً بسبب المثل العليا، والأخلاقيات السامية التي يتمسك بأهدابها.. والتي قد يندر من يقدرها حق قدرها في هذا الزمان.. لقد كان سياسياً محترفاً يعطي واجبات عمله حقها كاملاً وفقاً لمخافة الله والبعد عن مواطن الشبهات.
ولعل أكبر ساحة للتعرف على ضيفنا الكبير من الداخل هي مجال السفر.. فهو من الناس الذين لا تستطيع أن تتعرف إليهم من الخارج، ما لم تتعرف إليهم من الداخل أولاً.
ولقد سعدت بمراففة أخي هشام لمختلف دول العالم، فوجدت فيه نعم الأخ الصديق الصدوق، والرائد الذي لا يكذب أهله، والكبير الذي لا يهدأ له بال حتى يطمئن شخصياً على جميع رفاق السفر من موظفيه، يؤانسهم ويستفسر عن أحوالهم ويخص كل منهم ببشاشته ومرحه ولباقته حتى يتهيأ لكل منهم أنه الأثير لديه، السعيد بخصوصية ذات نفسه.
إن شخصية معالي ضيفنا الكبير تشع ضياءاً في كل اتجاه كمنشور ماسي يأتلق بالنور كلما نظرت إليه من زواياه المختلفة؛ يبعث في نفسك الشعور بالراحة والألفة والمحبة.. فهو الكريم الشهم الجرىء.. لا يخشى في الحق لومة لائم.. يضع النقاط على الحروف في جميع مواقفه وينأى بجانبه عن اللون الرمادي، فحياته كتاباً مفتوحاً، ظاهره كباطنه، لا يضمر ضغينة ولا يحقد على أحد، ينام ملء جفونه حيث عنده ما لله لله وما لقيصر لقيصر.. أحسبه من المحظوظين الذين أدركوا بحادِّ بصرهم وعين بصيرتهم، مرافئ الحق فاتبعوه نهجاً ومسلكاً وأسلوباً في الحياة لم يحد عنه قيد أنملة.
أيها الأحبة:
إن الحديث عن معالي ضيفنا الكريم يمكن أن يستطيل كأشجار طيبة أصولها ثابتة وفروعها في السماء.. ويمكن أن يتمدد كالبراري المحملة بأريج الخزامى والرياحين، فمثله لم يترك مجرد بصمات في حياة كل من احتكّ به، بل ترك منارات تشع بمسك أخلاقه السمحة، وعبير روحه الشفافة، وأَلَقِ نفسه الزكية المحبة للناس حتى تخالها وكأنها تختزل الكون في كلمة من حرفي الحاء والباء..
فهنيئاً لمن كان هذا ديدنه وطريقه الذي سار على هديه متمنطقاً بالصبر وحكمة السنين، حتى أتته جموع الناس تمحضه الحب، وقد علمت تماماً أنها بذلك تضع بذرة الاستقرار والسكينة في علاقتها مع هذا الرجل، الذي أذاب عمره في مشكاة الود والوفاء، وجعله هديةً لكل من عرفه من أصدقائه ومحبيه.. فهنيئاً لنا به إنساناً بمعنى الكلمة.. ورجلاً بمعنى الكلمة.. وصديقاً بمعنى الكلمة.. تلك المعاني العميقة التي تتجلى في أبهى صورها عند صديقنا الحبيب معالي الأستاذ هشام ناظر فتجعله ذلك المتفرد في أفئدتنا ومهجنا بكثير من خصال الرجال.
أشكركم أيها الأحبة مجدداً على مشاركتكم تكريم صديقنا المحتفى به، وأحب أن أذكركم بأن ضيف الاثنينية القادم سعادة الأستاذ الدكتور عبد القدوس أبو صالح أستاذ الدراسات العليا بقسم الأدب في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.. فمرحباً بكم للتشرف بلقائه وتكريمه بما يستحق، والاستزادة من علمه وفضله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
- الكلمة الآن لمعالي الأديب والشاعر الكبير الشيخ حسين عرب:
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :771  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 106 من 187
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

عبدالعزيز الرفاعي - صور ومواقف

[الجزء الأول: من المهد إلى اللحد: 1996]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج