شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
خلافة أبي الفتوح
وما لبث أبو الفتوح أن اختلف مع الفاطميين لأن الحاكم الفاطمي أرسل إليه سجلاً ينتقص فيه بعض الصحابة وأمره أن يأمر الخطيب بقراءته على المنبر فشق ذلك على أبي الفتوح وفشا أمر ذلك في الموسم فتداعى الحجاج والعرب حوالي مكة من هذيل وغيرهم واجتمعوا بالمسجد يريدون كسر المنبر على صاحبه وكان يوماً عظيماً انتهى بعصيان أبي الفتوح (1) .
والتجأ بأبي الفتوح ((الوزير أبو القاسم)) الذي فرّ من جور الحاكم بأمر الله الفاطمي في مصر وأغراه ضد الفاطميين وانتزاع الخلافة منهم لنفسه وأفتاه بأخذ ما في الكعبة من نفائس فأعلن أبو الفتوح نفسه خليفة وشرع يتلقى البيعة من الموالين له في مكة والمدينة ثم أقام الدعوة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ونشط للعمل في نطاق أوسع فبايعه بنو سليم وبنو هلال وبنو عوف وبنو عامر ثم ما لبث أن شد رحاله في قوة عظيمة من عسكره يريد الشام فكان كلما مر ببعض بلادها جاءوا إليه مبايعين حتى انتهى إلى منازل آل الجراح في الرملة فبايعوه وأقيمت الخطبة في منازلهم باسمه وفي كثير من بلاد الشام (2) .
تنازله عن الخلافة: وتوافدت الأخبار إلى مصر مثيرة مقلقة وشعر الحاكم الفاطمي بسوء العاقبة فدس إلى أمير طيء في الرملة حسان بن مفرج الجراح واستطاع أن يستميله إليه وأن ينتزع منه وعداً بالتخلي عن مناصرة أبي الفتوح.
وفطن أبو الفتوح للأمر وبدا له أن تخلّي آل الجراح عنه يسلمه إلى أسوأ العواقب فوقف يعيد النظر فيما أحدث ثم ما لبث أن وافته أنباء جديدة من مكة بأن بعضاً من بني عمه ((السليمانيين)) (3) اغتنموا فرصة غيابه عن مكة فاستولوا عليها برئاسة أبي الطيب داود بن عبد الرحمن فأدرك أن الدسائس أحاطته وأن الفاطميين لم يكتفوا باستمالة مناصريه في الجيش حتى أثاروا عليه في مكة من تغلب عليه وأنه سيبيت منذ الليلة طريداً لا الشام يبلغها ولا مكة يكتفي بها (4) فهرع من فوره إلى مفرج والد حسان رأس المتخلفين عنه وأعلن التجاءه به فأكبر ذلك مفرج وأخذ على عاتقه تسوية الأمور وقد سواها فتوسط بينه وبين الفاطميين بالصلح على أن يتنازل عن دعوته بالخلافة لقاء إخلاء مكة من خصومه السليمانيين وأن يعود إلى قواعده سالماً ليحكم مكة كما كان يحكمها من قبل.
وهكذا عاد إلى مكة في عام 403 واستتب له الأمر فيها وشرع يدعو للحاكم الفاطمي (5) كما نقش اسمه على النقد (6) .
وفي عهد أبي الفتوح هجم رجل من مصر على الحجر الأسود وهو يصيح إلى متى يعبد هذا الحجر ومحمد وعلي، فليمنعني مانع من هذا، فخاف الناس وتراجعوا عنه وكاد يفلت لولا أن غافله أحدهم فضربه بخنجر وقطعه الناس وأحرقوه وقتل ممن اتهم بمصاحبتهم جماعة وأحرقوا فكانت الفتنة عظيمة وقد قتل فيها نحو عشرين رجلاً غير ما خفي منهم وألحّ الناس من ذلك اليوم على المغاربة والمصريين بالسلب والنهب (7) .
وكان أبو الفتوح إلى جانب شجاعته شاعراً يجيد القريض، ومن شعره:
وصلتني الهموم وصل هواك
وجفاني الرقاد مثل جفاك
وحكى لي الرسول أنك غضبى
يا كفى اللَّه شر ما هو حاكي
وكان يتمتع بقوة نادرة كما أن أختاً له تضاهيه في ذلك، ومن غرائب ما ذكر عن ذلك أن أخته أرسلت إليه ببعض الدراهم ليشتري لها شيئاً من الحنطة فأخذ الدراهم وفركها بين يديه فأمحى رسمها ثم بعث إليها بالحنطة مصحوبة بالدراهم ليوهمها أن دراهمها زيوف فأدركت النكتة في ذلك فعمدت إلى قبضة من الحنطة وفركتها حتى صيرتها دقيقاً ثم أرسلت بها إليه تقول إن هذه الحنطة لا تصلح فكانت بليغة في ردها كما كانت نادرة مثله في فرط قوتها (8) .
وفي عهد أبي الفتوح منع الحج في أكثر السنين نتيجة المنازعات والفتن في مكة وعصيان بعض القبائل في البادية وقطعهم الطريق (9) .
شكر بن أبي الفتوح: وبوفاة أبي الفتوح في عام 430 خلفه ابنه محمد شكر وكان في مثل بأس أبيه وشجاعته، حارب بني حسين (10) أصحاب المدينة عندما أرادوا الخروج عليه فظهر عليهم وضم المدينة إليه وأدب كثيراً من عصاة البدو وكان يقول الشعر، ومن شعره:
قوض خيامك من أرض تهان بها
وجانب الذل إن الذل يجتنب
وارحل إذا كان في الأوطان منقصة
فالمندل الرطب في أوطانه خطب (11)
وكان شكر يدعو للفاطميين وقد منع الحج العراقي في عهده سنوات لسوء صلته بالعباسيين كما منع من جهات أخرى لعصيان البادية عليه، كما كان الحال في عهد أبيه.
عبد شكر: وتوفي شكر في عام 453 ولم يعقب فانتهى أمر مكة بعده إلى عبد له (12) لم يذكر المؤرخون اسمه ولعلّ من الغريب أن يتولى أمر مكة أحد العبيد وفيها من سادة العلويين والأشراف وأعيان الأهالي والمجاورين من لا يحصيهم العد ولكن الذي يبدو من ثنايا الحوادث أن الأشراف في مكة كانوا منقسمين على أنفسهم وكان رجال الطبقات فيهم يتحيزون إلى طبقتهم ويتحيز المهاجرون في مكة وأعيان أهلها بتحيزهم أو يحايدون فيتلاقى هذا التحزب في ميدان ضيق. ولعلّ عبد شكر كان له من شكيمة أسياده ونفوذه لديهم ما ساعده على اغتنام الفرصة والوصول إلى مقعد الحكم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :543  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 66 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.