الإصلاحات في المسجد |
وفي هذا العهد عني معاوية بإصلاح المسجد ولم يوسع فيه واصطحب معه من الشام منبراً من ثلاث درجات في قدومه إلى الحج ليخطب عليه وكان الخلفاء قبله لا يخطبون إلاّ قياماً على أقدامهم في وجه الكعبة وفي الحجر
(1)
واتخذ للكعبة خدماً من العبيد لا أظنهم كانوا خصياناً وكساها الديباج الخراساني والقباطي ثم كساها بعده يزيد والزبير وبقية خلفاء بني أمية بعده
(2)
. |
|
نموذج لدينار ضرب سنة 78هـ
|
|
وعني ابن الزبير بالمسجد فاشترى دوراً وسع بها المسجد توسعة كبيرة من جانبيه الشرقي والجنوبي، يذكر الأزرقي أن مما اشتراه ابن الزبير في سبيل توسعة المسجد بعض دور كانت لجده الأزرق شرقي المسجد بثمن لا يقل عن بضعة عشر ألف دينار وقد بلغت مساحة المسجد في توسعته هذه نحو 32400 ذراع مربع واتخذ له رواقاً مسقوفاً على عمد
(3)
. |
بناء الكعبة: وعندما مال بعض جدار الكعبة من تأثير الحريق الذي نالها من حصار ابن الزبير في عام 64 أمر ابن الزبير بهدمها حتى انتهى إلى أساسها ثم بناها على قواعد إبراهيم لحديث بلغه عن خالته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها معناه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لولا حدثان قومك بكفر لنقضت الكعبة ولأدخلت فيها الحجر فإن قومك قصرت بهم النفقة ولجعلت لها باباً شرقياً وباباً غربياً يدخل الناس من أحدهما ويخرجون من الآخر ولألصقت بابها بالأرض فإن قومك رفعوا بابها ليدخلوا من شاؤوا ويمنعوا من شاؤوا
(4)
وقد ورد الحديث بمعناه في الصحيحين. |
|
صورة الكعبة كما بناها ابن الزبير وهي من رسم الأستاذ طاهر كردي الخطاط بمكة
|
|
أعاد ابن الزبير بناء الكعبة على ضوء الحديث الذي ذكرناه وظلت على حالها حتى استولى الحجاج على مكة، استأذن الخليفة عبد الملك في أن يعيد الكعبة إلى ما كانت فيخرج الحجر منها ويكتفي بباب واحد يرفعه عن الأرض كما هي اليوم، أذن له بذلك ويذكر المؤرخون أن عبد الملك بن مروان بلغه الحديث بعد ذلك فقال وددنا لو تركنا الكعبة وما فعل ابن الزبير بها
(5)
كما ذكروا أن المهدي الخليفة العباسي همّ أن يعيدها إلى ما بناها ابن الزبير، وأنه استشار الإمام مالكاً في ذلك، فقال أني أكره أن يتخذها الملوك لعبة، فهذا يرى رأي ابن الزبير، وهذا يرى رأي عبد الملك بن مروان فيتناولونها بالنقض والبناء فأحجم المهدي ولم يفعل شيئاً
(6)
. |
وعنى عبد الملك بتجديد سقف المسجد واتخذ له خشباً من الساج واستورد له السواري محلاة رؤوسها بالذهب في عام 75
(7)
وأمر عامله خالداً القسري بإضاءة ما بين الصفا والمروة كما أمره باتخاذ مصباح كبير مقابل الركن الأسود ثم أنشأ للمصباح عموداً وهو أول مصباح اتخذ في المسجد رسمياً فقد كان بعض جيران المسجد قبله يضع على بيته مصباحاً لينتفع الناس بضوئه في المسجد. وفي هذا يذكر الأزرقي أن جده عقبة بن الأزرق كان يضع على طرف داره مصباحاً يضيء لأهل الطواف حتى كان خالد بن عبد الله القسري الذي منعه أن يضع المصباح ووضع بدله مصباح زمزم في ما يقابل الركن الأسود
(8)
. |
ودهم المسجد سيل عظيم في عهد عبد الملك عام 80 اخترق جدار بعض الدور المحيطة بالمسجد واتصل به، فكتب عبد الله بن سفيان عامله على مكة إليه بذلك فأرسل مالاً عظيماً وأمره أن يبني ظفائر للبيوت الملاصقة للمسجد تحول دون اختراق السيل لها. |
|
صورة الكعبة كما بناها الحجاج وتصميمها باق إلى اليوم وهي من رسم الأستاذ طاهر كردي الخطاط بمكة
|
|
وأمر عبد الملك بعمارة المسجد فرفع جداره وسقفه بالساج وزين أسطواناته بالذهب فجعل على رأس كل واحد منها خمسين مثقالاً من الذهب ولم يوسع فيه شيئاً
(9)
. |
وأهدى عبد الملك إلى الكعبة شمسيتين من الديباج وقدحين من زجاج فعلق ذلك في سقفها
(10)
. |
ولما تولى الوليد نقض أعمال أبيه في سقف المسجد وأقام بناء محكماً فوق العقود المزخرفة بالفسيفساء ووسعه وأزر داخله بالرخام وقد جاء بالأساطين الرخام من الشام ومصر ونقلها على العجل إلى مكة. |
كما جعل له شرافات
(11)
وأهدى للكعبة هلالين وسريراً من ذهب، وقد علق الشيخ حسين باسلامة على موضوع الشرافات. فقال: إنه لا يستبعد أن يكون الفاسي أراد بذلك سرادقات كانت تنصب للمصلين في صحن المسجد. |
|