شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(18)
فزعت ((ليال)) من اكتشاف حقيقة حبيبها ((حازم)) المدمن!
لقد تركها في فراغ ليلها وحدها.. تصارع أبشع الأفكار، وهجمات الخوف.. وهي تلمّ جسدها المرتعش بيديها النحيلتين.. وقد تكوّمت فوق سريرها مثل حطام.
تراها.. ماذا تفعل مع زوجها، حبيبها ((حازم))؟!!
هل تفكر في الحب الآن.. أم في المصير الذي يتربص بها في كنف زوج مدمن، لا بدّ أن يصرف ما يملكه على ((كيفه)) وإدمانه؟!
أسئلة.. كأنها حراب مسمومة، تُسدَّد إلى قلبها، وعقلها.. وتعصف بها الحيرة في عمق هذا الليل، المتروكة فيه وهي عصارة حيرة، وقلق، وخوف!
هل تذهب إلى ((خالها)) في الصباح.. لتصارحه بهذه الكارثة؟!
أم تطلب والدها بالهاتف.. وتصرخ في سمعه: أحضر حالاً.. فالأمر خطير؟!
والدها؟!
إنه لم يحاول الاتصال بها هاتفياً، بعد حفل الزفاف.. ليعرف أخبارها، ولو بمعنى المجاملة!
وأمها.. اكتفت بتهنئتها بالهاتف، وهي تبكي، وتخبرها أنّ زوجها منعها من السفر لحضور حفل زفافها، وهددها بالطلاق!
- لا.. بل ينبغي أن أهاتف في الصباح الباكر والده.. نعم، فهو الذي يقدر أن يفعل شيئاً إيجابياً لإنقاذ ابنه!
خاطبت نفسها في حوارها الداخلي، واضطرابها!
- ولكن.. قد يثور ((حازم)) حين يعرف أن أمره انكشف عند والده.. فيطلقني!
ليكن.. لن أعيش تحت سقف واحد مع مدمن.. قد يقتلني يوماً ما!
والحب يا ((ليال))؟!!
إنك تحبين ((حازم)) بكل جوارحك!
والعمل أيتها المسكينة، المحتارة؟!!
* * *
هدّها التفكير، وتعب السهر والقلق.. فأغفت ((ليال))، والدموع تحفر وجنتيها النضرتين!
ولكنها هبّت فزعة من نومها على صوت جرس باب الشقة الذي لم يتوقف رنينه بإصرار!
تعثّرت في قفزتها، ومشيتها نحو الباب.. لتقول بصوت وجل:
- من يقرع الجرس.. من أنت في هذا الليل المتأخر؟!
- أنا خالك يا ((ليال)).. افتحي!
نسيت معاناتها ومشكلتها.. وأخذت تحدق في وجه ((خالها)) وهو يقف أمامها والدموع تغطي عينيه!
- أمي.. جدتك يا ((ليال))!
تهاوت على صدر خالها تنشج..
إنّها دموع الفقد على ((جدتها)) التي فارقت الحياة هذه الليلة.. والدموع الأكثر لسعاً على عذابها.
- قالت لخالها: لا بدّ أن أذهب معك الآن. دقائق لأرتدي ملابسي.
- قال خالها: وأين ((حازم))؟!
- قالت: غير موجود.
- سألها: وكيف تخرجين بدون إذنه.. وأين هو، مسافر؟!
في الطريق إلى بيت خالها.. أوجزت له كارثتها، وفي عيني كل منهما دموع لا تتوقف.
لم تعد تدري.. هل كان مناسباً أن تكشف لخالها سر زوجها، أم تكتمه؟!
لكن الموقف المفاجئ، والحزين.. سلبها التفكير، وحتى التردد في القول.
- قال لها خالها: لو جاء إلى البيت ولم يجدك.. ماذا تتوقعين أن يفعل؟!
- قالت: لا أدري.. ليكن أي شيء، لقد كتبت له ورقة بكلام مختصر ومضطرب عن وفاة جدتي.
* * *
توقعت ((ليال)) أن يحضر والدها للتعزية، ولكنه اكتفى بالهاتف، وإرسال برقية من مدينته التي يقيم فيها.
وجدت ((أمها)) أمامها.. طوال أيام العزاء الثلاثة.
ترددت.. هل تخبرها، أم تمتنع؟!
زوجها ((حازم)) جاء في بداية مساء اليوم التالي، وحضر العزاء مع الرجال، بصحبة والده.
وفي نهاية عزاء الليلة الأولى.. طلبها من مجلس النساء.
وجدته يقف في سلالم العمارة متجهماً، عبوساً..
قدم لها العزاء، وهو يقول لها:
- وجدت ورقتك صباح اليوم. أقدر أحزانك وفقدك لجدتك، فهي التي كفلتك وربّتك.. ولذلك أتوقع أن يكون بقاؤك في بيت خالك طيلة ليالي العزاء للقيام بالواجب، وللوقوف بجانب خالك.
- قالت له: هل تريدني أن أعود إلى البيت؟!
- قال: إنه بيتك بالطبع، وسأكون مسروراً جداً.
- قالت: ولكن.. بشرط أن تفتح صدرك لي، وتدعنا نتناقش بصراحة في كل شيء.
- قال: ليس وقت الكلام الآن، تصبحين على خير!
فكرت طويلاً، وهي تكفكف أحزانها المضاعفة على جدتها، وعلى زوجها.
قررت أن تخفي كل شيء عن أمها.. فهي لا تقدر أن تقوم بأي شيء.. بالإضافة إلى سلبيتها الدائمة نحوها.
وفي آخر ليلة العزاء الأولى.. قالت لخالها:
- سأنام عندك هذه الليلة.
- قال: بل لا بد أن تعودي إلى زوجك، وتتفاهما.
- قالت: لن أتركك في الليلة الأولى بعد فراغ البيت وحدك. أمي سافرت، ولم تعد قادرة أن تقوم بدور الأخت لك.. إنها تخاف على أولادها ومن زوجها.
- قال: وماذا ستفعلين مع ((حازم))؟!!
- قالت: ذهني معطل يا خالي. كارثة رهيبة، لا أعرف كيف أواجهها.. فهل ترى معي أن أصارح والده بما عرفت؟!
- قال خالها: ربما كانت النتيجة أكثر سوءاً.. عليك، وعليه!
- قالت: فكرت في هذا أيضاً.. فبماذا تنصحني؟!
- قال: في الصباح.. آخذك إلى بيتك. خذي زوجك بالراحة. أعطيه من عندك أسباباً لانحرافه بدلاً من أن تهاجميه.. حتى تقدري على كسب إصغائه لك على الأقل، وحاولي أن تصوري له العواقب الوخيمة.
- قالت: وأنت.. ماذا تفعل وحدك في هذا البيت، بعد فقدك للمرحومة؟!
- قال: الله معنا جميعاً.. لقد تعوّدت على الوحدة، وتعرفين أن ((جدّتك)) يرحمها الله كانت عاجزة، وأكثر وقتها في الفترة الأخيرة إما نائمة، أو تصلي، أو صامتة.. كأنني وحدي.
- قالت: لا بدّ أن تفكر في شريكة لحياتك الآن يا خالي.. على الأقل تكون أنيساً لك!
- قال: اسكتي من فضلك.. ليس هذا وقته. وأنا رجل كبرت.. فمن هي التي ستقبل بي، وأنا في هذا العمر؟!
- قالت: هناك مثلك كثيرون وكثيرات.. أنت وافق.
* * *
في بيتها.. وجدت ((ليال)) الحياة باردة، بهذا الصمت الذي يستغرق فيه زوجها ((حازم)).. لا يريد أن يتكلم معها في أي شيء.
حاولت أن تهادنه، لتفسح مجالاً للحوار معه، ولكنه أقفل كل الأبواب.
يدخل إلى البيت صامتاً، وشبه مذهول.. يعيش في مناخات ما يتعاطاه، كإنسان مخدر، ولا يدري بما حوله.
ويخرج من البيت في بداية المساء.. وهو يرسم العبوس على وجهه.
ولم تعد ((ليال)) تطيق احتمال هذا الألم النفسي في داخلها.
هي الأخرى.. تبدو مشلولة التفكير، والتصرف.. تسدر في متاهات وأفكار تضاعف خوفها في كل يوم!
تحولت حياتها إلى جحيم يحرق صبرها، ويدمّر مشاعر الحب في قلبها نحو ((حازم))!
بكت بحرقة.. وهي تتفطر كل لحظة، وتتبعثر إلى أشلاء.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :420  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 140 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.