شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
النواحي العامة
في عهد العباسيين الثاني
الناحية السياسية: مر بنا أن خلفاء العصر العباسي الأول استعانوا بأخوالهم من الفرس في حروبهم ضد الأمويين حتى إذا ما توطد ملكهم آثروهم على العرب وقدموهم في مهام الدولة وكبريات وظائفها.
ونحن هنا لا نلبث أن نجد خلفاء العهد العباسي الثاني يستعينون بأخوالهم ومواليهم من الترك وينسون الفرس ويمعنون في إهمال العرب فيترك هذا أثره في ضعف مركزهم السياسي بينما ترتفع سهوم مواليهم فيلقب أحدهم أمير الأمراء أو ملك الدولة وسلطانها أو ملك الملوك (1) ويدعى باسمهم فوق المنابر كما تنقش النقود بأسمائهم.
أما الحال بالنسبة إلى مكة أحد معاقل العروبة وموطن الإسلام الأول فقد نالها -من الناحية السياسية- أسوأ مما نال بقية أمصار العرب ذلك لأن الأمويين كانوا قد شغلوا أهلها عن حقوقهم التي كانوا يرونها في الخلافة بما يسّروه لها من أسباب الترف ثم جاء العباسيون الأولون فأدرجوهم ضمن قوائم المنسيين في بنود السياسة واعتبروهم أمة تستحق الرثاء أكثر مما تستحق الاحترام ونظر الخلفاء إليهم نظرة فيها من العطف والإحسان أكثر مما فيها من التجلة وتقدير القيم.
وجاء العهد الذي ندرسه والذي هيمن الأتراك فيه على مقدرات الخليفة العربي في بغداد فازداد الأمر سوءاً وتطورت معاني العطف إلى صور جديدة لا أدري كيف أسميها.
كان الأتراك المهيمنون على الخليفة في بغداد يحسنون إلى الحرم وسكانه ويتبارون في هذا الإحسان كما يتبارى المتباهون من زوّار المقابر في توزيع الصدقات على المنقطعين بها.
نُسيت مكة كبلد له حقوق على الدولة التي تحكمه وله حظه مثل غيره من الأمصار وله قيمته ككائن حي بين معاصريه من الشعوب. نسي كل هذا واعتبر الأهلون فيها مجموعة منقطعة لكنس المسجد وتنظيفه والقيام على خدمته وخدمة وفوده في شكل لا يختلف كثيراً عن خدام الأضرحة وفقراء القبور الذين ينقطعون لأعمالهم مقابل ما يستحقونه في أموال أسيادهم من أغنياء الأرض.
ولم تقتصر المأساة على هذا الحد فقد وجدت مكة نفسها عرضة لكثير من الخارجين على الخلافة في بغداد فثوار العلويين في أي منأى من الأرض يعتبرون احتلال مكة عنصراً له قيمته في طعن بغداد، وخارجون كبني طولون والقرامطة والأخشيديون يهدفون إلى الاستيلاء على مكة تدعيماً لمعنوياتهم في نظر المسلمين وإمعاناً في الكيد لبني عباس فكانت مكة لا تخرج من فتنة إلاّ لتستقبل غيرها وقد أثر ذلك في أسلوب معاشها في الحياة فقطع أسبابها وهبط بمستوى رقيها السياسي وتركها عرضة لحكم المتغلبين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :380  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 58 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.