شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(17)
من داخل نفس ((ليال)) إلى خارجها كانت تبوح، فكأنها تنوح!
ومن خارج نفسها، يمتلئ داخلها.. حتى يكاد يفيض ويتشكل حوار النفس مع ذاتها.. استطراداً بالأسئلة لاكتشاف إجابة تشبه الحقيقة، أو تمنحها الراحة!
لقد زُفَّت إلى ((حازم)) بذلك الأخذ السريع الذي وصفته وكأنه صاروخ حملها من حياتها الهادئة العادية في كنف خالها وجدتها.. إلى هذه الحياة الجديدة في أحضان الرجل الذي أحبته: ((حازم))، وأقامت معه هذا البيت.. وما زالت فيه تشعر بالغربة.. بشيء ينقصها، ولم يستطع الحب أن يكمله، وحتى يزركشه!
فهل تراها ندمت على تعجلها، وركوب موجة التمرد، والمواجهة لحياتها الرتيبة، والغارقة بمشكلاتها النفسية منذ طفولتها وانفصال الأب عن الأم، وحتى لحظة دخولها إلى عش الزوجية؟!
إنها لا تحس بالندم.. بل بالخوف الشديد الذي يخطف قلبها، ويرمي به في أتون الأسئلة، والحذر، والترقب لشيء قادم لا تعرفه!
تريد بإصرار أن تحافظ على هذا البناء الجديد..
لا تريد أن تكرر تجربة أمها مع أبيها، كما وعدت خالها.
- قالت لنفسها: الأمر الصعب حقاً.. أن نغني أحاسيسنا بالسعادة ذات الطعم والنكهة.
وابتسمت حين شرودها مع خواطرها.. فقد تذكرت معنى عبارة قرأتها يوم كانت تعشق الكتاب، تقول:
- ((السعادة.. هي أن لا يكون لدينا فراغ من الوقت لنفكر))!!
ولكن كيف يمكنها أن تلغي التفكير؟!
التفكير في الحياة ينصب على قدرة الإنسان التي تعطيه مفاتيح نفسه، ونفس من يعاشره، ومن يحبهم.. أو يربت على مسلكه، ويعدو به في دروب الحياة المتعرجة!
* * *
جاءها هذا المساء ((حازم)) يحتضنها، وهو يطرح عليها سؤالاً مفاجئاً:
- قال: ماذا يعني لنا هذا اليوم؟!
- قالت: كل يوم لا يفرّقنا هو الأجمل!
- قال: ولكن هذا اليوم بالذات.. ألا تحتفلين به؟!
- قالت: نعم.. لقد أكملنا شهراً منذ تزوجنا؟
- قال: دعينا نحتفل إذن.. أنا أدعوك للخروج، والانطلاق.
ولكنها طوال ساعات الليل.. في المطعم، وعلى شاطئ البحر.. لم تقدر أن تتخلص من هجوم الأسئلة في داخلها على أفكارها.
وحين عادا إلى البيت.. بادرت إلى قفل جهاز التلفاز، وقد جلس ((حازم)) أمامه يتابع فيلم السهرة.
تطلع إلى وجهها مندهشاً، يسألها:
- لماذا أقفلت الجهاز؟!
- قالت: أريد أن أتكلم معك.
- قال: لا بأس.. ولكن بعد انتهاء الفيلم.
- قالت: لقد جئنا إلى منتصف الليل، وما سأحادثك فيه أهم.
- قال: خيراً.. يبدو الموضوع خطيراً جداً.
- قالت: يعذّبني سؤال يلحّ علي منذ أيام، وأرجوك.. لا تسخر مني.
- قال: أي سؤال؟!
- قالت: ما معنى هذا الذي صار بيننا باندفاع، وبقوة؟!
- قال: عجيب!.. تزوجنا، التأم شملنا، فهل هناك شيء آخر؟!
- قالت: هل يجمعنا الحب، أو الصداقة القوية، أم الرغبة في امتلاك الواحد منا للآخر؟!
- قال: ليكونوا جميعاً أسباب ارتباطنا.. المهم أننا توحّدنا!
- قالت: ولكن لي رأي آخر.. أخاف أن أقول لك: إنّ الذي جمعنا ووحدنا هو الشعور بقسوة الحياة عندما نخاف منها!
أنت تتعاطى المخدرات يا ((حازم))!!
* * *
لم تنم ((ليال)) ليلتها تلك.. كانت تتحسس وجهها الذي تلقى صفعة قوية من كف ((حازم))، وهي تعرّيه، وكأنها تصدر عليه حكماً بالموت!
كان يصرخ في وجهها، وهي تفاجئه بما عرفته.. متسائلاً:
- كيف عرفت.. هل تتجسسين علي؟!!
- قالت له: عرفت من تصرفاتك.. من شرودك.. من وهن جسمك وقدراتك.. من عينيك الغائرتين في الليل.
- قال لها: كنت أشعر بأنني أمتلك كل شيء.. لدي الفلوس، والوقت، والحرية، والفراغ الذي يمتصني!
- قالت: والدراسة.. كيف تنجح وتدرس؟!
- قال: بالفلوس أيضاً.
- قالت: ولكنك متفوق حسب ما تقوله شهاداتك؟!
- قال: بالفلوس أيضاً.. هل تريدين أن تعرفي شيئاً آخر؟!
- قالت: والآن.. لقد تخرجت من الجامعة، وأنت عاطل عن العمل.. فهل سيصرف على بيتنا أبوك؟!
- قال: ليس من شؤونك.. لا عليك، ستجدين مورداً شهرياً تصرفين منه على البيت.
- قالت: ستسقط في أيدي البوليس، وسيكون مصيرك السجن.
- قال: هذه مشكلتي.
- قالت: وأنا.. هل تزوجتني لتقتلني، أم لترمّلني بعد أن يقتلك هذا السم؟!
- قال: لو عرف أي مخلوق عن هذا الخبر سأطلقك، لا.. بل أقتلك!
- قالت: تهددني.. بدلاً من أن تعدني بالإقلاع عن التعاطي؟!
- قال: لا أستطيع.. لا أستطيع، حاولت وفشلت!
- قالت: بل تقدر.. اذهب إلى المستشفى المخصص لهذا العلاج.. سيعاملونك بسرية، ويحتفظون ببلوتك حتى تشفى!
فغر ((حازم)) فاه.. يبدو كأنه لم يفهم، أو يغرق في الدهشة!
- سألها: هل زواجنا وارتباطنا هو قسوة الحياة؟!
- قالت: لا أقصد ما فهمت.. بل لأنني عشت ما أسلفت من عمري في قسوة أحاطتني بها الحياة، فقد خفت كثيراً على ما سيأتي من حياتي المقبلة.. ولذلك سارعت بقبول عرضك الزواج مني!
- قال وقد احمرّ وجهه: تقصدين أنك لم تكوني تحبينني.. بل أردت التخلص من خوفك عن استمرار قسوة الحياة عليك؟!
- قالت: حتى أنت.. رغم أنك عشت في كنف أبيك وأمك مرفهاً، ومنعماً، لا يرفض لك أي طلب.. لكنك كنت خائفاً من المستقبل.. خائفاً من أن لا يستمر رضاء الحياة عنك، فأردت أن تضيف إلى متعتك تحقيق رغبة امتلاك أنثى تشاركك الحياة، وتشعرك باستقلالية ذاتك!!
- قال: ربما ينطبق هذا التصور عليك لظروف حياتك.. أما أنا، فلم يتسلل الخوف إلى نفسي لحظة واحدة.
- قالت: أوضح لك أكثر.. ولا تغضب؟!
- قال: أتمنى.. حتى لا تكون في حياتنا ألغاز!
- قالت: لقد التصقت بك وعاشرتك طوال هذا الشهر، ونحن نكاد لا نفترق، واكتشفت أنك..
صمتت فجأة.. وقد أغرقت الدموع عينيها.
- قال: ما بالك صمتّ فجأة.. وما هذه الدموع في عينيك؟!
- قالت: لأنك كذبت علي.. لم تخبرني عن أسرارك كلها.
- قال: أية أسرار.. وما هي الكذبة؟!
- قالت: فيك عيب لا أقدر أن أغفره لك، برغم أنني أحبك فعلاً.
- قال: كل إنسان فيه عيوب.. لكن لا تصل إلى درجة عدم غفرانك!
- قالت: بل هو عيب مشين، سأقوله لك، وتصدقني.
ارتدى ملابسه، وصفق الباب خلفه.. وترك ((ليال)) تنتحب وحدها في هذا البيت الأنيق، المزوّد بأفخر الأثاث!
ولم تعد تدري ماذا تفعل!
إنها تحبه.. وتعرف أنه سيضيع، ويضيّعها معه.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :449  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 139 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.