شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(14)
لأنّ ((ليال)) أقدمت على خطوة الخروج مع شاب، لأول مرة وحدها وبهذا التصرّف الذي كسرت به القيم، والتربية، وتقاليد مجتمعها وأسرتها.. فقد شعرت بخوف شديد.
عندما جلست بجانب ((حازم)) في سيّارته، وانطلق بها إلى طرقات مظلمة، انتابتها قشعريرة هزَّت بدنها كلّه، وكادت تصرخ في وجهه:
- أرجوك توقّف.. وأعدني إلى الأضواء، وإلى بيتي!!
كأنّها في ذلك الزمن القصير، كانت تجلس على رصيف موحش من الناس!
وحين عادت إلى بيتها، وأمنها.. كانت تحس أنّ جسمها قد تحوّل إلى قطعة ثلج، وتقرص جوانب منه لتعيد الدم إليه.
وقذفت ذلك الجسم المهدود على سريرها.. والأفكار تحاصرها من كلّ جانب!
أصداء أفكارها تضيق عليها الخناق تارة، وتحاورها تارة أخرى:
- ما هذا الذي فعلته؟!
لا أدري.. ربّما هو الجنون، أو الملل، أو التمرّد!
كلّ شيء في الحياة يركض من حولي، ويتضخّم..
أقدامنا تركض، وخفقاتنا تركض، وأطماعنا، وأوجاعنا، وأحلامنا، ووقتنا.. كلها تركض بنا، ونركض بها.. إنّها لا تتوقّف لتمنحنا فرصة التلفّت، وإنما نحن نلهث وراءها وفيها!
ألا من سؤال يستفز طموحاتي وأمانيّ.. يتوقّف بي بعض الوقت، ويسأل عقلي وفؤادي:
- ماذا كسبت.. وماذا خسرت!!
كم مرة التفت المجتمع إليك -كفتاة- وحاول أن يهتمّ بك، وبأسئلتك، وبسأمك، وبأحلامك الرقيقة!!
لماذا هذا المجتمع.. لا يتحدّث مع المرأة إلاّ عن الحرام، والخطأ، والعيب..
ولا يناقش معها حقوقها، وتطلّعاتها، ويحميها من الخطأ، والعيب، والحرام؟!!
* * *
أضنتها الأفكار المشوّشة، والأسئلة الحادة المدبّبة.
وسمعت صوت ((جدّتها)) يناديها.
قامت متثاقلة، تجيبها:
- أنا في الحمّام يا جدّتي!!
الحمّام.. فكرة جيدة، تضع نفسها تحت ((دش)) الماء، لتفيق قليلاً، ولعلّها تتحرّر من أفكارها، وتقريع ضميرها لفعلتها هذا اليوم!
ووجدت ((جدّتها)) في انتظارها لتناول العشاء، قالت لها:
- آسفة يا جدتي.. تأخّرت قليلاً عند صديقتي.
- قالت جدّتها: عندي مفاجأة لك.. لقد اتصل والدك بعد خروجك، وكان خالك موجوداً، فأخبره أنّك عند صديقتك.
- قالت: أخيراً.. لمس الحنان قلبه، وماذا كان يريد؟!
- قالت جدتها: لا أدري.. تكلّم معه، ويريدك أن تتصلي به.
تردّدت ((ليال)) في طلب والدها بالهاتف.. لكنّها قلقت لهذا الاتصال بعد القطيعة الثانية منذ زارته.
وحسمت تردّدها ذلك، بتناول الهاتف.
أجابها صوت والدها ببروده المعتاد الذي آلمها كثيراً.. قال لها بعد سؤالها عن أحوالها:
- أختك مشتاقة لك.. خذيها، تريد أن تكلّمك!!
- حبيبتي ((دلال)) ما هي أخبارك؟.. اشتقت إليك.. لماذا لم تتصلي بي؟!
- أنا بخير.. فقط أريد أن أراك.
- استئذني من بابا، وتعالي هنا.. سأفسّحك، وأبلّ اشتياقي لك.
- حسناً.. سأطلبك إذا وافق والدي على حضوري إليك!
وتنازعتها أشواق ((الأخوّة)) إلى أختها التي محضتها محبة، لعلّها تستغربها في بعض الأحيان.
وانتشلها صوت ((جدتها)) من خواطرها عن أختها بعد أن أقفلت الهاتف:
- الدم لا يصير ماء.. الدم يحن يا ابنتي، وتأكّدي أنّ أختك في حاجة إليك!
وشردت خواطر ((ليال)) من جديد، وهي تهمس لنفسها:
- وأنا أيضاً أحتاج إليها.. أحتاج إلى إنسان يسمعني، ويمتصّ انفعالاتي، ويكون خزانة أسراري!
* * *
في منتصف الليل.. تحدّث معها ((حازم)) بالهاتف، كعادته!
حكت له عن محادثة أختها وأبيها.. عن تأنيب ضميرها حين خرجت معه.
بكت في الهاتف بنشيج.
قال لها حازم: اسمعي يا ((ليال)).. أبي رجل موسر كما تعلمين، ويمكنني أن أنهي إليه رغبتي في الاقتران بك، لا أقدر على بعادك عنّي بعد الآن.
- قالت: أنت ذكي.. تريد أن تهدّئني، وتسيطر على مشاعري.
- قال: أقسم لك أنني صادق.. أنت التي بحثت عنها، وأعجبتني صفاتها.
- قالت: ولكنّك لم تحصل بعد على البكالوريوس -على الأقل- فكيف ستسير حياتنا بلا شهادة؟!
- قال: الشهادة في رأيي ليست المطمع.. تجارة أبي، وعقاراته الكثيرة، وشركاته تستوعبني، وأنت معي، ومنا أطفال أيضاً.
- قالت: كيف تعتمد على أبيك بهذه السهولة.. هذا أسلوب اتكالي، ومرفوض مني؟!!
- قال: أبي يلحّ عليّ دائماً أن أعمل معه في شركاته. صحيح أنه لا يعلم عني أي شيء.. أقصد لا يعرف عن ثقافتي، ولا خبرتي، ولا أفكاري بسبب انشغاله بأعماله وشركائه، ولكني أولاً وآخر، ابنه الذي يرحّب به ليعمل معه، ويحمل عنه الأعباء.
- قالت ساخرة: تريد أن تكون رجل أعمال بالشهادة الثانوية؟!!
- قال: لا تسخري.. وافقي، وفي هذا الأسبوع -أعدك- أن أطرق باب بيتكم مع أبي لأخطبك.
- قالت فزعة: أنت مجنون باستمارة!
- قال: أنا أخاف أن يخطفك أحد منّي.
- قالت: لكني.. بصراحة يا حازم، لم أعرف عنك كلّ شيء!
- قال: المهم الحب.. افترضي أنني أسوأ الشباب، وعليك أنت أن تقوّميني، و ((تضبطيني)) مثل الساعة.
- قالت: وإذا لم يدم حبك؟!
- قال: لا تعقدي الأمور.. مهّدي لي!
- قالت: أنت ذكي فعلاً.. لكنّك تخيفني الآن أكثر!
- قال: أنا عرفتك.. فعرفت العشق، والسّهر، والتوجّع.
- قالت: أصدّقك.. ولكنّك ماذا تفعل إذا اكتشفت أنّ هذه العاطفة بلا قاعدة.. عاطفة من هشيم، أو من خزف!
- قال: ماذا تقولين؟!
- قالت: إعجاب.. لهفة وقتية.. إنفعال، ثمّ تصطدم بالحقيقة!
- قال: أيّة حقيقة.. إنّني أحبّك؟!!
- قالت: إنّ ما بيننا ليس أكثر من مجرّد علاقة بدأت، وقد تنتهي لتبدأ علاقة أخرى لك.
- قال: صدّقيني كما قلت لك، إنّك تختلفين عن كل البنات اللواتي عرفتهن!
- قالت: هل تعرف يا ((حازم)) فيم أفكّر الآن؟!
أفكّر في الموت.. الموت راحة وخلاص.. الموت حقيقة الحقائق.. الموت حب آخر، أقلّ ما فيه تعبير النّاس نحوه!
- قال: لا.. لا أريدك أن تموتي الآن، ولا أنا.. بل نغني، فالحياة بهيجة، ولا تستحق الموت.
- قالت: أنت تركض أيضاً مثل كلّ البشر اليوم!
* * *
أقفلت سماعة الهاتف وهي مبعثرة..
تريد أن تغنّي.. فتنزلق دموعها.
تريد أن تبكي.. فتنطلق ضحكة من شفتيها.
تريد أن تعزف لهذا الحب.. كأنّها تحمل بين يديها، بل وفي قلبها، قيثارة ((اورفيوس)) التي كان ينشد بألحانها وجيب قلبه في نبض الليل.
الحيرة التي تكثَّفت بين أضلعها تبدو مثل خيوط العنكبوت..
إنّها لا تدري: هل تفرح.. أم تخاف؟!
هل توافق ((حازم)).. أم تقتل جنونه في المهد، قبل أن تكتشف هولاً لا تستطيع أن تحتمله؟!!
لكنها -أيضاً- تريد أن تفك إسارها من قيود عديدة.
مثلما فعلت بها أمها، حين رمتها للضياع، وللقسوة، وللوحدة.. بعيداً عن حنانها!
ومثلما فعل بها أبوها، حين تنازل عن ((أبوته)) وانغمس في حضن زوجة جديدة شابة، أنسته فلذة كبده.
و ((خالها)).. هذا الرجل الطيّب، الذي ينظر إليها وكأنّها جبل يجثم فوق صدره.
و ((جدتها)).. التي يغازلها الموت كلّ يوم!
وإذن.. لمن تبقى؟!
مفتاح غدها الآن صار في يدها.. ولا بد أن تحسم الأمور جميعها، وتستقل بحياة جديدة!
تعرف أنّ ((حازم)) يحبّها.. لكن في جوانب أخرى يبدو غامضاً، كأنّ في حياته سراً يخفيه عنها!!
تنهشها الحيرة والأسئلة، أياماً عصيبة وبطيئة.
وفجأة.. صرخت نفسها من الداخل:
- اقبلي الزواج.. اقبليه، فلن يكون الأسوأ من كلّ ما عانيته في عمرك الغض!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :464  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 136 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج