شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(11)
شعرت ((ليال)) أنّ السهر في عينيها يبدو، وكأنه سرب الصمت الحزين!
ها هو مشوار الشوق ذو الألف جناح يبدأ في عمرها ((تايحرز المشوار))!
تردّد أغنية ((فيروز)) المفضلة لديها: سهار بعد سهار!
تتمنّى أن تُنهي اعتصام السهر في عينيها.
تحتار.. كيف تبدأ رحلة الشوق، حينما تكون هذه الإنسانة القادرة على خلع قوقعتها.. لتطفو فوق أمواج نفسها!
تلك لحظة انتباه في حياتها.. إلى شيء يملكها، وتفشل أن تمتلكه.. فتغرق في موجه!
كان حنينها إلى ملء هذا الفراغ العاطفي.. هو محاولة منها للهروب من ممارسة الحقيقة، بلا لهفة!
وتعرف ((ليال)) أن واقع الحياة.. لا بدّ أن يملكها بكلّ ما فيه، وأن تقاومه بكل قدراتها على التحدّي، واجتياز الصعب.
ولكن.. كيف تجتاز هذا الواقع وحيدة؟!
وعصاها النّوم في ليلتها تلك، بعد أن وضعت سماعة الهاتف، وشعرت بما يشبه الغثاء في نفسها!
- كيف فعلت ذلك.. خاصة مع شاب لا تعرفه؟!
هل هو الفراغ حقاً؟!
هل هو التحدي لوحدتها، ولتخلي أبيها وأمها عنها؟!
لم تعد تقدر على التفكير!
كانت حزينة.. وافرة الأسى!
تخطى عمرها طفولتها.. وتشعر الآن أن هذا العمر ربما تخطى شبابها أيضاً!
وتتطلع إلى المرآة من جديد: شابة مليحة، ممشوقة القوام كشمعة مكتملة.. أضاء رأسها ولما تذب بعد!
ميعسبة.. كغصن مخضر، ندي، يستقبل الصباح!
تبتسم بسهولة وعذوبة، ولكنها تتكلم بأناة وتفكير.. كأنها تستفتي صوتاً في داخلها قبل أن تطرح رأيها، أو قرارها.
* * *
قال لها ذلك الشاب ((عابر)) الذي أقدمت على محادثته في تلك الليلة:
- إنني معك أتحدث باستطراد وبثقة.. ولكني أخاف أن لا تفهميني، أو أن تفسري سلوكي معك بكتابة رقم هاتفي وإلقائه عليك في العربة.. بالمراهقة والتفاهة!
- سألته: وماذا تسميه إذن؟!
- قال: صدقيني لا أدري.. ومعك أنت بالذات!
هي.. ليست غامضة، لكن إحساسها، برغم هجمة الفراغ العاطفي عليها، متريث يُصغي أكثر مما يبوح، ويختزن كل بوح!
لو أرادت أن تفصح عن مشاعرها المتآلفة.. فإنها لا تفعل أكثر من أن ترسم ابتسامة خفيفة!
إنها ليست كبقية النساء: تحلم بزوج، وطفل، وبيت له سقف!
إن حلمها غريب، وشفقي..
تحب أن تتأمل الغروب في نهاية اليوم..
تحرص أن تتابع الشروق، وهو يضيء الكون مع بداية كل يوم.
ترسم لوحات اجتهادية في الرسم: وجه طفل. وسامة رجل يبتسم بلا خبث. مرح فتاة شابة. أشعة الشمس. بياض الموج. قرص الشمس المضرج بالغروب!
ذات يوم، قالت لصديقتها الأثيرة إلى نفسها ((سعاد)):
- تعرفين.. أريد أن أموت بعد الليلة الأولى لزواجي!
فزعت صديقتها، وتدوّرت عيناها!
- قالت لها بفزع: باسم الله علينا!
- أجابت صديقتها: فلسفتي.. أن هذه طبيعة الإنسان في الحياة.. لا يطيق الفرح أكثر من يوم، ولو تضاعف ليومين.. أصبح اليوم الآخر بارداً، معتاداً، والحياة لا تعطيك أكثر مما تأخذ منك!
- قالت صديقتها: أنت تتحدثين برومانسية حزينة، ودرامية وربما مغرورة بالأماني الصاعقة!
إن عقلها ساخن.. بينما قلبها ما زال ينتفض مثل عصفور في ليلة شتاء!
- قالت ليال لصديقتها: لا تندهشي، وأرجوك لا تكرهيني، فقد ولدت والدمع لا يفارق جفني.. لقد مات أبي من حياتي وهو ما زال حياً يعيش، وكذلك أمي التي هجرتني والتحقت بزوجها الثاني!
هكذا نشأت ((ليال)).. والفرح أمنيتها الدائمة.. كأنها ((مدام توسو)) في متحف الشمع: لا تتكلم، ولكنها تنبض بجهاز خفي داخل صدرها!
* * *
وفي الليلة التالية.. قاومت إغراء الهاتف بجانبها.
تناولت قرصاً منوّماً منذ بداية الليل، لتنام، وتستيقظ في بداية الصباح نشطة، تذهب إلى جامعتها، وتواصل مشوار تعليمها وحياتها!
ولكن ((الليل)) يؤرقها، ويغرقها في الوحدة، والأصداء.
وكأن هذا الشاب المجهول ((عابر)) هو الذي ظهر في ليلها، ليملأ فراغها العاطفي!
ولذلك.. لم تصمد طويلاً!
طلبت رقم هاتفه بعد ثلاث ليال من المقاومة.
- قالت له في البدء: اسمع.. لا تظن أنني من الفتيات الهاويات للعبث، وللتسلية، لذلك.. أرجوك أن تحدد ماذا تريد مني بالضبط؟!!
- قال عابر: اسمي ((حازم)) وليس عابر، وأدرس في الجامعة، ولكن.. على مهل، وحتى الآن أمضيت أكثر من خمس سنوات داخل الجامعة، وتلقيت إنذاراً بالفصل واجتزته، وألغي الإنذار.
- قالت: لماذا لا تتحمس لمستقبلك، وتتحصل على شهادة تنفعك؟!
- قال ضاحكاً: وبعد أن أتخرج.. هل لديك وظيفة لي؟!
- قالت: حاول أن تجد العمل مثل كل الشباب الذي تخرّج!
- سألها: أين هي الوظائف؟!
- قالت: اتعب، وواصل البحث، المهم أن تحصل على الشهادة قبل كل شيء!
- قال: أبي يصرف عليّ.. يغدق عليّ، ولا يجعلني أحتاج إلى السؤال، والتعب، فهو موسر، وناجح في عمله.
- قالت: هذه نغمة الشباب الإتكالي.
- قال: اسمعي.. إن أبي يريد أن يزوّجني، وتلح أمي معه، حتى قبل أن أتخرج من الجامعة.. فما رأيك؟!
- قالت: في أي شيء تطلب رأيي؟!.. هذه حياتك الخاصة!
- قال: أعرض عليك الزواج!
- قالت: أنت في غياب وعيك.. لا أعرفك، ولا تعرفني!
- قال: أنا مبسوط الآن جداً، ولكني أعرف ما أقول.. وبدلاً من أن يختار لي أهلي عروساً بالإكراه، فأنت جميلة، وبنت ناس، وفي الجامعة.
- قالت: أنت مجنون!
- قال: إنه عصر الجنون.. فكّري في عرضي، ومن حقك أن تجلسي معي في البداية، وتفحصني نظراتك، ويفحصني عقلك الذي أتعبك من التفكير، والأسئلة.. وأنا أقبل تحدي اختبارك!
- قالت: أنت تتكلم بثقة.. برغم إحساسي أنك في غير وعيك!
- قال: قلت لك إنني مبسوط جداً.
- سألته: وما الذي يفرحك إلى هذه الدرجة؟!
- أجاب: أشياء قليلة، محدودة، معروفة عندي.
* * *
عذّبها التفكير في هذا العرض الغريب والجنوني من ((حازم)) الذي كان يدعي أن اسمه ((عابر))!
كأنه أراد أن يحزم معها في اتخاذ قرار.
ولكنها لا تعرفه بحق.. ولا تثق أبداً بهذه البداية التلفونية!
والفراغ يحتويها، ويمتصها، ويجففها.
والفقد الذي عاصرته في حياتها منذ طفولتها.. يتضخم في وجدانها، وشجونها، حتى رماها في هذه البقعة الضحلة!!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :482  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 133 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج