(( كلمة الأستاذ حمد القاضي ))
|
ولسعادة الأستاذ حمد القاضي الكاتب والأديب المعروف، ورئيس تحرير المجلة العربية هذه الكلمة: |
بسم الله الرحمن الرحيم
|
رب أشرح لي صدري. ويسِّر لي أمري. وأحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي. وبعد: |
· أيها المحتفي.. أيها المحتفى به.. أيها الجمع الحبيب.. |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: |
أحييكم تحيةً من رياض الخير إلى جدة الحب، تحية فيها من صبا نجد رائحتُه، وفيها من جدةَ عبَقُ بحْرِها، وبعد: |
دعوني أتحدث في كلمتي هذه المختصرة عن "أشخاص لا عن شخص واحد هو المحتفى به". |
·( أما الأول: فأنا أبدأ به وأتحدث عنه بكلمات مختصرة حيث أن هذه الليلة المباركة أعادتني إلى آخر لقاء به في هذا المكان قبل رحيله ذلكم هو أستاذنا الراحل (محمد حسين زيدان) كأنه أمامي وأمامكم - رحمه الله - يتحدث بصوته المميز، وبألفاظه الشاعرية، وقبل ذلك وبعده بفيض حبه الكبير، "لو يردّ القضاء لانتصب الحب سياجاً فما استطاع الحِمام"- كما يقول الشاعر -. |
لا أريد أن أنساق مع عاطفتي، لكنني أتحدث عن هذا الغالي وقد رحل إلى الحياة الأخرى، من أجل أن ندعو له بالرحمة والغفران وأسأل الله أن يجمعنا به وإياكم، في جنات ونهر، في مقعد صدق، عند مليك مقتدر. |
* * * |
·( أما الشخص الثاني فهو هذا الرجل الحبيب الذي يكرِّم الناس بجميل خلقه، قبل وافر كرمه صاحب هذه الدار الأستاذ الفاضل "عبد المقصود خوجه" الذي أصبح مقصداً للوفاء، ومنزله مقصوداً لكرماء الرجال.. إنه نبيل في وطن النبلاء. |
"وكل امرئ يولي الجميل محبَّب |
وكل مكان ينبت العزَّ طيب" |
|
|
إنه لا يعرف الفضل إلا أولو الفضل، وهذا الرجل يعرف فضل الرجال فهو يكرمك ويشعرك أنك أنت الذي تكرِّمه.. إنه، يذكرك بجواد من رجال العرب "هرم بن سنان" قال عنه الشاعر زهير ين أبي سلمى |
"تراه إذا ما جئته متهلِّلا |
كأنك تعطيه الذي أنت سائلُهْ" |
|
|
ولا أريد أن أسترسل في الحديث عن هذا الرجل فهو يستحق هذا الحديث وأكثر، ومعذرةً فإني من قوم يقول شاعرهم: |
"وإني لتطربني الخلالُ كريمةً |
طرَبَ الغريب بأوبةٍ وتلاقي" |
|
|
وهذا الرجل - أشهد لله - أنَّه تطربني خصاله ومكارمه. |
* * * |
·( وأما الشخص الثالث: فهو شخص أعتقد أنكم عرفتموه من خلال وفائه لأحبابه.. فهو رغم عمره الثمانين فإنه أكثر من كثير منا تحمَّلاً للتعب من أجل هذا الوفاء.. ذلكم هو المربي الكبير "الشيخ عثمان الصالح" الذي طالما رأيتموه على هذا المنبر قادماً من الرياض للإسهام في تكريم أديب، أو تقدير عزيز.. وهذا شأن هذا الرجل يزرع الحب بين الناس، فذاك صديق يسافر له من أجل تهنئته، وذلك قريب يرحل له من أجل عزائه، وهذا أديب يتحمل الصعاب من أجل تقديره.. ولعل الله بارك في عمره وصحته من أجل هذه الخصال الحميدة. |
وهو في الرياض له "اثنينيته" التي يلتقي بها مع الأدباء والأحبة يستقبلهم بوجهه الصبوح، ويكرِّمهم بمحيِّاه البشوش. |
إنه رجل لا يعرف الفحشاء من القول؛ بل هو رجل ينثر كلمات المحبة كاتباً في صحيفة أو متحدثاً في حفل، أو ملتقياً بإنسان.. فليحفظه الله وليحفظ له. |
* * * |
·( أما الرجل الرابع فهو: هذا الرجل المحتفىَ به..! |
الأستاذ عبد الله بن حمد القرعاوي. |
الذي هو عنوان للعصامية والحب والوفاء.. ولعل هذه محاور حياته الزاهية التي عاش لها ومن أجلها ومن خلال هذه المحاور المضيئة سوف يكون حديثي المختصر عنه..! |
أما "عصاميته" فهو كما قلت عنه في مقدمة ذكرياته الماتعة التي تنشرها "المجلة العربية". |
"إنه من جيل لم يغرف من بحر. |
بل نحت طريقه في الصخر.. وشقَّ طموحه بين ركام الحجر.! |
على مدى أكثر من ثلث قرن عاشها هذا الرجل طالباً ومغترباً وشاعراً وموظفاً ومسؤولاً إدارياً كبيراً وعلماً صحفياً بارزاً وأخيراً واحداً من أعضاء مجلس الشورى. رحلة ممتدة ما بين عنيزة ومكة المكرمة ومصر وأمريكا والرياض. ومرحلة عملية طويلة موظفاً بوزارة العمل إلى مدير إداري بجامعة الملك سعود، إلى وكيل لوزارة الصناعة، إلى عضو مجلس الشورى، وإلى جانب ذلك مديراً عاماً لإحدى كبريات المؤسسات الصحفية بالمملكة. |
وقبل ذلك وبعده هو شاعر من أوائل الشعراء في بلادنا، وهو كاتب أسهم ويسهم على مدى أكثر من 40 عاماً في الكتابة". |
وإنه من الصعب أن أتحدث عن كل جوانب هذه العصامية.. لكن أورد شاهداً عليها.. فعندما مات والده وهو طفل صغير تولت تربيته والدته، وقد كانت أماً مثاليةً فقد تركت كل الخطّاب- رحمها الله - وهي الأرملة الشابة، وعاشت من أجل تربية أبنائها.. لقد عاش يتيماً لكنَّ ذلك لم يحدّ من طموحه، فقد درس دراسته الأولية في مسقط رأسه "عنيزة"، ثم سافر مع والدته وإخوته إلى مكة بمساعدة خالهم والد معالي د. عبد العزيز الخويطر، من أجل أن يكمل دراسته الثانوية ثم إلى مصر للدراسة الجامعية وكان من أوائل المبتعثين الخريجين. |
·( أما المحور الآخر في حياته فهو "الحب" الذي يسكن قلبه كما يسكن حبر قلمه نحو الآخرين.. فما رأيته - طوال علاقتي معه - غاضباً، أو كارهاً، إنه شجرة تطرح ثمار المحبة دائماً. |
إن "عبد الله القرعاوي" المحتفى به هذه الليلة باقة ورد تنثر عبق الحب ولا تستطيع غير ذلك.. إنه حريص على ألا يرد ذا حاجةَ وكم وظف جاهه في شفاعة حسنة أو عمل خير. |
إن شعورَه وشعاره هو ما قاله الراحل عبد العزيز الرفاعي - رحمه الله -: |
"طوبى لمن جعل المحبة جدولاً |
فسقى أحبته فطاب وطابوا" |
|
|
وقد حصد - بحمد الله - ثمار هذا الحب في حياته فلا تجد له كارهاً.. بل كل الذين عملوا معه في مختلف مواقع المسؤوليات التي تقلدها يحتفظون له بعاطر الحب، وعامر الذكر.. إنه من الرجال الذين يذهب مكانهم لكن تبقى مكانتهم.. |
"وليس سوى صنع الجميل مخلِّداً |
وليس سوى الذكـرى تظَـُّل وتخصـبُ" |
|
|
كما قال ذلك الشاعر الحكيم. |
·( وأما المحور الأخير: فهو "الوفاء" الذي هو سمة من سماته، وسجية من سجاياه.. إنه وفيٌّ لعقيدته أولاً، ثم لوطنه ثانياً، ولإنسان هذا الوطن زميلاً أو صديقاً أو قريباً أو ضعيفاً، منذ عرفته ما رأيته تخلّى عن صديق يحتاج إليه، بل إني أعرف أن له أصدقاء باعدت بينه وبينهم الأيام ولكن عندما ينالهم مكروه أو يلجأون إليه في أمر فإنه يقف معهم وقفة الرجال، إنه - كما قال أبو تمام - في بيت شعر عظيم يصف فيه أغلى الأصدقاء: |
"بعيد عنك ما استغنيت عنه |
وطلاّع إليك مع الخطوب" |
|
|
وبعد..! |
لا أريد أن أطيل أكثر.. وإلا فالحديث عن الحب وعن من تحبه لا يحسن أن يكون مختصراً.. ولكن لا بد أن أدع للآخرين مساحةً من الوقت للتعبير عن وفائهم لهذا الرجل في ليلة من ليالي الوفاء. |
|
|