شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
شجاعة أسماء
وضربت أمه بشجاعتها مثلاً لم يسبق إلى مثله التاريخ فيما أعلم، ولا أحسب أنه سيدركها مضارع فيما يأتي قال الواقدي: حدثني مصعب بن نائب عن نافع مولى بني أسد قال شكا ابن الزبير إلى أمه خذلان الناس له، فقالت: إن كنت تعلم أنك على حق فاصبر عليه فقد قتل عليه أصحابك ولا تمكن من رقبتك يلعب بها غلمان بني أمية قال: فدنا منها فقبل رأسها وقال هذا والله رأيي ولكنني أحببت أن أعلم رأيك فانظري يا أماه فإني مقتول في يومي هذا، فقالت: أخرج يا بني حتى أنظر ما يصير إليه أمرك.
إلى هذا الحد نستطيع أن نكبر في السيدة أسماء شجاعتها وثبات عزمها أما الشطر الآتي من القصة فإنه يتجاوز عن إكبارنا آلاف المراحل لأن ما سنسمعه لا يوصف بالعزم ولا بالثبات والشجاعة إنما هو شيء أرقى من هذا وأكبر.
- وما هذا الدرع الذي تلبسه يا عبد الله.. إنه لباس الرجل الذي لا يريد الشهادة.
- إنما لبسته لأطيب خاطرك وأسكن قلبك.
- لا.. ولكن أنزعه.. أنزعه يا عبد الله.
إنها تقول أنزعه كأني بالتاريخ يتحدى معجمات اللغة لتعطيه كلمة تؤدي معنى هذه الجرأة الفذة أداءً صحيحاً فلا تستطيع.
هذه الشجاعة أو بالأصح هذه المعاني التي تسمو على الشجاعة عشرات المرات كانت مسؤولة إلى حد كبير عن المأساة في تفاصيلها وضحاياها وما نال الكعبة منها.
نهاية ابن الزبير: مضى ابن الزبير على أثر هذا فصلى الفجر في ثبات المطمئن ثم حث الأقلية الباقية حوله على الصبر وبادر القتال بحملات قوية كشف فيها نحو خمسمائة فارس وراجل عن باب المسجد حتى أعادهم إلى الحجون فأصابته آجرة في وجهه ففلقت رأسه فلما وجد سخونة الدم تمثل:
ولسنا على الأعقاب تدمي كلومنا
ولكن على أقدامنا تقطر الدما
ثم أغمي عليه وسقط على الأرض فأسرعوا إليه فقتلوه وبقتله رضي الله عنه سقطت حكومته في مكة ودخل الأمويون المسجد فطافوا بالكعبة وتعلقوا بأذيالها حامدين شاكرين الله ساجدين وكان ذلك في 17 من جمادي الأول سنة 73 (1) .
وأمر الحجاج بابن الزبير فصلب على ثنية كدا عند الحجون بأعلى مكة (2) وقد حدث عقبة بن مكرم بسند متصل إلى بني نوفل حديثاً جاء فيه أن الحجاج أرسل إلى أسماء أم الزبير فأبت أن تأتيه فأعاد إليها الرسول لتأتيني أو لأبعثنَّ إليك من يسحبك من قرونك فأبت وقالت والله لا آتيه حتى يبعث إلي من يسحبني بقروني إلى أن قال ما معناه: ثم انطلق الحجاج حتى دخل عليها فقال كيف رأيتني صنعت بعبد الله قالت رأيتك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك وفي رواية ابن الزبير ظل مصلوباً حتى أمر الحجاج بدفنه فدفن في الحجون بعد أن غسلته أمه وكفنته وطيبته.
وأقام الحجاج في مكة بعد أن أخذ البيعة من أهلها لعبد الملك بن مروان ولم يحجم عن التنكيل ببني هاشم وكاد يبالغ في ذلك لولا أن عبد الملك ابن مروان منعه من ذلك (3) وهدد ابن الحنفية وابن عمر لحيادهما فبايع ابن عمر للأمويين مضطراً (4) ثم استصحب الحجاج نفراً كبيراً من الصحابة والتابعين إلى الشام فبايعوا عبد الملك بن مروان مكرهين وبذلك انهارت الفكرة التي نعتقد أن ابن الزبير أبلى في سبيلها ما أبلى ليعيد إلى الحجاز نفوذه الديني ومركزه من خلافة الإسلام.
وقد دامت حكومة ابن الزبير في مكة من سنة 63 إلى 73 نحواً من عشر سنوات بسط نفوذه في خلالها على أكثر أمصار الإسلام.
عودة الأمويين إلى مكة: وبسقوط حكومة ابن الزبير تولى أمر مكة للأمويين جماعة من صفوة بني أمية وقد اختلف المؤرخون في تعيين أسمائهم وأعتقد أن من أهم أسباب هذا الاختلاف أن أنظار المؤرخين في هذه الفترة انصرفت عن العناية بتفاصيل الحوادث في الحجاز كما تنصرف عادةً عن كل بلد مغلوب واتجهت عنايتهم بالمقدرات العامة للمسلمين في الشام وبعض أمصار الإسلام التي تميزت بحوادثها العامة إذ ذاك.
ولقد ذكر مؤرخو مكة ما بلغهم من أسماء ولاة مكة للأمويين وذكر غيرهم ما يخالف ذلك قليلاً أو كثيراً ونحن نستطيع من مقابلة هذه الأقوال أن نستنتج أن عددهم كان نحواً من واحد وعشرين والياً دام حكمهم في مكة إلى نهاية العهد الأموي عام 132 نحواً من 59 سنة وذلك عدا من جهل التاريخ اسمه منهم.
ولعلّ أوضح من نستطيع اعتماده فيما رواه من أسمائهم هو تقي الدين الفاسي وقد ذكر في شفاء الغرام (5) أنه ممن ولى مكة لعبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير جماعة وهم ابنه مسلمة بن عبد الملك والحجاج بن يوسف الثقفي والحارث بن خالد المخزومي. وينقل السنجاري -من مؤرخي مكة- أن من غرائب ما وقع في عهد الحارث أن عائشة بنت طلحة حجت في عهده وكان يهواها فأرسلت إليه أن أخر الصلاة حتى أفرغ من الطواف فأخرها فأنكر أهل الموسم ذلك ولما علم أن عبد الملك بن مروان بلغه ذلك قال ما أهون غضب ابن مروان علي إذا رضيت عائشة ثم قال: ولما قضت عائشة حجها أرسل الحارث إليها أن عديني يا ابنة عمي إلى مجلس نتحدث فيه فبعثت إليه إن موعدنا من غداة الغد ثم رحلت من ليلتها. وأحسب أن في هذه الرواية ما يشتم منه الدعاية بالسوء ضد الأمويين.
ومن ولاة هذا العهد خالد بن عبد الله القسري ثم عبد الله بن سفيان المخزومي وعبد العزيز بن عبد الله بن خالد ونافع بن علقمة الكناني ويحيى بن الحكم بن أبي العاص. ويذكر الفاسي أنه يظن أن من ولاة عبد الملك في مكة هشام المخزومي وأبان بن عثمان بن عفان (6) .
وولى مكة للوليد بن عبد الملك أعدل الأئمة بعد الراشدين عمر بن عبد العزيز. ويذكر ابن فهد أن العراقيين كانوا يلجأون إلى مكة للإقامة بها في عهد عمر بن عبد العزيز فراراً من جور الحجاج في العراق وأن عمر كتب إلى الخليفة الوليد يخبره بما أدى إليه تعسف الحجاج فلما كتب الوليد إلى الحجاج أجابه هذا يقول: ((إن قبولهم في مكة وهن ينتفع به أهل العصيان وإني أرى أن يولي أمر مكة خالد القسري)) فقنع الوليد برأيه وعزل عمر بن عبد العزيز عن مكة وولاها خالداً للمرة الثانية في شعبان سنة 93 ثم يقول: وقد أمر خالد بسب علي فوق المنبر فسبه الخطباء وأثنوا على الحجاج ثم أمر بلعن الحجاج ففعلوا! ويقول: إن خالداً كان يحث على طاعة بني أمية ويقول لو كنت أعلم أن هذه الوحوش لو نطقت ولم تقر بالطاعة لأخرجتها من الحرم وأنه أمر بإخراج أهل العراق كرهاً وتهدد من أنزل عراقياً أو أجاره وقد بقي في إمارته إلى وفاة الوليد عام 96هـ.
ووليها في خلافة سليمان بن عبد الملك طلحة بن داود الحضرمي ثم عبد العزيز بن عبد الله بن خالد للمرة الثانية.
وظل عبد العزيز بن عبد الله في إمارته إلى أن تولى الخلافة عمر بن عبد العزيز. وولى أمر مكة ((على ما قيل)) محمد بن طلحة ثم عروة بن عياض وعبد الله بن قيس وعثمان بن عبيد الله بن قيس ويذكر ابن جرير ما يدل على أنه لم يتول إمارة مكة في خلافة عمر بن عبد العزيز رجل سوى عبد العزيز بن عبد الله بن خالد ويذكر الفاسي نقلاً عن الفاكهي أن بقية الولاة ربما تولوها لعمر بن عبد العزيز في عهد إمارته قبل خلافته وقد كان مقيماً بالمدينة.
وفي عهد عبد العزيز بن عبد الله ورد كتاب من الخليفة عمر بن عبد العزيز ينهى عن كراء بيوت مكة ويأمر بتسوية بيوت منى فجعل الناس يدسون إليهم الكراء سراً (7) .
وولي مكة في خلافة يزيد بن عبد الملك بن مروان جماعة أولهم عبد العزيز ابن عبد الله سالف الذكر ثم عبد الرحمن بن الضحاك، ويذكر ابن جرير الطبري أنه في سنة 103هـ ضمت إليه مكة مع المدينة، ثم عزل عنهما في النصف من ربيع الأول عام 104. ويقول ابن كثير إن سبب عزله أنه خطب فاطمة بنت الحسين فامتنعت من قبوله فألح عليها وتوعدها فشكته إلى يزيد بن عبد الملك فعزله وولى عبد الواحد بن زياد النصري.
ووليها في خلافة هشام بن عبد الملك جماعة أولهم عبد الواحد السالف الذكر ثم إبراهيم بن هشام المخزومي ويذكر ابن فهد أن إبراهيم كان معتداً بنفسه إلى حد متطرف فقد قيل أنه خطب في منى فقال إنكم لا تسألون أحداً أعلم مني، فقام إليه عالم من العراق، فسأله عن الأضحية أواجبة أم مستحبة؟ فلم يحر جواباً. ولعلّها من مبالغات الناقمين على بني أمية، ثم وليها محمد بن هشام ونافع بن علقمة الكناني، ووليها في خلافة الوليد بن يزيد يوسف بن محمد بن يوسف الثقفي وهو خال الخليفة الوليد، وقد ظل فيها إلى نهاية خلافة الوليد، وفي عهد يوسف أمر الخليفة بالقبض على إبراهيم بن هشام وأخيه محمد وكانا في إمارة مكة قبله فلما حملا إلى الشام أمر الخليفة بجلدهما لأشياء كانت تبلغه عنهما في عهد إمارتيهما، ثم وجههما إلى الكوفة وأضاف إليهما خالداً القسري، فسجنهم عامل الكوفة، وأمر بتعذيبهم حتى ماتوا جميعاً في يوم واحد من شهر المحرم سنة 126.
ثم وليها في خلافة يزيد بن الوليد عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك (8) .
أبو حمزة الخارجي: وفي عهد عبد الواحد بن سليمان هاجم مكة أبو حمزة الخارجي في ذي الحجة من عام 129 وكان في جيش كثيف لم يستطع عبد الواحد مواجهته ففر في يوم الأضحى إلى المدينة وترك أبا حمزة يعبث في مكة ويستولي عليها.
وأبو حمزة رجل من شيعة علي اسمه المختار بن عوف كان من حضرموت وكان يصاحب الحاج في المواسم عدة سنوات داعياً فيهم إلى الخروج على طاعة الأمويين وقد لقي عبد الله بن يحيى الكندي في مكة، وكان يدعو إلى نفسه وقد لقبوه بطالب الحق فحسن له أبو حمزة الشخوص معه إلى حضرموت وهناك بايعه وقومه على القتال ضد الأمويين ومن ثم ثاروا على عامل الأمويين في حضرموت وصنعاء واستولوا عليها.
ثم زحف أبو حمزة بجيشه إلى مكة فاستولى عليها في ذي الحجة عام 129هـ بعد أن فرّ عاملها عبد الواحد إلى المدينة، ثم زحف إلى المدينة، فقابله عبد الواحد في طريقها، فقاتله وهزمه أبو حمزة، واستمر في زحفه حتى استولى على المدينة في عام 130هـ ثم سار إلى الشام لقتال الأمويين، فأرسل إليه مروان جيشاً هزمه واستعاد منه المدينة، ثم تراجع أبو حمزة إلى مكة، فحصره جيش الأمويين في وادي القُرى (9) قريباً من خيبر، فقتله واستولى على مكة (10) .
وينقل الفاسي (11) عن الذهبي أن الأمويين عندما هزموا جيش أبي حمزة في وادي القرى فر أبو حمزة في بعض جيشه إلى مكة فأدركوه فيها وتقدم بعض الخيالة فحاصروه من ناحية المسفلة، كما حاصره فريق آخر من جهة المعلاة فلم يجد منفذاً للفرار وقتل من يومه بعد أن دافع عن نفسه دفاع المستميت.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :444  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 32 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.