شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
طبقة الأشراف الرابعة
قتادة: كان قتادة بن إدريس يجتمع مع أمراء مكة من الطبقة الثالثة -الهواشم- في جدهم الثامن وكان وقومه ظواعن بادية فلما نشأ جمعهم ومضى بهم إلى ينبع فاحتلها بعد أن أجلى عنها أمراءها من بني عمومتهم البعيدين ثم تطلع إلى إمارة مكة فسار إليها في جيش كثيف واستخلصها لنفسه بعد أن أجلى مُكْثراً في سنة 597.
وأراد قتادة أن يتوسع في إمارته فندب ابنه عزيزاً على رأس جيش إلى المدينة إلاّ أن أمير المدينة قاسماً المهنا الحسيني كان أقوى مما ظن قتادة فقد حمل عليهم حتى عادوا مهزومين ثم حصرهم في مكة وكتب إلى عزيز بن قتادة ((يا ابن العم كسرة بكسرة وأيام حصار بمثلها والبادي أظلم فإذا أعجبكم عامكم فعودوا ليثرب من قابل)) (1) .
ويبدو أن بغداد لم يرضها قيام قتادة بالحكم في مكة فناصبته العداء. فقد وثب حاج من العراق على شريف من قرابة قتادة سنة 608 فقتله فاتهم به أمير الركب العراقي فثار الأشراف وعبيد مكة وصعدوا على الجبلين بمنى وهللوا وكبروا، ضربوا الناس بالحجارة والمقاليع والنشاب ونهبوا الناس يوم العيد واليوم الثاني وقتل من الفريقين جماعة فانحاز أمير الحج العراقي إلى الزاهر فأقام لهم قتادة بعسكره على الطريق فانهال عليهم ضرباً وتقتيلاً وهو يقول: ما فعل هذا إلاّ الخليفة، وما كان المقصود إلاّ أنا والله لا أبقيت من حاج العراق أحداً، وهو قسم يدل على مبلغ ما بلغ إليه التوتر بين العراق وقتادة وأنه كان يعلم أنه المقصود بالقتل كما يدل على مدى شعور قتادة بنفسه ومبلغ ثقته فيها.
والتجأ أمير العراق بخيمة ربيعة خاتون أخت الملك العادل -ملك الشام- وهي يومئذ حاجة فأرسلت إلى قتادة تتوعده فكفّ عنهم وطلب مائة ألف دينار تعويضاً فجمعوا له ثلاثين ألفاً (2) .
وندم قتادة على ما حدث فأرسل ولده راجحاً وجماعة من أصحابه إلى بغداد ليعتذروا عما حدث -فاستقبلتهم بغداد وقبلت أعذارهم وما لبث الخليفة في بغداد أن أرسل إلى قتادة في عام 609 مالاً وخلعاً وطلب إليه الشخوص إلى بغداد فتوقع قتادة الشر وأبى أن يستجيب إلى دعوة الخليفة وكتب إليه يقول من قصيدة طويلة:
ولى كف ضرغام أذل ببسطها
وأشري بها عز الورى وأبيع
تظل ملوك الأرض تلثم ظهرها!!
وفي بطنها للمجدبين ربيع
أأجعلها تحت الرجا ثم أبتغي
خلاصاً لها إني إذاً لوضيع
وما أنا إلاّ المسك في كل بقعة
يضوع وأما عندكم فيضيع!!
 

الطبقة الرابعة من الأشراف آل قتادة:

وفي الصورة يبدو موضع أبي نمى الثاني الذي حصر الإمارة في أولاده كما سيظهر في جدول آت:

فغضب الخليفة وكتب إليه: ((أما بعد فإذا نزع الشتاء جلبابه ولبس الربيع أثوابه قابلناكم بجنود لا قبل لكم بها ولنخرجكم منها أذلة وأنتم صاغرون)).
ولما تسلم قتادة إنذاره أعدّ نفسه لمواجهة الشدائد وكتب إلى بني عمه آل المهنا في المدينة يحثهم على مناصرته ويذكرهم بجامعة القربى وما كتبه:
بني عمنا من آل موسى وجعفر
وآل حسين كيف صبركم عنا
بني عمنا إنّا كأفنان دوحة
فلا تتركونا يجتني الفنا فنا
إذا ما أخ أخلى لآكل!!!
بدا بأخيه الأكل ثم به ثنا!!
وأنجزت بغداد وعيدها في عام 610 فأرسلت جيوشها إلى المدينة وكان آل المهنا عند ظن قتادة بهم فقد قاوموا المهاجمين وكسروهم فما لبثت بغداد أن قنعت بما حدث واقتنعت بقوة قتادة واستأنف الخليفة معه العلاقات الودية وأقطعه قرى متعددة (3) .
ولم يقتصر استخفاف قتادة على أصحاب بغداد بل تعداه إلى غيرهم، فقد حج الملك عيسى بن العادل الأيوبي صاحب حلب عام 611 وكان قد بذل من أمواله في سبيل البر الشيء الكثير وكان قد استقبله في المدينة أميرها وأنزله في داره وبالغ في الحفاوة به وصحبه إلى مكة فلما قدم مكة وتلقاه قتادة سأله أين أنزل؟ فقال قتادة وقد أشار بسوطه هناك -يريد الأبطح- فشعر الملك عيسى أن قتادة يستهين به فغاظه ذلك وأسره في نفسه ولم يبده إلاّ في الوقت المناسب (4) .
ولا أستبعد أن جفاء قتادة الذي أبداه في استقبال ملك حلب كان مبعثه إلى جانب الاستخفاف بمقادير أصحاب السلطان استياءه من تآلف خصمه القديم أمير المدينة بصاحب الشام ومشيه في خدمته إلى مكة لذلك أراد قتادة أن يشعر صاحب حلب أنه أمام شخص من نوع غير الذي عرفه في صاحب المدينة ومن ذلك ندرك أن دفاع صاحب المدينة عن قتادة واستجابته لندائه لم يكن كافياً لإزالة ما بينهما من ضغائن.
وتفاقم الخلاف بين قتادة وسالم صاحب المدينة في عام 612 فقد زحف قتادة إلى المدينة وحاصرها وأباد كثيراً من نخلها وكان سالم بن المهنا لا يزال في صحبة صاحب حلب في رجوعه إلى الشام فدافع أصحابه عن المدينة حتى هزموا قتادة إلى وادي الصفراء (5) ثم انتهت الأخبار إلى أمير المدينة بالشام فغادرها مسرعاً إلى المدينة وبهذه المناسبة أبدى صاحب حلب ما أسره لقتادة فقد جهّز جيشاً عظيماً من التركمان وأرسله بصحبة أمير المدينة ليعينه على قتال قتادة وقد اتصل جيش سالم بوادي الصفراء فهزم قتادة هزيمة نكراء وغنم من أمواله وسلاحه شيئاً كثيراً وأسر من جيشه عدداً كبيراً سيَّره إلى دمشق وكان في الأسرى كثير من الأشراف الحسينيين ومثلهم من الحسنيين وقد دفعوا إلى بعض أشراف دمشق ليكفلوهم ويشاركوهم في حصصهم من أوقاف الأشراف (6) .
وعاد قتادة بعد ذلك إلى مكة دون أن ينال ظفراً ثم ما لبث أن فكر في توسيع نفوذه بين قبائل ثقيف فزحف في جيشه إلى الطائف فاحتلها بعد أن قاتله مشائخ ثقيف قتالاً عنيفاً، وفي هذه الواقعة فُقد كتاب أثري كان يحتفظ به حمدان العوفي -وهو من شيوخ ثقيف- في بيته وهو كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل الطائف.
وعاد قتادة إلى مكة بعد أن أطاعته القبائل في الطائف ومن حولها وقد ترك نائباً عنه في الطائف ليحكمها وترك بعض عبيده لحفظ الأمن فاتفق بعض رجال من ثقيف على دعوة نائب قتادة والعبيد إلى دعوة عامة في ضاحية من ضواحي الطائف وكانوا قد دفنوا سيوفهم في رمال المكان المعد للاجتماع فلما حضروا واطمأن المجلس بهم بادروهم فقتلوهم عن آخرهم (7) .
ومن غرائب ما اتفق لقتادة أنه أهدى مرة صلاح الدين الأيوبي مروحة بيضاء من خوص النخل نُقش فيها بيتان من الشعر بنسيج من السعف الأحمر فلما قدم رسوله بها إلى صلاح الدين قال: ((إن الشريف قتادة يهديكم هذه المروحة التي ما رأيتم ولا أبوكم أو جدكم مثلها)) فاستاء صلاح الدين لسوء التقديم واستفزه الغضب ثم ما لبث أن سرى عنه عندما لفت الرسول نظره إلى أن المروحة منسوجة من خوص النخلة التي كانت في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وقد قرأ فيها صلاح الدين هذين البيتين:
أنا من نخلة تجاور قبراً
ساد من فيه سائر الناس طرا
شملتني سعادة القبر حتى
صرت في راحة ابن أيوب أقرا (8)
وكان قتادة في أول أمره حسن السيرة طيب الذكر وقد استطاع أن ينشر الأمان ويقيم العدل والرخاء ويكرم وفادة الحجاج، ثم ما لبث أن أساء السيرة وجدد المكوس ونهب الحجاج في بعض السنين، ويذكر السنجاري (9) في تاريخه أن ولايته اتسعت من حدود اليمن إلى مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، وكثر عسكره حتى خافه العرب في تلك البلاد خوفاً عظيماً.
ولا أدري كيف اتسع أمره إلى المدينة بعد الذي رأينا من دفاع صاحبها إلاّ أنني لا أستبعد أن يكون قد استأنف هجومه عليها بعد الذي ذكرت واستولى عليها. وخطب ودّه العباسيون في بغداد والأيوبيون في مصر وأرسلوا إليه بالخلع والأموال.
وخطب قتادة في أول أمره للعباسيين ولما قطعت علاقتهم به على أثر الحوادث التي ذكرناها عاد يخطب للأيوبيين وحدهم، وأعتقد أنه لو مُدّ في أجله لأعلن خلافته ودعا إلى نفسه، وحسبنا ابن خلدون يشير إلى ذلك فيذكر أنه كان يرى لنفسه أحقيته للخلافة.
وظل قتادة على أمره حتى اختلف مع ابنه حسن فقتله، وذلك أنه سير جيشاً إلى المدينة على رأسه أخوه وابنه حسن، فلما كان الجيش في بعض الطريق بوادي الفرع (10) اجتمع أخو قتادة برؤساء الجيش وأخبرهم بأن قتادة مريض وطلب إليهم أن يعاهدوه على الإمارة فلما بلغ ذلك حسن بن قتادة دخل على عمه فقتله فلما اتصلت الأخبار بقتادة عزم على قتل ابنه حسن قوداً في أخيه فعلم حسن بذلك فعاد إلى مكة ودخل بيت أبيه سراً وهو مريض فقضى عليه خنقاً ثم ذاع موته ونادى بنفسه أميراً على البلاد وذلك في سنة 617 (11) .
الحسن بن قتادة:
وهكذا تم الأمر للحسن وباشر حكمه بروح الرجل الشديد الذي لا يقبل هوادة في أوامره ودعا للعباسيين والأيوبيين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :552  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 76 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج