شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(19)
سمعت ((ليال)) جرس الباب غريباً.. يرن متلاحقاً.
خرجت من المطبخ تهرول، تتوجس خيفة، وهي تسأل من خلف الباب:
- من وراء الباب؟!
سمعت صوت ((حازم)) واهناً، ضعيفاً.. يرجوها أن تفتح بسرعة.
تلقفته بين ذراعيها، وهو يكاد أن يتهاوى.. وساندته بكل ما يحتمله جسدها النحيل، حتى وضعته على السرير.. والدموع تسيل من عينيها.
- قال لها: أرجوك.. افتحي جهاز التكييف، واتركيني أنام.
- قالت: جهاز التكييف مفتوح، ماذا بك.. هل أحضر لك طبيباً؟!
لم يجبها. استغرق في نوم.. كأنه في إغماءة.
ذرعت غرفة النوم، وأرجاء البيت بعد ذلك.. تدعك كفيها، عاجزة عن فعل أي تصرف.
خافت أن يموت ((حازم)) أمامها.. وهي تقف بهذا العجز.
فكرت أن تهاتف خالها.. لكنه في هذا الوقت خارج البيت.
إذن.. لا بد أن تبلغ والده ليتصرف.
عادت إلى غرفة النوم.. تحدق في وجهه.. تتلمس أطرافه. وجدتها دافئة، ونبضه طبيعي.
خرجت إلى الصالة.. طلبت خالها بالهاتف، وهي تعرف أنه لن يرد، لعدم وجوده.
أقفلت الهاتف.. وبقيت في مكانها تبكي.
في داخل مقعد بالصالة أغفت من تعب البكاء.
لا تدري.. إنها أمضت أكثر من ثلاث ساعات في مكانها نائمة.
إنها لا تنام في الليل بجانب ((حازم)).
تنتظر عودته المتأخرة، حتى يعود، لتسأله إن كان يريد عشاء، ثم تبقى مشرعة أجفانها بجانبه، وهو يغط في نومه.. تتطلع إلى وجهه تارة، و.. تخاف أن يقوم، ويرتكب حماقة بفعل ما يتعاطاه.
حتى العلاقة الزوجية بينهما صارت تنفر منها بسبب عنف معاملته لها أثناءها.
ثلاث ساعات مضت وهي نائمة في الصالة..
ترى.. ماذا حدث له في هذه الأثناء؟!
فتحت الباب، وأطلّت عليه، اقتربت منه تتحسس جسمه.
فوجئت به يفتح عينيه، وينظر إليها. قالت:
- هل أنت بخير الآن؟!
- قال: إنني جوعان جداً.. هل لديك أكل؟!
ابتسمت. تهاوت بجانب السرير، واحتضنته، وهي تقول:
- الحمد لله على سلامتك.
- قال: وماذا حدث.. إنني لم أمت.
- قالت: ظننتك ستموت، وحينذاك ستسودّ الحياة كلها في نظري.. أنا أحبك، ولا أريد أن أفقدك.
استوى جالساً على السرير. احتضنها، وهو يبتسم، وقال:
- قلت لك إنني جائع.. أين أكلك الشهي؟!!
* * *
جلست تتأمله وهو يأكل بنهم..
لم تجد في نفسها الرغبة للأكل.. كانت تُحدِّق في هذا المخلوق الذي لم تره يأكل بمثل هذه الشراهة، وكأنها تشاهده لأول مرة.
- قال: أريد منك شاياً أخضر.
- قالت: حالاً.. إغسل يديك وفمك وستجده جاهزاً.
التصقت به، وهي تناوله فنجان الشاي.. ترسم ابتسامة حب على شفتيها.
- قال لها: ماذا حصل لك.. أراك اليوم تحبينني بشغف؟!
- قالت: منذ أن تعارفنا واتفقنا على الزواج، وأنا أحبك، ويزداد حبي لك في كل يوم، ولكن..
- قال: ولكن.. ماذا؟!
- قالت: إنني زوجتك، وحبيبتك التي اخترتها وصممت عليها من دون سائر البنات.. فلماذا لا تصارحني؟!
- سألها: بماذا أصارحك؟!
- قالت له: من دون انفعال وغضب.. احكِ لي كيف تورطت، وسقطت في هذا الإدمان اللعين؟!
((حازم)).. تأكد أنني أحبك، وأخاف عليك، وأخاف على بيتنا الجميل هذا.. وأحلم بأطفال منك نملأ بهم الحياة، ونعمق حبنا.
طأطأ رأسه، وأخذ يعبث بفنجان الشاي.
تركته يستغرق دقائق في صمته.. حتى رفع رأسه، ونظر إلى وجهها.. ثم احتضنها بقوة.. وقال:
- كانت شلة أصحابي من الذين لم أشك يوماً في سوء سلوكهم، لأنهم من أسر ميسورة، وغنية، ومترفة.. ولم يكن أي واحد من آبائنا يسألنا ماذا نفعل، وأين نذهب، ولماذا نتأخر عن البيت.
مع كل واحد سيارة فارهة، وفي جيبه تخمة من الفلوس.
مرة.. كنا نتجمع في الساحة العريضة من الشارع أمام مدرستنا، وتراهنّا على السباق بالسيارات، وكانت النتيجة أن اثنين منا تصادما، نقلا إلى المستشفى، ومات أحدهما.
في مرة أخرى.. كنت أستعرض بسيارتي في تلك الساحة الواسعة، وأثير الغبار، ويصفقون لي.. ولم أدر في تلك اللحظة المغرور فيها، إلاّ وأنا أقفز بسيارتي فوق الرصيف.. وكان يعبره حينذاك طالب من المرحلة الابتدائية في حوالي العاشرة.. ضربته مقدمة سيارتي، والتقمه الرصيف، وارتطم رأسه به، فنقلوه إلى المستشفى، غرفة الإنعاش، يعاني من ارتجاج في المخ، ونزيف.
- وهل مات أيضاً؟!
- حياته ليست أفضل من موته.. فقد كان من الأذكياء، وتحول بليداً.
والغريب.. أن والدي في يوم الحادث، وحجزي في إدارة المرور.. ذهب إلى هناك يصرخ ويحتج، ويطالب بإطلاق سراحي، لأن عندي في اليوم التالي امتحاناً.
- وقال له الضابط: ابنك سيخسر الامتحان، ولكن المصاب قد يخسر حياته، وإذا لطف به الله، فسوف يعاني من نتائج الارتجاج في الدماغ!
- قالت: ها.. أكمل!
- قال: هذا مثال على التفريط في التربية. طبعاً.. واصلت ((الشلة)) لامبالاتها، و.. عرفت معهم لأول مرة ((الحشيش)).. كنت آخذه بين فترة وأخرى حين يتوفر.
- قالت: ومن يوفره لكم؟!
- قال: عرفته في البدء من خلال رحلاتي.. جربته، حتى أدمنته، فصرت أبحث عنه، وأصرف عليه مبالغ طائلة.
بعد ذلك.. بحثنا عن كل الأصناف من المخدرات بحجة أننا نريد أن نجربها فقط.. وفيها أنواع يدمن عليها المرء من أول حقنة، أو من أول شمة.
إن أبي لا يبخل عليَّ من ماله.. كل ما أطلبه، وأكثر، ولكني صرت أتمنى الآن لو أنه صرخ في وجهي. لو امتنع عن إرغادي بالفلوس.. لو حاسبني، وضربني.
ماذا أقول لك.. إنني الآن مريض، وعاجز عن الإقلاع عن المخدرات.
- قالت: اذهب إلى المستشفيات المتخصصة.. إنها سرية في تعاملها مع المريض.. المهم رغبتك في العلاج. إنك تتحطم، وتحطمني معك. و.. ستحطم ابنك القادم.
قفز من مجلسه، وجلس أمامها على ركبتيه صارخاً:
- حقاً.. هل أنت حامل؟!
- قالت: إذن.. ليس من أجلي، ولا من أجلك.. بل من أجل هذا البريء القادم!!
* * *
حكت ((لخالها)) في صباح اليوم التالي وهو يزورها، ما فعلته مع ((حازم)).
تمنت أن تكون ((خطتها)) في إعلان حملها تؤدي إلى نتيجة.
لقد وعدها ((حازم)).. أن يتجه في بداية الأسبوع القادم إلى المستشفى المخصص لتلقي مثل هذه الحالات، ويخضع فيه للعلاج.
أكد عليها أن لا تخبر والده، ولا أهله.. لكنه سيخبرهم بأنه يبحث عن عمل، وسيسافر إلى العاصمة مع مطلع الأسبوع، وقد يغيب هناك عدة أيام.. بينما ستبقى ((ليال)) مع خالها حتى يعود.. باعتباره وحيداً، وحزيناً -ما زال- على فقد أمه!
- قال خالها: وأنت.. ستزورينه بالطبع؟!
- قالت: لن أتركه.. ستذهب معي يا خالي.
- قال: أتمنى أن يكون صادقاً، وإيجابياً!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :471  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 141 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الرابع - ما نشر عن إصداراتها في الصحافة المحلية والعربية (2): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج