شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(4)
((إذا استندت إلى وسادٍ:
مهرة.. تعدو
أحسُّكِ في ليالي البرد:
شمساً.. في دمي تشدو))!!
محمود درويش
يا طفلة قلبي:
ها أنذا أهرب من ضوضاء العالم.. أختبئ في أصداء قصيدة.
وفي كل ليلة أمارس طقوس العزلة -في بعدك عني- لأنفرد برموز فكر ونجوى:
أحاور أفلاطون.. وأعرف أن ((المدينة الفاضلة)) في هذا الزمان: خيال وخرافة!
وأراقص ((بياتريشه))/حبيبة ((ريلكه)).. فأراها ترقص بملل، وهي تختلس النظر من فوق كتفي إلى شخص آخر!
وأبكي مع ((قيس)).. على سوء ظن الناس اليوم بحبه وهم يقولون: لو تزوجا -قيس وليلى- لمات الحب!
وأرحل إلى حيث ((شهرزاد))، برؤية رجل غربي فنان هو: ((كورساكوف)).. بعيداً عن ((لا واقعية)) شهريار العربي!
لماذا كل هذا؟!
البارحة.. وصلتني رسالتك التي تردِّين فيها على أربع رسائل بعثتها إليك، ولم تصلني أصداؤها.
لا تفغري فاهك.. فأنا أعلم أنك لم تكتبي لي سطراً ولا كلمة.. وليست هناك امرأة أخرى كتبت لي باسمك!
لا.. فقط تخيلت أنك كتبت لي رسالة!!
وصلتني رسالتك المنتمية إلى أسرة: ((الذي يأتي.. ولا يأتي))!
وها أنذا -كما ترين- أعود إلى حيث بدأت.
لعلّني تجاوزت -بالفعل- الحد الفاصل بين الحلم، والواقع!
البارحة.. وصلتني رسالتك: لك العزَّة والمجد.
ومع رسالتك التي تخيلتها.. وجدت في صندوق بريدي: رسالة حقيقية من امرأة مفعمة بالوجد والولَه..تسألني فيها: لماذا لا ترد على رسائلي؟!!
حزنت.. وردَّدت بيت شِعْر شهير من زمن ((قيس)):
جُنِنَّا بليلى.. وهي جُنَّت بغيرنا
وأخرى بنا مجنونة.. لا نريدها!!
* * *
ثمة حاجة لديّ.. لأن أتشكَّل خارج الطقس طفلاً!
إنني أتقدم نحو الضوء.. أضع كلماتي فوق عينيّ، وأرسم خريطة البحر بكل أمواجه وحيتانه المفترسة.. بكل اللامدى في امتداده.
حاضر في الشوق -أنا- ولا أمطر..
متواجد على جناح طائر محلّق.. لا يستقر.
ليس لي دمع بعد الآن.. وظلي يتكسّر.
أتخطّف الفرح من كلمات عتيقة معتّقة من أزمان العشق.. تكدَّست في صدري!
يا امرأة الغمام.. أيتها ((الإنسان)) الذي أحب:
مساء التوحُّد يا سيدتي.. في هذا الليل/الافتتاح، الذي يتفتح فيه شوقي إليك حقلاً من أزهار الجنون الليلية، ويقرع طبوله داخل رأسي دونما توقف.
أتَّكىء على سياج الليل، في انتظار خيوط الفجر الذي لا بد أن يطلع.. وأنتظرك هذا العمر الليلي، المسائي، التوحُّدي.
حاولت أن أتجمَّع لأتوحَّد بطيفك.. هكذا أمضي عنك إليك، وأنت تتركين صوتك، متدفقاً في تموجات الهواء، وانسياب نهر النيل، و ((ابتسامتك)) تحتل تفاصيل خفقاتي، وتفاصيل الأشياء!
رغم عودة الصدى إليّ من رسائلي إليك بلا أصدائك.. سأُبقيك غامرة كالفرح، كُلّية كالحقيقة.. سأضرم النار في الوقت الذي يفصلني عنك.. فهو ذلك الوقت الذي سمّاه ((أدونيس)): وقت بين الرماد والورد.
سأنزع عنك أيام الرحيل.. فأنا ((إنسان)) عظيم بحبي.. وأنت ((إنسانة)) أكثر قدرة على تغليف حبي لك في احتوائك الذكي على حد السيف.
يا زهرة.. وسيف:
هل تدرين أية أنهار أنتخب داخل أحلامي.. لغيابك، لغيابي عنك؟
وهل تعلمين -يا حبيبتي- أن الحب ((مشروع جرح))؟!
فهل في صدرك موضع يحتمل طعنة حب؟!
وليس في صدري ((موضع)).. بلا طعنة حب، أنتِ أعظمها، وأقتلها.
لقد اخترقني حبك كنصل السيف.. شطرني نصفين كالصاعقة: نصف يحبك حتى الجنون وربما إهدار الكرامة أحياناً.. ونصف يتعذّب لأجل النصف الذي جُنّ!
أشتاق إليك.. حتى ووجهك يحتل ((بَرَدة)) عيني.
أفصلك الآن عن حزني.. حتى لا يغمرك نسياني!
* * *
تغضبين إذا لم أكتب لك.. وأنتظر ردك على ما قدمته إليكِ من بين أضلعي، وهو عميق، وكثير، وصادق.
وأحزن -في مقابل غضبك- وأنت لا تردّين على ما أكتبه لك.. وفرق كبير بين الغضب، والحزن.
لكنك مهما انتقلت إلى أماكن أخرى، فأنت ((تسكنينني)).. تُكوِّنين الإنسان في داخلي، ويصعب عليّ أن لا أذكر ((اللحظات)) الأجمل التي قرّبت بيننا!
لم تعطني امرأة -في لحظات- بالإحساس الذي كان في عطائك.. حتى وأنت تحبسين تدفق عاطفتك.
ولن تأتي امرأة بشبيه لذلك الإحساس الذي أروى ظمئي.
فكيف أتوقف عن النداء عليك، والكتابة إليك.. وقد صرت مكوّنات دمي، وأنفاسي، ونبضي.. أمدُّ يدي المرتجفة بوشم الزمان، كي تعطيني القليل القليل من خفقك الأبيض.
صرتُ أفكر فيك.. دون أن أفكر.
وصرتِ أنت الأبعاد لخواطري.. لأنك الأنثى التي لن تتكرر.
إذا كان قلبي ما زال مشحوناً لك بلهفة الجرح للمعجزة..
وإذا كان صدري ما زال مسكوناً بزلزال الرعشات الغامضة، كلما سعيت إلى ((تحضير)) صوتك عبر الهاتف.. وإذا كانت خلجاتي ما زالت محشورة بشهقة التوق إليك.. لمجرد أنني أنتظر طلوعك من جديد في عينيّ، وسكونك ((قريرة)) كقطة الشتاء في دفء أحضاني.. فإنني بذلك كله أحتفل بحصارك لي كل ليلة، وحضورك هذا الممدود في واقعي على طول الليل، وعرضه، وعمقه.
لا شيء يقدر أن يتحول إلى فراغ.. طالما بقيت أنت، عمار الحب في قلبي.
كما يرحل القارب المثقل بحمولته فوق موج مجنون.. أحمل أغنيتي، وأكبر في الموج.
* * *
يا أنثى النبض:
قال شاعر مجنون، من غير العالم العربي بالطبع:
- ((ها أنذا أحشد الزهور، وأستنفر الشجر، وأحب وأحيا، وأولد في كلماتي، وفي كل نظرة دافئة من عينيّ حبيبتي.
ها أنذا أشحذ الساعة البطيئة.. أهمز عقاربها، أنخسها.. أتيح للبحر أن يتنهّد ويرقص في حدقتي وضلوعي، ثم.. أمضي، ليس لي غير أحزاني الطويلة))!
وها أنذا مثله: أمضي بهذه الأحزان الطويلة.. لم يعد لي أول قبلك، وليس لي آخر بعدك!
أحتاجك.. كما أحتاج إلى نبضي، والدماء في وريدي.
أحتاجك.. احتياجي إلى النور، والحس.
أحتاجك.. كما لم أحتج ((أمي)) من قبل.
أريدك بجانبي، ولا غيرك: دفئي وأمان نفسي.
إنني متعب، مكسور.. أفارق نفسي، وأعيد السؤال المفعم بالحزن:
- ما بال أحلامي تُغتال.. في الحب، وفي العمل؟!
هل لأن البعض يستهين بالأحلام، أو يعبث بها، أم.. يخاف منها؟!
أم لأن عصرنا الذي نعيشه ولا نحياه.. قزم أمام الحلم.. بارد؟!
أحلامي كقوس قزح.. لا ترهق بل تلوّن أبعاد الكون وجهات الدنيا الأربع.
أحلامي -حبيبتي- كجناحيّ نورس.. شديدة البياض، حزنها في تحليقها الدائم الذي لا يهدأ.
أحتاجك.. لأضع رأسي المتعب على صدرك، و.. أنام، أنام، حتى الموت!
* * *
تنبَّهت قبل يومين، بعد أن أنهيت محادثة هاتفية، أنني كتبت على ورقة أمامي، اسمك.. سبع مرات!
عرفت أن نفسي تاقت إليك، ولكنها عجزت أن تنبثَّ في وريدك مع دماكِ.
كأنكِ دخلت إلى عمري المتبقي هذا، لتكوني وحدك في احتفال أشواقي ووجداني بهذه المعاني:
- خلق الله الدنيا في سبعة أيام.
- أيام الأسبوع: سبعة.
- الطواف حول الكعبة: سبعة أشواط.. مثلما هو السعي ما بين الصفا والمروة: سبعة!
- إقامتي في بلدك -غالباً- لا تزيد عن سبعة أيام.
كأني -إذن- أطوف حولك، أو كأنك طوافي وسعيي.. كأنك ((دنياي)) التي خلقها الله في سبعة أيام!!
لعلّك تضحكين لهذه الخاطرة.. لكنها بالنسبة لي هي المؤشر على شيء!!
إذن.. هذا ((دمي))، يعاود الكتابة إليك.
سأكون مولوداً من جديد.. عندما ألقاك.
هذا ((دمي)) مسفوحاً تحت قوائم عرشك في قلبي.. يمتزج به شوقي المجنون إليك.
صرتُ أعاني اليوم من مجنونيْن في داخلي: دمي، وشوقي إليك!
دائماً.. تطير بي أنغام الفرح الهاربة من خلال صوتك، حتى تسيطر على خيالي، وترويه، وتنعشه.
صدقيني.. وخذي هذا ((الصدق)) مني إلى حضنك مثل طفلك الأول الذي سيبكي لأنه سيفارق رحمك، وستتلقفه هذه الدنيا المزدحمة.
كم يرتمي ذوبي على زحام خطاي الراحلة إليك أبداً.
لم أعد أقول: أحبك..
أقول: أحيا بك!!
طباعة

تعليق

 القراءات :663  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 105 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.