أيها العيد |
لي ربيع.. فيك خبَّأته.
|
مِلْء دنيا قلبي المتعب.
|
يوم عيناها: بساطُ سَما.
|
والرماح السود.. في الهدب!!
|
أيها ((العيد)) القادم دائماً إلى أمانينا: |
إننا -نحن الإنسانيين- ندور في داخل الزمان الذي لا يستقر: محوره متسع، ودوائره تكبر وتتضخم! |
إننا صنّاع هذا العصر.. المقتول بمادياته، وبأنانية إنسانه، وبمطالبنا التي صارت كالشفرة الحادة! |
نحن ((مضرّجون بالحنان)).. وفاقدون له! |
نأتي إلى ((الشعور)) الإنساني، فلا تتآخى التجربة معه! |
أيها ((العيد)) الذي نأمل أن يغيّرنا: |
إنني وحشة الألوان في الظلال!! |
أتشبث بتراب أرضي الغالية، بكل تاريخ الهدى والنور.. فأجد إنسانيتي ما زالت تتفتح بالإصرار على الحب، وعلى التماسك.. برغم موجات وتقلبات العصر ودواعيه. |
إنني أرتبط بالعالم كله.. فأشاهد هذا الجنون، وأرفض أن أبتعد عن هذا التراب.. برغم أنني أتفرج على العالم وهو ينتحر! |
تعتسفني لحظات خوف من الاقتحام.. فألوذ إلى إيمان أعمق. |
إنني هذا ((الفارس)) الذي يصول.. في هذا ((النقع)) الذي يُثار مستهدفاً الخير، والأمان. |
فهل تتوافق الفروسية مع الاقتحام، ويتمخض التحدي عن نصر على أعداء الخير، والسلام، والمحبة؟! |
أم أن الإنسان في وقوفه وتصدّيه يُعبِّر عن القدرة.. وفي سقوطه وضعفه يُعبِّر عن انحراف القدرة؟! |
ما زالت رؤاي -في مناسبة كهذه- تفتش عن الحياة في المحبة، وفي الإلفة، وفي الوفاء! |
إن فلسفة ((التعاقب)) الزمني تتصرف بها مشاعرنا نحو من منحناهم أصدق وأنضر مواقف العمر، فتنكروا لها! |
إن هذا المنح.. لن يكون بدافع التضحية، بل بإصرار الأمل، والثبات، والوفاء.. حتى لا يكون هذا ((التعاقب)) مجرد أصداء.. بل نجعله يفيض بالوقت، وبالسؤال، وبالأشواق!! |
إنَّ تصورات الإنسان تركض في داخل النفس أحياناً فوق الإرادة.. كما يركض طفل صغير إلى أمه! |
إنّ تصوّراتنا هي الطفل فينا.. لكنّنا نتناسى وصايا المربيّن بعدم ضرب الأطفال على كل شيء يصدر منهم! |
إنّ السنين تتعاقب.. فهل يتعاقب الحب في أفئدة الناس؟! |
نحن في حاجة ملحّة إلى فهم الفرق بين أن نحيا، وأن نعيش! |
* * * |
كل عام والناس الطيبون بخير. |
هكذا نتوجه بضمائرنا، وبأمانينا إلى ((العيد)).. بعد أن حاولنا إذلال شهواتنا، وأردنا أن نزفّ الروح إلى استجلاء ((إنسانيتنا)) في مساحة غير محدودة من مشاعر الحب، والخير، والوفاق، والتسامح! |
إنها مناسبة تأكيد ((الشعور الواحد)) في نفوس الجميع.. وهي مناسبة رائعة، وحافلة بالتودد، وبالنقاء، وبالصفح.. أستذكر فيها معكم -حين أهنئكم- هذه الصورة المجسمة التي رسمها بالكلمة ((مصطفى صادق الرافعي)).. يوم كانت الخفقات تعلن دوماً عن ميلاد الفرح، فقال: |
- ((إن العيد.. هو يوم الشعور الواحد في أفئدة الجميع، والكلمة الواحدة على ألسنة الجميع. |
إنه استرواح القوة من جدّها، وإثبات وجودها الروحي من أجل معانيه!)). |
هكذا كانوا يكتبون للناس عن ((العيد))، وعن ذخائر الإنسان. |
هكذا نحتاج إلى إلفة المشاعر، وائتلاف الناس كأنهم جميعاً إنسان واحد.. حتى تكون الحياة في مطامحها، وآمالها، وركضها: استحقاقاً كريماً.. لا ممارسة مهينة! |
لا قيمة لحياة بلا محبة.. ولا قيمة لعمر بلا عمل منتج مثمر.. ولا قيمة لعمل بلا رحمة، ينبع بها القلب، ويضيء بها العقل! |
حين نوظّف أحكام العقل، ونرهن صدق الوجدان.. في تلك التفاصيل الضيقة والأنانية، فلا بد أن نخسر الحقيقة، ونطعن الفرح في طغيان شراهة ((الأنا))! |
إنّ صفاء العقل، ونقاء الوجدان.. يدفعان الإنسان إلى المعرفة الأشمل، وإلى فهم الحياة والأحياء، وإلى تبصُّر التفاصيل، التي تدل على قيمة الحياة بوحدة الجماعة، وبإضاءة النفس. |
إنّ نفسك ليست لك وحدك.. |
إنّ وجدانك بدون الناس: أجوف، ومفرّغ من الفهم والحس، ومن قدرة الخير على المحبة! |
* * * |
أيها ((العيد)) الذي تحول إلى مجرد بطاقة معايدة: |
إنّ السماء لا تقفل أبوابها. |
إنّ الله -جل جلاله- أكثر رحمة، وغفراناً من الإنسان على الإنسان، وعلى نفسه. |
إننا في لحظات المحن.. نحتاج إلى المزيد من الإيمان والإرادة، لنتجاوز خوفنا، وتوترنا، وقلقنا، وكآبتنا، وكل الإحباطات التي يرمينا بها أعداؤنا. |
مطلوب منا -بالإيمان- أن نجتاز ألوان الألم والتحديات التي تستهدف ديننا، وأرضنا، وأمننا، وثرواتنا.. حتى نستقبل الفرح الذي يصنعه قرار الكرامة، وفعل الحق. |
نقول ذلك لأنفسنا في سبحة الروح. |
نقول ذلك لتاريخ أمتنا العربية.. في تكثيف الأعداء اليوم لحقدهم على ديننا، وعلينا.. ونحن نصارع همجية وقسوة الطغاة الصهاينة في الأرض الفلسطينية المحتلة، وقوة مقاومتنا: الإيمان، والإيمان، والإيمان.. ثم الحجارة! |
لقد عبرت أمتنا ليل المحن مرات عديدة بإرادة الإيمان.. هذه الأمة التي صنعت نجاحها، ورفعت رايتها، وحققت انتصاراتها.. يوم استمسكت بالعروة الوثقى، ويوم اتّحدت وتضامنت. |
إنها أمة تحتاج اليوم إلى صف واحد، وكلمة واحدة، وسلوك متحد: أن تَصْدُق وأن تؤمن!! |
* * * |
أيها العيد الذي تحفُّه أحلامنا، وأمانينا، وأحزاننا: |
إنَّ حضارة ((العقل)) في فيضان تفوقها.. قد تتحول إلى فعل مادي بحت، أو إلى جنون، أو إلى انحراف وتمزُّق يسري إلى تماسك الروح، ويفعل الخلخلة! |
أما حضارة ((الروح)).. فهي التي تبقى دائمة: قدرة تتحكم في السلوك، وفي شطحات الماديات والخيال، وفي قيمة الوشائج الإنسانية التي تحافظ على إبقاء المجتمع في وحدة، وفي روابط قوية! |
إنَّ الإنسان على أرضية العالم اليوم.. يعاني من ((ورقة النشاف)) التي اندلقت عليها أحلامه، فامتصتها. |
إنَّ الإنسان لم يحقق من انتصاراته المادية إلاّ ما كان خاضعاً للحاجة الملحَّة.. لدرء أخطار الكوارث النابعة من استرخاء الحوافز!! |
أما انتصاراته الروحية والمعنوية.. فإنها تناضل في المعاناة. |
إنه عالم ما زال يحلم.. ولكنَّ أحلامه ليست ملكاً له، وقدرته على حيازتها متهالكة وخائفة، ومفجوعة! |
إن الرمال تسافر، ولكنْ.. ببطء!! |
والذي يركض في هذا الكون.. هي أحلامنا!! |
ولكنْ.. كيف يمكن أن نحرك الزمان، وأن نتحرك فيه؟! |
أن نشتاق.. وننتظر الغد؟! |
أن نفكر، ونتألم، ونغتاظ، ونحتدّ، ونمرح، ونحب، ونتجلَّط، ونتساءل! |
إنّ في جمجمتي آلاف الأسئلة المغتاظة! |
إنَّ في قلبي ملايين الخفقات المشتاقة! |
إنّ في عينيّ شوق السهارى.. للذين ناموا على الراحة، ونسوا أن يستيقظوا!! |
هكذا يأتي ((العيد)).. وهكذا ينبغي أن أكتب عنه وله!! |
إنني إنسان هذا العصر.. أُشاهد هدم القيم، والمثل، والأصالة، والحضارة، بنوايا الدمار، وباشتعال الحروب، وبتفشّي القسوة، واللامبالاة، وتصدّع السلوك، وبالتسيّب، وبسيادة القوة!! |
أشاهد: كيف تتكالب الماديات، فتُسحق الروح في الإنسان. |
أشاهد: كيف يتباعد الناس من أجل ريال، وكيف يتقاربون من أجل قرش؟! |
أشاهد: الظل يهرب من أصله!! |
* * * |
أيها ((العيد)) الحفيّ بتذكيرنا، وتجميعنا: |
إنني إنسان هذا العصر.. أشاهد انهيار العاطفة في استغوال المصلحة! |
كُنت سيّد البال.. فدخلتِ التواريخ، والمتغيرات، والصدمات خاصرة أشواقي.. وأنهدّ الفرح بالتَّرح! |
إنني جنون الأوراق البيضاء في عواصف النفس، والسلوك، والعقل! |
|