(4) |
استمع صاحبنا إلى قصتها، مأخوذاً بدقة الوصف، وعذوبة الألفاظ، وجمال التصوير، في روح صافية طغت عليها قوة الأداء والاعتداد بالنفس والثقة بها. |
تُرى، أجبَّارٌ من جبابرة الوادي تقمص هذا الصبا الفاتن؟!
|
أم هول من أهوال الليل المترعة بها أساطير عجائز القرى لبس هذه الحسناء؟
|
أم هو أمام لغز من ألغاز الحياة العجيبة؟؟
|
دارت كل هذه الخواطر برأسه، وهي تدلف أمامه متّجهة صوب الكهف، حتى إذا أشرفت برأسها إلى الوادي طرق سمعه صوت ينادي: ((
فكرة
)) وسمعها تجيب الصوت ملبية نداءه كأنها معنية به، فعلم أن اسمها (فكرة) وأن في الوادي مّن يناديها. |
فدار في نفسه أن يستكشف سرَّ مَن ينادي عنزته الضالة! وقبل أن يستوي للقيام، كانت تدور على نفسها وتتجه إليه بابتسامة رقيقة، مستأذنة في الانصراف إلى مَن يناديها. |
زاد الأمر في نظره غرابة.. إذن، في الوادي مَن يناديها باسمها وتلبيه، وقد بلغ مِن تهذيبها أن تستأذنه في الانصراف. وهذا الاستئذان تُرى ما معناه؟؟ |
أفي الأمر علاقة موطدة إلى الحد الذي يستدعيه الاستئذان؟ أم هو مجرد عادة لا أكثر اقتضتها تربيتها؟، ثم ما مدى فصالها؟ وهل تنصرف إلى رجعة؟ إن صُرَّتها دليل على ذلك، وإلاّ لماذا تتركها؟!
|
وأخيراً فما معنى العناية بكل هذا؟، وسواء فصلت إلى رجعة أو إلى غيرها فما علاقته بجميع هذا؟!
|
سأل نفسه هذا السؤال وأعاده عليها مرات، فلم يجد لديها جواباً. |
وشعر أنه في حاجة إلى تنسم الهواء عند مدخل الكهف، فاستوى قائماً، حتى إذا كان عند باب المدخل، أشرف برأسه على الأفق المترامي على مد بصره، تتخلله الأودية الكثيرة تلتوي فيها مروج حادة، وأدواح متشابكة على حفافيها. |
ودار ببصره فإذا بشاب مِن رعاة الغنم عن كثب مِن حاشية الوادي القريب، يقف في قطيع مِن الغنم، مترقباً وصول ((فكرة))، ونظر، فإذا ((فكرة)) في انطلاقها، تعدو متجهة صوبه، كأنها على موعد منه. |
وأطال النظر فإذا هما يتصافحان، ثم يأخذان الطريق إلى صخرة نائية في إحدى حفافي الوادي، تاركين القطيع يرعى على بُعد منهما! |
وطال مقامهما في نجوة مِن السبيل المطروق، فتسللت الأفكار إلى رأسه، وانتابته الوساوس في أمرها، ولم يدرِ بماذا يفسر كل هذه التصرّفات، أيرتاب في أمرها.. وهي مَن عَلِمَ شكيمتها ممّا سمع؟ أم يحمل هذا على البراءة وفلسفتها الخاصة في الحياة؟
|
وعنَّ له آخر الأمر أن يمضي في اعتبارها بريئة، وأن يتجه بنفسه إلى نجوتهما، كأنه ماضٍ إلى أمر عادي، فإذا قوبل بروح بريئة انتهت وساوسه على نحو مقبول، وإلاّ فقد كوَّن لنفسه رأياً، لا محلَّ فيه للالتواء والتأويل! |
|