البعيدة.. القريبة |
وكنتُ انتظرتكِ وجه النهار
|
أغيبُ قليلاً، وأصحو قليلاً
|
وفي داخلي.. بين ثلج ارتقابي
|
ونار انتظاركِ: ثار الشِّجارْ!
|
فأُوّاه لو تعلمينْ
|
وأُوّاه لو تسبحين مع الدم
|
في لحظة الانفجار
|
فيا ليت كل التي واعدت عاشقاً
|
جرّبتِ الانتظارْ!!
|
|
(1) |
البعيدة: مسافة، وغضباً، وانشغالاً بالوقت، ومطاردة للزمن! |
القريبة: روحاً، وشوقاً، وسُكْنى قلب! |
أحتاج اليوم -أكثر من أي يوم مضى- إلى الكتابة إليكِ.. كأنك الملاذ، والأمومة، والشاطئ المُشْرع، والكلمة الصادقة المعتقلة في التزوير، والأكاذيب! |
أستأذنك -سيدتي- في الكتابة إليكِ.. وأقول لك أولاً، وأخيراً: |
- ((أغرَّك مني، أنّ حبك قاتلي |
وأنّك مهما تأمر القلب يفعل؟!)). |
فهل ترغبين في أن أحكي لك ((عني)).. أم أحكي لك ((عنك)) عندي.. وكلاهما يتَّحدان في مصب واحد؟!! |
أقول لك الآن.. بعد المعاناة، والفجيعة، وفساد الحلم: |
- ((تواجدنا معاً -وحادٌ هو شوقي إليك))! |
- ((تواجدنا معاً -فجأة- أنا والغربة)). |
موجع أنا.. وحاد هو شوقي إليك. |
وفي هذا الوجع ((التاريخي)) الذي يتحوّل ((طبقرافِيَّا)) أحياناً. |
وفي غمرة الغربة الروحية، والنفسية. |
أخَذْتُ المعاناة، والوجع، والغربة.. ومزجتهم بصفارات الإنذار التي كانت تصرخ مُعلنة عن وقوع الخطر! |
أحدث ((تقليعة)) في ثمالة هذا القرن العشرين، أن ((جاري)) هو الذي يهددني بقتلي، وسرقة بيتي، واختطاف وطني، وسَمْل عيوني! |
أفظع من ذلك، صفارات الإنذار التي أخذت تزعق بها عقولنا، وضلوعنا، هذه الأيام! |
أقسى مما تقدم، ارتفاع ضغط الدم.. الذي يسبب فقدان توازن الجسم، بعد أن فقد العالم توازن العقل، وتوازن العاطفة! |
لقد اختصر هذا العالم خَطَره في صاروخ من نوع ((سكود)): مزعج.. لكنه -كما ثبت- كان تافهاً، محدود الحقد، أعمى، ضِلِّيلاً.. يسقط على سكان آمنين! |
لكنه الحَمَق الذي يسود العالم في ما يلوح! |
لكنه الشعور بالقوة.. عند الأقوياء الذين يرغبون في السيطرة، والتسيُّد.. أو عند الضعفاء، الذين يحلمون بالاستقواء.. لتسجيل موقف قوة، ولو وهمي! |
الحمق والقوة يتَّحدان اليوم.. ليتبلورا ذكاء، وادّعاء للعدل! |
هكذا -حبيبتي القَلِقَه- دخلنا عصراً جديداً.. يعتمد على تنوّع ركائزه المكوَّنة من الكمّامات، التخريب، الإرهاب، التزوير، القوة المتفردة المتسلطة! |
هكذا دخلنا عصراً مختلفاً.. سوف يغيّرنا -لا بد- ويغيِّر الحياة، ويغيِّر الناس.. حتى خفقات القلب يغيِّرها!! |
(2) |
البعيدة درباً، وخطوة، وأمنية! |
القريبة التياعاً، ولحماً، وسراً: |
أفكر الآن -بعيداً عنك جسداً، وقريباً منك روحاً- وأنا أعايش العديد من التناقضات، والإنذارات، وأجواء الحرب، والكمامات، والتهديد بالإرهاب، وبالتخريب.. وملامح ((التغيير)) القادمة، لتشمل أشياء عديدة.. منها ما سيكون جذرياً! |
أفكر فيكِ -حبيبتي/الحلم- دون الآخرين! |
وأفكر في ((الموت)) الذي يصنع الحياة. |
ولعلّنا كنا نعيش ((الحياة)) التي تُكرّس الموت! |
اختلطت المفاهيم، والمعايير، والقيم، والحسابات. |
وأنا المحكوم -هنا- بمعايشة متناقضات إضافية في واقعنا العربي.. من أهمها: الترف، والتفاهة.. الإمكان، والتفكك.. القدرة، والعجز.. الحب، والبغضاء، أو ((التطنيش!!)) على الأقل: سمات هذا العصر!! |
أنا المحموم -هنا- بسبب عطشي إليك.. تصوّري! |
أنا الموجوع بصدق مشاعري نحو الآخرين.. فتصوّري إنساناً يتوجَّع من صدق مشاعره؟!! |
أجد فرجة هنا لدواعي الابتسام.. فأقول لك: |
- الأخطر: أن تعرف ((أنثى)) هذا الحجم لها في حياة رجل.. الأخطر على الرجل!! |
أنا المحموم بسبب توقيت الليل والنهار!! |
ها نحن ننتقل من زمان الحب، والأمان، والاستقرار، وبناء التنمية.. إلى زمان الحرب، والترقب، والخوف، والكمامات، والمخابئ، والإرهاب، والتهديد، والعبث بنفسية الإنسان العربي، ومحاولات غرس الأحقاد، وبذر الانفصام!! |
(3) |
البعيدة: نداء، وإصغاء، وإجابة! |
القريبة: دمعة، ودرباً، ولحنَ شَجَن: |
ها أنذا أهذي بكلمات الصمت.. حين أقف عند حدود ((وجهك)) مرتعشاً.. مشتاقاً لخصامك، ومشاكستك.. ظامئاً لكلمة مميزة منك بنبرة صوتك، تناديني قائلة: ((يا مآقِيَّ))!! |
ها أنذا أنثر كلمات الفيض.. حين أفتقد أصداءك.. وأتبدد متشققاً بهذا الهجير: الهجير في غياب الحق والعدل، وفي العبث بالسلام، وفي رمادية الحب! |
أكتب إليك، وتصابين بالدهشة.. وأنا أسمع صفارة الإنذار الحادة، وركْضَ الناس إلى المخابئ، وصراخ الأمهات والأطفال: ((عدوان صدام حسين على وطننا!)). |
أول تجربة للفزع، يعيشها أهل بلدي.. ((لعلّهم يخْشَوْشنوا!)). |
وتدهشين أكثر.. وأنا أحدثك عن الحب! |
قد يسقط ((سكود)) التعيس بأهدافه على رأسي، أو على رأس واحد من أهلنا، أو من ضيوف وطني! |
هدف هذه الحرب/الفتنة: أن ينسى العرب الحب! |
أبعاد هذه الفتنة: أن يُلغي العرب التفكير في الوشائج، والأواصر.. وأن يقفزوا فوق طبيعتهم، وأرومتهم.. حتى يضطرهم التمزق أن يتحولوا إلى إرهابيين، ودمويين، وقراصنة! |
صرنا في أيامنا هذه نخترق الغضب.. خاصة ونحن نعيش في عالم لا يغضب، بل ينفعل، ويخطئ، ويتعدَّى، ويجنّ، ويتهدّم من داخله! |
أحياناً يفيض غضبي من انفعال العالم من حولي.. حتى يرتفع ضغط الدم. |
ألوذ إليك -أنا هذا الرجل الباحث دوماً عن عينيك- وأردد مع ((فيروز)) في النداء عليك: |
- ((بيتك بعيد.. وليل ما بخَلِّيك تِرجع!)). |
أشياء عديدة.. باتت بعيدة، يا حبيبة! |
ولن أندم على قرار الكتابة إلى ((أنثى)) لم تعد تصدق.. لأنني -على الأقل- أتمتع أمام إصغائك بعفوية صافية.. يهرع إليك فيها ((بوحي))، ليسكن عندك.. والسُّكْنى تعني الأمان، والاسترخاء من التعب، والهروب من صفارات الإنذار ((بأنواعها!))، والاحتماء من ارتداء الأقنعة، و.. البحث عن ((الإنسان)): ذلك المفقود اليوم!! |
(4) |
البعيدة: تدفقاً، وزوبعة، وحناناً! |
القريبة: جناح خفقة، وحضور حلم، ونجمة على امتداد السماء. |
أتساءل: إلى أين يستقر ((وجهك)) في حدقتي؟! |
ها أنذا أنهي كل الأسئلة: القديمة، والمؤجلة، والمجيَّرة.. وأفر إليك! |
أصرخ في وجه العالم، والطغاة، وصفارة الإنذار، والأسلحة الكيماوية، والإرهاب الغبيّ المتعصب للدم، والأقنعة التي استمرأتها بعض الوجوه.. لئلا تنكشف بشاعة وجوههم الحقيقية. |
وأحطم أسوار الضغينة، والإحباط، والاكتئاب -أمراض العصر- راكضاً نحوك أنت: الفَيء! |
نحن نعاني من الحنان المنكسر.. وهو يتخلل أهدابنا! |
وأجدك ((الإنسانة)) التي أمدّ إليها يدي، لتلتحم بيدها.. لنطلع إلى الانتصار على الخوف، والتردد، والتلفت! |
إنّ ((الإنسان)) في أعماقنا يضطرب اليوم. |
أحياناً هو اضطراب الخوف من ((صدمة)) الموقف الأول! |
لكن.. لا بد أن نراهن على ركيزتَيْ توحّد إنسانين، هما: المعنى، والقيمة! |
هما، أقصى ما يمكن أن نعطيه بالحب، وللحب. |
معك.. لم تكن أسئلتي قاسية.. بل ((لهفتي)) على معرفة كل شيء، هي التي حرّضتني على اقتحامك! |
بدَأْتُكِ مشاكساً.. وظننت أن صدق بوحي يخلو من الشكوك. |
لكني ((وجدتك)) قانون طَفْوِي من الغرق.. وأتساءل: |
- كيف يضيِّع رجل امرأة قد وجدها؟!! |
- كيف تُفرِّط امرأة.. في رجل قد جعلها الكنز.. وكل ما ادّخر؟! |
في صمتك.. فكرت أن أوسِّط الهواء، وامتداد الأفق.. ليحملا صوتي إلى مسامعك.. وصوتك إلى وحدتي الموحشة بدونك.. ويتبادل الصوتان بهجة الروح! |
(5) |
البعيدة: همساً، وظلال ألوان! |
القريبة: انبلاجاً كالفجر، وأبعاد لوحة مُبهرة: |
ابتسمي أرجوك. |
إغرسي نبتة حب أخرى.. في عصر صفارات الإنذار، والأقنعة، وغدر الشقيق بالشقيق، وعودة حكاية ((قابيل وهابيل))! |
إنني في الريح.. أخاطبك، منتظراً وعداً من بحارك إلى موانئي.. ومن موانئي إلى عمق محيطاتك، وحيتانها الشرسة! |
موجع أنا.. وحادٌ هو شوقي إليك! |
أيامنا: كرمال موجة.. تجرحنا، ثم تردُّنا إلى شاطئ الليل الموحش! |
تحاصرني الموجة بالليل.. |
- ((ها هو جسد الحب ممدود على طول الليل، وعمقه، وعرضه!!)). |
الإنسان في داخلي.. ما زال مشحوناً بـ ((لهفة الجرح للمعجزة))! |
ما زال مسكوناً بزلزال الرعشات العاصفة.. المتفائلة بالإنسان وعودته إلى دروب يشتاقها!!! |
أتلفَّت في الوسط، ما بين بعدك وقربك، وأتساءل: |
- ((تُرى.. أيُّ جسر خرافي قد امتد بين جزر أعماقي النائية، ووحشة شطآنك؟!)). |
إن مأساتنا -سيدتي- أننا نعيش حباً.. لم نُمثّله! |
وما دام لا غَدَ لنا.. والمستقبل لا يتَّسع لصعوبة اختياراتنا.. فلماذا لا نعيش زهرة الحب.. بعيداً عن الأشواك؟!! |
في لحظاتنا المشحونة بالصُّدف، وبالعمق، وبالإحساس المشترك بالضياع، وبعبث الحياة.. في مثل هذه اللحظات: تتشابك أيدينا. |
أما قلوبنا.. فتُحسّ أن الأرض الطيبة تحنو على أقدامنا المتشققة.. التي طالما أنهكها التخبط في الفراغ، وأدْمَتها خيوط من العادات والعُقَد التي نعلق بها! |
حين تكونين بعيدة هكذا. |
حين تحتلِّين أيامي -بصلف- هكذا!! |
|