شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أيها العيد
لي ربيع.. فيك خبَّأته.
مِلْء دنيا قلبي المتعب.
يوم عيناها: بساطُ سَما.
والرماح السود.. في الهدب!!
أيها ((العيد)) القادم دائماً إلى أمانينا:
إننا -نحن الإنسانيين- ندور في داخل الزمان الذي لا يستقر: محوره متسع، ودوائره تكبر وتتضخم!
إننا صنّاع هذا العصر.. المقتول بمادياته، وبأنانية إنسانه، وبمطالبنا التي صارت كالشفرة الحادة!
نحن ((مضرّجون بالحنان)).. وفاقدون له!
نأتي إلى ((الشعور)) الإنساني، فلا تتآخى التجربة معه!
أيها ((العيد)) الذي نأمل أن يغيّرنا:
إنني وحشة الألوان في الظلال!!
أتشبث بتراب أرضي الغالية، بكل تاريخ الهدى والنور.. فأجد إنسانيتي ما زالت تتفتح بالإصرار على الحب، وعلى التماسك.. برغم موجات وتقلبات العصر ودواعيه.
إنني أرتبط بالعالم كله.. فأشاهد هذا الجنون، وأرفض أن أبتعد عن هذا التراب.. برغم أنني أتفرج على العالم وهو ينتحر!
تعتسفني لحظات خوف من الاقتحام.. فألوذ إلى إيمان أعمق.
إنني هذا ((الفارس)) الذي يصول.. في هذا ((النقع)) الذي يُثار مستهدفاً الخير، والأمان.
فهل تتوافق الفروسية مع الاقتحام، ويتمخض التحدي عن نصر على أعداء الخير، والسلام، والمحبة؟!
أم أن الإنسان في وقوفه وتصدّيه يُعبِّر عن القدرة.. وفي سقوطه وضعفه يُعبِّر عن انحراف القدرة؟!
ما زالت رؤاي -في مناسبة كهذه- تفتش عن الحياة في المحبة، وفي الإلفة، وفي الوفاء!
إن فلسفة ((التعاقب)) الزمني تتصرف بها مشاعرنا نحو من منحناهم أصدق وأنضر مواقف العمر، فتنكروا لها!
إن هذا المنح.. لن يكون بدافع التضحية، بل بإصرار الأمل، والثبات، والوفاء.. حتى لا يكون هذا ((التعاقب)) مجرد أصداء.. بل نجعله يفيض بالوقت، وبالسؤال، وبالأشواق!!
إنَّ تصورات الإنسان تركض في داخل النفس أحياناً فوق الإرادة.. كما يركض طفل صغير إلى أمه!
إنّ تصوّراتنا هي الطفل فينا.. لكنّنا نتناسى وصايا المربيّن بعدم ضرب الأطفال على كل شيء يصدر منهم!
إنّ السنين تتعاقب.. فهل يتعاقب الحب في أفئدة الناس؟!
نحن في حاجة ملحّة إلى فهم الفرق بين أن نحيا، وأن نعيش!
* * *
كل عام والناس الطيبون بخير.
هكذا نتوجه بضمائرنا، وبأمانينا إلى ((العيد)).. بعد أن حاولنا إذلال شهواتنا، وأردنا أن نزفّ الروح إلى استجلاء ((إنسانيتنا)) في مساحة غير محدودة من مشاعر الحب، والخير، والوفاق، والتسامح!
إنها مناسبة تأكيد ((الشعور الواحد)) في نفوس الجميع.. وهي مناسبة رائعة، وحافلة بالتودد، وبالنقاء، وبالصفح.. أستذكر فيها معكم -حين أهنئكم- هذه الصورة المجسمة التي رسمها بالكلمة ((مصطفى صادق الرافعي)).. يوم كانت الخفقات تعلن دوماً عن ميلاد الفرح، فقال:
- ((إن العيد.. هو يوم الشعور الواحد في أفئدة الجميع، والكلمة الواحدة على ألسنة الجميع.
إنه استرواح القوة من جدّها، وإثبات وجودها الروحي من أجل معانيه!)).
هكذا كانوا يكتبون للناس عن ((العيد))، وعن ذخائر الإنسان.
هكذا نحتاج إلى إلفة المشاعر، وائتلاف الناس كأنهم جميعاً إنسان واحد.. حتى تكون الحياة في مطامحها، وآمالها، وركضها: استحقاقاً كريماً.. لا ممارسة مهينة!
لا قيمة لحياة بلا محبة.. ولا قيمة لعمر بلا عمل منتج مثمر.. ولا قيمة لعمل بلا رحمة، ينبع بها القلب، ويضيء بها العقل!
حين نوظّف أحكام العقل، ونرهن صدق الوجدان.. في تلك التفاصيل الضيقة والأنانية، فلا بد أن نخسر الحقيقة، ونطعن الفرح في طغيان شراهة ((الأنا))!
إنّ صفاء العقل، ونقاء الوجدان.. يدفعان الإنسان إلى المعرفة الأشمل، وإلى فهم الحياة والأحياء، وإلى تبصُّر التفاصيل، التي تدل على قيمة الحياة بوحدة الجماعة، وبإضاءة النفس.
إنّ نفسك ليست لك وحدك..
إنّ وجدانك بدون الناس: أجوف، ومفرّغ من الفهم والحس، ومن قدرة الخير على المحبة!
* * *
أيها ((العيد)) الذي تحول إلى مجرد بطاقة معايدة:
إنّ السماء لا تقفل أبوابها.
إنّ الله -جل جلاله- أكثر رحمة، وغفراناً من الإنسان على الإنسان، وعلى نفسه.
إننا في لحظات المحن.. نحتاج إلى المزيد من الإيمان والإرادة، لنتجاوز خوفنا، وتوترنا، وقلقنا، وكآبتنا، وكل الإحباطات التي يرمينا بها أعداؤنا.
مطلوب منا -بالإيمان- أن نجتاز ألوان الألم والتحديات التي تستهدف ديننا، وأرضنا، وأمننا، وثرواتنا.. حتى نستقبل الفرح الذي يصنعه قرار الكرامة، وفعل الحق.
نقول ذلك لأنفسنا في سبحة الروح.
نقول ذلك لتاريخ أمتنا العربية.. في تكثيف الأعداء اليوم لحقدهم على ديننا، وعلينا.. ونحن نصارع همجية وقسوة الطغاة الصهاينة في الأرض الفلسطينية المحتلة، وقوة مقاومتنا: الإيمان، والإيمان، والإيمان.. ثم الحجارة!
لقد عبرت أمتنا ليل المحن مرات عديدة بإرادة الإيمان.. هذه الأمة التي صنعت نجاحها، ورفعت رايتها، وحققت انتصاراتها.. يوم استمسكت بالعروة الوثقى، ويوم اتّحدت وتضامنت.
إنها أمة تحتاج اليوم إلى صف واحد، وكلمة واحدة، وسلوك متحد: أن تَصْدُق وأن تؤمن!!
* * *
أيها العيد الذي تحفُّه أحلامنا، وأمانينا، وأحزاننا:
إنَّ حضارة ((العقل)) في فيضان تفوقها.. قد تتحول إلى فعل مادي بحت، أو إلى جنون، أو إلى انحراف وتمزُّق يسري إلى تماسك الروح، ويفعل الخلخلة!
أما حضارة ((الروح)).. فهي التي تبقى دائمة: قدرة تتحكم في السلوك، وفي شطحات الماديات والخيال، وفي قيمة الوشائج الإنسانية التي تحافظ على إبقاء المجتمع في وحدة، وفي روابط قوية!
إنَّ الإنسان على أرضية العالم اليوم.. يعاني من ((ورقة النشاف)) التي اندلقت عليها أحلامه، فامتصتها.
إنَّ الإنسان لم يحقق من انتصاراته المادية إلاّ ما كان خاضعاً للحاجة الملحَّة.. لدرء أخطار الكوارث النابعة من استرخاء الحوافز!!
أما انتصاراته الروحية والمعنوية.. فإنها تناضل في المعاناة.
إنه عالم ما زال يحلم.. ولكنَّ أحلامه ليست ملكاً له، وقدرته على حيازتها متهالكة وخائفة، ومفجوعة!
إن الرمال تسافر، ولكنْ.. ببطء!!
والذي يركض في هذا الكون.. هي أحلامنا!!
ولكنْ.. كيف يمكن أن نحرك الزمان، وأن نتحرك فيه؟!
أن نشتاق.. وننتظر الغد؟!
أن نفكر، ونتألم، ونغتاظ، ونحتدّ، ونمرح، ونحب، ونتجلَّط، ونتساءل!
إنّ في جمجمتي آلاف الأسئلة المغتاظة!
إنَّ في قلبي ملايين الخفقات المشتاقة!
إنّ في عينيّ شوق السهارى.. للذين ناموا على الراحة، ونسوا أن يستيقظوا!!
هكذا يأتي ((العيد)).. وهكذا ينبغي أن أكتب عنه وله!!
إنني إنسان هذا العصر.. أُشاهد هدم القيم، والمثل، والأصالة، والحضارة، بنوايا الدمار، وباشتعال الحروب، وبتفشّي القسوة، واللامبالاة، وتصدّع السلوك، وبالتسيّب، وبسيادة القوة!!
أشاهد: كيف تتكالب الماديات، فتُسحق الروح في الإنسان.
أشاهد: كيف يتباعد الناس من أجل ريال، وكيف يتقاربون من أجل قرش؟!
أشاهد: الظل يهرب من أصله!!
* * *
أيها ((العيد)) الحفيّ بتذكيرنا، وتجميعنا:
إنني إنسان هذا العصر.. أشاهد انهيار العاطفة في استغوال المصلحة!
كُنت سيّد البال.. فدخلتِ التواريخ، والمتغيرات، والصدمات خاصرة أشواقي.. وأنهدّ الفرح بالتَّرح!
إنني جنون الأوراق البيضاء في عواصف النفس، والسلوك، والعقل!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :460  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 119 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.