شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
طفلة الجنوب
عِرْضُك الغالي على الظالمِ، هانْ
ومشى العار إليه.. وإليكْ
أرضُك الحرة غطّاها الهوانْ
وطغى الظلم عليها.. وعليكْ!
كامل الشناوي
يا طفلة الجنوب اللبناني المغدورة:
كان زفافك إلى الموت دفوفاً من القهر، وزغاريد للحزن.. حين كان رأسك يتدلّى من نافذة سيارة الإسعاف.. ودماؤك الزكية تسيل من تحته، وشعرك الأشقر يتَّحد مع بدء الغروب في الجنوب!
كان موتك يفتتح ظمأ السيوف العربية والمسلمة للجهاد.. ويركز راية الكفاح لتحرير الأوطان بتضحيات أثمن وأغلى.
ها هي وجوه تفد إلى الساحة العربية.. تقف أمام المرآة وتفتِّش عن ما ضاع من ملامحها، وعن ما تعتَّم من جوانب صور النضال المشرقة.. فكأنها تبحث عن الأقوال المختلطة بنزيف البحور على الشطآن، وقد تحوّل الماء إلى دم، أو بنزيف الأعماق من الداخل في قمة عجز القدرة العربية، عن القرار، والفعل، أو بنزيف الجسد الذي تروي ماؤه الأرض الصابرة على ظلم المعتدي!
ها هي وجوه تتخايل أمام المرايا.. لعلّ الوجوه تنضح بما تغرّب من ((الميجانا، والعتابا، وأبو الزلف)).. وتتبدد في مساحات الدنيا الراقصة على الريح والرماد!
لم يزل إنسان الأرض العربية المحتلة القابع في أسْر الوصايا الاستعمارية يقف فوق آهته، ويتمدد في صقيع الألم المتقهقر نحو الذين استحوذوا على الأرض، وتملّكوا أحقية صناعة التاريخ المتورط.
إنه ما زال هذا الإنسان المتعب من ضنى المفاهيم ((المدبلجة)).. المرهق من كثافة المكياج الذي صبغوا به وجه ((القضية)) الحزين والشاحب، ليصبح وجهاً يتموّه في الشعارات، والأقنعة السياسية الكرنفالية.. في عصر أكثر كلماته عن الشوق المنحطّ، وأكثر لقاءاته زوابع بلا مناخ، وأكثر ابتساماته جراح تتيبَّس مع مرور الوقت!
* * *
يا طفلة الجنوب الشهيدة:
ستواصل إسرائيل القتل من بعدك، وتمارس الانقضاض بكامل الرؤية التي أضاعها العرب/أهلك وأهلي في الجري وراء مغانم هامشية وكرتونية، وكسبها العدو في عصر تمزقنا بخلافاتنا!
ممكن أن ينهي أهلك العرب حوافزهم، وطموحاتهم، وثورتهم من أجل تحرير الأرض.. خلال دقائق من الخدعة، والتفرد في السلطة، والغوغائية، والضعف المهين الذي أخضعهم للقوة العظمى، ثم.. يعزفون النشيد الوطني، ويرفعون علم فلسطين ولبنان، فتتصافح الأيدي التي حملت سلاح المقاومة والكفاح مع الأيدي التي حملت سلاح العدوان والغدر وسرقة الأرض، وإذلال الإنسان العربي!
كان الليل في لبنان.. هو ذلك المساء الراقص بخطوات السهارى، وبخطوات النسيم التي تجرح خدود الحسان، كما وصف شاعر كان يحمل في أسراره التأمل والصخب معاً، ويزرع فوق أرضه مع مطلع كل فجر سوسنة حب يلتف الناس حولها حُنوًّا ووفاقاً.. لا خنوعاً وخلافاً!
كان الليل في لبنان.. هو ذلك الزمن الجديد الطالع كل مساء بضحكات الساهرين.. تتردد في أصدائه ((الدبكة)) متجانسة مع حركات النضال، ومع أحلام الحرية، ومع أضواء التاريخ التي كانت تنبعث من جنبات صفوف أعمدة ((بعلبك))!
قادر -ذلك الليل- على أن يفصل بين ضجيج الأضواء والسهارى، وبين صمت تلك الصخور الناطقة برسومها وبنقوشها وبدلالتها على حضارة عظيمة!
وكان يسري بين الضجيج والصمت.. ذلك ((الحلم)) الرومانسي الصادر من صوت ((فيروز)) وهي تحكي قصة لبنان، ثم وهي تبكي لبنان بعد ذلك، ثم وهي تفتش عن لبنان الآن!
أصبح الليل في لبنان.. هو هذا الظلام الذي اعتقل خطوات السهارى، وجلد خطرات النسيم حتى جعلها لهباً، وأحال ((الدبكة)) إلى رقصة حرب في أدغال إفريقية!
والذكريات صدى السنين الحاكي -كما غنّت فيروز- نتذكَّر اليوم ساعةً مرت في العمر، قبل اندلاع الحرب الأهلية وقبل التهام جنوب لبنان.. كنّا نقف بجانب شواهد من التاريخ في لبنان، تلك التي ما زالت باقية من عهد الرومان بضخامتها وبرموزها، وهي تطل على سهل فسيح، وتبدو من شرفاتها أشجار المشمش والكرز، وترجع فيها هياكل ((جوبيتر، وفينوس، وباخوس)) إلى القرون الأولى للميلاد، ويحيط ببعضها جزء من أسوار عربية شُيِّدت بعد ذلك!
هنا يروي التاريخ حكايات عن جبابرة نقلوا إليها الحجارة الضخمة قبل نوح والطوفان، وعن عمالقة من عوالم أخرى نقلت حجارة عالم بعيد.. وعن غزاة حاولوا تذويب معالمها وتغريب لسانها.. وكل أولئك ذهبوا وبقي لبنان!
فالأرض لا تموت أبداً، بل الذي يموت هو الإنسان:
إذا فرّط الإنسان في أرضه.. مات!
إذا باع حريته ثمناً لمصالحه.. مات!
إذا وضع ((الشخص)) فوق قيمة ومصلحة أرضه.. مات!
* * *
يا طفلة الجنوب/الضحية:
في موكب العائدين إلى الجنوب، بعد أن أمرت سيدة القوة/أميركا -بتوقيتها!- إسرائيل المعتدية بإيقاف النار، والامتناع عن إلقاء قنابلها على الجنوب.. اقترب طفل من أخته، واحتضنها كأنه يحميها، وسألها:
- هل تعرفين بيتنا؟!
قالت: -وأين هو بيتنا؟!.. لقد هدموا دورنا، وسوّوها بالأرض.
سألها: -كيف لا تذكرين بيتنا؟!.. كان بابه بلون البحر، وجارنا كان ((زاهر)): الصبي الذي كنّا نلعب معه.. وعلى الجانب الآخر: جارتنا ((رُلى)) ذات الشعر الأصفر، والعينين الزرقاوين؟!
أجابت: -ماتت ((رُلى)) تحت القصف.. أخرجوا جثتها أشلاء من تحت حطام بيتها.
قال: -نعم.. وزاهر وجدوه مكوّماً أمام ما تبقى من عتبة بيته وقد تطايرت ساقاه، وذراعاه!!
وتدافعت الجموع الغاضبة، المكلومة.. ترفع على أعناقها نعوش الأطفال، والصبايا، والأمهات، والرجال الذين استشهدوا في غارات الحقد.. لم يبق قلب في العالم إلاّ وبكت خفقاته.
كان ((زاهر)) أثناء القصف المركَّز على البيوت والمدنيين يصرخ بعمره الذي لم يتخط العشر سنوات:
- الإسرائيليون يضربوننا.. أولاد الكلب: يهدمون البيوت ويقصفون سيارات الإسعاف!
أصوات تعلو هديراً في موكب الجنائز: لا.. لم نشاهد الكلاب المعتدين.. كانوا يجلسون فوق.. هناك مع أميركا في الطائرات التي تصب جحيم قنابلها فوق رؤوسنا.. جبناء، احتموا بالقوة المتسلطة!
قال الطفل لأخته: -ألا يحب الإسرائيليون الأطفال؟!
قالت ببراءة: -لا أدري.. لماذا تسأل؟!
قال بحزن: -لو كانوا يحبون الأطفال.. لما قتلوا أطفالنا!
رائحة دماء الأطفال، والأمهات، والإخوان.. تعاود الطفل والطفلة تسأله:
- مين الأقوى.. الإسرائيليون، وإلاّ.. ربنا؟!
ردّ عليها أخوها: -طبعاً ربنا الأقوى.. ما بيسيبهم أبداً.
(مرة.. سألوا طفلاً فلسطينياً منفياً عن وطنه في معسكر جباليا، عن الذي يحبه!.. فأجاب: لا تسألني عن الحب بل عن الكره.. إنني أكره اليهود)!
نعم.. وأنا أكرههم أيضاً!!
* * *
يا طفلة الجنوب التي تشفع لنا عن ذنوبنا:
لماذا ضحكت سيدة القوة/أميركا.. وكلب حراستها/إسرائيل، الآن؟!
القوة المعتدية.. لن تصمد طويلاً أمام مقاومة الشعوب التي تتصدى للاستعمار، والتي تلفظ كل جسم غريب عليها.
في رحاب الخلد.. يا طفلة الجنوب.
دماؤك ستروي أرض الجنوب لتُزهر كرامة، وحرية، ونضالاً ضد المستعمر حتى النصر.. فالدماء تنتصر لشعوبها.
وجهك البريء سيطوف الجنوب كله كالصباح الآخر الذي لا نقول فيه وداعاً.. بل: أهلاً بالحرية.. من وجهك!
من أجلك، وكل الشهداء قبلك، ومعك، وعلى دربك.. سنواصل كتابة الكلمات البيضاء، ونهتف بالثورة ضد الغاصب، والقوي القاهر.. حتى يغيض الماء وتستوي على الجودي!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :509  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 108 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الجمعية النسائية الخيرية الأولى بجدة

أول جمعية سجلت بوزارة الشئون الاجتماعية، ظلت تعمل لأكثر من نصف قرن في العمل الخيري التطوعي،في مجالات رعاية الطفولة والأمومة، والرعاية الصحية، وتأهيل المرأة وغيرها من أوجه الخير.