(( الكلمة الآن للأستاذ الشاعر أحمد سالم باعطب ))
|
وهي فيما يبدو لي كلمة نثرية. |
- قال أبو الطيب المتنبي: |
لا خيل عندك تهديها ولا مال |
فليسعدِ النطقُ إن لم يُسعدِ الحالُ |
|
|
ولقد أسعد النطق أبا الطيب، فصال وجال، ولكني لم أجد ما يُسعدني بل ما يسعفني أو ينجدني بل الأصح ما ينقذني، فعدت أدراجي مهرولاً إلى أيامي البائدة، ومخزوناتي الراكدة، وبحثت فيها لعلّي أظفر بين ركاماتِهَا بشيءٍ أستعيرُهُ لأُسَدِّد بِهِ ديناً حَمَّلَنِيهِ الدكتور زهير بن أحمد السباعي. |
فلم أجد بغيتي ووقفت حائراً فالوقت لم يعد كافياً لإعداد أبيات من الشعر أهنئُ بها عزيزي الدكتور في ليلة عرسه، فَيَوْمٌ وليلة في حسبان شاعر مثلي يتهجى الحروف الأولى في عالم الشعر لا تعد شيئاً، وإذا علمنا أن الفرزدق أحد فرسان الشعر الثلاثة في العصر الأموي قال ذات يوَم: إن نظم بَيْتٍ من الشعر في بعض الأحيان أشدُّ عليَّ من خلع ضرس، هكذا يقول الفرزدق، غير أني أقول: إن نظم بيت من الشعر في كل الأحوال أشدُّ عليَّ من خلع أسناني كلها. |
وإذا كان كعب بن زهير والحُطَيْئة وأمثالهما من أصحاب الحوليات يبدعون في العام قصيدة ففي كم سنة يمكنني إبداع قصيدة إذا اتخذت نهجَهُمْ مقياساً أسير عليه، أعتقد أن المدة لن تقل عن خمسِ سنوات. |
أنا لا ألوم أحداً غير نفسي في عدم علمي بضيف هذه الاثنينية إلا قبل يوم وليلة لأنني لم أحضر اثنينية الأسبوع الماضي لظَرْفٍ قاهرٍ حال بيني وبين الحضور وعلى نفسها جَنَتْ براقشُ. |
ولما لم أجد من الشعر مُسْعِفاً ولا مُنجداً، لجأت إلى أخيه النثر واقتحمت أبوابه رضِيَ أو لم يرضَ فلا مناص أمامي من سداد الدين إن لم يكن بالزيادة فليكن بمثله. فهذا عذري أنني لم أهيئ أبياتاً لهذه المناسبة والعذر عند كرام الناس مقبول. |
أيها الأخوة الحضور: |
الدكتور زهيرُ بنُ أحمد السباعي رجل فاضل كريم محب للخير، أحببته قبل أن أراه رأي العين، فلما التقيت به، وجمعتنا الصدف وسمعت منه ما استحوذ على مشاعري ازددت إعجاباً به وحبّاً له. |
لقد كان برنامج (الطب والحياة) وهو البرنامج التلفازي الذي أوجد له قاعدة كبيرة من المشاهدين، لما حفَل به من معلومات قيِّمة تحرصُ الجموع على متابعة فقراتها، وكنت أحدَ أولئك الذين كانوا يستمتعون بأحاديث الدكتور الطِّبِيَّة، ونصائحِهِ الصِّحيَّة. |
لقد كان برنامجُ (الطبِّ والحياة)، هو المحطة الأولى التي انطلقت منها في رحلتي للتعرف على أخي الدكتور زهير، وتابعت بعد ذلك كتاباته في الصُّحفِ المحلية، وأعجبني فيه اهتمامه وحسن اختياره للموضوعات التي يناقشها، ويلقى عليها الأضواء من جميع الجوانب بلغة سهلة بعيدة عن التعقيد والتكلف، تنساب في يسر إلى أعماق المتلقي، وتتمشى في وجدانه، وذلك هو الكاتب الذي يستطيع أن يكسِبَ حُبَّ قُرَّاءٍ يُغَطوُّن مساحاتٍ شاسعةً من طبقاتِ المجتمع المختلفة. |
|
وفي الندوة الخميسية الرفاعية، وهي المدرسة الأدبية والثقافية التي تخرجت فيها، والتي كان رائدَها وراعيها عبدُ العزيز الرفاعي رحمَهُ الله رحمة الأبرار، وأدخله الجنة دار القرار - والتي تعلمت فيها على يديه كما تعلم زملائي ولداتي عشاقُ الحرفِ والكلمة الكثيرَ الكثيرَ من الأدَب علماً وسلوكاً، والتقيتُ في أحضانهَا بفطاحلَ وفحول، أساطينَ كبار في العلم والشعر والإعلام، والسياسة وعلوم الدين والصحافةِ والتجارة والصناعة بل وفي كل مجالات الحياة. |
|
لقد كانت مورداً عَذْباً سَلْسَلاً يقصدُه العطاشى ليرتووا منه وليتزودوا بما يعينهم في رحلتهم، وأعترفتُ أني قد اغترفتُ من ينابيعِهِم الثرَّةِ ما بلَّ الصدى، وسقوني من شهد حديثهم ما أسكرني، وإنْ لم يكن الشَّهدُ مسكرا. |
وكان الدكتور زهيرٌ أحدَ الذين شَدُّوا انتباهِي إليهم فهو من الذين يكثرون الإنصات إلى غيرهم حتى يظُنَّ المرء أنهم لا يُحسنون إلا الإنصات والصمت، فإذا تحدثوا أبدعوا وأجادوا حتى يُخَيَّلَ إليك أنهم لا يجيدون غير الحديث. |
والدكتور زهير يصدق فيه قولُ الشاعر |
وأكثرُ ما يُلْفَى مع القومِ صامتاً |
وإنْ قال بذَّ القائلين وأحكما |
|
|
كما يصدق عليه قول أبي تمام |
وتراه يصغي للحديث بقلبه |
وبسمعه ولعله أدرى به |
|
|
لقد ضمتنا المدرسة الرفاعية، والتقيت بالدكتور هناك عدة مرات، فكان كثير الإنصات، لا يتكلم إلا إذا طلب منه الكلام فحينئذ يُطنب ويطرب، ويبدع ويُمتِعُ، ويحاور ويقنع. كما كان للأخ الفنان حامد عمر عولقي فضل أيضاً في تهيئة الفرص لي للإجتماع بالدكتور عند قدومه إلى جدة في فترات من السنة وذلك بعد عودتي من الرياض واستقراري بجدة. وفي عبارتي هذه إشارة وإيحاء إلى أن الدكتور زهير فنان يتذوق الشعر والموسيقى. |
والدكتور من القلائل الذين يملكون قلوب الآخرين بإحسانهم، لا أقول بأموالهم، ولكن بأخلاقهم قال الشاعر: |
أحسن إلى الناس تستعبدْ قلوبَهُمُ |
فطالما استعبد الإنسانَ إحسان |
|
|
والإحسان إلى الناسِ بكريم الأخلاق أسمى وأعظم تأثيراً في النفس من الإحسان بالأموال، ومن الأمثال المتداولة على ألسنة العامة قولهم: "قابلني ولا تؤكلني" فالبشاشة وحسن الاستقبال بالبسمة والترحيب، وطلاقة الوجه، تزرع في القلوبِ المحبةَ، وتطهر النفوس من أدران الكراهية والبغض والحسد، وتزيد عُرى الروابطِ الأخوية قوة ومتانة. |
|
وإذا صح القول ورواية "الأرواح جنودٌ مجنَّدةٌ ما تعارض منها ائتلف، ومَا تنافر منها اختلف" أو لم يصح، فإنه على أرضية الواقع قول صحيح، فقد وجدت مصداقيته في تجربتي مع الدكتور، لقد أحسست عند مصافحتي له، واعتناق يدي ليده وتأبط إحداهما للأخرى للمرة الأولى، أنَّ دماءَ شرايينِ راحتى، ودماء شرايينِ راحتِهِ تتدفق أمواجهما عبر مسام راحتينا وتمتزج دون أن تحدث شقوقاً أو جروحا، وشعرت بنبضات قلبي يزداد خفقانُها فأوحت إليَّ بأنها مشغولة بتأثيث الجناح الذي حجزته من قلبي ليستقر به الضيف العزيز، وقد أحسن إلي حين قبل السكنى. ثم واصل الدكتور إحسانه إلي حتى أستطاع أن يمتلك قلبي وشَغَافَه. |
ومن بعض إحسانه إليَّ: أن أحدَ الصحفيين خلال حوار معه سأله عني فأثنى عليَّ جزاه الله خيراً ثناءاً جماً، ومنحني في الشعر مرتبة لا أدعي أنني أستحقها، وربما كنت آخِرَ من يطمع في نيلها، ولكن الكريم يظل كريماً ينضح بالإحسان، وقبل أن أغادر مكاني، وأضع اللاقط جانباً أود أن أقول للدكتور بنِ أحمدِ السباعي امتثالاً وطاعة لأمر رسولنا الكريم محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام حيث ورد عنه أنه قال: "إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه". وإنني من هذا المكان، وفي هذه الليلة المباركة التي يحتفي فيها الأستاذ الوجيه الكريم عبد المقصود خوجه بالدكتور زهير بن أحمد السباعي عضو مجلس الشورى، وعريس هذه الاثنينية أقول له كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لمعاذ "يا معاذ إني أحبك" وأنا أقول: أيها العزيز زهيرُ بنُ أحمدِ السباعي إني أحبك حبّاً في الله ولله، حبّاً صادقاً، لا تشوبُه شائبة، وأدعو لك من كل قلبي الذي أصبحت تشاطرني فيه أن يديم عليك ربي نعمةَ الإسلام، وأن يمنَحك الصحة والعافية، وأن يكلّل أعمالَك بالنجاح، لتظل نجماً زاهراً في سماءِ مملكةٍ تزخر بالكواكب والنجوم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
|
|