أعز الناس |
يا بعيدهْ
|
غفوةٌ في خاطر الأمس: حكاياكِ
|
وتهويم القصيدهْ!
|
أنتِ يا ثائرةً تزرع ناراً في التلال
|
تسألين الليل والواحات عن أرض المحالْ
|
وأنا في الليل ديوان هموم، وسهرْ
|
وغناءٍ.. وينابيع ضجرْ!!
|
|
يا أعز الناس: |
أنتِ فقط.. ويملأني الجنون كلما توسّدت ملامحك مَفارق لحظاتي. |
أريد أن أخطفك بكل هذا الجنون، وأنت تضحكين راضية، وأغني لك كلمات الأزهار التي يوقظ عطرها مستحيلنا! |
مشكلة.. أن نفلسف أمانينا، وأن نعقل أحلامنا ونرصدها كتمثال. |
أنتِ فقط.. وتأخذني شهقة الفرح إلى تأمل الصباح القادم الذي سيجمعنا في حياة واحدة.. وأجعلك في هذه الحياة أنت الخلاص من الغربة والوقوف الممل.. وتجعليني الرجل الذي يمزق الفرار، وتصلين به إلى الوجود! |
أجيء دائماً إلى وجهك.. وأنت تتفتحين كزهرة، كهمسة، كقبلة.. فكل الوجوه واحدة إلاّ.. وجهك! |
لكن.. يا أعز الناس: |
ها أنذا عدت من جديد إلى الأماني الطباشيرية.. أكتب وأمحو، حتى ينتهي الدرس، ويأتي الوقت الفاصل، أو.. حتى ينتهي الوقت/العمر! |
أتأمل طريقتك في الكلام.. ربما أنتِ تريدين إشعاري أو إدخالي إلى تصوّف العاطفة. |
وأمامك.. لا أطالب بعودة ما خرج من عقلك وعقلي وتشرنق فكرة تتعمّق حتى تمتزج بالشعور، ولكني أطالب -بإصرار- أن تعترفي بما دخل إلى قلبك وقلبي.. اعتراف الحياة، لا اعتراف ((المعلومة))! |
لقد أحصيتُ سنوات طويلة.. كنت فيها أضطر إلى عقلي من أجل راحة مَنْ أحب، وتعذيب وجداني بالحب! |
فكيف تبدو الأماني -سيدتي- عندما لا يجد الإنسان في داخله سوى التوقف.. وعندما ينكفئ القلب على الضلوع خوفاً من الرعد والصواعق؟! |
أتساءل بأسى، ولا أقصد تأليمك: |
- هل مطلوب مني أن أوافق وأهدهد فكرة ((الترسُّب)) في داخلي -كما تفعلين أنت- فأحيل أعماقي إلى لحد، أو إلى شيء تراكم فاختلطت معالمه؟! |
ها أنذا أقسو على نفسي. |
ولعلّي أقسو عليكِ أنت، فأنت نفسي.. ومقدار الحب في نفسك ونفسي واحد: عذابك كعذابي، وحيرتك ربما كانت أكثر من حيرتي! |
وكنتُ قد وعدتكِ أن أنفي الحزن عني، وأستقبل الفرح كلما فكّرت فيك بتجسيد لك.. بمعنى كل يومي وليلي، فالتفكير فيك لا يتوقف، ولكني اليوم كنت على وشك أن أتنبَّه لحزني.. ويعني هذا الانتباه أنني أتحدد، فيصبح المراس على تحمل الصمت حباً أكبر! |
ولماذا المراس على الصمت يا أعز الناس؟! |
هل أضع أمامك هذه الصورة التي أراها؟! |
حسناً.. ربما أبدو من خصاصها أو في انعكاساتها طفولياً أو مراهقاً، لكني أذكر لك الحكاية التي رويت عن ((برنارد شو)) الساخر: |
- كان يواري في صدره حباً كبيراً.. وكانت حصيلة ذلك الحب: عذابه، فقد رحلت الأنثى التي عشقها، وتغرّبت، وتركت له ورقة صغيرة، قالت له فيها: لا تنتظرني، فسوف يطول غيابي! |
وبكى على فراقها موجوعاً، واحتفظ بكل تلك الدموع شجوناً في صدره. |
وبعد خمسة وعشرين عاماً.. قرعت بابه ذات مساء، وأخذها إلى صدره، وأخذته إلى دفئها وحنانها.. وقال ((برنارد شو)) يومها: |
- ((كنت في ذلك الحين أعاني من آلام مبرحة في مفاصل قدمي، ولكني طبت.. لأني أخذت أعدو بجانبها وخلفها وأمامها في تلك الحقول تحت ضوء القمر! |
كانت قد نضجت، وكنت قد أصبحت كاتباً ساخراً، ولكني شعرت في داخلي أن مراهقاً قد انبعث، حتى أنني لعبت معها ألعاب الطفولة! |
كنا لا أكثر من طفلين بريئين لم يعرفا مشكلات الحياة، بينما اكتظت الدنيا كلها في صدرها وصدري.. وفوجئت بها تقول لي: تعال نتزوّج ((!!))
|
قلت لها: -ليست هذه كل مقدرتنا، بل لا بد أن يكون ذلك الـ ((كل)) في مقدرتنا: أن نستمر.. يعشق أحدنا الآخر، ويحبه حتى الموت! |
فقالت لي: -لذلك أريدك زوجاً، فقد أعجبني أنك ما زلت تنتظرني. |
فقلت لها وقد لمعت سخريتي: -أما أنا.. فيعجبني أن لا يتكرر اختفاؤك مرة أخرى. فهل تضمنين ذلك))؟! |
* * * |
يا أعز الناس: |
ابتسمت.. فقد قرأت هذه الحكاية التي رويتها لك الآن، كموقف عظيم مميز في حياة ذلك الكاتب الساخر! |
وهكذا ترين أن الحب بسيط جداً، لكنه -بلا شك- لا يكتفي بالأشياء البسيطة التي نبحث عنها فجأة، ولا يعترف بالملل أو التفكير فيه.. بل هو ((الحب)) الذي يسري دفئاً، ويتصاعد لهباً، ويتمدد بعض الوقت كالأرق، ويتشكّل كقوس قزح.. وهو الحب: القيمة في العمر، والغذاء للروح في الحياة. |
أعذريني إذا استطردت.. أحس أنني ((أتمنى)) أن أحاورك عن العاطفة.. أن يسرح صوتي بسمعك ويأخذك إلى نبع، ويقول لك: هذا هو الحب.. ويأخذك إلى صحراء ممتدة رحبة، ويقول لك: هذا هو الحب.. ويأخذك إلى البحر الهادئ الذي تتدافع أمواجه كالعاطفة فجأة، ويقول لك: هذا هو الحب بمدِّه وجزره كالبحر.. بانبساطه وغموضه في العمق.. بزرقته الجميلة ودكنته كلما طالت النظرة خلفه. |
أنا لا أقدر أن أحدثك عن الحب بمثل هذه الطريقة.. بل إنني لا أقدر أن أرفع إصبعي أمامك ونحن نسير معاً في ساحة بيتك حين كنت تودعينني، وأشير لك إلى القمر، وأقول لك: هذا هو الحب! |
هل تعلمين -يا أعز الناس- أن تعبيري عن حبي لك ليس تعبيراً شفهياً.. فلا بد أن أشير إلى القمر، وأرفع رأسك بكثافة شعره الأسود حتى تحتضنه يدي، وتتبتَّل نظرتي في سواد عينيك وعمقهما.. وأهمس لك: |
- ها أنذا الآن أدخل في بهائين: بهاء القمر في السماء، وبهاؤك أنت القمر في جوانحي. |
تصوري.. كيف يمكننا أن نفكر في جعل مطالبنا طوال عمرنا هي: التبدد، والغرَق، والحواجز، والحرمان دائماً؟! |
المشكلة تكمن في الحب الذي يتحصّن ضد اليأس.. لأنه لم يكن يحمل الألم! |
هل أتفاءل.. فأقول: حبنا لن يصيبه اليأس؟! |
لن تكرهيني، ومستحيل أن أكرهك.. وليست الكراهية -دائماً- هي بديل الحب! |
أعرف -يا أعز الناس- أنَّ تكثيف حواري في موضوع واحد قد يرهقك كثيراً، ولكنه لن يدفعك إلى كراهيتي.. لماذا؟! |
قيمتي في نفسك أشعر بها، ولا أخاف عليها!! |
* * * |
يا أعز الناس: |
ليست الرغبة مني في امتلاكك بمعنى الحياة المادية، فعندما أحس أنني أمتلك قلبك.. فلا بد أن أكون أغنى مليونير في العالم.. ذلك أن ثروتي بك لا تضاهيها ثروة أغنى الأغنياء، وكنت -ذات يوم- أضحك من ثروة ((أوناسيس)): الرجل الذي أراد أن يشتري الحب، والجمال، والتاريخ المرتبط بأنثى، بأسطول ثرواته.. فمات بالعجز، وبالقهر! |
ولكني -يا أعز الناس- أضطر أحياناً أن أنفق نفسي حتى لا أتطلَّع إلى حصيلة من الفعل العاطفي.. ذلك الذي مطلوب مني أن ((أهبه)) للآخرين، ومحظور عليّ أن أستمده ممن أُحب! |
إنَّ مَنْ حولنا يصنعون الإضاءة لزمننا. |
وإن ما في نفوسنا تبكيه قلوبنا. |
فالإضاءة هي المظاهر التي تتحول بعد ذلك إلى حفافي، وهوامش! |
أما الأعماق فتتحوّل إلى مدّ وجزر من الخطأ والصواب.. عندما نحاول أن نُخرج حقائقنا للناس، وعندما نستعيدها منهم! |
إننا نخلط -أحياناً- بين التفكير والعزيمة، أو بين القدرة والإرادة.. عندما لا يكون أحدهما في حاجة إلى الآخر. |
لقد جرّبتُ أن أكون وحدي.. لكني كنت أمتلىء بك أنت من الداخل.. فينضح وجهي بك، وأشتاق الركض في الزحام هرباً من نفسي إليك، ومنك إلى نفسي، ومنك إليك.. أي أنني أهرب مني إليّ، ومن نفسي إلى نفسي. |
وأجد في عبارة الحكيم الصيني ((لاوتسي)) فلسفة مطابقة لما أعانيه، حيث قال: |
- ((إنَّ مَنْ يختار الحياة الصامتة.. يقضي عمره بعيداً عن كل مرفأ!)). |
فَمَتى يصل ((وعي)) الإنسان إلى الخطوة الأولى في الألف ميل؟! |
مناورة حربية مرهقة تتم بين المتحاربَيْن: عقل المرء، ومعايشته للحياة، هذه التي أصبحت: طابعه، وتعوّده، والتزاماته.. وكل الأسى أن يصبح الشعور مرهقاً بالتفرُّج من كثرة ما يأسره الفعل الذي يتمنى.. فقط! |
فأين تستقر هذه النقطة الصغيرة لتعطي المعنى في حكمة، ولتعطي العشق في لحظة؟! |
بلا شك.. أنا لا أحترف وجداني، ولكنني أرحل به إلى موانئك -موانيء عشقي الذي لا يفنى- وأغزو أحلامك، وأمطر في أمسياتك فارساً أتى.. يكتب من عينيك قصائد الليل، وينازل الساعات الحزينة كلما ودَّعتك. |
وتبقى الحياة الخاصة بعمري، هي نظراتك. |
وتبقين أنتِ: قوس قزح في أيامي.. ألوان الحياة التي تنتصر لوعودي، ولتوقي، وللشموع حينما تضيء -من جديد- كل ما ضيَّعتْه الظلال، والحيرة، والتردد. |
إن ما يضيع في القناعة.. هو خوف من التواجد في الأسئلة. |
وكل مساء كنتُ أراكِ فيه.. كان يتحوّل إلى ذاكرة تدخل حدود شجني، وتغني للعيد في ابتهاجي.. وفي غنائي يطلع وجهك/الأمل، ويبدأ من وجهك كل شيء! |
* * * |
يا أعز الناس: |
ها أنت: جبهة للعشق التي تعكس أفراحي، ويتمجَّد بومضها عمري. |
ها أنذا: قادر أن أجعل اللحظة التي أراكِ فيها هي.. كل عصوري. |
لقد ضحكت في دفئك وأنا حزين. |
وابتسمت.. وأنت تصدّين جنوني، فلقد كنتُ أنتظر الأمر،.. لكنَّك جعلت هذا الأمل مجرد لون في صدري! |
وسوف تتعبين من اللحاق بجنوني.. هذا الذي يعبر تريُّثك. |
لقد منحتُكِ قلباً لا يوقفه عن ترديد اسمك إلاّ الموت. |
فلا تجعليني في عمرك حُكْماً عرفياً، لئلا يصبح قلبك حباً انقلابياً.. بل عرفت حبك ثورياً ناضجاً! |
في عينيكِ أرتاح، وأغني.. أعثر على ((هيلانه)). |
حولك أنمو كشجرة اللبلاب.. وأغني لأطفال الفجر، عندما تتشقق نفسي شوقاً إليك. |
* * * |
يا أعز الناس: |
لا يؤلمك هذا النزف.. فإني -والله- أشعر بك في حشاشتي: رواءً.. وفي عينيّ: نوراً.. وفي قلبي: عشقاً لا يهون ولا ينهزم.. وفي عقلي: فكرة، وحكمة وإبداعاً. |
لا يؤلمك ما أكتبه.. فالروح تسمو، وتشفّ. |
لا تخافي على الروح.. إني لا آخذها إلى التصوّف، بقدر ما أملؤها بعمق النظرة كلما جئتُ ونظرت إلى وجهك، وكلما افتقدتك أيضاً لأمتزج بخفقك. |
لا تخافي على الروح في داخلي.. فأنت -قبل أن تكوني أنثى- كنتِ روحاً تتَّحد بروح، وخفقةً تتوحّد بخفقة.. فلما انبجس عطاء الأنثى بعد حرمان الدهر والغربة، لم أجدك.. بقدر ما أحسست، وامتلأت، وارتويت، وتعمشقت! |
أصبحت الإنسان المتكامل المتوحِّد الذي استعاد بعضه الحي، فسكبت بعضي الحي إلى بعضي الميت! |
تصوري هذا الحس، أو هذه الالتفاتة، أو هذه القدرة الجديدة لخلق الأمل؟! |
تصوري.. كيف يعود الميت حياً؟! |
والآن.. أغمضي عينيكِ، وخذي رأسيَ المنهك هذا، المتفجِّر، المرور.. خذيه وضعيه على قلبك، ليتحد مع النقطة التي آلمتُكِ فيها بأنانية.. حتى يبقى أثري، أو يتأكد حبي.. ثم اقطعي هذا الرأس على صدرك، فالمهم أن ألفظ الأنفاس في هذا الوطن/صدرك! |
أرجوك.. لا تأخذي كلماتي كجرح، أو.. كإغضاب لك. |
لا -يا حبة القلب- بل خذي كل كلمة، وكل نقطة، وكأنهما أنفاسي، وخفقي، وحزني، وخوفي من فقدك.. وكأنهما: هذه القيمة الكبيرة لك! |
|