(( كلمة المحتفى به الشيخ عبد المحسن محمد التويجري ))
|
- أيها الأخوة نريد التكرم ممن يريد أن يسأل ضيفنا، أن يتلطف بكتابة سؤاله ونتمنى أن يكون سؤالاً واحداً ومختصراً، حتى نتيح الفرصة لأكبر عدد منكم.. الآن نستمع جميعاً لسعادة ضيفنا المربي والصحفي والكاتب الشيخ عبد المحسن بن محمد التويجري: |
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه، ثم إني قد جمعت وريقات في جيبي والآن تنازعني نفسي لعدم إخراجها والرضا من الغنيمة بالإياب، فماذا يكون حالي مع هؤلاء الإخوة الكرام وعلى رأسهم شيخي ووالدي وأستاذي عثمان الصالح، وغيره من الإخوة الحضور أعدِّ مِنْ وأتركُ منْ؟! |
إنني هنا في مأزق أسأل الله أن يعينني على الخروج منه سالماً سلامةً أدبيةً ومعنويةً، وإلا فكلنا أحباب وصحاب، ولكي أسترسل وأترك لنفسي العنان في الحديث المرتجل، كما فعل الدكتور سميي "عبد المحسن" فإني أُخرج هذه الوريقات وأسأل الله أن يعينكم على سماع ما فيها، فإن كان خيراً فهذا ما نتمناه، وإن كان قليل فائدة، مع شكري الجزيل للأستاذ عبد المقصود واثنينيته القديمة الجديدة، والتي تعتبر إبداعاً في المملكة كلها بطولها وعرضها شمالها وجنوبها، شرقها وغربها. |
وكما تعلمون لم توجد اثنينية بهذا المعنى، وبهذه المواصفات التي خطط لها هذا الرجل، الذي يبذل من نفسه وجهده وفكره الشيء الكثير؛ في سبيل تشجيع أبناء هذا البلد المنتمين للعلم والثقافة، كيف لا يكون ذلك منه؛ والشبل من ذاك الأسد، فوالده رحمه الله من أساطين الأدب والفكر والثقافة، من أمثال: "محمد سرور الصبان" و "شحاتة" و "العواد" و "الفقي" و "العطار" وغيرهم من أدباء هذه المنطقة القدامى والحاليين. |
إنني في الحقيقة يتصبب العرق من داخلي وليس خارج جسمي وهذه صعوبة، لو كان من خارج الجسم، لاستعملت هذا الذي أمامي وأزلته، ولكنه من الداخل أكرر أنني في موقف حرج، وقد كرمني الإخوة جزاهم الله خيراً بكلماتهم، وأضفوا عليَّ ثناءاً تستطيبه النفس البشرية، ولكن عندما يرجع الإنسان لوجدانه، وعقله الباطن، يجد أنه لا يستحق شيئاً من ذلك إطلاقاً، فسامح الله المحتفي وصاحب الاثنينية "البدعة الحسنة" إن صح هذا التعبير، ويؤجر عليها صاحبها، لأنه من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، فكل من حضر هذه الأمسيات والاثنينيات منذ بدأت من سنين طوال، وهم يدخلون ضمن هذا الحديث النبوي الشريف. |
وقبل أن أبدأ في الكلمة المحبرة، أكرر اعتذاري لأي تقصير، أو جنوح، أو جموح، أو خطأ، أو خطل يحصل مني، فما أنا بأديب ولكني "متأدب" ولست بكاتب، ولكنني "كويتب". وقد حاولت أن أقرض الشعر فأباني، ولكنني أتذوقه حينما يكون شعراً رصيناً قوياً، وأضرب مثلاً بالأستاذ الكبير أمد الله في حياته محمد حسن فقي، هذا من قممنا في وقتنا الحاضر. |
إخوتي.. أقول إنما أشكو بثي وحزني إلى الله، أنقل الآية الكريمة، ومن يتوكل على الله فهو حسبه، واصبر وما صبرك إلا بالله ما الذي جاء بي في هذه الأمسية؟ وكيف أطيقها وأتحملها؟ وأنا لست من فرسانها، والتعليم الذي أشار إليه الأساتذة، والتربية التي هم أهلها ما أنا إلا شخص بسيط، حاول بل إنه درس دراساته كلها في هذه المنطقة، فتعليمي حجازي ولا فخر، وقد تخرجت كما تقول السيرة الذاتية من كلية الشريعة بجوار الحرم، كنا نرى الكعبة في ذلك اليوم أما الآن فلا أثر لتلك الكلية، لأنها دخلت في توسيعات الحرم المتعاقبة. |
وكان بجانبنا صنوان أو مددان هما: المعهد العربي السعودي، وتحضير البعثات، التقينا مع طلبة المعهد السعودي في الكلية بعد أن جئنا من دار التوحيد، وحظيت تحضير البعثات بنصيب الأسد، فذهبوا إلى مصر وغيرها من البلدان، وأكملوا دراساتهم. أما نحن، وأذكر لشيخنا الجليل "محمد بن مانع" رحمه الله - مدير المعارف، آخر مدير للمعارف في هذه البلاد كما تعرفون - لما تولى خادم الحرمين الشريفين حالياً وزارة المعارف، كنا نحن طلبة الكلية في السنة الأخيرة، وقمنا بتكريمه في فندق مصر فندق جياد وليس في مكة غيره. في تلك الفترة، بعد وفاة الملك عبد العزيز رحمه الله بشهور، وتسلحنا ببعض القصائد والكلمات نريد التخصص في مصر، بعد أن حرمنا من الشهادة الجامعية هنا. |
وكان تفكيرنا أن الإنسان لا يمكن أن يتعلم إلا في مصر، وقال الشيخ محمد المانع، وخلاصة الكلمات كلها تدور حول ذلك، قال للأمير فهد في ذلك الوقت: "لا توافقهم على الذهاب إلى مصر، يلبسون بِدَلْ ويَفْسُدون"، هذه كلماته رحمه الله عن حسن نية وصدق. |
وأذكر أن وزير المعارف الأمير فهد قال ما معناه: إن البلد في حاجة إليهم، والذين يكملون الدراسات أجيال ستأتي بعدهم، وانتهى الأمر بأن وزعنا على بعض مناطق المملكة. كانت الدفعة الأولى سنة 72 أربعة عشر نفراً، وكنا الدفعة الثانية تسعة عشر طالباً، هذه بدايات عن تلك الفترة وأقفز قليلاً لئلا أطيل، عادةً الشيء يكون له مقدمة وموضوع ونتيجة، ومقدمتي شملت حوالي ثلاثين آية من القرآن الكريم اقتداءاً برسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه أُثر عنه أنه وقف على المنبر يوماً فقرأ سورة "ق" واكتفى بالخطبة ونزل صلى الله عليه وسلم، فهل بعد كتاب الله من وعظ؟ ألم يأت ذلك الأعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ (أنا تحولت من معلم إلى واعظ) فاقبلوني على علاتي، وأعان الله أسماعكم في هذه الليلة، وكما قلت مع شكري الجزيل لكم ولمن دل عليَّ ولي عتب على من وافق، أما الدال عليَّ فلا أستطيع التعليق ولا الحديث عنه، لأنه بمثابة.. ماذا أقول لئلا ينكشف الأمر كثيراً. |
هنالك آية كريمة تشغلني كثيراً سيأتي الحديث عنها، وأما الموضوع فهو من ثلاثة أمور. الأول: يتعلق بالتكريم ومعناه في القرآن الكريم، أيضاً من أساتذتي الشيخ محمد متولي الشعراوي أمد الله في عمره في مكة عام 71 و72 هجري، وكان يدرسنا أدب وبلاغة، ونهلنا من هذا الرجل اللغة العربية صافيةً، وكان نعم المربي والأستاذ العميق الذي كان الطالب منا لا يرضى أن يفوت منه شاردة ولا واردة من غير نقص أو عدم إشادة بالباقين، ولكن هو كما تعرفون الآن قمة في تفسير القرآن، وفهمه، وتصويره للناس، وتقديمه لهم في أطباق من ذهب وفضة، ليس الذهب والفضة المادية ولكن الذهب والفضة الكريمة معنوياً وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما سأل أصحابه: "من المفلس؟" قالوا يا رسول الله المفلس فينا من لا درهم له ولا دينار. هذا هو الفهم البشري، فقال صلى الله عليه وسلم: "ليس هذا أردت إنما المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وصدقة وغير ذلك من العبادات، ثم يأتي وقد شتم هذا وأكل مال هذا فيؤخذ من حسناته ويعطي لهم حتى تنفد، ثم يؤخذ من سيئاتهم وتطرح عليه ويطرح في النار". ويجوز رواية الحديث بالمعنى.. هذا هو الإفلاس الحقيقي.. |
أما أخونا الشيخ عبد المقصود رحم الله والده وجميع المسلمين، وأمد الله في عمر زميله الأستاذ عبد الله بلخير، عندما اجتمعا في تأليف ذلك الكتاب
(1)
، الذي قرأناه في الصبا وكدنا أن نحفظه عن ظهر قلب، هو وأمثاله من كتب الأولين السالفين، الذين يشرئب الإنسان عندما يقرأ لهم، فالأستاذ عبد المقصود ينفرد على مستوى المملكة - فيما أعلم - بهذا الأسلوب جزاه الله عني وعن غيري ممن سبقوني أو سيلحقون من بعدي خير الجزاء، وأجزل له المثوبة والعطاء وسامحه الله حيث حشرني في زمرة خيِّرة ونخبة ممتازة، يعلم الله أنني لست منهم في شيء وما مثلي ومثلهم إلا كما قال الشاعر: |
وتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم |
إن التشبه بالكرام فلاح |
|
|
نعم إني أحبهم وأحبكم، وأعشق الأدب الذي تنتمون إليه، والمرء مع من أحب، وهذا شفيعي لديكم كما أني أرجو وألحُّ في الرجاء بأن يؤدي كل منهم واجب الكتابة. التعليم عهدي به متقادم، منذ خرجت إلى المالية ثمانية وعشرين سنة، كان عهدي بالتعليم محدوداً، وليكن شيء من التصحيح لاتهامي بأنني من رجال التربية والتعليم، فقد خرجت عن هذا المجال مبكراً.. أرجو أن يؤدي كل منهم واجب الكتابة، ويقوم بأداء رسالة القلم خير أداء، كيف لا وقد أقسم الله بذلك في كتابه فقال سبحانه ن وَالَقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ بل إنه سبحانه أنزل على عبده ورسوله نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم أول ما أنزل قوله جل شأنه اقْرَأ بِاسمِ رَبِكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلقٍ. اقْرَأ وَرَبُكَ الأَكَرَمُ. الذَّي عَلَّمَ باِلْقَلَمِ. عَلَّمَ الإِنَسانَ مَا لَم يَعلَمْ عسى أن يعي الكتّاب، والشعراء، والمثقفون، والمفكرون، والإعلاميون، وأضغط على هذه الجملة الأخيرة (الإعلاميون) بمختلف فئاتهم، وتنوع ميولهم، وتعدد وسائلهم، وأهم من ذلك العلماء فقهاء الأمة، عسى أن يعي الجميع واجبهم ويقوموا بأداء الرسالة الجليلة المنوطة بهم على ضوء تلك الآيات الواضحات والمعجزات الباهرات إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مَسْؤُوَلاً
يَومَ تَشْهَدُ عَلَيِهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وأََيْدِيهِمْ وَأََرْجُلُهُم بِمَا كـَانُوا يَعْمَلُونَ، يا أَيُّهَا الذَّينَ ءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مـَا لاَ تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقتاً عِندَ الله أن تَقُولُوا مَا لاَ تَفعَلُونَ، وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَاَ حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَىَ اللهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفتَرُونَ عَلىَ اللهِ الكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ
قَوْلٌ مَعرُوفٌ وَمَغْفِرةٌ خَيْرٌ مِن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذىً
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةَ كَشَجَرةٍ طَيِّبِةٍ أَصْلُهَا ثَابِتُ وفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ. تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِين بِإذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرْوُنَ. وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ
يَا أَيُّهَا الَّذينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً. يُصْلِح لَكُمْ أعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ. وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً فينبغي أن نعي مثل هاتين الآيتين والتي قبلها في سورة الطارق والمزمل بالذات ما معنى كلمة فصل مثلاً؟ ما معنى كلمة قولاً ثقيلاً؟ إنها مسؤولية، إنها أمانة؛ إنه عبء كبير، إنه حمل ثقيل، إنه كلام فصل ليس بالهزل إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَىَ الَسَمَواَتِ وَالأَرْضِ وَالَجَبالَ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَملَهَا الإِنَسانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً. |
|
الأمر الثاني: يتعلق بالرجولة في القرآن، وهو منطلق من معنى التكريم في سورة يس كما سيأتي بيانه وكل امرئ ليس مستحقاً أن يوصف بالرجولة إلا كما ورد في كتاب الله. |
|
الأمر الثالث والأهم: هو العقيدة، والثبات على المبدأ، وهو الأساس المتين والركن الركين. |
أيها الاحباب نعود إلى الأمر الأول، فالله يقول في محكم التنزيل وَلَقَدْ كَرَّمنَا بَنِى أَدَمَ وَحَمَلنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِِيلاً ويقول سبحانه وَإذْ قَالَ رَبُكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةًً وكررت قصة سيدنا وأبينا آدم عليه السلام مع رمز الشر والطغيان إبليس لعنه الله في مواقع كثيرة من كتاب الله الكريم وقال سبحانه فَأَمَا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ. وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ. كَلاَ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ. وَلاَ تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ المِسْكِينِ. وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمَّاً. وَتُحِبُّونَ المَالَ حُبَّاً جَمَّاً. |
فليس الرغد في العيش والسعة في الرزق؛ دليل محبة الله، وليس التضييق في الرزق، والإعسار؛ دليل بغضه وإهانته، وقد يبتلى بالغنى استدراجاً وإمهالاً، وقد يبتلى بفقر إمتحاناً واختباراً، ولله في خلقه شئون، اللهم اجعلنا من الصابرين، وهنا تأتي الآية التي جمعت بين التكريم والرجولة؛ لتربط الأمر الأول بالثاني كما أشرت يقول الله في محكم كتابه وَجَاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرسَلِينَ. اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُم مُهْتَدُونَ. وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإلَيْهِ تُرَجْعُونَ. ءَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ ءَالِهَةً إِن يُرِدْنِ الَرَحْمَنُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونِ. إِنّيِ إِذاً لَّفيِ ضَلاَلٍِ مُّبِينٍ. إِنِّي ءَامَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ. قِيلَ ادْخُلِ الجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ. بِمَا غَفَرَ ليِ رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ المُكْرَمِينَ فأنظر كيف ينعكس قول هذا الرجل وفعله؛ على حاله المستقيمة بهذه النتيجة المشرفة، حينما قتله قومه؛ فأصبح شهيداً لعقيدته، ومات في سبيل مبدأه، وكان أن أكرمه الله بدخول الجنة وهذا قمة الإكرام من رب العالمين. |
وهنا ندلف إلى مواطن الرجولة في القرآن، ونمر بها مراً سريعاً فالله يقول: رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيِهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ وإِقَـامِِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكـَاةِ يَخَافُونَ يَوْمَاً تَتَقَلَّبُِ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ
لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىِ مِنْ أَوَّلِ يَومٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا واللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ
وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيِ اللهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِنَاتِ مِنْ رَّبِّكُمْ
رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً ونخلص من هذا إلى أن الرجولة في القرآن يقصد بها أمر عظيم، وإنها وصف مشرف لا يستحق أن يوصف به إلا أربابه ممن ذكر الله في تلك الآيات الكريمة التي سقناها وأمثالها.. أما بقية الناس فيمكن أن يقال إنهم ذكور، أو إنهم بنوا آدم أو أي صفة أخرى إلا الرجولة، بمعناها القرآني فتبقى أهلاً ووصفاً لأصحابها فقط وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. |
ثم يأتي الأمر الثالث والأهم، والذي يبنى الأمران الأولان عليه، وكل صفة جميلة وخلق حسن مرده إليه، إنه العقيدة، والمبدأ، والمثل العليا، والأخلاق الفاضلة، والصلاة والزكاة والصيام والحج، وأركان الإسلام الأربعة؛ لا يمكن إقامتها وأداؤها على الوجه الأكمل إلا بتحقيق التوحيد المتمثل في الشهادتين: لا إله إلا الله محمد رسول الله، حيث أنها الركن الأول من أركان الإسلام الخمسة، كما أن فعـل المأمورات، واجتناب المنهيات عـلى وجه العموم؛ ينبثق من تحقيقها وفهمها وإدراك مضمونها، فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك. |
ثم يأتي الختام كالآتي: فإمامنا وشفيعنا عند ربنا - بإذنه تعالى -، وحبيبنا وسيدنا سيد ولد آدم ولا فخر، كما يقول عن نفسه صلى الله عليه وسلم، والأنبياء قبله من لدن آدم ونوح إلى أفضلهم وأكملهم وإمامهم صلى الله عليه وسلم، جاؤوا بكلمة التوحيد؛ والإيمان بألا إله إلا الله واعتقادها بالجنان؛ ونطقها باللسان؛ وتطبيقها بالأركان؛ فهي الأساس والمرتكز؛ والقاعدة، وعليها يقوم البنيان وتلتحم الأمة، ويجتمع شملها، وتتوحد كلمتها. |
فالمفروض أن نُرسِّخ بقلوبنا هذه العقيدة في ضمائرنا وأرواحنا وأفكارنا وأنفسنا، وتنعكس على جوارحنا وحواسنا كلها، كلمة التوحيد؛ لا إله إلا الله في كل أحوالنا وأمورنا، ونوظف حياتنا كلها في سبيل الصالح العام، وخدمة الأمة والمجتمع كلٌ في مجاله وفي محيط عمله.. اللهم اجعلنا هداةً مهتدين؛ غير ضآلين ولا مضلين؛ سلماً لأوليائك؛ حرباً على أعدائك؛ نحب بحبك من أحبك واتبع رضاك، ونعادي بمعاداتك من عاداك وخالف أمرك وسلك نهجاً غير نهج رسولك محمد صلى الله عليه وسلم. |
ولا يفوتني أيها الأحباب قبل أن أختم حديثي بالإشارة إلى منعرجين مررت بهما في حياتي البسيطة المتواضعة من باب ذكر بعض تجارب خاضها ابن السبعين سنة الماثل أمامكم، وفيكم القضاة المنصفون، والمفكرون المعتدلون، والأدباء والإخوان المخلصون الذين لا أشك في توجيهاتهم القيمة، وملاحظاتهم السديدة حيث عرضت نفسي أمامهم بجلاء ووضوح، هما سمتان بارزتان في حياتي؛ ولعل هذه الصفة هي المنعرج الذي أستأذنكم في ذكر إلمامة مختصرة عنه. |
|
لقد جنت عليَّ الصراحة والمواجهة والوضوح والنقاء والطهر، وأكاد أقول؛ البراءة بأبهى معانيها، وأحلى صورها وأشهى مدلولاتها، ففي معترك الصحافة مثلاً الذي مضى عليَّ في التعامل معه حوالي نصف قرن تقريباً منذ نعومة أظفاري وعلى مستوى الدراسة الثانوية والعالية كنت أكتب في بعض الصحف والمجلات مثل "البلاد" السعودية ومجلة "قريش" و "اليمامة" وهنا يجدر بي إحقاقاً للحق، ووفاءاً بالعهد، أن أشيد بموقف الأستاذ عبد الله عريف رئيس تحرير جريدة "البلاد" السعودية، في أوائل السبعينات الهجرية، حين كان هو السبب الرئيسي الأول في دفعي لعالم الصحافة، وتوجيهي هذه الوجهة للمجتمع والحياة، وإذا تأخرت عن الكتابة عندما كنت طالباً في كلية الشريعة بمكة، ورآني "أبو نظارة" وهو لقب الأستاذ عبد الله عريف رحمه الله وقال لي بالحرف الواحد: "أين أنت يا محسن؟" وأجيب: "ليس عندي ما أقول"، فيكون جوابه: "أكتب ونحن نصلح لك" بكسر النون الأولى وفتح الثانية إلى آخر كلامه رحمه الله وجزاه خير الجزاء. |
|
وأما الثاني فكان: الشيخ "حمد الجاسر" حينما فتح لي مجلة "اليمامة"- أمد الله في عمره -، وهي أول مجلة أدبية تصدر في مدينة الرياض. |
|
وبعد ذلك استمرت علاقتي بالشيخ، حيث صدرت صحيفة "الرياض" بعد أن تحولت الصحافة إلى مؤسسات، وكنت من كتّابها الدائمين، وقبلها صحيفة "القصيم" قبل توقفها عن الصدور بعد صدور نظام المؤسسات، ومن العناوين التي كتبت دائما تحتها "من الأعماق" و "من الشباب إلى الشباب" وعنواني المفضل الذي عرفت به برهة من الزمن هو "هذه سبيلي" وإن كان قد سبقني إليه الأستاذ أحمد محمد جمال رحمه الله الكاتب الإسلامي المعروف، وشغلت بالكتابة في عدة صحف أخرى، وهناك نقطة ينبغي ذكرها وهي أنني لم أكن - والحمد لله - مسؤولاً عن التحرير في أية صحيفة أو مجلة على مدى عمري في الكتابة المقاربة لنصف قرن والحمد لله. |
كما أن معظم ما كتبته من وقتي ومرهون بالفترة التي قيل فيها، ولذلك فهو في رأيي لا يستحق التسجيل ولا الحفظ، أو ما يسمى بالتاريخ الذي درج عليه معظم الكتَّاب والصحفيين في عصرنا الحاضر. |
|
أيها الأحباب سبق أن قلت: إن الصراحة والصدق والوضوح قد سببت لي كثيراً من الإحراج في علاقتي بالآخرين، مما يضطرني أحياناً إلى الاعتذار لمن أقصده سواءاً في مجلس، أو منتدى، أو غير ذلك، حتى يفهم قصدي وينجلي له هدفي الذي يتسم بحسن النية، ونصاعة الطوية، وسلامة الصدر، ونظافة الضمير، ونقاء القلب، حيث لا أضمر لأحد شراً ولا أبيت له خططاً ولا ألوي على شيء. وهذا من باب الحديث عن النعمة وأما بنعمة ربك فحدث، وهو أيضاً من باب إقرار الحقيقة والواقع مجرداً من كل زيف وخداع وبهرج ورياء، ومن تتبع سيرتي الصحفية وكتاباتي المغرقة في القدم يتضح أنني أول واحد من أسرة آل التويجري الخ.. وكذلك الصحافة، وقد أطلت الحديث عن نفسي، "يهوى الثناء مبرز ومقصر"
(2)
وأنا من النوع الثاني يعلم الله، وحب الثناء من طبيعة الإنسان وفرصة للضعيف الفقير إلى الله تعالى، وهو متواري وبعيد عن الأنظار لولا بحث عنه ونقب ونبش بأساليبه الطيبة جزاه الله خيراً، وقدرني هذا التقدير الذي لا أستحقه فالله يجزيه عني خير الجزاء.. اللهم أجزه عني خير الجزاء يا أرحم الراحمين.. والكلمة الأخيرة أقول "لا يشكر الله من لا يشكر الناس" أو كما قال صلى الله عليه وسلم، صاحبنا المكرم الأستاذ عبد المقصود خوجه مهما أبديت له من الشكر والعرفان بالجميل لا أوفيه حقه، وما حالي معه إلا كما يقول الشاعر: |
ليت الكواكب تدنو لي فأنظمها |
عقـود مـدح فمـا أرضـى لـه كَلِـمُ |
|
|
ولكني أدعو له بالتوفيق والسداد، وأن يجزيه الله عني وعن أمثالي من الأدباء المغمورين والكتَّاب المنسيين خير الجزاء، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم "من صنع إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئوه؛ فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه".. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.. ومعذرةً من الاطالة. |
|