شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الناحية العمرانية والاجتماعية
ولم يتقدم العمران في مكة بعد العهد الذي سبق لما نالها من الشدة التي أسلفنا عنها وأكاد أجزم أن القصور الشامخة التي أحدثها الثراء في مكة في العهد الأموي بدأ الخراب يتخللها في هذا العهد ولهذا فقد ظلت مكة لا تتعدى أوائل حدود المسفلة من جهة وقبيل الشبيكة من جهة أخرى أما حارة الباب فلم تنشأ إلاّ في قرون متأخرة عندما بني فيها باب مكة كما سنأتي على ذكره في حينه.
وشاع في هذا العهد لباس القباء في القصر العباسي وهو ما يشبه الثوب مفتوح الرقبة ولا يطول إلاّ إلى الركبة كان يتمنطق عليه الخليفة بمنطقة مرصعة بالجواهر ويتشح بعباءة أغلب ما تكون سوداء فانتقل هذا الزي إلى مكة بصورة متواضعة بانتقال أولاد العباس إلى إمارتها وقلّدهم في ذلك المقربون من الكبراء أما العلماء ورجال القضاء فكانوا يلبسون العمامة والطيلسان (1) وكانت قلانسهم تحت العمامة طويلة مخروطة الشكل (2) وهو لباس ظل شائعاً في هذه الطبقة في أكثر الأمصار من بلاد الإسلام لذلك العهد إلى ما بعده بأجيال طويلة أما غير العامة فكانوا يلبسون القلنسوة وحدها فوق كلُّوتة من الحرير (3) والكلُّوتة بتشديد اللام أشبه بالكوفية عندنا اليوم ((الطاقية)).
وكان العامة يلبسون إزاراً يشبه ((الفوطة)) وقميصاً ثم يتمنطقون عليه بحزام وتضيف الطبقة الراقية إلى هذا قفطاناً وجبة أو عباءة ويحتذون النعال ذات أصبع واحد ينحني حتى تتصل الأصبع بأعلى القدم بسير من الجلد وربما لبس بعضهم الموزج (4) وهو يشبه الشرَّاب ويصنع من الصوف أو الجلد و ((الجرموق)) وهو يشبه الحذاء فإذا دخل المسجد أو قصور الكبراء خلع الجرموق (5) .
وقلَّت الرغبة إلى الألوان المصبوغة من الثياب فعمّ اللون الأبيض وأضاف الكبراء اللون الأسود إلى العباءة والجبة لأنه شعار العباسيين وقد ألزم به أصحاب المراتب.
أما رجال البادية فكانوا يقتصرون على الإزار ويتركون بقية أجسامهم عارية أو يلتحفون ما يشبه الرداء أو العباءة وقد أمرهم الخليفة المستعين بلبس الأكمام الواسعة (6) فكانوا يحفظون فيها دنانيرهم وبذلك لا يستبعد أن تكون أقرب شبه بأكمام البادية اليوم (7) .
وكان النساء يلبسن القمصان المشقوقة عند الرقبة ويربطن رؤوسهن بعصابة تزينها الطبقة الراقية ببعض الحلى الثمينة وقد يتصل بالعصابة منديل يحجب الوجه لدى المحتشمات في المدن ويلبسن الملاءات الفضفاضة ويتخذن حليهن من الخلاخل والأساور (8) واشتهرت المكيات في هذا العهد بأنهن لينات الأرساغ ((مؤنثات)) تميل ألوانهن إلى البياض المشرب بسمرة في قدود حسنة وأجسام ملتفة وشعور جعدة وعيون مراض (9) .
وكانوا يحتفلون بالأعياد الدينية احتفالاً شائقاً وكانت مكة إذ ذاك منقسمة إلى منطقتين هي المعلاة وتشمل نصف مكة الأعلى، والمسفلة وتشمل نصف مكة الأسفل وكانت المنطقتان تتزاوران في أيام الأعياد ويتفنن أصحابها في أنواع من اللعب على صوت المزمار والطبل وكان بعض النساء يعمدن إلى الشعاب البعيدة ويعقدن حفلاتهن على صوت المزمار والطبل.
وأكثر ما يتمتعن بحريتهن في اللعب أيام عرفات ومنى حيث كانت تخلو البلدة بالمتخلفات منهن عن الحج (10) .
ولم تكن مكة تحتفل في هذا العهد بموالد النبي صلى الله عليه وسلم وبعض الصحابة لأنها لم تعرف ذلك إلاّ في عهد الفاطميين كما سيأتي ذكره في حينه.
وعرفت مكة في هذا العهد لعبة الشطرنج والنرد واتخذ سباق الخيل شكل الحفلات العامة في الأبطح من أعلى مكة لعناية الأمراء والعظماء به ولم يكن لهم مقاهٍ على النحو الذي نراه اليوم بل كانت لهم مجتمعات في بيوتهم وكانوا يخرجون في الأصائل إلى الضواحي فقد كانت البساتين إلى هذا العهد يحتفظ بعضها بنضارتها في جرول الخضراء بالقرب مما نسميه الهنداوية وكان الطريق متصلاً بها من الشبيكة إلى الحفائر كما كانت لهم بساتين في أعلى مكة. ونعتقد أن عدد البساتين في هذا العهد قلّ عما كان عليه عددها في الأجيال الماضية كما كانت لهم مجتمعات في أطراف المسجد وكثير من أجزائه المكشوفة يعقدونها في ليالي الصيف وهي غير حلقات العلم.
وبدأت في هذا العهد تنقل البهارات وبعض ألوان الطعام من الهند وفارس فأضيف إلى ما عرفه العرب من الثريد والعصيد والهريس وأخذت موائدهم أشكال المستطيل بعد أن كانوا يحفون بها حلقات.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :415  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 61 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.