شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
صديقي القديم/المتجدد
هو نهر يا صديقي
علّم الإنسان ما لم يعلَمِ
وتمطِّي الآن أخضرْ
ووسامي الضخم أن أسمع أنباء الحبيبة
أبداً.. تزرع في الأرض الحبيبة
أبداً.. تزرع أشجار الغد الموعود
.. ميلاد العروبة!!
سليمان العيسى
من رسائل الود ((القديمة)) التي توسدها النسيان خارج ذاكرتنا.. عثرت بين أوراقي على رسالة -خفقة قلب- من صديق باعدت بيني وبينه ((مشغلات)) الحياة.. وقد كتب الرسالة/الخفقة في وقت كان ((بين الورد والرماد)) حسب ما وصف ((أدونيس)) ذات يوم.
تلقيت رسالته في مساء حافل ببريد العشق، وضحكات الأصدقاء الذين كانوا: ((طيبين))، ثم غاضوا بعد أن فاضوا، وبعد أن هاجر الحب من صدورهم!
وقد وجدت بين سطورها معانٍ نحتاجها إلى اليوم، وصور كأنها المماثلة الماثلة في ممارساتنا ومعاناتنا الآن.
كتب الصديق القديم:
- ((كان الزمان مراهقاً.. يوم أن وعينا الأشياء من حولنا، وأصبحنا نطرح التساؤلات في كل شاردة وواردة.. فنبدو ساذجين بضربة حظ أحياناً، وأذكياء بضربة مكر أحياناً أخرى!
والزمن المراهق يُسقط ظلاله فينا، ويسوقنا في تياره السرمدي العتيق.. ونحن نطأ -يومها- بأرجلنا سلّم العشرينات من العمر، ولا ندري في أية محطة عددية نُلقي عصا الترحال، فنعود بذرة للمرة الثانية إلى رحم الأرض الرؤوم!؟
نعم.. كان الزمان مراهقاً -يا صديقي- وكنا كأي مخلوق في قرية العالم هذا نعيش مشكلات الفقر، والمرض، والجهالة.. وكنا نعيش خوف ((أخوتنا)) في أصقاع العالم من هذه الزلازل المختلفة، والفيضانات التي يتدفق بعضها من النفوس، حتى جاء هذا ((الوباء))/الإرهاب الذي تمارسه البطالة، والنذالة، والتعالم.. ضدنا!!
وكنا -وما زلنا أيضاً- بسياسة العالم السائدة التي يحكمها ((الدولار)) العظيم في كل مكان.. نرمق بعين الخائف واليائس الضعيف سباقات التسلح.. وننام -لا بد- على هدهدات الأمل التي تهبُّ علينا من ((حُلْمنا)) بتحرير الأرض المحتلة، وبتحرير الوطن العربي من ارتكاساته، وأمراضه المستعصية.. كما هو الحلم بالوطن الجميل، وبالسلام، وبالخبز للجميع، وبالصحف التي لا تساوم الحكّام المنحرفين، وتُداري سوءاتهم..
وكنا.. وكنا.. ولكن!!!
صرنا نُردد مع شاعر عربي حديث، اسمه ((حسن توفيق)):
- ((كلنا يحمل جرحاً مستكيناً..
ويداويه بملح الصبر..
والأفقُ صقور جارحة!
فإذا كُنَّا نغنِّي..
فلأَنَّا نحلم اليوم بأيام ستأتي..
وبآفاق جديدة!)).
* * *
جميلة هي الآمال والأحلام.. إنهما يعيدان للإنسان توازنه.. ويجددان فيه القدرة على المواجهة والاقتحام.. ويفتتحان في قمقم الحياة نافذة للضياء والانطلاق.. فيحلم ((الإنسان)) بالربيع، وبالفراشات الجميلة!
وما زلت -مع الناس- أتابع الكلمات كل صباح.. كلمات تمتد في يومنا، فتُغطِّي مساحة القلق الواسعة.. وتحضُّنا أن نحاور في أنفسنا معها هذا ((الحزن الدافىء)) على حد تعبيرك.. ونمشي نحو أهدافنا ونحن أقوى ((بصيرة))، وأوسع معرفة ببواطن الأمور، وبيت الداء.. إن أمكن!
هكذا يطلع ((الحوار)) بيني وبينك.. يأخذ شكل ((الحبيبة))، وعندها تضيق الأوراق، وتغيم المساحات، وتعجز الكلمات لتعبِّر عن مدى الأثر الذي تحفره الكلمة عن الإنسان، وبالإنسان.. في ((عقل)) الإنسان، وفي وجدانه!!
ها أنذا أكتب إليك بعد غيبة.. أحسب أنها ستتكرر بيننا ثانية، لأن ((مشغلات)) الحياة فينا تتراكم ولا تتكثَّف.. ولأن ((الود)) لم يعد في حياتنا من الأولويات.. مِثْله مثل المصلحة، والأنا، والأقنعة!!
سلام عليك.. طِبْت مع أحلامك!!
* * *
.. وخرجت من تأملاتي في أعماق ومضمون هذه الرسالة.. برؤية ورؤى، أجبت بهما على رسالة الصديق، فكتبت له:
- يا صديقي القديم/المتجدد:
أُناديك بهذا النداء، برغم أن طابع ((التخصص، والتخصيص)) أصبح ملازماً لنا في هذا العصر منذ أن انشغلنا بالتحديد، وبالتخصيص، وبالتخصص.. ولكننا لم نضبط ذلك كثيراً!!
لكنَّ هذا النداء.. ليس شرطاً أن يكون جملة مفيدة في واقع الإنسان اليوم، وإن كان هو جملة مفيدة جداً في لغة عربية فصيحة!
ويلوح لي أحياناً أن هذا النداء في حياة الناس، قد تحوّل إلى سؤال عريض، أو استفهام فاغر الفاه.. كما فوهة البئر!
إنني أطرحه -إذن- كلما عاودني الألم الروحي، وكلما استفزني نوى الإخلاص للمعاني، وللقيم، وللتطلعات المشرقة!
وربما أطرحه في صيغة ((سؤال)).. ولا أجرؤ مطلقاً أن أضعه في جملة مفيدة.. لأن النداء دائماً هو بحث عن جملة مفيدة.. ولأن المأسوف على ندائه ((ديل كارنيجي)) مؤلف كتابه النداء، السؤال: ((كيف تكسب الأصدقاء)).. قد وضع كتابه، الذي صار شهيراً، بعد أن فقد كل أصدقائه!!
* * *
يا صديقي القديم/المتجدد:
السؤال.. هو في طبيعة هذه الكلمة الندائية، وتأكد أنه لم يُطرح تأثراً بنظرية ((بيكون)) عن الاستقراء، ولم ينجذب إلى النتيجة التي توصّل إليها ((ميدوس)) عند حديثه عن التجارب الروحية!
ربما طرح السؤال بأثر الاستنباط ((السقراطي)) الذي تأتي نتيجته يقينية!
وهكذا.. أبصَرْتَني وسمعتَني أصرخ في فلاة الحياة قائلاً: يا صديقي!!
لم تكن تعلم أنني أحاول -من سنوات- التوصل إلى النتيجة اليقينية بأثر الاستنباط السقراطي.. فكأنني قد سقطت في الغباء!!
قلت ذلك لغيرك، فآثر الصمت، وآثر الاجترار الذي يفعله الجمل الصبور!!
* * *
يا صديقي القديم/المتجدد:
لو كانت كل الأمور التي تُقلق النفس، وينفلش بسببها الضمير، ويتصدّع بأثرها الوجدان، تذوب، وتتلاشى بحك الرأس.. لوجدتني أنقب كل لحظة عن قلق لأحُكَّ رأسي، فإن هذه الحركة في الرأس تعني الإفاقة، وفي مرات أخرى تعني التنويم!!
ألا تذكر وأنت طفل، كيف كانت أمك ((تحسِّس)) رأسك، أو تحكه لتهدئتك حتى لا تكسر لعبتك، أو.. لتنمويك غالباً؟!
لقد اخشوشنت أيدينا من كثرة ((الحكَّ)) في رأس الحياة كلها!!
* * *
يا صديقي القديم/المتجدد:
ليس الذي اكتشفته في نفسي وشخصيتي هو الغموض.. وإلاّ لما استطعت اكتشافه، حتى لو كنت عالماً ضليعاً في علم النفس!
وليست -كذلك- تلك الأرض البور.. لأنني كافحت ما استطعت كي أزرع زهرة واحدة، أعرف كيف أسقيها وأحافظ عليها من عبث الأيدي التي تتلذذ بالاقتلاع، وتضيق بالغرس والزرع!
هذه الأرض.. تطلعت إلى طلوع بذورها، ودرستها، وأحببت أصلها.. وعلمت أنها تُنبت تلك الشجرة التي تمنح الفيء، والظل، والجَني!!
وما زال النداء متواصلاً.. أريدك أن تعرف قيمته!!
* * *
يا صديقي القديم/المتجدد:
أنت لست ضد ((المحبّة)).. ها؟!!
إذن.. هل تفسر لي ((ظاهرة)) السطحيين الذين وظّفوا ((المحبّة)) مرحلة في مشوار أغراضهم.. ثم ذبحوها من الوريد إلى الوريد؟!
وكيف تفشّت هذه ((الظاهرة)).. إذا لم نكن قد أفسحنا صدر مجالسنا، ومنتجع نفوسنا ليتصدر فيها مثل هؤلاء الذين صارت صناعتهم: تزوير عواطف الإنسان، ثم.. إهانتها، واغتصابها؟!!
محزن جداً أن تبلغ المداجاة في تعاملنا الإنساني إلى استقبال، أو تقبُّل مثل هذه الشرائح البشرية من المزوِّرين للعواطف!!
* * *
يا صديقي الحميم:
أنت لست تفسيراً لخفقاتك.. بقدر ما تُصبح خفقاتك هي التفسير لحقيقة الإنسان في داخلك!
خفقاتك: تظلّ فيك هي النزوح، وهي التواجد!
هناك -يا صديقي- نزوح نفرضه على ذاكرتنا قسراً، حين يفيض الأسى من صدورنا بسبب تسفيه الآخرين لعواطفهم معنا.. فنقول:
- فلان هذا.. مات في أعماقي.. كفَّنْتُه ولم أجد ما يدعو لتلقِّي العزاء في مرحلته!
وهناك -يا صديقي- تواجد يغرسه في ذاكرتنا الذين يحبُّوننا بلا غيرة، وبلا حسد، وبلا مسغبة في أرواحهم.. عواطفهم تنمو كأوراق شجرة خضراء، يُسقيها الوفاء، وتوافق الفهم، وتوحُّد الروح!!
* * *
يا صديقي الحميم:
أنت أيضاً: مولود في عينيك.
عطاؤك في عقلك راجح.. ومن روحك مانح!
لتحترق -إذن- حدبة الاعتراض لحظة -نُكفِّن مَنْ دعونا بزيف عواطف لا يملكونها.
ليكن غضب العقل بديلاً.. ولْيكن الدخول إلى ميلاد التجاوز لهؤلاء، تعميقاً لأصالة النفس التي لا تُطيق الغدر، ولا البغضاء، ولا الترصد للناس!!
* * *
يا صديقي الحميم:
لقد ملأْتَني حباً منك.. وها أنذا أحمل إليك هتاف شاعر غَنَّى في حُدائه:
- ((أوجدنا الحب ضد الهلع، وضد التفاهة.
أوجدنا الحب ضد الكبت المصعَّد بالحضارة.. وضد الحضارة التي أغلقت الحدود ضد الحدود!)).
* * *
يا صديقي الحميم:
أنا المسطور -بإذنك- فوق التصاعد إلى عصور أفكارك.. إلى أحزان عصوري!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :518  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 114 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.