شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(16)
قطّان متحفّزان.. كل منهما ينظر إلى الآخر، محدّقاً، ومتربّصاً!
كلّ منهما.. حرص أن يملأ وجهه، وليس شفتيه فقط، بابتسامة عريضة، للتعبير عن الرضا والسعادة!
قطّان.. هما: ((محمود الخليلي)) و ((إبراهيم الشاهد)).. والدها، ووالد ((حازم)).
أخيراً.. التقيا، بعد خلاف، وشرخ.. وبعد سنوات جفاء، وحرب خفية في السوق.
تعانقا.. تذاكرا الماضي، بجوانبه الجميلة، وحرصا على أن يهملا الجوانب القاتمة.
- قال إبراهيم الشاهد: أعتقد.. لسنا في حاجة إلى الانتظار الطويل.. الشاب، والفتاة: فلذتا كبد لكلينا.. ولا داعي لأن يسأل كل منا عن الآخر، فنحن نعرف بعضنا جيداً.
- يرد ((الخليلي)) بابتسامته المرسومة: طبعاً.. طبعاً، هذا شرف لنا، لقد صرنا عائلة واحدة. الحمد لله. الحمد لله.
((ليال)) تختلس النظر إلى ((خالها)) الذي جاراهما في رسم الابتسامة.. وكأنها وخالها يقولان بصوت واحد:
- منافقان.. كلاهما ينافق الآخر، والبغض يرشح منهما!
ولكن.. لماذا وافق كل منهما؟!
زواج مصلحة.. أم أن هناك شيئاً ما، له خبىء؟!!
لأول مرة تشعر ((ليال)) أن ذكاءها يضطرب.
الدهن في العتاقي.. خبرة هذين الرجلين، منحتهما دهاء كبيراً.
فهل يسقط الأبناء ضحايا للآباء؟!!
أم يُصلح الأبناء ما أفسده الآباء؟!!
* * *
اتفق الآباء على تحديد موعد الزفاف، بعد شهر!!
- تساءلت ((ليال)) في نفسها: لماذا هما يتعجلان؟!
((حازم)) يطير فرحاً بهذا الإيقاع السريع الذي جاء على هواه.. وليس عنده الاستعداد ليجيب بعد الآن على أي سؤال تطرحه ((ليال)) عليه.
- قال لها: تشغلين نفسك بما لم نرتكبه نحن.. لقد تصالحا، أو.. دعيهما يختلفان بعد ذلك، المهم أننا معاً لن نفترق، ستعوزنا موافقتهما في البداية، ومباركتهما، وقد حصلنا عليهما.. ومن بعدنا الطوفان.
- قالت له: أنت أناني.. إنه والدك، وإنه والدي.. برغم كل ما فعله بي.
- قال: الفلوس تُفرّق، والفلوس تُجمّع.. إنهما من فرسان السوق/الغول.
- قالت: ظننتك ستهتم.. فلا تجعلني أخاف منك منذ البداية!
- قال: لا تخافي.. إننا نختلف كثيراً عن عصرهما.
ولم تنم ((ليال)) في ليلة فرحتها.. بعد أن قرأ والدها، ووالد ((حازم)) الفاتحة.. وحددا موعد عقد القران والزفاف في ليلة واحدة، بعد شهر.
امتلكها خوف شديد من هذه السرعة.. كأن عربة تُسرع بها في منحدر سحيق، وتتقافز بها فوق أحجار، ومستنقعات.
بدأت الأسئلة تتسع في ذهنها، والأصداء تلاحقها.
ولكنها في موقف التحدي لأشياء كثيرة.. وفي شعور غامر بالخوف.. خاصة عندما احتضنها والدها في منتصف تلك الليلة، وهو يودّعها عائداً إلى الرياض/المدينة التي يسكنها بعائلته.. وقال لها ضاحكاً:
- برافو.. عرفت تنقّي!!
ترى ماذا كان يقصد!!
لعلّه كان يلمّح إلى أنها على معرفة، أو علاقة سابقة بخطيبها الآن ((حازم))!
ولكن هذه النقطة بالذات.. لا تعتقد أنها تدور في اهتمامات والدها أو أسلوبه التربوي!
لعلّه كان يشكرها على اختيارها لابن رجل أعمال كبير.. كان في يوم ما شريكاً له، أو متعاملاً معه، ثم اختلفا.. فجاءت هذه المناسبة لتصلح كل الذي انكسر!!
وأنهت إلى ((خالها)) كل هواجسها هذه بصراحة.. وطرحت حيرتها من خلال هذه الأسئلة.. فوجدت ((خالها)) يحدق فيها متأملاً، وبعد صمت قصير، قال لها:
- سألتك في البداية: هل تعرفين هذا الشاب من قبل؟!
رفضت أن تعترفي، وحدسي كان يؤكد ذلك.. لم أكن أنوي أن أعاقبك، أو أحبسك داخل جدران أربع.. فقط أردت أن أعرف أبعاد تخطيطك!
- قالت مندهشة: تخطيطي؟
- قال لها خالها: لعلّك استقصيت وعرفت ما بين والدك، ووالد ((حازم))، فأردت أن تضربي ضربة محكمة.. تسترجعي والدك إليك، أو على الأقل تقربيه منك، أو.. تنتقمي منه بإحراجه، وإرغامه على وضع يده في يد ((إبراهيم الشاهد)) من جديد؟!!
- قالت: صدقني يا خالي أنني لا أعرف كل هذه الخلفيات التي ذكرتها.. ولكني حتى أكون صادقة معك، ولكي لا أخدعك أنت الذي كفلتني، واحتضنتني، ورعيتني، وربيتني.. أقص عليك الحكاية كاملة، وأستسمحك بأن لا تنقم علي!!
* * *
بعد أن روت لخالها التفاصيل بصدق.. ارتمت في حضنه تبكي، حتى قالت:
- لعلك الآن تعتبرني فتاة سيئة، أو أن تربيتك لم تثمر.. لكن تأكد أنني حافظت على شرف بيتك وعلى اسمك.
- قال: سبحان الله.. إنها لعبة الأيام بالفعل، وما زال هناك الأخطر، والأكثر مفاجأة.. لم يظهر بعد!
- سألته: ماذا تقصد يا خالي.. هل تخيفني؟!
- قال: لا يا ابنتي.. ولكني أرجوك أن لا تكرري لعبة والدك ووالدتك.
- قالت: اطمئن.. سأحرص على تأجيل الإنجاب وقتاً طويلاً.. وأعترف لك أنني حتى الآن لم أعرف ((حازم)) جيداً. صحيح.. أنني أحبه، لكني ما زلت أتوجس منه، وأخاف.. أخاف يا خالي!
- قال: لماذا إصرارك على السرعة، ومحاصرتنا بهذه الطريقة؟!
- قالت: لا أدري.. كأنني أنجذب إلى قدر لا أستوضح معالمه!
ولم تكن ((ليال)) تتوقّع رحابة الصدر من خالها بهذا الهدوء، والصبر والتأنّي معها.
وأرهقتها الأسئلة المتعاقبة، والأصداء التي تفرّعت، وتضخّمت.
إنّها في الليل.. تعاني من جحيم الأفكار، والأسئلة، والخوف.
وفي النهار.. يسرقها صوت ((حازم)) عبر الهاتف.. فيلوّن لها الأيام القادمة، ويفيض عليها المزيد من الأحلام، والوعود، والتخيل الجميل.
وافتقدتها ((جدتها)) بعد أن كانت تؤنسها، وتتحدّث معها.
صارت ((ليال)) تغرق في صمت يتمدد أفقياً على وجه شعورها بقيمة الحياة ذات الثمن الأغلى الذي تبحث عنه!
ثوانٍ تمر، ورؤيا تطول.. وفي هذا الاحتواء، تواتيها شجاعة التفكير في الحياة، وصروف الأيام.. من خلال ضوء يغمر فؤادها تارة.. وعتمة تسود أرجاء نفسها!
تتساءل من جديد، وتطرح الأجوبة الفضفاضة:
- إنّ النظرة إلى أشياء العمر، ومتغيرات الحياة.. ربما كانت مصلوبة على الأنانية.. مرصودة بفقدان الطمأنينة في غوائل المتطلبات والمصالح!
ها هي الآن تشعر أن نظرتها ترتد، ولا تصل أبداً!
إنّها في عصر.. تجد إنساناً عنيف المودة والإرجاف.. غريب في أفعاله، ورغائبه.. غريب بشهواته وضعفه.. غريب بقوته وتسلّطه وخسائره بعد ذلك.
وتسرع خطى الأيام بها.. ولا تنتهي أسئلتها، بل تتكاثف، وتتراكم.
وتجد نفسها -فجأة- في مواجهة ((الأسبوع القادم)).. موعد عقد القران، والزفاف!!
موعد الدنيا الجديدة التي سعت إليها، وركضت، وأصرّت.. فإذا هي الآن تتلفّت مذعورة، خائفة!
بعد أسبوع.. ستكون هي و ((حازم)) تحت سقف بيت واحد.. وجهاً لوجه أمام هذا الإنسان الذي سرقها قبل الأوان.. فتدخل دائرة التعرف عليه!!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :468  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 138 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج