شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الأنثى/المهرة
بعينيكِ.. يبدو التنبُّؤ صعباً
فقد تشرق الشمس حين تشاء
وقد يهطل الثلج حين يشاء
وقد يصرخ الرعد، مثل المجانين،
حين يشاء!!
نزار قباني
سيدتي التي أصيب ترفها بحزن:
يا مَنْ لا تتحرك فيك الحواجب إلاّ بقرار إمبراطوري!
لنخرج هذا المساء -أنت وأنا- من الطقس، ونبتكر عواطف جديدة لم يحرقها عود ثقاب، ولم تختنق بالبخار ولا بنقص الأوكسجين!
لنحاول أن نجتاز ما صار يفعله الكثير من الناس مما يُسمَّى: لعبة الأفكار المتقاطعة مع عواطفنا وكلماتنا.. فلقد تحوّل وجدان الإنسان إلى طعنة، وتحوَّل الإنسان ذاته إلى جرح!!
وصلتني رسالتك التي وصفتني فيها بـ ((الشارد عن مسار البشر))!!
حقاً.. كنت في شرودي قد اتخذت مدارات واسعة من البحار والأحلام، و.. التهدُّم، كلما اكتشفت أن القصيدة تحوَّلت إلى سباب، والهمسة تغرَّبت في الصخب!
وناديتك -وأنت في صممك عن ندائي- وقد اكتشفت في الجانب الآخر أنك هذا ((الإنسان)) الذي عرفته من زمن بعيد.
وفي شرودي -بذكائي الذي توهمته- كنت أقهقه كمجنون.. ليلى، وأمشي في طرقات خالية وهي مليئة بزحام من البشر الذين أعرفهم ويتناسونني!
وفي شرودي، وندائي عليك، وانتظاري لردك.. كنت أترنم بأبيات لشاعر غنَّى:
- فكيف أقول أحبك؟!
وكيف أنظف بحر القصيدة
من جثث الكلمات؟!
أنا الشاعر المتهدّم.. قلبي مرايا الغبار
وأنشودتي دمعة من عيون الصغار!
وفي شرودي: مبعثراً كدم الطفلة اللبنانية التي قتلها اليهود، وتدلّى رأسها من نافذة سيارة إسعاف مكسوَّة بدماء الطفلة.. كنت أزداد حباً لأهلي العرب، وأفيض حقداً على اليهود.. وكنت -أيضاً- أناديكِ: أنا متعب يا صديقتي.. ضُمِّيني إلى صدرك!
وصلتني رسالتك.. بحركة صغيرة.. بشخطة واحدة فوق نهايات الحروف، أعدت إلى عالمي: المعنى والتوهج، وجلدني الشوق إليك، وأسرني ذكاؤك الذي أفتقده بمقدار ما أفتقدك -أيتها الأنثى الشقية الحلوة الرائعة- وأسألك في ((ظروفك)):
- أيتها السوسنة التي يطلع الربيع من مفرقها: ماذا تفعلين بعيداً عني؟!
أنا عذرت انشغالك عن نداءات أسئلتي في رسائلي إليك.. وأنتِ لم تعذري انشغالي بالنداء على أجوبتك!
أقول لك همساً ما كتبته لك في سريرتي، وفي سر الليل:
- صباح طائر نورس أبيض
اختزنتُ لك في الأعياد:
كركرة طفل، وشيطنة عاشق/فتى
ومنحتُكِ: خفقة قلب صادي
تمنيتُ أن تصونيها.. تحضنيها
لكنكِ.. نسيتِ!!
لقد أصبحت لي قدرة -يا سيدتي- لم أعرف مثلها في حياتي.. على تصوُّرك ورؤيتك، وحين أرى منظراً فيه ((شقاوة وعفرتة))، أو أسمع كلمة ظريفة أُعلِّق عليها بيني وبين نفسي.. أسمع جوابك في أذني كأنك واقفة إلى جواري!
أحياناً.. أسمعك تضحكين، وأحياناً أسمعك تسبقينني إلى التعليق.. وأنظر إلى عيون الواقفين أمامي لأرى إن كانوا لمحوك معي، أو.. ((لمحوك في عيوني)) كما قال نزار!
متأكد -أنا- من شيء واحد على الأقل، وهو: قيمتك عندي.
* * *
لحظة.. لحظة: أنا لم أفقد صوابي بك بعد.. فلا تزغردي!
كل ما أعرفه أن هذا ((العفريت المتشاقي))، الذي هو قلبي وأنا.. وجد من يُسكت شراسته، ويحتوي شقاوته.. أنت!
يبدو لي أنني أريدكِ بمقدار ما لا أستطيع أخذك!
وأستطيع أن آخذك بمقدار ما ترفضين ذلك.. وأنت ترفضين ذلك بمقدار ما تريدين الاحتفاظ بنا معاً!
رغم ذلك.. فأنا أعرف بأنني لست الجبان، ولكنني أعرف أيضاً أن شجاعتي.. هي هزيمتي!!
كم أتمنى تحقيق المزيد من معرفة ((ذاتي)).. من خلالك أنت!
- لقد قيل: ((إن الذات الصميمة الأصلية التي نعنيها، هي شيء يتعدى الزمان والمكان.. هي هذا المحور الأساسي الجوهري في الإنسان وفي الوجود الذي لا يتغيَّر ولا يتبدل))!
وأنتِ تمحورتِ في واقعي كذلك الشيء الذي يتعدى الزمان والمكان.. كالمحور الأساسي الجوهري في عمقي ووجودي!
* * *
اكتبي لي.. تمسكي بهذا الشيء الجميل الذي لا يعطيه لنا أي إنسان، ولا نمنحه لأي إنسان.. الشيء الرائع هذا، الذي يستطيع أن يكون إلى الأبد: درعك، أكثر مما يستطيع أي رداء بنفسجي مبتكر وقصير أن يفعله بي!
حقاً.. إن كنتِ لا تريدين لي أبداً أن أتألم، كما قلت في رسالتك، لأن ألمي يؤلمك كثيراً.. أرجوك: دعيني أجد صندوقاً من الرسائل منك في حجم شحنة الدفلي.. فهذا أقصر طرق السفر بين الحاجب والعين، أو.. امنحيني همسة من شفتيك على شكل قلب إلى شفتي من على البعد، فالبشر -يا مهرة الأصالة- لا يعيشون بلا شمس، وفي العمر متسع لقوافل المحبة، ولا طاعة لمن لا يكتب لمن يحبه، ولا مكان في الدنيا لاثنين: رجل يغني للنورس.. لامرأة حتى تنام.. وامرأة تعوَّدت سماع الأغاني ولا تقول: ((أعِد)).. فالريش لا ينمو خارج العش: أول درس في أبجدية العلاقات يا.. إمبراطورتي!!
* * *
أيتها المهرة البرية:
تردّدتُ -في حيرة شديدة- هل أواصل الكتابة إليك، أم..؟!!
لكني امتزجت بكلمات ردّك الراقي جداً: الأول والآخر.. وأتمنى أن لا يكون الأخير!!
- رسالتك الأولى: غرسة ود.. أعدك أن أسقيها من ماء الثقة، والوفاء لقيم الإنسان، ونصاعة وجدانه.
- رسالتك الأخرى: شعرت فيها أنّ كلماتها تهزُّني باهتمام.. ربما لتوقظني من حلم رغيد.. وربما لتدخلني إلى حلم مديد، صبور لا يعرف اليأس في زمن التَّيْئيس!
فهمتُ من رسالتك أنّ سمو العلاقة يرتقي بنا إلى سماوات الصداقة!
كلماتك حدَّدت معنى الشوق، والهمسة، والاندفاعة العفوية الصادقة.
حقاً أنا مثلك: افتقدت هذا العنصر الإنساني في زمن ((اللِّكْوِد))!
إن تجربة الصداقة بين امرأة ورجل لم تمرَّ في حياتي بعمق معانيها، وقد كنتُ أردّد: لا يمكن أن تكون هناك صداقة بين امرأة ورجل.. فهما بشر يخضع كل منهما للفسيولوجية ((!!)) لكني -حقاً- لا أريد أن أفقد ((الإنسان)) فيك، وهو الأثمن كما قلت لك.
* * *
أنتِ -أيتها المهرة النافرة- تزدادين ازدحاماً بصدري.. وأنت تُكثّفينني وتُكرّسينني صديقاً عزيزاً في حاضرك!
فيا سيدتي: لا شيء كاللهب.. لا شيء كالحرير!
وأنتِ منَحْتني زهرة تعبق بالمثالية في الصداقة.. فتأكدي أنك لم تدفعيني إلى كراهية الصداقة في رفض الحب، بالعكس.. الأقوياء يا سيدتي هم الذين يواجهون ويحمون.. وأردد في سمعك عبارة فيلسوف عاشق، قال:
- ((أكاد لا أبصر حتى ارتمت عيناي عندك.. إلاّ دم قلبي))!
ولكن.. أيّ دم هذا؟!
إنه ((قطرة)) ثمينة بكل الحياة.. هي خلاصة -إيسانس- الخفق والدم.
أيضاً.. أتذكر جزءاً من حوار في فيلم اسمه ((الينبوع المبكر))!
- ((إني لا أفهمك يا قلبي..
أرجو أن تغفر لي ركضي خلف خفقك
إني لا أعرف طريقة أخرى.. لأعيش!)).
ثمة فاصلة.. لا بد أن تقف بأشواقنا ذات ليلة، فأنا كما قال بيكت: ((لا صوت لي.. وعليّ أن أتكلم))!
هكذا بقيتُ أتحسس كلمات رسالتك برفق وحنان.. أدعوك لحظة الفرح بخصوصية الصداقة الجديدة بيننا، فأقول لك:
تحوّلي إلى نهر من عطر وأزهار
وما زالت كفُّك بين كفيّ في وداع السفر
تتشكّل تذكاراً من فرحك الذي أهْديته لي!
* * *
أعدك، يا أغلى مهرة، أن أبقى كما أردت لي: فارساً في زمان تكاثر فيه سائسو الخيول!!
أعدك أن أحافظ على الفارس في داخلي.
لا تغيّرني المقادير ولا الأسباب، حتى لا تنتهي فروسيتي.. فاشهدي!!
صار يكفيني أنني تُوِّجتُ منك القارئ اللصيق الأقرب لأفكارك ولأسرارك.. والذي يحتوي الحزن في ضحكتك، ويلمس براءتك الجميلة في قمة حيوية ذكائك، ويحتضن طفولتك حارساً لها من اعتداءات الزمان الذي يسرق منّا الأحلى.
أعدك: لن أكون الصديق القريب ((المكرر)) في حياتك.. آتيك دائماً من خارج هذا الزمن الملوث، بنقاء زمان أرقى يرتفع فوق التلوّث.. إلى ذلك الارتحال الجميل نحو الوفاء والصدق!
كل عام وأنت السوسنة التي يطلع ربيعها من.. مفرقها!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :505  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 110 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.