شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(12)
عندما كانت ((ليال)) تجادل الأرق في وقوفه الذي يحول بينها وبين النوم كل ليلة.. تجسّد لها ما تعانيه من عذاب!
أحست أنها فقيرة من الكلمة التي تفتح عقلها، وتهديها الحكمة، والقرار الصائب، وتغسل جوانحها من قتار الحيرة، ومن هذا الفراغ العاطفي!
كأن حياتها.. قد صادرتها الشجون، وهربت بها نحو نجمة تطلع في نهاية نهار رمادي!
كأنها في دخول سرمدي.. تخاف أن يُضيّع النطق بالقرار.. بلاغة صمتها الطويل الذي عاشته في ما مضى من عمرها!
كانت شاردة في هدأة الليل العميق، وقد أشرعت نافذة غرفتها على نور القمر الذي يطوّق وجهها، ويمسح على شعرها الحريري الناعم، المنسكب في جلال على وجهها وخديها!
وفي هدوء هذا الليل، وصمته.. كانت تحادث نفسها، فترى هذه النفس توأمها الماثل أمامها يحاورها بلا هوادة:
- قالت لها نفسها: من أنت الآن؟!
أجفلت ((ليال)).. كأنها لم تطرح على نفسها هذا السؤال طوال عمرها!!
- همست ((ليال)) لنفسها: لست أدري من أنا.. صدقيني، ولكني أسألك: من أنت يا نفسي؟!
- قالت نفسها: أنا نصفك الغائب عنك!
- سألت ((ليال)) نفسها: ولماذا تتركيني وحدي في الحيرة؟!
- أجابت نفسها: لقد اختلط كل منا بالآخر.. اضطربنا معاً في همومك!
- قالت ((ليال)): ولكن.. من أنت الآن يا نفسي، أجيبي؟!
- قالت نفسها: أنا لهفتك على حب عظيم.. يتعذّب به خيالك!
هوت ((ليال)) فوق سريرها، وصرخت:
- يا ضالتي.. أشفقي عليّ.. وخذيني!
انخطرت ((ليال)) في بكاء متقطع، مرور.. حتى سرقها النوم بدموعها.
* * *
في الصباح.. هرعت إلى ((جدتها)) تمرغ رأسها في حضنها.
- سألتها العجوز الحزينة عليها: ماذا بك؟!
قالت ((ليال)) ولمعان الدمع في عينيها:
- حادثت نفسي ليلة البارحة حديثاً طويلاً.. طويلاً!
قالت جدتها وهي تمسح بيديها على شعرها:
- مسكينة أنت يا بنيتي.. ستصابين بالجنون.
- قالت ((ليال)): ثم نمت.. فرأيت فتاة تشبهني جداً، كأنها توأمي، ولعلّها نفسي، وهي تجذبني من ذراعي، وتنطلق بي إلى جوف غابة كثيفة نائية!
ولكني لم أكد أخطو.. حتى ارتعدت فرائصي..
تشابكت الأغصان من حولي -يا جدتي- وتكاثفت الأشجار أمامي.
احلولك الظلام في الغابة.. وسد الرعب في وجهي معالم الطريق.
أهابت بي تلك الفتاة/التوأم، قائلة لي: تقدمي!
غمغمت: لا أستطيع!
قهقهت، وقالت: أكنت تحسبين الحب مرجاً أخضر، تشرق عليه إلى الآن شمس الربيع!
الحب غابة.. أيتها الفتاة المسكينة!
غابة أشواك، وآلام، وتضحية.. فرح مجنون بالمجاهدة والصراع!
قلت للفتاة/التوأم: أرجوك.. أخرجيني من هنا!
قالت لي الفتاة: مكانك هنا.. حيث مسرح الجبابرة، ومرتع الأبطال.. ألا تريدين أن تكوني بطلة؟!
سألتها: وماذا أفعل الآن؟!
أجابتني: كفي عن السعي وراء اللذة الرخيصة التي لا تبعث غير الأسف والاشمئزاز!
ارتفعي بنفسك، بي، واملئي قلبك بالشجاعة والحكمة، ثم عودي بعد ذلك، واقتحمي غابة الحب!!
وصمتت الفتاة -يا جدتي- بعد ذلك، ثم اختفت.. احتواها الظلام، وبقيت وحدي عند مدخل الغابة، أرى الحب بعيني، وأسمعه يناديني، ولا أستطيع -من فرط أنانيتي، وخوفي، وجبني، وارتعادي- أن أقتحم الغابة، وأكون بطلة من الأبطال!!
- قالت جدتها: لك الله يا صغيرتي.. لقد فاضت عواطفك، وفاض قهر والدك وأمك لك!
- قالت ((ليال)) جدتي.. هل من حقي أن أتزوج الآن؟!
- قالت جدتها: يوم المنى يا ابنتي.. ربنا يسخر لك عريساً ابن حلال، يسعدك، ويهنيك، وينسيك آلامك وأحزانك.
- قالت ((ليال)): ولكن يا جدتي.. لا بد أن أكمل الجامعة!
- قالت جدتها: الجامعة الحقيقية بيت مستقل لك، وزوج يظلل عليك من هجير الحياة وعواصفها.
* * *
لم تذهب ((ليال)) ذلك اليوم إلى جامعتها.
كان جسمها محطماً من السهر، ومن ذلك الحلم الغريب الذي أفزعها.
اعتصمت في غرفتها تفكر في أبعاد الحلم..
فتشت في مكتبتها عن كتاب تفسير الأحلام، وجلست تبحث عن الغابة، والظلام!
دهشتها التي ما زالت تصاحبها أنها تتذكر فصول الحلم، وحواره بدقة شديدة.. كأنها عاشته في الواقع والصحو.
استرجعت أصداء صوت ((الفتاة/التوأم))، وهي تقول لها:
- ((كفي عن السعي وراء اللذة الرخيصة التي لا تبعث غير الأسف، والاشمئزاز!!)).
ترى.. هل فتاة الحلم/التوأم.. هي تعبير عن العقل الباطن؟!
هل تعني باللذة الرخيصة محادثاتها الهاتفية مع ((حازم)) وتفكيرها الذي صار يلح عليها الآن بضرورة الالتقاء به وجهاً لوجه؟!!
في المساء.. هاتفت ((حازم))، وروت له حلمها الغريب، وتفسير كتاب الأحلام، وتفسيرها هي بالخلفيات، ومن الواقع!
فوجئت أن ((حازم)) يقهقه في الهاتف!
- سألته: هل أقول لك نكتة؟!
- قال: والله نكتة.. هل تؤمنين بالأحلام؟!.. لا بد أنه كابوس، نتيجة زيادتك في الأكل!
- قالت: لا تسخر من فضلك.. إن الحلم يقلقني، وهناك أحلام تصدق، لأن أصحابها لهم شفافية.. أو أنها أحلام ترمز إلى حدث سيقع!
- قال: المثقفون يتفلسفون!
- قالت: لست مثقفة، ولا أتفلسف.. ساعدني من فضلك يا ((حازم))!
- قال: اسمعي.. قد تصابين بالجنون.. لو لم تسارعي بتنفيذ فكرتي!
- سألته: وما هي فكرتك أيها العبقري؟!
- أجابها: نتزوج.. أخطبك من خالك، ويضمنا بيت واحد هو غاية الحب، وأعدك أن أجعل أضواءها خافتة، لأحقق لك مناخ الظلام الرومانسي الذي رأيته في الحلم!
- قالت: أنت سخيف. وغير مبال.. تصبح على خير!
وحين أقفلت سماعة الهاتف.. راودتها رغبة شديدة في البكاء.
إنها ((قشة)) تائهة.. تتقاذفها أمواج محيط هائل.
لا أحد حولها، أو يسمعها ويصغي إلى أفكارها.. أو حتى إلى جنونها!!
ترى.. هل ستجنّ حقاً؟!!
* * *
واقتحمتها -فجأة- خاطرة جنونية.
ضغطت على أرقام هاتف ((حازم)).. حتى إذا أجابها صوته المتكسر، الواهن، المخدر، قالت له:
- اسمع يا ((حازم)).. سأراك بعد مغرب الغد. تعال إلى السوق الكبير، وسأذهب معك في عربتك إلى مكان خال نتحدث فيه!
ولم تنتظر إجابته.. بل أقفلت سماعة الهاتف، وقررت أن تنام!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :497  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 134 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج