شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
إنسان ثمالة القرن
يُشبه الحزن ما بي هذا المساء
المواعيد مسروقة
لا تجيء من الوقت
إلاّ ليخطفها الوقت
حتى ليفرغ مني الأنا!!
محمد القيسي -فلسطين
يا إنسان ما تبقَّى من القرن العشرين:
أيها الطالع حذو همومك.. الهابط إلى أسفل انهزاماتك النفسية:
الآن -يا إنسان الكل مكان من الكرة الأرضية- أنت لا تقدر أن تجعل فرحك يغبطك، فهو فرح اللحظة، وما بعد اللحظة لا بد أن تفيض انهيارات الحزن، فتُقوِّض النفس الإنسانية وتشوهها!
الآن.. ماذا تبقَّى من الحضارة، وماذا حصدنا من المدنية، وما مقدار تأثير العلم أو المعرفة في ذهن الإنسان؟!
لقد تبقَّى من الحضارة: قوة السلاح، وقوة صانعي السلاح، وضعف الموجه إليهم السلاح!
لقد حصدنا من المدنية: زيف الحقائق، وبهرج المظاهر، وشرخاً يفصم الشعور الإنساني ويهدّه.
ولم يعد العلم يؤثر على ((القوة)) ليوظفها الإنسان من أجل رفاهيته، وإنما يستثمرها في إحساسه بالقوة لمصالحه.. فإذا العلم لا أكثر من كراسة تُدرَّس في الجامعات، لا يستفيد من ثمارها المتخرج إلى الحياة العملية، وهو يواجه العنف، والخوف، وتسلّط القوة، وهو يعاني من ابتعاد الإنسان عن أخيه، والصديق عن صديقه، والابن عن أبيه، والبنت عن أمها!
* * *
الآن.. يا إنسان ما تبقَّى من القرن العشرين: أصبح يقال إن الحب ضروري، وأصبحت تقام الحروب الضرورية، وباتت تتعالى الضحكات الضرورية!
الإنسان ينتصب في أعصاب اللهفة، وينحطّ في مسببات الأشياء التي تفرض على إنسان هذا العصر أن يؤرجح أنانيته ويتطوح، وأن يتذكر شهواته، وينسى طيبته وروابطه بالناس!!
أصبح الافتراض يسري على كل الأشياء.. الحقيقية منها والشاحب!
وما الذي يمكن أن يتحقق منه إنسان ما تبقَّى من القرن العشرين.. إذا كان العالم ينفق على التسليح اليوم أكثر من خمسمائة ألف مليون دولار.. بينما نستطيع بنسبة 20% فقط من هذا المبلغ أن نلغي الهوة التي تفصل بين الدول الفقيرة والدول الغنية؟!
كان السؤال الصعب الذي ينتصب في وجه الإنسان هو: ما الذي تنتظره؟!
وكان التعبير البسيط المعتاد كإجابة على السؤال هو: لا أعلم ما الذي أنتظره!
أما اليوم، فالسؤال بعد الانفصام يقول: ما الذي تراه.. أو ما الذي تعلمه؟!
والإجابة الصعبة تقول: إنني أرى كل شيء في ما لا أراه، ولا أرى شيئاً في ما هو أمامي، والذي نعلمه كثير إلى درجة أننا لم نعد نعلم شيئاً مما يجري فوق الكرة الأرضية.. مما هو سريع وخاطف وفجائي ومتردٍّ!
أصبحت الإجابة تقول: إن العالم لم يعد متردداً وإنما هو متردٍّ!!
إن الاقتحامات التي يصنعها إنسان ما تبقَّى من القرن العشرين تنطبق تماماً على العبارة التي قالها من زمن ذلك العالم الأمريكي ((ألبرت جيورجي)):
- ((إن العنف الإيجابي.. يصبح مشروعاً أمام العنف السلبي!!)).
بمعنى أن الإنسان هو روح وطريقة، وعليه أن يبحث عن روحه ليستطيع أن تكون له طريقة، وأن يتحصل على معنى ما، وتجسيدٍ ما.. لتكون له فكرة، ويتضح له هدف بين الأنقاض المتراكمة للسلام، وللأمان، وللحضارة، وللمدنية!!
أصبح التعبير هو: إذا كنت لا تعلم.. فاسأل الآخرين أيضاً عن الذي لا يعلمونه، فالذي لا تعلمه قليل.. أما الذي لا يعلمه غيرك فهو الكثير!!
ولا بد أن تجارة السلاح، ودعوى ضرورة التوفيق بين شعب وعدوه سارق أرضه، وإشاعة الافتراض الذي يسري على كل الأشياء.. لا بد أنها تُشكِّل التزام القوى الكبرى في العالم ليصبح العنف الإيجابي من إسرائيل مثلاً.. مشروعاً أمام العنف السلبي من مؤيدي إسرائيل ضدها!
إن الإنسان اليوم لا يود أن يعلم كل الحقيقة، ولا يريد أن يشاهد كل جوانب الصورة المنشودة في أمانيه وطموحاته.. فإطلاق الحقيقة لتكون هي كل الاهتمام.. من الضروري أن يعيدنا إلى جعل ((الافتراض)) إلزامياً وعفوياً في نفس الوقت.. كذلك فإن جانباً واحداً من الصورة المشوّشة اليوم نحاول أن نجعله ((نداهة)) الفرح، أو هو الفرح الذي قيل عنه: إنه الألم متقهقراً!
* * *
الآن.. يا إنسان ما تبقَّى من القرن العشرين:
ها هي وجوه تحاول أن تثبت أنها ملامح صافية، وأن ما ينعكس على قسماتها هو الخلاص من الألم، وهو هجعة الجراح!
وها هي وجوه تقف أمام المرايا.. تفتش عما ضاع من ملامحها، وما تعتَّم من جوانب الصورة، فكأنها تبحث عن الأقوال المختلطة بنزيف البحور على الشطآن، أو نزيف الأعماق من الداخل!
وها هي وجوه تقترب من المرايا.. لعلّ الوجوه تنضح بما تغرَّب من ((الميجانا)) و ((أبو الزلف))، وتُبدَّد في مساحات الدنيا الراقصة على الريح والرماد!
ولم يزل إنسان الأرض المحتلة يقف فوق آهته، ويتمدد في صقيع الألم المتقهقر فرحاً إلى الذين استحوذوا على الأرض، وتملَّكوا أحقية كتابة التاريخ المتورط!
ولم يزل إنسان الأرض المحتلة.. قادماً إلى آلامه وهو نقطة فوق كلمة مجروحة بالظلم.. فوق عبارة منقوعة في الظمأ!
إنه ما زال الإنسان المتعب من ضنى المفاهيم ((المدبلجة!)).. المرهق من كثافة المكياج الذي وضعوه على وجه القضية الحزين والشاحب.. ليصبح وجهاً مبتسماً وأنواراً!!
* * *
الآن.. يا إنسان ما تبقَّى من القرن العشرين:
الوقوف مستمر في أزقة الزمان، وجلود الوجوه أقنعة ((كرنفالية))، زاهية الألوان.. في عصر كل كلماته عن الشوق المنحط!!.. وكل لقاءاته زوبعة بلا مناخ، وكل ابتساماته جراح متيبسة!
إنه وجه إنسان ما تبقَّى من القرن العشرين.. ضاعت ملامحه في رفض الخيبة بالاندماج في القتل والهجر والتفريط، وبالاندماج في الهناء المؤقت للترويح!
أو كأنَّ هذه هي طبيعة إنسان هذا العصر اليوم: ممكن أن يعيش بقلب من البلاستيك أكثر من ثلاثة شهور، وهو أقصى مقدرته على حب الآخرين!
ممكن أن ننهي حوافزنا وطموحاتنا خلال دقائق من الخدعة، والتفرُّد، وعزف النشيد الوطني لتتصافح الأيدي التي حملت السلاح ووجهته إلى بعضها البعض.. فيختفي حينذاك الحق الصهيوني خلف قناع الكرنفال الزاهي!
ممكن الآن أن تبادر إسرائيل إلى القتل والتوسع والعدوان بكامل الرؤية، وفي لحظة تفتح الأزهار في الربيع، وجريان الجداول والأنهار، ونقول كلاماً بعد ذلك أروع من النيل، وأحلى من المحبة، وأجمل من الوفاق، وننسى أن عدوّنا يلتهمنا بالتقسيط!!
* * *
الآن.. يا إنسان ما تبقَّى من القرن العشرين:
كل الغزل الذي يتلاعب في نن عين الحبيبة، قد انطفأ.. لأن الأسئلة ترجمنا!
كل السلام واقف متخشب.. لأن زينته ((باروكة)) مصففة لا يؤثر فيها المطر!
كل النبض سقط في امتحان البحث عن النتائج الباهرة التي تحدث عنها في الزمن القديم علماء أطلقوا النار على أنفسهم!
الآن أيها الإنسان المجندل في الأرض المحتلة: أشم أريجك ألف مرة في الليل.
أشم يباسك واختلاطك بالنمل ألف مرة في النهار.
الآن.. أجري معك في مفاوز الرهان على استرجاعك لأرضك.. لكني أتباطأ قليلاً بمحاذاة خبر عن الذين يعبرون عن ارتياحهم التام وهم يموتون!
يقول الخبر القديم الذي أتذكره لك: توصل عالم إلى جعل الوردة تتفتح في ساعات أقل من الزمن الذي اعتاد الناس أن ينتظروا فيه تفتحها، ولما انتهى من توصله هذا.. أطلق النار على نفسه لأنه أراد أن يعبر عن ارتياحه التام بالموت!!
وليست هذه نتيجة الأسئلة التي ترجمنا.. إنما هي عبور صعب أو جديد إلى النقطة التي يقف فيها الإنسان أمام المرايا!!
وهكذا.. كانت ذرات رمل تبعثرها الريح في ليلة تشتاق إلى مطر!
وهكذا.. كانت العيون تتحول إلى رئات تستنشق الغبش، ورائحة الطل، ولم يعد الكلام عن المحبة، والكلام عن السلام، والكلام عن الحقوق المشروعة كلاماً مفهوماً لأنه حدث فجأة، أو أنه الحدث الفجائي الذي يعني هزيمة الأشياء المنهزمة!
* * *
الآن.. يا إنسان ما تبقَّى من القرن العشرين:
لم يزل الإنسان يحاول تصحيح غلطة.. هدفها أسطوري، أو تمويه كراهية صهيونية.. امتدادها تاريخي عرقي، أو مضاجعة نزق النسيان الدعائي!
الآن -وبلا جدال- ها هو العالم يتصارع مقهقهاً، والتعامل الإنساني يصنع كل يوم هذا الاشتهاء الفريد للحنان الوحشي!
الآن -وببساطة- ها هي العبارات النارية تهطل كالمطر.. فوق رؤوس يعيد أصحابها قراءة خطوط أكفِّهم!!
* * *
الآن.. يا إنسان ما تبقَّى من القرن العشرين:
ليس هذا هو الإنسان كله.. ليسوا هؤلاء هم كل الناس، فلا بد أن هناك فوق نقطة ما من دورة الكرة الأرضية.. من يقف من الناس ليغني العتابا والميجانا وأبو الزلف.. ينشد للحياة في أصداء العيارات النارية هذه العبارة:
((لقد صرت أنا الحب..
وحدي أنا الحياة والموت..
أنا المقاومة والاستشهاد.
وحدي أحمل فوق رأسي إكليلاً من الجنون..
أطوف حول داري المشرد منها..
آخذها لأعطيها حريتي..
وأمنحها حرية التاريخ))!!
إن الشروط العقلية المرهقة.. هي أن نفكر جيداً لئلا نعيد حماقاتنا كلها إلى الافتراض حينما يتحول إلى إلزام، وأن نرى بوضوح لنستطيع أن نفهم ما نقول من خلال تعرفنا على لغة الآخرين بكل ما فيها من تورية، وسجع، ورمز، وإيحاء!!
إن صدورنا تكبر برحابة هذا المدى.. وفي أذهاننا مربعات نمارس فوقها لعبة الكلمات المتقاطعة، ونتلهَّى برؤية الذين يشعلون النار في الزهور، وتنطلق قهقهاتهم متقهقرة!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :498  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 121 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

وحي الصحراء

[صفحة من الأدب العصري في الحجاز: 1983]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج