شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
البعيدة.. القريبة
وكنتُ انتظرتكِ وجه النهار
أغيبُ قليلاً، وأصحو قليلاً
وفي داخلي.. بين ثلج ارتقابي
ونار انتظاركِ: ثار الشِّجارْ!
فأُوّاه لو تعلمينْ
وأُوّاه لو تسبحين مع الدم
في لحظة الانفجار
فيا ليت كل التي واعدت عاشقاً
جرّبتِ الانتظارْ!!
د. مصطفى رجب/مصر
(1)
البعيدة: مسافة، وغضباً، وانشغالاً بالوقت، ومطاردة للزمن!
القريبة: روحاً، وشوقاً، وسُكْنى قلب!
أحتاج اليوم -أكثر من أي يوم مضى- إلى الكتابة إليكِ.. كأنك الملاذ، والأمومة، والشاطئ المُشْرع، والكلمة الصادقة المعتقلة في التزوير، والأكاذيب!
أستأذنك -سيدتي- في الكتابة إليكِ.. وأقول لك أولاً، وأخيراً:
- ((أغرَّك مني، أنّ حبك قاتلي
وأنّك مهما تأمر القلب يفعل؟!)).
فهل ترغبين في أن أحكي لك ((عني)).. أم أحكي لك ((عنك)) عندي.. وكلاهما يتَّحدان في مصب واحد؟!!
أقول لك الآن.. بعد المعاناة، والفجيعة، وفساد الحلم:
- ((تواجدنا معاً -وحادٌ هو شوقي إليك))!
- ((تواجدنا معاً -فجأة- أنا والغربة)).
موجع أنا.. وحاد هو شوقي إليك.
وفي هذا الوجع ((التاريخي)) الذي يتحوّل ((طبقرافِيَّا)) أحياناً.
وفي غمرة الغربة الروحية، والنفسية.
أخَذْتُ المعاناة، والوجع، والغربة.. ومزجتهم بصفارات الإنذار التي كانت تصرخ مُعلنة عن وقوع الخطر!
أحدث ((تقليعة)) في ثمالة هذا القرن العشرين، أن ((جاري)) هو الذي يهددني بقتلي، وسرقة بيتي، واختطاف وطني، وسَمْل عيوني!
أفظع من ذلك، صفارات الإنذار التي أخذت تزعق بها عقولنا، وضلوعنا، هذه الأيام!
أقسى مما تقدم، ارتفاع ضغط الدم.. الذي يسبب فقدان توازن الجسم، بعد أن فقد العالم توازن العقل، وتوازن العاطفة!
لقد اختصر هذا العالم خَطَره في صاروخ من نوع ((سكود)): مزعج.. لكنه -كما ثبت- كان تافهاً، محدود الحقد، أعمى، ضِلِّيلاً.. يسقط على سكان آمنين!
لكنه الحَمَق الذي يسود العالم في ما يلوح!
لكنه الشعور بالقوة.. عند الأقوياء الذين يرغبون في السيطرة، والتسيُّد.. أو عند الضعفاء، الذين يحلمون بالاستقواء.. لتسجيل موقف قوة، ولو وهمي!
الحمق والقوة يتَّحدان اليوم.. ليتبلورا ذكاء، وادّعاء للعدل!
هكذا -حبيبتي القَلِقَه- دخلنا عصراً جديداً.. يعتمد على تنوّع ركائزه المكوَّنة من الكمّامات، التخريب، الإرهاب، التزوير، القوة المتفردة المتسلطة!
هكذا دخلنا عصراً مختلفاً.. سوف يغيّرنا -لا بد- ويغيِّر الحياة، ويغيِّر الناس.. حتى خفقات القلب يغيِّرها!!
(2)
البعيدة درباً، وخطوة، وأمنية!
القريبة التياعاً، ولحماً، وسراً:
أفكر الآن -بعيداً عنك جسداً، وقريباً منك روحاً- وأنا أعايش العديد من التناقضات، والإنذارات، وأجواء الحرب، والكمامات، والتهديد بالإرهاب، وبالتخريب.. وملامح ((التغيير)) القادمة، لتشمل أشياء عديدة.. منها ما سيكون جذرياً!
أفكر فيكِ -حبيبتي/الحلم- دون الآخرين!
وأفكر في ((الموت)) الذي يصنع الحياة.
ولعلّنا كنا نعيش ((الحياة)) التي تُكرّس الموت!
اختلطت المفاهيم، والمعايير، والقيم، والحسابات.
وأنا المحكوم -هنا- بمعايشة متناقضات إضافية في واقعنا العربي.. من أهمها: الترف، والتفاهة.. الإمكان، والتفكك.. القدرة، والعجز.. الحب، والبغضاء، أو ((التطنيش!!)) على الأقل: سمات هذا العصر!!
أنا المحموم -هنا- بسبب عطشي إليك.. تصوّري!
أنا الموجوع بصدق مشاعري نحو الآخرين.. فتصوّري إنساناً يتوجَّع من صدق مشاعره؟!!
أجد فرجة هنا لدواعي الابتسام.. فأقول لك:
- الأخطر: أن تعرف ((أنثى)) هذا الحجم لها في حياة رجل.. الأخطر على الرجل!!
أنا المحموم بسبب توقيت الليل والنهار!!
ها نحن ننتقل من زمان الحب، والأمان، والاستقرار، وبناء التنمية.. إلى زمان الحرب، والترقب، والخوف، والكمامات، والمخابئ، والإرهاب، والتهديد، والعبث بنفسية الإنسان العربي، ومحاولات غرس الأحقاد، وبذر الانفصام!!
(3)
البعيدة: نداء، وإصغاء، وإجابة!
القريبة: دمعة، ودرباً، ولحنَ شَجَن:
ها أنذا أهذي بكلمات الصمت.. حين أقف عند حدود ((وجهك)) مرتعشاً.. مشتاقاً لخصامك، ومشاكستك.. ظامئاً لكلمة مميزة منك بنبرة صوتك، تناديني قائلة: ((يا مآقِيَّ))!!
ها أنذا أنثر كلمات الفيض.. حين أفتقد أصداءك.. وأتبدد متشققاً بهذا الهجير: الهجير في غياب الحق والعدل، وفي العبث بالسلام، وفي رمادية الحب!
أكتب إليك، وتصابين بالدهشة.. وأنا أسمع صفارة الإنذار الحادة، وركْضَ الناس إلى المخابئ، وصراخ الأمهات والأطفال: ((عدوان صدام حسين على وطننا!)).
أول تجربة للفزع، يعيشها أهل بلدي.. ((لعلّهم يخْشَوْشنوا!)).
وتدهشين أكثر.. وأنا أحدثك عن الحب!
قد يسقط ((سكود)) التعيس بأهدافه على رأسي، أو على رأس واحد من أهلنا، أو من ضيوف وطني!
هدف هذه الحرب/الفتنة: أن ينسى العرب الحب!
أبعاد هذه الفتنة: أن يُلغي العرب التفكير في الوشائج، والأواصر.. وأن يقفزوا فوق طبيعتهم، وأرومتهم.. حتى يضطرهم التمزق أن يتحولوا إلى إرهابيين، ودمويين، وقراصنة!
صرنا في أيامنا هذه نخترق الغضب.. خاصة ونحن نعيش في عالم لا يغضب، بل ينفعل، ويخطئ، ويتعدَّى، ويجنّ، ويتهدّم من داخله!
أحياناً يفيض غضبي من انفعال العالم من حولي.. حتى يرتفع ضغط الدم.
ألوذ إليك -أنا هذا الرجل الباحث دوماً عن عينيك- وأردد مع ((فيروز)) في النداء عليك:
- ((بيتك بعيد.. وليل ما بخَلِّيك تِرجع!)).
أشياء عديدة.. باتت بعيدة، يا حبيبة!
ولن أندم على قرار الكتابة إلى ((أنثى)) لم تعد تصدق.. لأنني -على الأقل- أتمتع أمام إصغائك بعفوية صافية.. يهرع إليك فيها ((بوحي))، ليسكن عندك.. والسُّكْنى تعني الأمان، والاسترخاء من التعب، والهروب من صفارات الإنذار ((بأنواعها!))، والاحتماء من ارتداء الأقنعة، و.. البحث عن ((الإنسان)): ذلك المفقود اليوم!!
(4)
البعيدة: تدفقاً، وزوبعة، وحناناً!
القريبة: جناح خفقة، وحضور حلم، ونجمة على امتداد السماء.
أتساءل: إلى أين يستقر ((وجهك)) في حدقتي؟!
ها أنذا أنهي كل الأسئلة: القديمة، والمؤجلة، والمجيَّرة.. وأفر إليك!
أصرخ في وجه العالم، والطغاة، وصفارة الإنذار، والأسلحة الكيماوية، والإرهاب الغبيّ المتعصب للدم، والأقنعة التي استمرأتها بعض الوجوه.. لئلا تنكشف بشاعة وجوههم الحقيقية.
وأحطم أسوار الضغينة، والإحباط، والاكتئاب -أمراض العصر- راكضاً نحوك أنت: الفَيء!
نحن نعاني من الحنان المنكسر.. وهو يتخلل أهدابنا!
وأجدك ((الإنسانة)) التي أمدّ إليها يدي، لتلتحم بيدها.. لنطلع إلى الانتصار على الخوف، والتردد، والتلفت!
إنّ ((الإنسان)) في أعماقنا يضطرب اليوم.
أحياناً هو اضطراب الخوف من ((صدمة)) الموقف الأول!
لكن.. لا بد أن نراهن على ركيزتَيْ توحّد إنسانين، هما: المعنى، والقيمة!
هما، أقصى ما يمكن أن نعطيه بالحب، وللحب.
معك.. لم تكن أسئلتي قاسية.. بل ((لهفتي)) على معرفة كل شيء، هي التي حرّضتني على اقتحامك!
بدَأْتُكِ مشاكساً.. وظننت أن صدق بوحي يخلو من الشكوك.
لكني ((وجدتك)) قانون طَفْوِي من الغرق.. وأتساءل:
- كيف يضيِّع رجل امرأة قد وجدها؟!!
- كيف تُفرِّط امرأة.. في رجل قد جعلها الكنز.. وكل ما ادّخر؟!
في صمتك.. فكرت أن أوسِّط الهواء، وامتداد الأفق.. ليحملا صوتي إلى مسامعك.. وصوتك إلى وحدتي الموحشة بدونك.. ويتبادل الصوتان بهجة الروح!
(5)
البعيدة: همساً، وظلال ألوان!
القريبة: انبلاجاً كالفجر، وأبعاد لوحة مُبهرة:
ابتسمي أرجوك.
إغرسي نبتة حب أخرى.. في عصر صفارات الإنذار، والأقنعة، وغدر الشقيق بالشقيق، وعودة حكاية ((قابيل وهابيل))!
إنني في الريح.. أخاطبك، منتظراً وعداً من بحارك إلى موانئي.. ومن موانئي إلى عمق محيطاتك، وحيتانها الشرسة!
موجع أنا.. وحادٌ هو شوقي إليك!
أيامنا: كرمال موجة.. تجرحنا، ثم تردُّنا إلى شاطئ الليل الموحش!
تحاصرني الموجة بالليل..
- ((ها هو جسد الحب ممدود على طول الليل، وعمقه، وعرضه!!)).
الإنسان في داخلي.. ما زال مشحوناً بـ ((لهفة الجرح للمعجزة))!
ما زال مسكوناً بزلزال الرعشات العاصفة.. المتفائلة بالإنسان وعودته إلى دروب يشتاقها!!!
أتلفَّت في الوسط، ما بين بعدك وقربك، وأتساءل:
- ((تُرى.. أيُّ جسر خرافي قد امتد بين جزر أعماقي النائية، ووحشة شطآنك؟!)).
إن مأساتنا -سيدتي- أننا نعيش حباً.. لم نُمثّله!
وما دام لا غَدَ لنا.. والمستقبل لا يتَّسع لصعوبة اختياراتنا.. فلماذا لا نعيش زهرة الحب.. بعيداً عن الأشواك؟!!
في لحظاتنا المشحونة بالصُّدف، وبالعمق، وبالإحساس المشترك بالضياع، وبعبث الحياة.. في مثل هذه اللحظات: تتشابك أيدينا.
أما قلوبنا.. فتُحسّ أن الأرض الطيبة تحنو على أقدامنا المتشققة.. التي طالما أنهكها التخبط في الفراغ، وأدْمَتها خيوط من العادات والعُقَد التي نعلق بها!
حين تكونين بعيدة هكذا.
حين تحتلِّين أيامي -بصلف- هكذا!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :506  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 113 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.