(20) |
استيقظت ((ليال)) على وحشة البيت.. وبادرت تفتش أرجاءه وغرفه بحثاً عن زوجها ((حازم)) دون جدوى.. لم تعثر على أثر! |
هرعت إلى الهاتف لتبلغ الخبر إلى خالها.. ولكنها لم تكمل أرقام هاتف خالها، فقد قرع جرس باب الشقة، ورمت سماعة الهاتف وركضت تفتح الباب ظناً منها أن زوجها قد عاد. |
وفاجأها أمام الباب وهي بملابس النوم، وجه صاحب العمارة، الذي أخذ يُحدّق في جسدها وكأنه يتلمّظ.. وهي في ذهولها تنبهت فجأة إلى نظراته المفترسة، فأغلقت الباب وسألته من ورائه عن بغيته؟! |
- أجابها بصوته الأجش و.. المتلمظ عليها بعد أن رآها: أريد من زوجك أن يدفع إيجار الشهور الستة، فقد صبرت عليه كثيراً، ولديكم مهلة إلى نهاية الشهر، وإلاّ.. فلا تلوميني يا ست الكل إن رميت أثاث بيتكم في الشارع. |
- قالت له: أنت رجل كريم، وزوجي مريض.. فاصبر علينا قليلاً جزاك الله خيراً. |
- قال: صبرت الكثير، وزوجك يُهدر فلوسه في المخدرات ويستلف.. لقد سألت عنه! |
وصمت قليلاً.. ثم قال لها بصوت خفيض. |
- لا بأس.. أصبر إذا.. |
- قالت: إذا إيه؟! |
- قال: يعني.. إذا صرنا أصحاب. |
بكت ((ليال)).. ومن وراء دموعها قالت له: |
- إذهب حالاً.. أنت آدمي بلا ضمير! |
* * * |
- رمت جسدها داخل الكنبة.. وهي تجهش بالبكاء/النحيب. |
إذن.. لقد بلغت حياتها مرحلة الرُّخْص.. تكاثرت الكلاب حولها تريد أن تنهشها، وزوجها سادر في المخدرات.. ضائع ويُضيّعها معه! |
رفعت رأسها إلى أعلى تناجي ربها في لمعة الدموع بعينيها.. وقالت: |
- يا رب.. هل هذا قدري عندك وأنت أرحم الراحمين؟! |
انتزعها رنين الهاتف من تبتُّلها.. وجاءها صوت ((خالها)) يسأل عن موعد رحلة ((حازم)) إلى الرياض. |
بكت ((ليال)).. وهي تقص على خالها أحداث هذا الصباح، منذ استيقظت ولم تجد زوجها. قالت لخالها: |
- اتصلت به عند أصدقائه الذين أعرف أرقام هواتفهم.. وجواله لا يجيب، فماذا أفعل يا خالي؟! |
هدأ ((خالها)) من روعها، وأخبرها أنه قادم إليها ليفكرا معاً. |
ولم تهدأ ((ليال)).. وقد تكرّس الخوف في أعماقها من صاحب العمارة الذي رأت في عينيه اشتهاءه لها.. فقد يكون لديه مفتاح طبق الأصل فيدخل عليها ليغتصبها. |
قامت وأغلقت باب الشقة بالمفتاح الذي تركته في القفل حتى يتعذر على مَنْ يحاول إدخال مفتاح من الخارج. |
لم تشعر أنها وحيدة تكتنفها الوحشة والخوف.. كما هذه اللحظات التي صارت فيها تطوف أرجاء الشقة حائرة، وجلة، قلقة على زوجها.. خائفة على نفسها! |
الصبر يا ((ليال)).. لا بد من احتمال هذا الابتلاء حتى تجتاز أزمة عمرها كله. |
بعض عنف أخذ يجتاحها وهي تفكر لو عاد ((حازم)).. ستثور في وجهه.. ستطلب الطلاق، فالحياة معه صارت لا تُحتمل. |
تدخل غرفة نومها وهي تجيل النظر في أنحائها.. ترتسم على شفتيها ابتسامة ساخرة، وهي تهمس لنفسها كمجنون: |
- هيه.. غرفة نوم!!.. أين هو النوم؟! |
حقاً غرفة نوم و.. حازم لم ينم بجانبها منذ شهور، حتى لم يحضنها.. لو فكَّر الآن أن يأخذها إلى صدره لربما تفزع، فقد نسيت أنه زوجها وأليفها.. ربما تشعر به رجلاً غريباً عنها، ولا بد أن تجفل منه! |
طالعتها المرآة الكبيرة.. اقتربت أمامها وأخذت تتحسس وجهها: ما باله بهذا الضمور، والصفرة.. وجهها الذي كان ينضح دماً وشباباً ونضرة.. ها هو: منطفئ، لا.. بل كالح، أمسكت بأرنبة أنفها.. لعلّها متورمة قليلاً، ربما من كثرة ما تبكي وتفرك هذا الأنف. |
جسدها.. آهٍ، مانيكان، ولكن كأنه بلاستيك في فترينة يعرضون عليه الفساتين للبيع. |
معذور صاحب العمارة.. واجهه صدرها الناهد من وراء القميص فاهتزت أطرافه.. وزوجها/حازم: أمامه هذا الجمال ولا يلتفت إليه وهو حلاله.. بل ربما لا يراه من كثرة تعاطيه المخدرات التي تسلب من المدمن عليها أي إحساس بالجمال، وأي تذوق، وأي شعور.. إنه عَبْد للاستنشاق أو لحقنة. |
أعطت المرآة مؤخرها.. حتى (هذه) مستنفرة، ولكن.. |
- أين حازم.. هل سقط في الشارع.. هل صدمته سيارة.. هل مات بحقنة؟! |
صرخت بكل هذه الأسئلة.. وكل جدران الشقة ترد صرخاتها إليها كالرصاصات المنطلقة من سلاح فاسد! |
* * * |
- دوى صوت جرس البيت.. توقفت لحظات متوجسة، ربما عاد صاحب العمارة. |
اقتربت من الباب، وسألت: من الطارق؟! |
- أجابها صوت خالها: أنا يا ليال.. افتحي. |
وفاجأه وجهها المخطوف إلى الاصفرار، وقد ارتمت على صدره تبكي. |
حكت له كل ما تصرف به صاحب العمارة.. فطلب منها أن تقوم لتجمع ملابسها، تصاحبه إلى بيته.. الأكثر أماناً، حتى يظهر ((حازم)). |
وبنظرات فاض منها الحنين.. جالت في أنحاء البيت، كأنها تودعه لآخر مرة، أنهت ((ليال)) ترتيب حقيبة ملابسها وأكسسواراتها وذهبها.. وحمل خالها الحقيبة إلى سيارته.. و ((ليال)) تتعثر بخطواتها من كثافة دموعها! |
|