| (18) |
| فزعت ((ليال)) من اكتشاف حقيقة حبيبها ((حازم)) المدمن! |
| لقد تركها في فراغ ليلها وحدها.. تصارع أبشع الأفكار، وهجمات الخوف.. وهي تلمّ جسدها المرتعش بيديها النحيلتين.. وقد تكوّمت فوق سريرها مثل حطام. |
| تراها.. ماذا تفعل مع زوجها، حبيبها ((حازم))؟!! |
| هل تفكر في الحب الآن.. أم في المصير الذي يتربص بها في كنف زوج مدمن، لا بدّ أن يصرف ما يملكه على ((كيفه)) وإدمانه؟! |
| أسئلة.. كأنها حراب مسمومة، تُسدَّد إلى قلبها، وعقلها.. وتعصف بها الحيرة في عمق هذا الليل، المتروكة فيه وهي عصارة حيرة، وقلق، وخوف! |
| هل تذهب إلى ((خالها)) في الصباح.. لتصارحه بهذه الكارثة؟! |
| أم تطلب والدها بالهاتف.. وتصرخ في سمعه: أحضر حالاً.. فالأمر خطير؟! |
| والدها؟! |
| إنه لم يحاول الاتصال بها هاتفياً، بعد حفل الزفاف.. ليعرف أخبارها، ولو بمعنى المجاملة! |
| وأمها.. اكتفت بتهنئتها بالهاتف، وهي تبكي، وتخبرها أنّ زوجها منعها من السفر لحضور حفل زفافها، وهددها بالطلاق! |
| - لا.. بل ينبغي أن أهاتف في الصباح الباكر والده.. نعم، فهو الذي يقدر أن يفعل شيئاً إيجابياً لإنقاذ ابنه! |
| خاطبت نفسها في حوارها الداخلي، واضطرابها! |
| - ولكن.. قد يثور ((حازم)) حين يعرف أن أمره انكشف عند والده.. فيطلقني! |
| ليكن.. لن أعيش تحت سقف واحد مع مدمن.. قد يقتلني يوماً ما! |
| والحب يا ((ليال))؟!! |
| إنك تحبين ((حازم)) بكل جوارحك! |
| والعمل أيتها المسكينة، المحتارة؟!! |
| * * * |
| هدّها التفكير، وتعب السهر والقلق.. فأغفت ((ليال))، والدموع تحفر وجنتيها النضرتين! |
| ولكنها هبّت فزعة من نومها على صوت جرس باب الشقة الذي لم يتوقف رنينه بإصرار! |
| تعثّرت في قفزتها، ومشيتها نحو الباب.. لتقول بصوت وجل: |
| - من يقرع الجرس.. من أنت في هذا الليل المتأخر؟! |
| - أنا خالك يا ((ليال)).. افتحي! |
| نسيت معاناتها ومشكلتها.. وأخذت تحدق في وجه ((خالها)) وهو يقف أمامها والدموع تغطي عينيه! |
| - أمي.. جدتك يا ((ليال))! |
| تهاوت على صدر خالها تنشج.. |
| إنّها دموع الفقد على ((جدتها)) التي فارقت الحياة هذه الليلة.. والدموع الأكثر لسعاً على عذابها. |
| - قالت لخالها: لا بدّ أن أذهب معك الآن. دقائق لأرتدي ملابسي. |
| - قال خالها: وأين ((حازم))؟! |
| - قالت: غير موجود. |
| - سألها: وكيف تخرجين بدون إذنه.. وأين هو، مسافر؟! |
| في الطريق إلى بيت خالها.. أوجزت له كارثتها، وفي عيني كل منهما دموع لا تتوقف. |
| لم تعد تدري.. هل كان مناسباً أن تكشف لخالها سر زوجها، أم تكتمه؟! |
| لكن الموقف المفاجئ، والحزين.. سلبها التفكير، وحتى التردد في القول. |
| - قال لها خالها: لو جاء إلى البيت ولم يجدك.. ماذا تتوقعين أن يفعل؟! |
| - قالت: لا أدري.. ليكن أي شيء، لقد كتبت له ورقة بكلام مختصر ومضطرب عن وفاة جدتي. |
| * * * |
| توقعت ((ليال)) أن يحضر والدها للتعزية، ولكنه اكتفى بالهاتف، وإرسال برقية من مدينته التي يقيم فيها. |
| وجدت ((أمها)) أمامها.. طوال أيام العزاء الثلاثة. |
| ترددت.. هل تخبرها، أم تمتنع؟! |
| زوجها ((حازم)) جاء في بداية مساء اليوم التالي، وحضر العزاء مع الرجال، بصحبة والده. |
| وفي نهاية عزاء الليلة الأولى.. طلبها من مجلس النساء. |
| وجدته يقف في سلالم العمارة متجهماً، عبوساً.. |
| قدم لها العزاء، وهو يقول لها: |
| - وجدت ورقتك صباح اليوم. أقدر أحزانك وفقدك لجدتك، فهي التي كفلتك وربّتك.. ولذلك أتوقع أن يكون بقاؤك في بيت خالك طيلة ليالي العزاء للقيام بالواجب، وللوقوف بجانب خالك. |
| - قالت له: هل تريدني أن أعود إلى البيت؟! |
| - قال: إنه بيتك بالطبع، وسأكون مسروراً جداً. |
| - قالت: ولكن.. بشرط أن تفتح صدرك لي، وتدعنا نتناقش بصراحة في كل شيء. |
| - قال: ليس وقت الكلام الآن، تصبحين على خير! |
| فكرت طويلاً، وهي تكفكف أحزانها المضاعفة على جدتها، وعلى زوجها. |
| قررت أن تخفي كل شيء عن أمها.. فهي لا تقدر أن تقوم بأي شيء.. بالإضافة إلى سلبيتها الدائمة نحوها. |
| وفي آخر ليلة العزاء الأولى.. قالت لخالها: |
| - سأنام عندك هذه الليلة. |
| - قال: بل لا بد أن تعودي إلى زوجك، وتتفاهما. |
| - قالت: لن أتركك في الليلة الأولى بعد فراغ البيت وحدك. أمي سافرت، ولم تعد قادرة أن تقوم بدور الأخت لك.. إنها تخاف على أولادها ومن زوجها. |
| - قال: وماذا ستفعلين مع ((حازم))؟!! |
| - قالت: ذهني معطل يا خالي. كارثة رهيبة، لا أعرف كيف أواجهها.. فهل ترى معي أن أصارح والده بما عرفت؟! |
| - قال خالها: ربما كانت النتيجة أكثر سوءاً.. عليك، وعليه! |
| - قالت: فكرت في هذا أيضاً.. فبماذا تنصحني؟! |
| - قال: في الصباح.. آخذك إلى بيتك. خذي زوجك بالراحة. أعطيه من عندك أسباباً لانحرافه بدلاً من أن تهاجميه.. حتى تقدري على كسب إصغائه لك على الأقل، وحاولي أن تصوري له العواقب الوخيمة. |
| - قالت: وأنت.. ماذا تفعل وحدك في هذا البيت، بعد فقدك للمرحومة؟! |
| - قال: الله معنا جميعاً.. لقد تعوّدت على الوحدة، وتعرفين أن ((جدّتك)) يرحمها الله كانت عاجزة، وأكثر وقتها في الفترة الأخيرة إما نائمة، أو تصلي، أو صامتة.. كأنني وحدي. |
| - قالت: لا بدّ أن تفكر في شريكة لحياتك الآن يا خالي.. على الأقل تكون أنيساً لك! |
| - قال: اسكتي من فضلك.. ليس هذا وقته. وأنا رجل كبرت.. فمن هي التي ستقبل بي، وأنا في هذا العمر؟! |
| - قالت: هناك مثلك كثيرون وكثيرات.. أنت وافق. |
| * * * |
| في بيتها.. وجدت ((ليال)) الحياة باردة، بهذا الصمت الذي يستغرق فيه زوجها ((حازم)).. لا يريد أن يتكلم معها في أي شيء. |
| حاولت أن تهادنه، لتفسح مجالاً للحوار معه، ولكنه أقفل كل الأبواب. |
| يدخل إلى البيت صامتاً، وشبه مذهول.. يعيش في مناخات ما يتعاطاه، كإنسان مخدر، ولا يدري بما حوله. |
| ويخرج من البيت في بداية المساء.. وهو يرسم العبوس على وجهه. |
| ولم تعد ((ليال)) تطيق احتمال هذا الألم النفسي في داخلها. |
| هي الأخرى.. تبدو مشلولة التفكير، والتصرف.. تسدر في متاهات وأفكار تضاعف خوفها في كل يوم! |
| تحولت حياتها إلى جحيم يحرق صبرها، ويدمّر مشاعر الحب في قلبها نحو ((حازم))! |
| بكت بحرقة.. وهي تتفطر كل لحظة، وتتبعثر إلى أشلاء. |
| * * * |
|
|